والسيناريو الشائع الآخر هو أن يكون لديك فكرة مبتكرة، لكنَّك لا تدرك أنَّها مميزة؛ فقد يكون تعلُّم كيفية الحصول على المزيد من الأفكار أمراً بسيطاً كأن تتذكرها وتدرك أهميتها فقط، فعندما تتجاهل أو تنسى أفكارك العشوائية، فإنَّك تحرم نفسك من منجم ذهب من الأفكار؛ إذ عادةً ما تنشأ الشرارة الإبداعية عندما لا نتوقعها.
توجد الأفكار في عقلك مسبقاً:
تراود كل واحد منا في المتوسط 50000 فكرة في اليوم، وهذا رقم مثير للإعجاب يجب أن يُترجم إلى الكثير من الأفكار؛ لذا الآن، اجلس وحاول أن تتذكر ما فكرت به اليوم؛ ستكون محظوظاً إن تذكرت 100 فكرة خطرت ببالك.
المسألة ليست مسألة أنَّ الأفكار الجيدة لا تخطر في بالك؛ وإنَّما الأمر ببساطة أنَّك لا تستطيع تذكرها لأنَّ ذاكرة الإنسان غير موثوقة، ولكن ما السبب؟
نحن ننسى الأشياء عمداً:
إنَّ البشر مجبولون على النسيان، لكن يصب هذا في مصلحتنا؛ إذ يجب على عقلك أن يفرز الكثير من الأفكار والمحفزات؛ فإن تعاملت مع جميع المعلومات على قدم المساواة، فستشعر بالإرهاق ويكون عقلك غير فعَّال؛ لذلك يعمل عقلك بنشاط للتخلص من المعلومات غير الهامة لمنعك من الجنون، وهذا يثبت أن نسيان بعض الأشياء مفيد لنا، لكنَّه لا يفسر لماذا ننسى الأشياء التي نريد أن نتذكرها؛ حيث تكمن المشكلة في أنَّ العديد من أفكارنا الأكثر إبداعاً تظهر عندما نعمل بطريقة تفكير مشتت.
يدخل عقلك في وضع التشتت عندما لا تركز بشكل مباشر على أي شيء؛ مما يساعد عقلك على معالجة المشكلات المعقدة في أثناء العمل على مهام أخرى؛ فقد تراودك أفكار رائعة في أثناء المشي أو الاستحمام، ولكن معظمنا لا يكلف نفسه عناء تدوينها، وبحلول الوقت الذي تجلس فيه على مكتبك مرة أخرى، تكون قد تلاشت منذ زمن.
أذكى أفكارك:
إذا جلست بغية إرغام عقلك على خلق الأفكار، فلن تنجح على الأرجح؛ إذ لا يمكنك إحضار مفكرتك وتوقع أن ينتج عقلك نفس أنواع الأفكار التي ينتجها في وضع التشتت؛ هذا لأنَّه عندما تركز على مهمة واحدة، فإنَّك تعمل في الوضع المركز؛ وفي الوضع المركَّز، أنت تركز على مشكلة واحدة، وبالتالي تفقد فرصة الحصول على أفكار عشوائية.
بدلاً من التحديق في صفحة فارغة، يكمن الحل في القيام بشيء آخر؛ اذهب بنزهة للسير على الأقدام، أو تناول فنجان قهوة؛ واختر شيئاً يتطلب الحد الأدنى من الجهد العقلي أو البدني، واحمل معك أداة تسجيل مثل دفتر الملاحظات، واحتفظ بها بعيداً عن الأنظار ولكن في متناول اليد، وبذلك ستحرر عقلك من حالة التركيز، وتأكد من وجود آليات تسجيل في أفضل أماكن التفكير لديك؛ فقد تحتاج إلى مفكرة مقاومة للماء عند الاستحمام أو مسجل صوت تستخدمه في أثناء المشي؛ لذا جهز أدواتك واسترخ في مهمتك.
شاهد بالفيديو: كيف تصبح ماكينة لتوليد الأفكار؟
لن ينجح إرغام النفس على التوصُّل إلى الأفكار أبداً:
تعني معرفة أنَّ أفضل أفكارك تأتي عندما لا تحاول الحصول عليها أنَّك بحاجة إلى ادخار أفضل أفكارك للأوقات التي تحتاجها فيها؛ فعندما لا تقوم بادخار أفكارك مسبقاً، سيتعين عليك قضاء المزيد من الوقت في التفكير بها؛ فبدلاً من العصف الذهني السريع، أليس من الرائع أن يكون لديك دفتر ملاحظات للرجوع إليه بغية الحصول على الإلهام؟
لا يجبر المبدعون عقولهم على خلق الأفكار؛ فقد وضعوا أنظمة لمعرفة الروابط التي يفتقدها الآخرون؛ فكما أوضح ستيف جوبز (Steve Jobs) ذات مرة: "الإبداع هو مجرد ربط الأمور بعضها ببعض؛ فعندما تسأل المبدعين كيف فعلوا أمراً ما، فإنَّهم يشعرون ببعض الذنب لكونهم لم يفعلوا ذلك حقاً، إذ يكونون قد رأوا أمراً ما"؛ إنَّه يصف الإبداع، لكنَّه يصف أيضاً كيف يضع المبتكرون التفكير المشتت في خدمتهم، حيث يربط المبدعون الأمور ببعضها.
اكتشف ما يجب تدوينه:
من الهام أن تعرف متى وماذا تدون؛ فليست كل الأفكار جديرة بوضعها في دفتر ملاحظاتك، ومعرفة أي منها يستحق التدوين يأتي مع الممارسة؛ فيما يلي بعض النصائح التي تساعدك على التوصُّل إلى أكبر عدد ممكن من الأفكار:
1. لا تدوّن كل شيء:
إذا حاولت تدوين ال 50000 فكرة التي تخطر ببالك كل يوم جميعها، فلن تنجز أي شيء؛ فبعد أن تُجهز أجهزة التسجيل، عليك أن تقرر ما يستحق التذكر.
معظم أفكارك مجرد ثرثرة تحدث في عقلك، ولكن ستكون هناك بعض الأفكار الجديرة بالملاحظة؛ لذا، اكتب أي فكرة تخرج عن التفكير التقليدي؛ فإن كانت مختلفة عن الطريقة التي يتعامل بها معظم الناس مع موضوع ما، فيجب أن تتذكرها.
2. دوِّن الأفكار التي تتعلق بمجال خبرتك:
على الأرجح هذه هي الأفكار المفيدة لك؛ تخيل أنَّك جالس على متن طائرة، وفي أثناء الطيران على ارتفاع 30 ألف قدم، ربما لا تركز على أي شيء على وجه الخصوص؛ فدماغك في وضع التشتت، وهو يثرثر دون توقف؛ فقد تقول لنفسك: "أين المرحاض؟ يخيفني تدفق المياه في هذا المرحاض؛ هل سيستمر الشخص الذي يجلس بجانبي بالشخير طوال الوقت؟ السماء زرقاء جداً؛ ماذا لو تمكنا من العيش في السحاب؟"
إنَّ فكرة واحدة من هذه الأفكار لا تعد ثرثرة؛ فالتفكير في المراحيض أو الشخص الذي بجانبك لن يساعدك على المدى الطويل؛ فليس هناك حاجة لتدوين هذه الأمور، أما "ماذا لو تمكنا من العيش في السحاب؟" تُعد فكرة فريدة من نوعها؛ فإذا كنت تعمل في شركة تقنية، فقد تدفعك إلى التعامل مع البحث والتطوير في شركتك بطريقة مختلفة، وإذا كنت كاتباً، فقد تكون الفكرة الأساسية للرواية.
3. لا تحكم كثيراً:
كونك غير متأكد مما تكتبه هو أمر مألوف؛ فقد لا تدرك أنَّ الفكرة التي خطرت في بالك هي فكرة رائعة؛ فلا تدع عدم اليقين يعيقك؛ ولا بأس إذا قمت بتدوين بعض الأفكار السيئة.
الحيلة هي مراجعة أفكارك بشكل دوري؛ لذا، راجع أفكارك مرة كل أسبوع، وافصل الجيد عن السيئ، ثم نظم الأمور الجيدة بحيث يمكنك الوصول إليها عندما تحتاج إليها؛ على سبيل المثال، إذا كانت لديك مجموعة من الأفكار لمدونتك، اقض بعض الوقت في تلخيصها، وفكر عمَّا تريد أن تتحدث في كل موضوع، وكيف يمكن أن يكون مقالك ذي قيمة لقرائك، فإذا كانت الفكرة سيئة، فلن تكون قادراً على التوسع فيها، أو أنًّها لن تلبي احتياجاتك، أما بالنسبة للأفكار الجيدة، سيكون لديك مخطط ملموس يمكنك الرجوع إليه لاحقاً؛ إذ يصعب نسيان فكرتك بعد قضاء بعض الوقت معها.
4. نظم أفكارك في وقت لاحق:
قد تفرط في التفكير عندما تحاول تطوير طريقة جديدة لتتبع أفكارك العشوائية، ولكنك لست مضطراً إلى تنظيم أفكارك بمجرد تدوينها؛ إذ يستغرق تنظيم أفكارك وقتاً طويلاً، وكما تعلم، فإنَّ بعض أفكارك لن تكون جيدة، وسيكون من غير المجدي إضاعة الوقت في تنظيمها؛ لذا، من الأفضل مراجعة أفكارك، والتخلص من الأفكار السيئة ثم الشروع في تنظيم الأفكار.
يشغل كثرٌ من الناس تفكيرهم في الكتابة باليد والقواعد والمفردات عندما نكتب؛ حيث يعد تنقيح النص أمراً مفيداً عندما ترسل رسائل بريد إلكتروني أو تكتب مذكرات، لكنَّك لست بحاجة إلى التنقيح عندما تكتب أفكارك؛ لذا اكتب الأفكار تماماً كما هي، ويمكنك تنقيحها لاحقاً إذا اتضح أنَّها مفيدة.
في الختام:
عندما تقدم لعقلك الفرصة لمعالجة أفكارك، ستكتسب رؤى مذهلة؛ لذا مارس التفكير المشتت ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل، قد يعني هذا أن تقوم بجدولة ثلاث جولات مشي أو غيرها من مهام الاسترخاء خلال الأسبوع، (لا تنس أن تأخذ جهاز التسجيل معك)، وإذا كنت تعمل في مجال إبداعي، فقد تحتاج إلى منح نفسك وقتاً للتفكير المشتت كل يوم.
تذكر أنَّك لست مضطراً لممارسة نشاطك المريح مع وضع هدف محدد في الاعتبار؛ ببساطة اسمح للأفكار أن تأتي وتذهب، وستندهش من الأفكار العظيمة التي ستخطر في بالك.
أضف تعليقاً