من هو صاحب هذه الأحلام الضخمة؟ وكيف استطاع تحقيق هذه الأحلام؟ إنَّه "لاري بيج"، مؤسِّس مُحرِّك البحث وشركة جوجل بالمشاركة مع صديقه وزميل دراسته "سيرجي برين". ولكن، كيف كانت نشأته وطفولته وحياته المهنية؟ ومتى تعرَّف على صديق النجاح؟
نشأة لاري بيج:
لورانس إدوارد بايج (Lawrence Edward Page): الابن الأصغر لفيكتور بيج (Carl Victor Page)، والذي كان أستاذ علوم الحوسبة والذكاء الاصطناعي في جامعة ميشيغان، وأحد أوائل من حصلوا على شهادة دكتوراه الفلسفة في علم الحوسبة من جامعة ميتشيغان. ووالدته هي جلوريا بايج (Gloria Page)، وهي مُدرِّسة برمجة الحواسيب في جامعة ميشيغان، وذلك بعد أن حصلت على درجة الماجستير في علوم الحَوسبة. وُلِد لاري بيج في إيست لانسنغ، وذلك في تاريخ 26 مارس من العام 1973 ميلادية.
إنَّ والدا لاري قد أدخلاه إلى مدرسةٍ تتَّبع نظام مونتيسوري، حيث أنَّه عُرِف بشغفه في معرفة كيفية عمل الأشياء، وقد حصل وهو في عُمر الخمس سنوات على أول حاسوبٍ منزلي. درس المرحلة الثانوية في مدرسة (East Lansing)، وتخرَّج منها عام 1991 ميلادية، وبعد أن حصل على الشهادة الثانوية درس المرحلة الجامعية في جامعة ميتشيغان، ونال شهادة البكالوريوس مع مرتبة الشرف في هندسة الكمبيوتر، وخلال دراسته الجامعية قام بعدة أبحاثٍ عن مُستقبل وسائل النقل، وكان من ضمن فريق سيارة الطاقة الشمسية، وقد استطاع وزملاءه تحقيق نتائج مُذهلةٍ في ذلك الوقت، كما أنَّهُ وفي أثناء دراسته الجامعية اخترع طابعةً من مُكعباتِ ليجو تخُصُّ طباعة المُلصقات الكبيرة، وهذا ما ساعده كثيراً في جمع المال آنذاك، كما أنَّه استفاد من البرامج والدورات التي وفَّرتها الجامعة لتكوين القيادات، والتي تعلَّم فيها كيف يكون قائداً في الحياة العملية، وبعد ذلك انتقل إلى جامعة ستانفورد من أجل التحضير للماجستير في علم الكمبيوتر.
في عام 1995 ميلادية تعرَّف لاري بيج على صديقه سيرجي برين، وذلك في أثناء عملهما في بحثٍ مُشترك، وتناقشا في الكثير من المشروعات، وكانت الكثير من أحلامهما مُتشابهة، كما وأنَّ هناك الكثير من الأمور المُشتركة فيما بينهما غير الاحلام، حيثُ أنَّ كلاهما درس في مدارس تتَّبع نظام المونتيسوري - وهي مدارسٌ تعمل على خلق وتطوير قُدرات الإبداع في الأطفال في سنِّ الصِغَر، وتنمية مهاراتهم العقلية والجسمية في المُراهقة - وكبرا وهُما يستخدمان الكمبيوتر منذ المرحلة الابتدائية، إذ أنَّ الكمبيوتر كان مُتواجداً في منازلهما منذ الصغر، فلم يكن هذا الجهاز غريباً بالنسبة إليهما.
رحلة لاري بيج مع صديقه سيرجي برين في تأسيس شركة جوجل:
بعد تخرُّج كلٍّ منهما، حصل برين على وظيفةٍ في الجامعة، ولكنَّ لاري حصل على وظيفةٍ في (AltaVista)، وكان أشهر موقعٍ للبحث في ذلك الوقت. كان لاري مُعجباً إعجاباً كبيراً بهذا الموقع، وبكيفية ظهور النتائج، وكيفية ظهور صفحةٍ ثانيةٍ عند اختيار موقعٍ ما؛ كان هذا الشيء جديداً بالنسبة إليه في عالم الإنترنت، وكان يُفكِّر كيف يُمكِن له أن يُطوِّر من هذا الموقع، وكيف يمكن أن يجعل المواقع الهامَّة تظهر أولاً. كان هذا يعني أن يُحمِّل كلَّ مواقع الإنترنت على جهازه، ولمَّا سأل أستاذه عن كيفية القيام بهذا الأمر، كان الجواب هو الضحك والسخرية ووصف أستاذه هذه الفكرة بالجنون.
بعد فترة، قابل بيج برين، وكانا يبحثان عن الفكرة نفسها، وهي الحصول على معلوماتٍ هامَّةٍ من بين مئات وآلاف المعلومات؛ فاتفقا أن يُبرمجا موقع بحثٍ خاصٍّ بهما، وبدأ لاري وسيرجي بالتفكير في شكل موقع البحث. وفي سنة 1997 ميلادية قاموا باختيار اسم googol، وهو يعني العدد واحد وبجانبه مئة صفر، ولكن وبسبب خطأ في كتابة الاسم أصبح الاسم هو google. كان الهدف الرئيس لموقع البحث: تنظيم كافة المعلومات التي من المُمكن جَمعُها من جميع أنحاء العالم، وتقديمها إلى المُستخدم على شكل فهرس.
وفي مُنتصف عام 1998 ميلادية بدأت رحلة البحث عن مُمول، وعن طريق دكتورٍ في الجامعة تعرَّفا على مستثمر، والذي كان أحد مؤسسي شركة سان؛ لكنَّ هذا الرجل كان كثير المَشاغل ولا يملك الوقت الكافي للاستماع إلى شرح وتوضيح الفكرة؛ وفي الاجتماع الذي لم يستمر إلَّا بِضع دقائق اقتنع بالفكرة قائلاً: "لا أريد الدخول في التفاصيل. هل تفي 100 ألف دولارٍ بالغرض؟".
بعدها افتُتِحت شركة جوجل، وقام كلٌّ من لاري وسيرجي في البداية بالعمل من كراج منزل سوزان وجسيكي - المدير التنفيذي الحالي لشركة جوجل - وكان هذا أول مَقرٍ للشركة؛ وخلال عامٍ واحدٍ فقط كانت الشركة قد كبرت وتطوَّرت، ممَّا تَطلَّب أن يكون لها موقعٌ أكبر. لقد عملوا فيها لـ24 ساعةً لتطوير المحرِّك ليكون مُنافساً لمواقع البحث الآخرى، ولم يتوقَّعوا أن يكون هو الأفضل، وقد كانت جوجل تجيب فقط على 10 آلاف طلب بحثٍ يومياً، إلى أن تحقَّق الحُلم بطريقة البحث التي كانوا يتمنَونَها في سنة 2001 ميلادية، هذا الحُلم الذي عَجِز عنه مئات الباحثين، حيث وفَّر جوجل خدماتٍ للبحث باللغة العربية، وبأكثر من 26 لغةً أخرى.
بعد ذلك، بدأت الخدمات في جوجل تستمر لتكون في متناول الجميع، وفي عام 2004 ميلادية أُطلِق البريد الالكتروني لـ Gmail، وبدأت تُنافس الخدمات التي تُقدِّمها المايكرو سوفت والياهو، ومع مساحات تخزين أقل. وفي العام نفسه أطلقت جوجل خدمةً جديدة، وهي الخرائط المعروفة بنظام أرض جوجل أو (Google earth)، والتي تعتمد على استخدام صور الأقمار الصناعية؛ كما أنَّها أطلقت أيضاً موقع (orkut) وهي شبكةٌ للتواصل الاجتماعي. وفي هذه السنة أيضاً طُرِح العام الأولي للأسهم، وهو ما جعل من لاري بيج مليارديراً هو وصديقه سيرجي برين.
وفي عام 2005 ميلادية انضم جوجل إلى وكالة ناسا لإنتاج جوجل القمر، وجوجل المريخ، والتي تسمح للمُستخدمين بالتنقُّل داخل القمر والمريخ من أجهزة الكمبيوتر الخاصَّة بهم، وكانت هذه السنة من السنوات المُميَّزة وذات إنتاجيةٍ عاليةٍ جداً، حيث أنَّها أطلقت خدمات (google Maps)، وخدمة (google Reader)، و(Blogger Mobile).
في عام 2006 ميلادية قام جوجل بتقديم خدمة البحث عن الفيديوهات، حيث كان من غير المسموح في السابق البحث عن مقاطع فيديو؛ وفي العام نفسه امتلكت جوجل موقع اليوتيوب، والذي أصبح البديل الحقيقي عن وسائل الإعلام التقليدية.
استمرَّت جوجل بتطوير خدماتها، وقدَّمت خدماتٍ كثيرةً منها: خدمات الصور مثل (Picasa)، وأطلقت أيضاً (Google Apps)، وهو متجرٌ إلكترونيٌّ تابعٌ لشركة جوجل لبيع وتنزيل التطبيقات الإلكترونية لمُختلف الأجهزة المحمولة والكمبيوتر.
يحصل مُحرِّك البحث على مليارٍ من طلبات البحث، ومع وجود إعلانات جوجل فإنَّ كلَّ كبسة زرٍ تجعل الشركة تربح المال. ليس هذا كلُّ ما تملكه جوجل، بل إنَّ جوجل لديها من المُنتجات والخدمات ما يتعدَّى الـ100 خدمةٍ ومُنتج.
إنَّ أحد أسرار نجاح جوجل: الرسالة الواضحة، حيث أنَّ كلَّ الموظفين والعاملين فيها يعرفون ما هي، وتظهر على شعار جوجل، وهي ترتيب المعلومات في العالم، وجعل المعلومة مُتاحةً للجميع. والسر الثاني من أسرار نجاح جوجل: الطريقة الراقية في التعامل مع الموظفين، حيث أنَّ جوجل توفِّر مساحةً من الحرية لكلِّ موظف، بالإضافة إلى عدم التكلُّف بين الموظفين مهما كان المَنصب الوظيفي؛ إذ يوجد في مبنى جوجل مكتبةٌ للقراءة، ومطبخ، وغرفةٌ للألعاب، وكلُّ ذلك من أجل التخفيف من ضغط العمل، حيث أنَّ 20% من وقت الموظفين مُخصَّص ليفكِّروا في مشروعٍ ما ويحلموا بتحقيقه، وإنَّ الكثير من المشاريع التي نفذتها جوجل كانت بفضل الوقت المُخصَّص للأحلام.
الجوائز التي نالها والمراكز التي شغلها لاري بيج:
في عام 2002 ميلادية حصل لاري بيج على لقب (القائد العالمي المُستقبلي) من مؤسسة (World Economic Forum)، وفي العام نفسه حصل لاري بيج على لقب (MIT Technology Review TR100) لكونه من بين أفضل 100 مُبتكرٍ في العالم تحت سن الخامسة والثلاثين.
وفي عام 2004 ميلادية حصل على جائزة (Marconi Foundation) في مجال الاتصال، كما انتُخِبَ كعضوٍ في منظمة (Marconi Foundation) في جامعة كولومبيا.
في أكتوبر من العام 2013 احتلَّ لاري بيج المركز السابع عشر في قائمة فوربس لأكثر الشخصيات نفوذاً وتأثيراً في العالم لهذا العام. وفي سبتمبر من العام نفسه حاز لاري بيج على الترتيب الثالث في قائمة فوربس، والتي تضم أغنى 400 شخصيةٍ أمريكية.
بعد أن أسَّس لاري بيج وسيرجي برين شركة جوجل أدارا الشركة سوياً، وبعد ذلك وفي عام 2001 ميلادية قررا أن يُعيِّنا إرِك شميدت رئيساً لمجلس الإدارة والمدير التنفيذي للشركة، حيث كانت لديه خبرةٌ كبيرةٌ في هذا المجال، وفي هذه الفترة التي ترك فيها لاري بيج منصب المدير التنفيذي للشركة، استطاع أن يُسيطر على شركة أندرويد. وفي عام 2011 ميلادية عاد لاري وأصبح المدير التنفيذي لشركة جوجل، وحققَّت جوجل في هذه السنة إنجازاتٍ عظيمة، وهي نظَّارات جوجل وجوجل بلس وأول جهاز (Chromebook).
وفي عام 2015 ميلادية، وتحديداً في العاشر من أغسطس أعلن كلٌّ من لاري بيج وشريكه سيرجي برين عن إنشاء شركة ألفابيت، وتولى لاري بيج منصب المدير التنفيذي لها.
حياة لاري بيج الشخصية وأعماله الخيرية:
في العام 2007 ميلادية تزوَّج "لاري بيج" من "لوسيندا سوثوورث"، وهي باحثةٌ حائزةٌ على الدكتوراه في الطب الحيوي، وله طفلين: كارل فيكتور وغلوريا، وتبلغ قيمة ثروته حالياً 32.3 مليار دولار. ولكن بالرغم من كلِّ هذا الغِنى وكلِّ مَشاغله في العمل، إلَّا أنَّه لم ينسى الأعمال الخيرية، ومَدَّ يد العون لمن يحتاجها، حيثُ أنه تبرَّع بثلاثين مليون دولارٍ لمُكافحة فيروس إيبولا في غرب إفريقيا، كما أنشأ مؤسسةً خيريةً تابعةً لـ (Google.org) من أجل مُساعدة اللاجئين ومُحاربة العُنف الأسري، وبالأخص العُنف ضدَّ الأطفال، وتوفير فُرص عملٍ للشباب، كما أنَّ لاري بيج لم ينسى المُبدعين الصغار ذوي الأفكار الإنتاجية، حيث تبرَّع للأعمال الخيرية التي تُقدِّم إليهم المُساعدة بنحو 177 مليون دولار.
وختاماً سنذكر لكم قول لاري بيج لنزيد من عزيمتنا ومَحبَّتِنا لعَملنا: "أنت على الطريق الصحيح، إذا كنت تشعُر بنفس ما تشعُر به الديدان في أثناء المطر، فالحياة لن تتغيَّر، وإنَّ الظروف الصعبة ستواجهك دوماً).
أضف تعليقاً