ربما يجبر بعض الأشخاص أنفسهم على التصرف بطريقة معيَّنة لنيل قبول الآخرين واستحسانهم، مفترضين أنَّ هذه الأفكار والسلوكات هي جزء من طبيعة الإنسان وشخصيته.
يمكن القضاء على هذه الأفكار والسلوكات كاملاً عبر التخلص من المعتقدات الكامنة خلفها، فتختلف هذه المعتقدات من شخص إلى آخر، لكن يشترك جميع الأفراد الذين يعانون هذه المشكلة بميلهم إلى نيل استحسان الآخرين لتعزيز شعورهم بالقيمة الذاتية.
يبحث المقال في أصل هذا الاعتقاد الخاطئ وكيفية تشكُّله وترسُّخه في العقل البشري.
أصل المعتقدات السلبية:
يشكِّل الفرد معتقدات سلبية عن نفسه خلال مرحلة الطفولة؛ لأنَّ معظم الآباء يتوقعون من أطفالهم الصغار التصرف بنضج ووعي يتجاوز قدرتهم في هذه السن المبكرة، مثل التزام الهدوء والتصرف بطريقة معيَّنة لا يملكون فكرة واضحة عنها والتنظيم والحضور في الحال عندما يناديهم أحد الوالدين على سبيل المثال، وينزعج الوالدان ويغضبان عندما لا يلتزم الطفل بتعليماتهما، وهو ما يؤدي إلى شعوره بالنقص، وقد يظن أنَّه يعاني خطباً أو مشكلة ما بسبب عجزه عن إرضائهما.
يحمل الطفل هذه المعتقدات معه عندما يبدأ تحصيله الدراسي ويكبر محيطه الاجتماعي؛ فهذه المعتقدات تتشكل في السنوات الأولى من حياته قبل أن يدخل المدرسة، ويفترض الطفل أنَّه لن ينال إعجاب المعلمين والأطفال الآخرين، ولن يستطيع النجاح في حياته نتيجة نظرته الدونية تجاه نفسه.
تؤدي هذه الأفكار إلى شعور الفرد بعدم الرضى تجاه نفسه والقلق إلى حدٍّ ما، وتستمر هذه المشاعر السلبية حتى يتصرف الطفل تصرفاً يحظى على إعجاب والديه، أو ربما معلمه ويتلقى استجابة إيجابية من محيطه، وهو ما يؤدي إلى شعوره بالسعادة والرضى الذاتي.
شاهد بالفديو: 20 نصيحة لإتقان فن الحديث والحوار مع الآخرين
الحاجة إلى نيل إعجاب الآخرين:
يكتفي الفرد بالشعور بالرضى عند تلقي المديح ونيل إعجاب الآخرين في بداية حياته، ثم ما يلبث أن يلاحظ انقلاب مشاعره ونظرته إلى نفسه مرة تلو أخرى بعد تلقي المديح والاهتمام من الآخرين، ويتوصل إلى نتيجة مفادها أنَّ شعوره بالرضى والقيمة الذاتية مرتبط بنيل إعجاب الآخرين.
يتحكم هذا الظن الخاطئ في حياة الفرد ويفرض عليه تحقيق شروط معيَّنة ليشعر بالرضى عن نفسه.
هذا يعني أنَّ رضى الفرد عن نفسه يعتمد على العوامل الخارجية المتمثلة في آراء الآخرين وانطباعاتهم عنه، وهو غير متصالح مع ذاته ولا يدرك قيمته، وتكمن المشكلة في حاجة الفرد المستمرة إلى المديح والثناء ونيل إعجاب الآخرين حتى يرضى عن نفسه، وإنَّه سيشعر بالسخط عندما يرفضه أحدهم أو يزدريه أو يبدي عدم اهتمامه وإعجابه به، وتؤدي مثل هذه المواقف إلى إيقاظ الشعور بالنقص والقلق الذي تشكَّل في مراحل الطفولة.
بالنتيجة تصبح حاجة الفرد إلى نيل إعجاب الآخرين أشبه بالإدمان، فتراه يشعر بالرضى عندما يلبي هذه الحاجة؛ لكنَّها سرعان ما تفقد تأثيرها فيه ويبدأ بالبحث عن مزيد حتى يشبعها من جديد.
يظن بعض الأشخاص أنَّ شعورهم بالرضى الذاتي يعتمد على تأدية الأعمال بحرفية عالية، أو تحقيق النجاح أو زيادة الممتلكات أو الاهتمام بالآخرين، لكن يبقى الاعتقاد الأكثر شيوعاً: "يجب أن أنال إعجاب الآخرين".
في الختام:
بيَّن المقال أنَّ ميل الفرد لنيل إعجاب الآخرين واستحسانهم يعود إلى المعتقدات السلبية التي كوَّنها في مرحلة الطفولة، ويستعين معظم الأفراد بهذه الطريقة لكي يتخلصوا من مشاعر القلق الناجمة عن هذه المعتقدات.
أضف تعليقاً