يمكن نسج هذه الذكريات الحية والمشحونة عاطفياً في كثير من الأحيان من خيوط الخيال أو الاقتراح أو التفسير الخاطئ البسيط، وهذا يختلق مشهداً عقلياً يصبح فيه الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال غير واضح بشكل ملحوظ.
ما هي الذاكرة الكاذبة؟
الذاكرة الكاذبة هي ظاهرة متعدِّدة الأوجه في عالم علم النفس والإدراك، وتشمل مجموعة متنوِّعة من الجوانب والتعقيدات المثيرة للاهتمام، ومن ذلك:
1. التعريف والطبيعة:
تشير الذاكرة الكاذبة إلى حدث مثير للاهتمام ومحير في كثير من الأحيان، فيتذكَّر الفرد بوضوح حدثاً أو تفاصيل أو تجربة، والتي - عند الفحص الدقيق - يتبين لاحقاً أنَّها ملفَّقة بالكامل أو غير دقيقة أو مشوَّهة، وهذا يثير أسئلة أساسية عن موثوقية ومرونة الذاكرة البشرية.
2. علامات الذاكرة الزائفة:
تأثير المعلومات المضللة:
عندما يؤدي التعرُّض لمعلومات مضللة إلى تشويه ذاكرة الشخص لحدث ما.
الذكريات المزروعة:
الحالات التي يزرع فيها الاقتراح أو التأثير الخارجي ذكريات وهمية بالكامل في عقل الفرد.
التباس:
التلفيق غير الطوعي للتفاصيل أو الأحداث، وغالباًما يرتبط بالاضطرابات العصبية.
ذاكرة التشفير:
انتحال غير مقصود لأفكار أو أعمال شخص آخر؛ وذلك بسبب نسيان المصدر.
3. الأسباب والآليات:
يمكن تحفيز الذكريات الكاذبة من خلال عمليات معرفية مختلفة، مثل أخطاء مراقبة المصدر، والإيحاء، والتشويه الناتج عن المخطط، والطبيعة البنَّاءة للذاكرة نفسها، وهذا يسلط الضوء على الأعمال المعقدة للعقل البشري.
4. البحث والتجارب:
استكشفت مجموعة غنية من الأبحاث، ومن ذلك الدراسات الرائدة التي أجرتها إليزابيث لوفتوس، على نطاق واسع إنشاء وزرع الذكريات الكاذبة في البيئات التجريبية، وتسليط الضوء على الظروف والعوامل التي تساهم في تكوينه.
الذاكرة والاقتراح:
تعدُّ الذاكرة والاقتراح من الظواهر النفسية المتشابكة التي تؤدي أدواراً هامة في كيفية إدراك الأفراد للمعلومات واسترجاعها، وإنَّ فهم تعقيداتها ينطوي على الخوض في جوانب مختلفة:
1. تكوين الذاكرة:
الترميز:
عملية تحويل المعلومات الحسية إلى أثر للذاكرة.
التخزين:
كيف يتم الحفاظ على الذكريات مع مرور الوقت في الدماغ.
الاسترجاع:
استرجاع الذكريات المخزنة عند الحاجة.
2. أنواع الذاكرة:
الذاكرة الحسية:
الاحتفاظ لفترة وجيزة بالمعلومات الحسية.
الذاكرة قصيرة الأمد:
تخزين مؤقت للمهام الفورية.
الذاكرة طويلة الأمد:
تخزين متين للحقائق والخبرات والمهارات.
3. الاقتراح وتأثيره:
الاقتراحات الخارجية:
التأثير من مصادر خارجية، مثل وسائل الإعلام أو شخصيات السلطة.
الاقتراحات الداخلية:
التأثيرات المولدة ذاتياً، والتي غالباً ما ترتبط بمعتقدات الشخص وتحيزاته.
شاهد بالفديو: 7 طرق مثبتة لتقوية الذاكرة طويلة الأمد
تأثير وسائل الإعلام والذكريات الكاذبة:
يساهم تأثير وسائل الإعلام بشكل كبير في تكوين ذكريات كاذبة، فلديه القدرة على الوصول إلى جماهير كبيرة وتشكيل تصوراتهم بعدَّة طرائق، ولفهم نطاق هذه الظاهرة، ضع في الحسبان الإحصاءات والأفكار الآتية:
1. إحصاءات استهلاك وسائل الإعلام:
- وفقاً لمسح أجري في عام 2021، يقضي المواطن الأمريكي العادي ما يقرب من 13 ساعة يومياً في استهلاك وسائل الإعلام بأشكال مختلفة، ومن ذلك التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي ومصادر الأخبار عبر الإنترنت.
- بلغت قيمة سوق الإعلام والترفيه العالمي أكثر من 2 تريليون دولار في عام 2020، وهذا يسلط الضوء على مدى الوصول والتأثير الهائل لمحتوى الوسائط في جميع أنحاء العالم.
2. انتشار الأخبار الكاذبة:
- في دراسة نُشِرَت عام 2020، وجد الباحثون أنَّ المعلومات الكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي تنتشر أسرع بست مرات من المعلومات الحقيقية.
- كشف تقرير لمركز بيو للأبحاث أنَّ 64% من الأمريكيين يعتقدون أنَّ الأخبار المزيفة تسببت في "قدر كبير" من الارتباك بشأن الحقائق الأساسية للأحداث الجارية.
3. الإثارة وتشويه الذاكرة:
- يمكن للعناوين والصور المثيرة في وسائل الإعلام أن تؤدي إلى استجابات عاطفية تعزز تكوين الذاكرة، حتى لو تبين لاحقاً أنَّ المعلومات كاذبة.
- تشير الأبحاث إلى أنَّ المحتوى المشحون عاطفياً من المرجح أن يتم تذكره ومشاركته، وهذا يساهم في استمرار الروايات الكاذبة.
4. تأكيد التحيز وغرف الصدى:
- غالباً ما تعمل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي على تعزيز معتقدات المستخدمين الحالية؛ وذلك من خلال عرض محتوى يتوافق مع وجهات نظرهم، وهذا يؤدي إلى إنشاء غرف صدى تزدهر فيها المعلومات الكاذبة.
- وجدت دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أنَّ المعلومات الكاذبة أكثر عرضة لإعادة التغريد بنسبة 70% مقارنة بالمعلومات الحقيقية، وهذا يسلط الضوء على دور وسائل الإعلام في إدامة الأكاذيب.
الضغط الاجتماعي وتكوين الذاكرة الكاذبة:
يعد تأثير الضغط الاجتماعي في تكوين الذاكرة الكاذبة جانباً مقنعاً في علم النفس البشري، ويوفر الفحص الدقيق للإحصاءات والبيانات ذات الصلة رؤى قيمة عن هذه الظاهرة:
1. دراسات المطابقة:
في تجارب مطابقة Asch الشهيرة في الخمسينيات، عُرض على المشاركين سطراً وطُلب منهم اختيار سطر مطابق من مجموعة من الخيارات، ووجدت الدراسة أنَّه في ظل وجود إجماع جماعي، أعطى المشاركون إجابات غير صحيحة بنسبة 37٪ من الوقت.
2. شهادة شاهد عيان:
- أظهرت الأبحاث التي أجريت على شهادة شهود العيان أنَّ الضغط الاجتماعي، مثل الأسئلة التوجيهية من جهات إنفاذ القانون أو ضغط الأقران في المناقشات الجماعية، يدفع الشهود إلى تقديم معلومات غير دقيقة أو كاذبة.
- في تقرير صادر عن مشروع البراءة، ساهم التحديد الخاطئ لشهود العيان في أكثر من 70% من الإدانات الخاطئة التي تم نقضها لاحقاً بواسطة أدلة الحمض النووي.
3. اعترافات كاذبة:
- وفقاً للسجل الوطني للتبرئة، فإنَّ ما يقرب من 30% من الإدانات الخاطئة التي تم تبرئتها لاحقاً تضمنت اعترافات كاذبة.
- الضغط الاجتماعي في أثناء استجوابات الشرطة، والذي يشمل الإكراه أو الرغبة في الامتثال لتوقعات شخصيات السلطة، يدفع الأفراد إلى الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها.
4. انتشار أخطاء الذاكرة:
- أظهرت الأبحاث التي أجراها علماء النفس مثل إليزابيث لوفتوس أنَّ الذاكرة البشرية غير معصومة من الخطأ بطبيعتها، مع احتمال تشويهها وإنشاء ذكريات كاذبة في ظل ظروف مختلفة.
- تشير الدراسات إلى أنَّ أخطاء الذاكرة وعدم الدقة منتشرة على نطاق واسع، ويؤدي الضغط الاجتماعي إلى تفاقم هذه الأخطاء.
العوامل النفسية في إنشاء ذكريات كاذبة:
إنَّ فهم العوامل النفسية التي تساهم في تكوين الذكريات الكاذبة ينطوي على دراسة مجموعة من الإحصاءات والأفكار التي تلقي الضوء على مدى تعقيد هذه الظاهرة:
1. الإيحاء والضعف:
- تشير الأبحاث التي أجرتها جمعية علم النفس الأمريكية إلى أنَّ الإيحاء، أي الميل إلى قبول ودمج المعلومات الخارجية في ذاكرة الفرد، يختلف بشكل كبير بين الأفراد.
- تشير الدراسات إلى أنَّ الأطفال بشكل عام أكثر عرضة للإيحاءات، وتشير التقديرات إلى أنَّه يمكن التأثير في الأطفال الصغار لتقديم بيانات كاذبة فيما يصل إلى 75% من المقابلات التي تتضمن أسئلة رئيسة.
2. القمع والذكريات المستردة:
- إنَّ المفهوم المثير للجدل للذكريات المكبوتة، الذي يزعم أنَّ الأحداث المؤلمة تُنسى ثم تُستعاد لاحقاً في العلاج، قد أثار نقاشاً كبيراً.
- على الرغم من صعوبة تحديد الإحصاءات الدقيقة، فقد تضمَّنت معظم القضايا القانونية البارزة مزاعم عن ذكريات مكبوتة ومن ثم استرجاعها، وهذا يثير تساؤلات عن موثوقيتها.
ما هو سراب الذاكرة؟
يمكن وصف سراب الذاكرة، في عالم علم النفس المعرفي وعلم الأعصاب، بإيجاز على أنَّه إعادة بناء عقلي مقنعة وحيوية أو تذكر حدث أو تجربة من الماضي، والتي - عند التدقيق الدقيق أو التحليل الشامل - يتبين أنَّها خادعة بطبيعتها، ومشوهة، أو غير دقيقة في الواقع، وهذا يثير وهم اليقين والأصالة في ذهن الفرد، على الرغم من وجود تناقضات أو زخارف أو افتراءات صريحة داخل الذاكرة المسترجعة، وغالباً ما تنبع من التفاعل المعقد للتحيزات المعرفية والاقتراحات والمؤثرات الخارجية، والطبيعة الترميمية للذاكرة البشرية.
هذا يسلط الضوء على قابلية الخطأ المتأصلة وقابلية عمليات الذاكرة للتغيير والتلاعب، والتي تؤثر بشكل كبير في المعتقدات الشخصية للفرد وتصوره لذاته، ولها أيضاً آثار بعيدة الأمد في السياقات المجتمعية الأوسع، لا سيما في المواقف التي يكون فيها لموثوقية الذكريات وزن كبير، كما هو الحال في الإجراءات القانونية، أو التدخلات العلاجية، أو تشكيل من الروايات التاريخية الجماعية.
شاهد بالفديو: سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي
ما هي اختراقات الذاكرة الجماعية؟
تشمل اختراقات الذاكرة الجماعية عدداً كبيراً من اللحظات المحورية، والتطورات الفكرية، والرؤى العلمية التي دفعت بشكل جماعي فهمنا لكيفية تذكر المجتمعات لماضيها وإحياء ذكراه، وتشمل هذه الاختراقات:
1. التعرف إلى الذاكرة الاجتماعية:
الإدراك الأساسي بأنَّ الذاكرة ليست مجرد عملية معرفية فردية، ولكنَّها أيضاً ظاهرة جماعية تشكلها الثقافة والمجتمع والروايات المشتركة.
2. إطار عمل هالبواكس:
العمل الرائد لموريس هالبواكس في أوائل القرن العشرين، والذي أسس مفهوم "الذاكرة الجماعية" وتفاعلها مع الذاكرة الفردية.
3. دراسات الذاكرة الثقافية:
ظهور مجالات متعددة التخصصات مثل دراسات الذاكرة الثقافية، وسد الفجوة التاريخية، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والأنثروبولوجيا لدراسة كيفية بناء المجتمعات للذكريات ونقلها ومنافستها.
4. ذاكرة الهولوكوست:
تأثير الهولوكوست الدائم على المناقشات المتعلقة بالذاكرة الجماعية، ولا سيما مع "Lieux de mémoire" لبيير نورا (مواقع الذاكرة) ومناصرة إيلي ويزل.
5. ذاكرة ما بعد الاستعمار:
الفحص النقدي لذاكرة ما بعد الاستعمار، وتسليط الضوء على كيفية تصارع الدول المستعمرة سابقاً مع ماضيها الاستعماري وتسعى جاهدة إلى تأكيد رواياتها الخاصة.
في الختام:
تركت الذاكرة الكاذبة علامة لا تُمحى في سجلات العلوم المعرفية، وهذا أدى إلى أبحاث رائدة كشفت النقاب عن الآليات المعقدة وراء تكوينها، ولقد أثارت أسئلة أخلاقية في البيئات العلاجية، لا سيما فيما يتعلق بالزرع غير المقصود للذكريات الكاذبة في أثناء جلسات العلاج.
في السياقات القانونية، ألقت بظلال من الشك على موثوقية شهادات شهود العيان وصحة الذكريات المكبوتة المستخدمة كدليل، حتى إنَّها وجدت طريقها إلى عصر التكنولوجيا الرقمية، وهذا أدى إلى تأجيج المناقشات المتعلقة بصحة الوسائط الرقمية وإمكانية التلاعب بها.
أضف تعليقاً