سواءً كنت مثابراً على عملك بإخلاص أم أنَّك من النوع الذي يتساءل دوماً عن جدوى ما تفعله، فلا بُدَّ أنَّك سألت نفسك ذات مرة إذا ما كان الشعور بالتفاؤل له فوائد حقيقية على صعيد الحياة، أم أنَّه لا يعدو أن يكون شعوراً بالرضى.
قدَّمَت دراسة جديدة دليلاً على أنَّ تنمية الشعور بالتفاؤل قد يكون مفيداً في الحياة العملية، ووفقاً للبحث الذي نُشِرَ في الشهر الماضي في مجلة "إيموشن" (Emotion)، فإنَّ التفاؤل مفيد بشكل خاص عند التعامل مع التحديات أو المواقف الوشيكة التي تسبب مستويات عالية من التوتر.
اكتشف الباحثان "هيذر لينش" (Heather Lench) و"زاري كاربنتر" (Zari Carpenter) فوائد التفاؤل من خلال دراستين منفصلتين.
في الدراسة الأولى، أكمل أكثر من 1000 طالب جامعي استطلاعاً قبل أسبوعين من إجراء أول اختبار لهم في مادة علم النفس؛ إذ قام المشاركون بتقييم درجاتهم المتوقعة ومشاعرهم حول الامتحان، ثم بعد ذلك، وقبل يوم واحد من الامتحان، أُجرِي استطلاع لتوقعات المشاركين حول نتائجهم، بالإضافة إلى سؤالهم عن عاداتهم الدراسية التي اتبعوها حتى تقديم الامتحان؛ إذ أبلغ المشاركون عن الدرجة الفعلية التي حصلوا عليها بعد يومين من الامتحان، بالإضافة إلى ما شعروا به تجاه نتائجهم.
وقد وجد الباحثون أنَّه من المحتمل وجود علاقة بين التفاؤل والجهد المبذول؛ إذ إنَّ الطلاب الذين توقعوا علامات جيدة لهم في الامتحان قبل أسبوعين من إجرائه، كانوا يمضون عدداً أكبر من الساعات في الدراسة، كما أنَّهم شعروا بالرضى عن جودة الدراسة، وحصلوا على علامات أفضل، لكن عندما انخفضت توقعات الطلاب فيما يخصُّ علاماتهم قبل يوم من الامتحان، انخفض تبعاً لها عدد ساعات الدراسة، وحصلوا على درجات سيئة.
تُظهر هذه النتيجة أنَّ التفاؤل العابر ليس المفتاح لزيادة الجهد والحصول على نتائج أفضل؛ وإنَّما التفاؤل المتزن والذي يستمر فترة زمنية ثابتة.
شاهد بالفديو: كيف تكون متفائلاً على الدوام؟
في الدراسة الثانية، لجأ الباحثون إلى إجراء اختبار على طلاب السنة الرابعة في كلية الطب، وتوجهوا نحو اليوم الذي يُحدَّد فيه المستشفى الذي سيقيم فيه الطبيب، ويُعَدُّ هذا اليوم مصيرياً في حياة طلاب كلية الطب؛ كونه يؤثِّر في مسيرة حياتهم المهنية بأكملها.
أبلغ المشاركون في الدراسة، والبالغ عددهم 182 طالباً، عن القائمة التي صمموها، والمتضمنة برامج الإقامة التي يرغبون فيها، وذلك قبل أسبوعين من اليوم الذي تُحدَّد فيه إقامة كل منهم.
ثم قبل أسبوعين من يوم إعلان النتائج، أجرى الباحثون استطلاعاً للمشاركين حول العديد من جوانب عملية تحديد برامج الإقامة، مثل مدى شعور المشاركين بالسعادة والتوتر، وإحساسهم بأنَّ النتائج ستتوافق مع رغباتهم، وإلى أيِّ مدى سيكونون سعداء إذا توافقَت النتائج مع الاختيارات التي وضعوها في رأس القائمة.
في اليوم التالي لإعلان النتائج، وبعد أن تلقَّى كل طبيب برنامج إقامته، طُلِب من الأطباء الذين توافقت النتائج مع توقعاتهم، أن يملؤوا استبياناً آخر لتقييم مستويات سعادتهم وتوترهم؛ إذ تطابقت نتائج أكثر من 50% من المشاركين مع رغباتهم الأولى، بينما 2% من المشاركين لم تتطابق نتائجهم مع أيٍّ من الرغبات التي أدرجوها في القائمة.
وجد الباحثون أنَّ مستوى عالياً من التفاؤل تجاه تطابق برامج الإقامة مع رغباتهم المُفضَّلة، كان مرتبطاً بمستويات أعلى من السعادة وانخفاض مستوى التوتر؛ وذلك في أثناء الفترة التي سبقت إعلان النتائج، بالإضافة إلى احتمالية أكبر أن تتطابق النتائج مع رغباتهم المُفضَّلة.
ودحضت الدراسة الاعتقاد الشائع بأنَّ التفاؤل يمكن أن يؤدي إلى كارثة شعورية عندما لا نحصل على النتيجة التي توقعناها؛ إذ إنَّ طلاب الطب الذين كانوا متفائلين ولم يحصلوا على نتائج توافق توقعاتهم، لم يظهروا مستويات أعلى من التوتر، ما يعني أنَّ التفاؤل يزيد من المرونة في التعامل مع الإخفاق.
في الختام، خلص الباحثون إلى تصور عن الآلية التي يعمل بها التفاؤل؛ إذ - على ما يبدو - إنَّ التفاؤل يجعلنا نبذل المزيد من الجهد من أجل تحقيق أهدافنا، كما أنَّه يحسِّن شعورنا بجودة التجربة من خلال شعورنا بمزيد من السعادة، وانخفاض الإحساس بالتوتر.
وبما أنَّ التفاؤل يؤدي إلى تقليل الإحساس بالتوتر، فهو يقلل أيضاً من احتمالية إصابتنا بضائقة نفسية، وهي من الآثار الشائعة التي تترافق مع بذل الجهود.
كما خلص الباحثون إلى أنَّه بالنسبة إلى الأحداث المستقبلية المُحددة والهامة والتي يكون بالإمكان السيطرة عليها، يبدو أنَّ أفضل ما يمكن فعله هو التفاؤل؛ إذ يمنح التفاؤل فوائد عديدة ولا يتطلب أيَّ جهد.
أضف تعليقاً