بالطبع لا تزال مواقع التجارة الإلكترونية الكبيرة مهيمنة، لكنَّ مبيعات بعضها تراجعت في 2020؛ والمستفيدون من ذلك هم العلامات التجارية المتخصصة والشركات الصغيرة التي تبنَّت التكنولوجيا؛ حيث شهدت ارتفاعاً في مبيعاتها الإلكترونية هذا النمو "طويل الذيل" (long-tail) وهو أكثر جانب مثير للاهتمام من الاقتصاد الجديد في ظل انتشار جائحة كورونا، وقد لفتت انتباه العديد من الشركات التجارية الكبرى.
على سبيل المثال، أزالت سلسلة متاجر "وول مارت" (Walmart) القاعدة التي تشترط أن يكون الباعة في متاجرها مسجلين في الولايات المتحدة؛ حيث تهدف هذه الحركة إلى جذب العلامات التجارية الصغيرة حول العالم والتنافس مع الشركات التجارية الأخرى؛ كما أعلنت شركة التوصيل "فيديكس" (FedEx) عن تعاونٍ مع منصة التجارة الإلكترونية "بيغ كوميرس" (BigCommerce) لتساعد "الشركات الصغيرة والمتوسطة على الانتقال إلى الوسط الإلكتروني بسرعة وبتكلفة معقولة".
إضافة إلى ذلك، طرحت شركة "جي إس 1 يو إس" (GS1 US) المسؤولة عن أنظمة الباركود، خياراً جديداً للعلامات التجارية الصغيرة كي تتمكن من تعريف منتجاتها بسهولة أكبر وأسعار أرخص؛ الأمر الذي أصبح ضرورة للتفريق بين المنتجات الأصلية والتقليد في الأسواق المكتظة اليوم.
بالطبع واجهت الشركات التجارية الصغيرة صعوبات خلال الأشهر الماضية، لكنَّ تركيزهم على الابتكار يشير إلى مستقبل قوي؛ حيث يجمع روَّاد الأعمال التجارية بين التكنولوجيا والبيانات لتنمية أعمالهم والتنافس ضد الشركات الكبرى إلكترونياً في ثلاث مجالات:
1. العمل على المنصات الإلكترونية:
فرضت الجائحة فترة انقطاع في كلِّ جوانب الحياة، مما دفع العديدين إلى إعادة تقييم حياتهم المهنية وأعمالهم؛ ومع استبعاد خيار الانتقال بين مسافات بعيدة أو السفر تماماً، وجد أرباب الأعمال الصغيرة منازلهم تتحول من منزل/ مكتب إلى منزل/ مكتب/ مصنع/ مستودع في وجه ازدياد الطلب المفاجئ على نطاق واسع من المنتجات.
تبعاً لدراسة أجراها مكتب "جي جي في كابيتال" (GGV Capital) بالتعاون مع شركة "هلو آليس" (Hello Alice)، يَنوي 75% من أصحاب الشركات الصغيرة زيادة استثمارهم في التكنولوجيا في عام 2021 أكثر من 2020؛ فمن الواضح أنَّ روَّاد الأعمال يطبقون تقنيات صحيحة وحلول مبتكرة على مشاريعهم الجديدة؛ إذ بدءاً من ظهور المتاجر التي تقِّدم خدمة "مباشرة إلى المستهلك" (direct-to-consumer) على منصة التجارة الإلكترونية "شوبيفاي" (Shopify)، ووصولاً إلى الثلاثة مليار منتج المسجلة على موقع "أمازون" (Amazon)، تطوِّع العلامات التجارية الصغيرة الماهرة باستخدام التكنولوجيا مزايا التجارة الإلكترونية والمنصات الاجتماعية لمصلحتها.
بعيداً عن المكاتب الجديدة ومعدات الشحن ووحدات التخزين، يفكر العديد من روَّاد الأعمال اليوم في أبعد من موقعهم الجغرافي، وبدؤوا مزاولة أعمالهم بطرائق غير معهودة مستخدمين التكنولوجيا.
على سبيل المثال: أصبحت مطاعم البرجر الافتراضية تنافس سلاسل المطاعم الشهيرة؛ حيث تعمل المطاعم الافتراضية مثل "مستر بيست" (MrBeast)، التي تتواجد كتطبيقات أو أسواق خارجية، أكثر من مطابخ مطاعم موجودة بالفعل، وبهذا تقدِّم للمطاعم مصدر دخل إضافي دون التأثير في سير عملها؛ كما يكوِّنون شراكات مع شركات صغيرة أخرى ليتمكنوا من توسيع نطاق عملهم أبعد مما كانوا ليتخيلوا قبل اندلاع الجائحة؛ ومع تزايد عدد المناطق التي يغطونها وخيارات لوائح الطعام التي يقدِّمونها، يقع على عاتق روَّاد الأعمال وشركائهم الحرص على صحة وشمول البيانات التي يتبادلونها، لضمان تقديم خدمة منتظمة من تطبيق الهاتف، وحتى التوصيل إلى المستهلكين.
2. المنافسة على شحن البضائع:
تمنح خيارات الشحن راحة للمتسوق الإلكتروني؛ فتوقُّع توصيل سريع ومجاني، دفع العديد من المتبضعين إلى التخلي عن عربات تسوُّقهم بسبب أجورها العالية أو فترات الانتظار الطويلة؛ لكنَّ الشركات الصغيرة غير قادرة على تحمُّل أعباء مصاريف الشحن، كما تفعل الشركات الكبيرة لتوصيل منتجاتها بفاعلية.
الشراكة بين شركة التوصيل "فيديكس" (FedEx) ومنصة التجارة الإلكترونية "بيغ كوميرس" (BigCommerce) هي مثال على تغيُّر الأحوال؛ حيث تقدِّم الشركات الصغيرة الآن خيارات شحن كانت متاحة من قبل للشركات التجارية الكبيرة فقط مع أسعار تنافسية والمزيد من خيارات الاستلام؛ وذلك لأنَّ المنصات الضخمة مثل "بيغ كوميرس" (BigCommerce) التي تغذي قسماً كبيراً من سوق "دي سي تي" (DTC) تدرك أنَّ تجربة التبضع الإلكتروني المُرضية تتعلق مباشرة بالشحن؛ لذلك يتحتم على الشركات الصغيرة أن تطوِّر نفسها تقنياً لتواكب منافسيها وتلبي متطلبات بيئة اليوم.
لجعل التجربة الإلكترونية سَلِسة تماماً، لا بد من "تعريف المنتجات الموحد" (standardized product identification)، فهو عنصر أساسي لربط طلبات المستخدمين مع عملية التصنيع التي تتم خلف الستار، وللحرص على وجود المنتج الصحيح في المكان الصحيح والوقت الصحيح دوماً.
إضافة إلى ذلك، سيجد أصحاب الشركات الصغيرة الذين يحاولون التنافس مع الشركات التجارية الكبيرة من خلال تقديم تجربة "قنوات التسويق الموحدة" (omnichannel) أنَّ استخدام "رمز المنتجات الموحد" (Universal Product Code) في قوائم منتجاتهم يؤدي إلى تعريف دقيق وثابت لكل منتج وبتكاليف معقولة؛ وعلاوة على ذلك، التعريف الموحد استثمار مستقبلي يضمن قبول طيف واسع من التجار ومزودي الخدمات اللوجستية للمنتج.
3. إعادة النظر في إدارة المرتجعات:
يرتبط سعي الشركات الشديد إلى كسب ولاء العملاء بالمرتجعات؛ وعلى الرغم من أنَّ العديد من التجار أتقنوا إدارة مرتجعاتهم، لكنَّ إدارة الكلفة والمخزون لا تزال تحدياً صعباً؛ وللتغلب عليه، تجرِّب الشركات التجارية الكبيرة ميزة الحسومات أو إهداء المنتجات، على سبيل المثال: وجد العديد من الزبائن بعد موسم العطل أنَّ متاجر مثل "وولمارت" (Walmart) و"تارغيت" (Target) تعيد للعملاء أموالهم، لكنَّها تطلب منهم الاحتفاظ بالمنتج غير المرغوب فيه أو التبرع به.
لكن يجب على الشركات الصغيرة البحث عن طريقة أخرى، إحداها هو استخدام مزودات الخدمة مثل "نارفار" (Narvar) لتتبُّع الطلبات الإلكترونية وتوفير شبكة من المواقع التي يمكنها من خلالها استرداد منتجاتهم؛ حيث يساعد هذا النوع من مزودي الخدمة الشركات الصغيرة على التحكم بما يحصل لإدارة المنتج بعد شرائه، كما يسمح لهم بتقديم خدمة "الاسترداد دون تغليف" (boxless returns)، أي استرداد المنتجات التي اشتراها العملاء في المتجر إلكترونياً، ويوفر شبكة واسعة من نقاط الاسترداد كي يستطيع روَّاد الأعمال ذوو المصادر المحدودة توفير هذه الخدمات، تقدِّم شركات تقنية ناشئة مثل "نارفار" (Narvar) وفورات الحجم (economies of scale) لتضمن رضا المستهلك.
يجب أن يبحث روَّاد الأعمال عن طريقة لحل المشكلة من جذورها في أثناء تقييمهم لعملية إدارة المرتجعات لديهم، فهي جزء لا مفر منه في أيِّ عمل تجاري، لكنَّ أفضل طريقة للحدِّ منه هي تقديم معلومات عالية الجودة عن المنتج للمتسوقين بحيث يتلقون ما يتوقعونه عند الشراء تماماً؛ كتعريف المنتج مع صور واضحة من زوايا عدة، ووصف مفصَّل لمزايا المنتج، مثل أنَّه غير مسبب للحساسية وقابل للغسل، والوزن والأبعاد الدقيقة، كلُّها تخفِّض من تكاليف الاسترداد الباهظة وتحسِّن مراجعات الشركة بالوقت نفسه.
تركت الجائحة أثرها في عالم التجارة، وحفَّزت الابتكار وسرَّعت انتشار أفكار كان قد بدأ تطبيقها منذ سنوات؛ كما ساعدت اعتماد المستهلكين على التجارة الإلكترونية في انطلاق الشركات التقنية الناشئة وروَّاد الأعمال التجارية نحو حقبة جديدة من الشعبية والملاءمة؛ وفي ظل المنافسة الشديدة اليوم، الشركات الصغيرة التي تبنَّت التكنولوجيا والبيانات هي المرشح الأقوى للصمود واستثمار التغيرات التي تحصل وستحصل في المستقبل.
أضف تعليقاً