هذا المبدأ في صورته الأولية وفي أشدّ أشكاله بساطة، ولكن المشكلة الكبرى أنَّ فطاحلة التسويق ومنهم أبل فكّروا كثيراً بالسؤال الصعب: كيف نستطيع نقل هذه التجربة وتطبيق هذه النظرية في عالم الشركات؟ وكان الجواب سريعاً: تخلق الشركة انطباعاً عند المستهلك، أن المنتج -الأيفون مثالاً- عليه ضغط وطلب عال، وقد ينفد من السوق أو تضطر الانتظار فترة طويلة! وهذا تماماً ما تفعله أبل كل عام بالملايين! والأغرب أن هذا الأسلوب يثبت نجاحه كل عام! وبشكل مذهل.
هذا ما حصل مع أبل خلال فتح الطلبات عن طريق الانترنت: إن طلبت أول يوم أيفوناً سيأتيك الأيفون بعد يومين، ولكن إذا تأخرت أسبوعاً سوف تضطر للانتظار شهراً! ما الذي يحدث للناس؟ بالطبع... وفجأة تزيد شهيتها على الأيفون! من لديه الحد الأدنى في ما يُعْرَفُ بالتنبؤ بحجم الطلب Demand Forecast، وهذا علم مستقل له حساباته الرياضية، يدرك أن أبل قادرة على التنبؤ بشكل فاعل في كمية الطلب المباعة كل عام بالاستفادة من الخبرات المتراكمة عبر السنين، وأهمية التنبؤ من أجل تصنيع كميات موازية للطلب.
ولكن شركة أبل تصرّ كل عام على إرسال رسالة مبطنة أن هناك ندرة في الأيفونات، بالرغم أن لديها الموارد والسيولة المالية الكافية لتصنيع أيفون لكل إنسان في هذا الكون! ودليله أن السيولة المالية التي تمتلكها الشركة أكبر بمراحل من السيولة (الكاش) التي عند البيت الأبيض، والولايات المتحدة الأمريكية تقتطع منها 35% من الضرائب كل عام! ولكن الشركة كل عام تتعمد أسلوب الندرة هذا scarcity لتخلق انطباعاً لدى العميل أنّ الأجهزة قليلة، فالمتردد في الشراء يجزم ويشتري.
هنا يأتي الوعي كسلاح للمستهلك ليدرك حجم التلاعب التسويقي الذي ذهب ضحيته الكثير، أهمية ذلك أن يتوقف مسلسل التلاعب السنوي وتدرك الخلطة السرية التسويقية الداخلية التي لا تريد شركة أبل ومثيلاتها لك أن تعلمها، فضلاً أن تطبقها.
بالمناسبة ليست وحدها أبل من تستخدم هذه الاستراتيجية. فكثير من مواقع شركات الطيران والحجوزات تستخدم ذات الأسلوب!
ختاماً.. لا بُدَّ أن تكسر دائرة (الهوس) الشرائي لديك أولاً، لترى تفاهة الأمر في من حولك، وتعرف الفرق البسيط بين الحاجة والرغبة ثانياً، وكن على وعي بتلاعب المسوقين بك نفسياً، ويظل القرار النهائي قرارك بالشراء من عدمه، وتذكر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أوكلما اشتهيت اشتريت؟
المصدر: صحيفة مكة.
أضف تعليقاً