هذه القوة الدافعة هي القصة التي ترويها لنفسك، وهي إحدى أعظم العوامل التي تشكِّل حياتك، فهي تحدد كل فكرة تخطر ببالك وكل شعور يجتاحك وكل قرار تتخذه، وربما أنت من سطَّرت أجزاء من قصتك، ولكنَّ الآخرين أثروا فيها كثيراً مثل: أصدقائك أو عائلتك أو مجتمعك أو حتى بيئتك؛ تؤدي جميع التأثيرات الخارجية والناس والأماكن والتجارب دوراً في إنشاء قصتك.
تكمن المشكلة في أنَّ بعض الأشخاص يعيش حياته خاضعاً للظروف وللآخرين ولما يمليه عليه المجتمع دون أن يكون له رأي أو كلمة في تحديد مصيره ورسم مستقبله.
تأثير القصة المقيِّدة في حياتك:
دعنا نوضح أولاً ما نعنيه بالقصة، فهي ببساطة مجموعة من المعتقدات المرتبطة بحياتك ونفسك، إنَّها ليست مجرد اعتقاد واحد، بل نظام كامل من المعتقدات عن جوهر هوية الفرد، فيحدد ما نستطيع فعله وما لسنا قادرين عليه؛ أي مجموعة المعتقدات المقيدة المفروضة علينا لا شعورياً.
تنبع أغلب القصص التي تقيد الناس من الألم، والدليل على ذلك هو تجارب "مارتن سليجمان" (Martin Seligman) عن "العجز المكتسب" (learned helplessness): وهو نظام معتقدات يجعلك تظن أنَّك عاجزٌ عن تغيير حياتك، حتى عندما تكون قادراً على ذلك؛ فقد وجد "سليجمان" في تجربة أجراها أنَّ المشاركين حين تعرضوا لضوضاء عالية ومزعجة دون أي وسيلة لتجنبه، توقفوا في النهاية عن محاولة تجنبه؛ ولكن حتى حينما تغيرت الظروف وأصبح بمقدورهم تجنب الضجيج، لم يحاولوا فعل شيء بشأن الأمر، فقد تقبَّلوا فكرة أنَّهم غير قادرين على التخلص من الضوضاء المزعجة.
بعبارة أخرى، أدَّت القصة التي أقنعوا أنفسهم بها عن عدم قدرتهم على التحكم بوضعهم إلى استسلامهم حتى حينما أُتيحَت لهم الفرصة لتغييره، لكل منا قصة تقيدنا وتتعلق بعدم قدرتنا على تغيير حياتنا أو العثور على الحب أو تحقيق النجاح؛ لكنَّ الحقيقة هي أنَّ القصص المقيدة هذه تحرمنا من الفرص، وللعثور على هذه الفرص، عليك أولاً القضاء على هذه المعتقدات التي تشعرك بالعجز، يقدم "سليجمان" ثلاثة معتقدات لفهم العجز المكتسب، والتي تساعد على تحديد تلك المعتقدات المقيدة:
شاهد بالفيديو: كيف تغير حياتك؟
معتقدات سليجمان:
1. شاملة:
حدد ما إذا كانت المشكلة في قصتك تشمل جميع جوانب حياتك بدلاً من جانب واحد محدد، وهو حينما تعتقد أنَّ المشكلة عامة.
2. دائمة:
حدد ما إذا كانت المشكلة دائمة؛ إذ نشعر أنَّ المواقف السلبية أحياناً دائمة وليست مؤقتة.
3. شخصية:
حدد ما إذا كنت تلوم نفسك لحدوث المواقف السلبية، أو تعتقد أنَّك أنت المشكلة فتشعر بالعجز.
تتمحور غالباً هذه القصص حول اللوم؛ لأنَّ البشر مجبولون على تجنب الألم، ولكن حينما نحاول الهروب منه، فلن يؤدي ذلك إلى النمو الحقيقي أبداً، بل إلى تأجيل شعورنا بالألم فقط.
إعادة ترتيب حياتنا عبر العثور على الجانب الإيجابي من القصص المقيدة:
يقول المؤلف "توني روبينز" (Tony Robbins): "تخلَّص من قصتك المقيدة، وتقبَّل حقيقة امتلاك إمكانات غير محدودة".
بإمكانك تغيير قصتك المقيدة عبر اكتشاف المعنى أو الهدف في الحياة حتى في التجارب المؤلمة؛ إذ تتغير قصة حياتك بمجرد أن تدرك أنَّ أحداث الحياة تصب في مصلحتك، وهي ليست ضدك.
أحد الأمثلة الملهمة لشخص غيَّر قصة حياته هي قصة حياة الكوتش "سيري ليندلي" (Siri Lindley) الشخصية، والتي كانت تواجه صعوبة في تقبُّل ذاتها خلال سنوات طفولتها نتيجة تحيزات المجتمع، ومواجهة رفض والدها لها، وعلى الرغم من الصراعات العاطفية التي كانت تُقيدها بسهولة، إلا أنَّ "سيري ليندلي" عثرت على هدفها عبر إنشاء قصة ملؤها التصميم وتقدير الذات والنجاح، فقد وجَّهت ألمها إلى تحقيق هدفها، وأصبحت بطلة عالمية في السباق الثلاثي وكوتش حياة من النخبة، فقد ساعدت الآلاف على الوصول إلى أهدافهم وعيش الحياة التي يرغبون فيها.
يغير العثور على الهدف في الحياة، لا سيما في أقسى الظروف، قصتك ومسار حياتك تغييراً كبيراً، والحقيقة هي أنَّ كل مشكلة هي هبة إذا تعلمنا منها، فتمنحنا المشكلات فرصة للنمو وتجعلنا أقوى؛ لأنَّنا نتعلم أكثر حينما نتغلب على الصعوبات.
إعادة كتابة قصتك:
يقول "توني روبينز": "غيِّر قصتك لتغير حياتك"، فالعثور على الهدف في الحياة هو المفتاح لتغيير حياتك، ويبدأ الأمر بإدراك أنَّك المسؤول عن العثور على هدفك، وأنَّ لا أحد يستطيع أن يفعل ذلك عوضاً عنك، وما إن تدرك أنَّ لديك القدرة على تغيير حياتك عبر قصتك، فإنَّ الخطوة الأولى هي تحديد وفهم القصة الحالية التي تقود حياتك.
فهم قصتك:
فهم قصتك أساس الحل لأنَّك لا تستطيع تغيير ما تجهله، ويتطلب الفهم التفكر والصدق مع نفسك حتى لو أزعجك الأمر؛ لذا فكر في الطريقة التي ستروي بها قصة حياتك لأصدقائك أو لشريك حياتك أو الأهم من ذلك لنفسك، وحدد دورك في قصتك القديمة، فهل أنت الضحية أم المنتصر؟ المحبوب أم المنعزل؟ القلِق أم المكافِح؟ ثم حدد العواطف التي تنتابك حالياً، والجوانب التي ترضيك وتلك التي تعوقك في حياتك.
كيفية تغيير حياتك عبر قصة مؤثرة:
بعد أن فهمت هدفك، حان الوقت لتغيير قصتك إلى أخرى تستفيد منها خير استفادة، فتصمم عبر هذه الخطوة قصة جديدة تبعث فيك القوة وتفهم من خلالها كيفية تغيير نفسك وحياتك؛ قصة تثير حماستك، وتحدد هدفك في الحياة، وتسلط الضوء على ما أنت قادر على فعله، وتُغير وجهة نظرك لماضيك وحاضرك، وتثبت لك أنَّ الحياة تعمل لمصلحتك وليس ضدك.
حدد دورك في قصتك الجديدة، فهل أنت البطل العائد إلى سابق عهده أم الكريم الذي يقدم بكل عطف أم القائد الحكيم أم الشجاع المقدام؟ وحدد كيف سيعزز هذا الدور الجديد إمكاناتك في حياتك الجديدة، ووضح العواطف الإيجابية الجديدة التي تنتابك في هذه القصة الجديدة، والأهداف والفرص التي تجدها في كل لحظة، وحدد كيفية تأثيرها في نظرتك لظروف حياتك وتصرفاتك اليومية كي تشعر بمزيد من الحيوية يومياً.
إقرأ أيضاً: كيف تغير حياتك نحو الأفضل؟
في الختام:
إنَّ فهم هدفك الجديد أمر هام، ولكنَّ العواطف أهم لتحقيق التغيير الدائم؛ إذ يدرك كل شخص أحياناً ما يناسبه، لكنَّ العواطف تسيطر عليه ويتخذ قراراته بناءً على عواطف قديمة حتى حينما يعتقد أنَّه يتصرف بعقلانية.
عليك استخدام العواطف لترسيخ قصتك الجديدة بصفتها جزءاً أساسياً من شخصيتك، وذلك عبر ربط العواطف القوية بالهدف والمعنى الجديد لقصتك، على سبيل المثال في حدث أقامته "توني روبينز"، حدد المشاركون القصة التي تدير حياتهم في عقلهم الباطن، ثم بعد صياغة قصتهم الجديدة الهادفة، أدَّت التجربة العاطفية إلى ترسيخها في نظامهم العصبي، ومواءمة القصة الجديدة مع معتقداتهم وقيمهم.
وجدت دراسة أجراها باحثون من جامعة "ستانفورد" (Stanford) أنَّ المشاركين في هذا الحدث ازدادت عواطفهم الإيجابية مثل: الرضى عن الحياة والقوة الداخلية والسلامة النفسية بنسبة 50%، بينما ذكروا أيضاً انخفاض العواطف السلبية مثل: الوحدة، والحزن والغضب والتوتر والقلق بنسبة 70%، لا سيما المشاركين الذين يعانون من الاكتئاب السريري، فقد تنعَّم جميعهم بحالة من الهدوء لمدة 30 يوماً على الأقل بعد الحدث.
تذكر أنَّ المعرفة لا يمكن أن تحل محل الخبرة أبداً، فصحيح أنَّ قراءةَ هذا المقال هي خطوة أولى هامة في التحكم بقصة حياتك، ولكن إذا كنت ترغب في تغييرها كلياً، يتطلب الأمر مستوى أعلى من العمل؛ إذ عليك أن تستثمر في نفسك وحياتك عبر اتخاذ الخطوة التالية، مثل تعيين كوتش، أو استخدام تطبيقات التدريب اليومية، أو ربما حضور حدث هادف.
أضف تعليقاً