أسَّس "بينثام" فلسفته بالكامل على فكرة مفادها أنَّ هناك دافعَين أساسيَّين وراء جميع سلوكاتنا هما السعي وراء اللذة، والرغبة في تجنُّب الألم، وتبيَّنت لاحقاً صحة نظرية "بينثام" التي تؤيِّدها اليوم جميع العلوم الاجتماعية تقريباً، فيسعى البشر للَّذة، ويكرهون الألم في الوقت نفسه، ويمكن تلخيص كل دوافعنا بأنَّها مجرد آليات دفاع تجاه الألم، وسعي للمتعة، وبمعنى أنَّنا نصبو لما يحقِّق لنا المتعة، ونخشى كل ما من شأنه أن يسبِّب لنا الألم.
يمكننا أن نستفيد من هذه الحقيقة التي وضَّحها علم النفس السلوكي، وكل ما نحتاجه هو استثمار هذه الآليات النفسية لتحقيق أهدافنا، وسنوضِّح في هذا المقال 3 نصائح مُستمدَّة من قانون يُطلق عليه اسم قانون "سكينر" "Skinner’s Law" نسبةً لعالم النفس الشهير "بي إف سكينر" (B.F. Skinner).
تشرح "كاتي ميلكمان" (Katy Milkman) الأستاذة في كلية وارتون (The Wharton School)، في جامعة بنسلفانيا (University of Pennsylvania)، ومؤلِّفة كتاب "فن التغيير": العلم الكامن وراء تغيير واقعك الحالي وتحقيق الحياة التي تحلم بها" (How to Change: The Science of Getting from Where You Are to Where You Want to Be) آلية عمل قانون "سكينر" وتطبيقاته.
كيف تستفيد من قانون "سكينر" في التوقف عن التسويف والالتزام بإنجاز المهام؟
وفقاً لتطبيقات قانون "سكينر" فإنَّك أمام خيارين عندما تجد أنَّك تسوِّف القيام بمهمَّة ما، وهذان الخياران هما: إمَّا أن تتذكَّر أنَّ الألم الناجم عن عدم القيام بالمهمَّة سيكون أكبر من ألم القيام بها، أو أن تتذكَّر أنَّ متعة القيام بالمهمَّة تفوق متعة عدم القيام بها، وبالنظر إلى علمنا بأنَّنا مدفوعون بتجنُّب الألم، أو السعي للحصول على اللذة، فإنَّنا قادرون على تدريب عقولنا لتذكُّر هذه الحقيقة، واستثمارها لتحقيق أهدافنا.
طوَّر عالم النفس الأمريكي "بي إف سكينر" فكرة الإشراط الإجرائي، والتي توصَّل إليها بعد تجارب أجراها على الفئران، موضِّحاً أنَّه بالإمكان تعديل سلوك البشر وتثبيطهم، أو تحفيزهم للقيام بمهام معيَّنة من خلال تقديم الحوافز المناسبة إمَّا لتجنُّب الألم، أو تعزيز الشعور باللذة، وتكمن الطريقة إذاً بأن تحدِّد لنفسك مكافآت معيَّنة (تعزيز إيجابي) أو عقوبات معيَّنة (تعزيز سلبي) لدفعك للقيام بسلوكات معيَّنة، والتخلي عن سلوكات أخرى.
توجد طريقتان أساسيتان لتحفيز نفسك، تحفيز داخلي وتحفيز خارجي، فالتحفيز الداخلي هو عندما تريد أن تفعل شيئاً بدافع الرغبة كأن تريد تناول البيتزا، أمَّا التحفيز الخارجي فهو عندما تفعل شيئاً لتحصل على فائدة أو مكافأة إضافية أو لتتجنَّب الألم كأن تُحجِم عن تناول البيتزا لتبدو رشيق الجسم في العطلة التي ستقضيها على شاطئ البحر.
تكمن قوة قانون "سكينر" في أنَّه يحوِّل أقوى دوافعنا الداخلية والتي تتمثَّل عادةً باللذة، إلى مكافآت خارجية، وتوضِّح "ميلكمان" أنَّ هذه التقنيات تُسمَّى في علم النفس السلوكي بآليات الالتزام، وتُعدُّ أدوات يمكن للشخص أن يستخدمها لتحفيز نفسه، فيُنشِئ الشخص آلية مكافآت خارجية لتحفيزه على القيام، أو التخلي عن سلوك معيَّن.
توضِّح "ميلكمان" مدى كفاءة هذه التقنية من خلال دراسة شملت مجموعة من الأشخاص الذين يحاولون الإقلاع عن التدخين، فقُسِّموا إلى مجموعتين وأُعطي لجميع الأشخاص الذين شملتهم الدراسة منتجات تساعدهم على الإقلاع عن التدخين، ولكن اشتُرِطَ على أفراد إحدى المجموعتين بأنَّه لا يمكنهم استرداد المال الذي دفعوه للحصول على هذه المنتجات في حال فشلوا في اختبار فحص النيكوتين عن طريق البول بعد 6 أشهر من بدء الدراسة، وما وجده الباحثون أنَّ أفراد المجموعة التي طُبقت عليها تقنية الإشراط الإجرائي كانوا أكثر قدرةً على الإقلاع عن التدخين بنسبة 30% مقارنةً بالمجموعة الأخرى.
الألم أم المكافأة: أيهما أكثر كفاءةً في تحفيزك على الالتزام؟
نعلم أنَّنا إذا أردنا النجاح في إنجاز مهمَّة ما، فإنَّنا بحاجة إمَّا إلى محفِّزات إيجابية، أو سلبية كي نضمن البقاء على المسار الصحيح، ويصبح السؤال الآن: "هل من الأفضل أن تستخدم تقنية التعزيز الإيجابي المكافأة، أم تقنية التعزيز السلبي "تذكُّر العواقب"، كي تبقى متحمِّساً، وملتزماً في أداء مهمَّتك؟"، واتَّضح أنَّ تذكُّر الألم هو المحفِّز الأقوى مقارنةً بالمكافأة.
تقوم هذه الحقيقة على عدة دراسات وأبحاث أثبتت أنَّ السعي لتجنُّب الألم أكثر كفاءةً بكثير من السعي للحصول على المكافأة عندما يتعلق الأمر بتعديل السلوك، والحفاظ على الحافز، ففكِّر في الأمر على هذا النحو: إذا أضعت مبلغاً من المال، فستشعر بانزعاج يفوق السعادة التي ستشعر بها عندما تجد المبلغ، أي إنَّ الألم يفوق المتعة.
شاهد بالفيديو: 6 طرق لتعزيز التحفيز الذاتي
إليك الآن 3 نصائح عملية لاستثمار هذه الآليات النفسية من أجل البقاء على المسار الصحيح، والحفاظ على حماستك:
1. استخدم التعزيز السلبي
اقطَعْ وعداً لأحد أصدقائك، أو أحد أفراد عائلتك بأنَّك ستمنحه مبلغاً من المال، أو شيئاً قيِّماً بالنسبة إليك إذا فشلت في القيام بشيء ما، وسواءً كان الأمر يتعلق بخسارة الوزن الزائد، أم الإقلاع عن التدخين أم أي شيء آخر، فيمكنك أن تعِدَ صديقك بأنَّك ستمنحه هاتفك الذكي مثلاً إذا فشلت في ذلك.
حاوِلْ أن تترك المبلغ، أو الشيء الثمين بالنسبة إليك في عهدة شخص آخر يكون حاضراً على الاتفاق كي لا تتراجع عن وعدك في حال فشلت في إنجاز المهمَّة، وتذكَّر أنَّ هذه التقنية لا تعمل إذا لم تشعر بأنَّك مُلزم بتنفيذ وعدك.
2. كن مسؤولاً أمام الآخرين
أخبِرْ الآخرين أنَّك تحاول تحقيق هدف معيَّن، وحدِّدْ لهم الموعد النهائي لتحقيق هذا الهدف، واحرِصْ على موافاة هؤلاء الأشخاص بمقدار ما تحرزه من تقدُّم أولاً بأول، لأنَّك بهذه الطريقة تستفيد من عاملَين نفسيَّين، هما الحصول على المكافأة المتمثِّلة بثناء الآخرين، وتشجيعهم، والحصول منهم على النصائح والإرشادات، والعامل الثاني الذي يتمثَّل بتجنُّب عواقب الفشل من شعور بالإحراج أمام هؤلاء الأشخاص في حال فشلت في تحقيق هدفك.
3. تجنَّب الملل
قد تعتقد بعد أن وضَّحنا العاملَين الأساسيين اللذين يتحكمان في سلوكاتنا، أنَّ الملل لا يخضع لأي منهما (السعي للذة، أو تجنُّب الألم)، ولكنَّ علم النفس السلوكي يؤكِّد على خطأ هذا الاعتقاد، فوفقاً لميلكمان إنَّ معظم الأبحاث التي تنطوي على أدلة قوية ثُثبت أنَّ الناس يكرهون الشعور بالملل، وأظهرت بعض الدراسات أنَّ الناس عموماً يفضِّلون الألم الخفيف على الشعور بالملل، وهذا يعني أنَّ الملل مؤلم أكثر من الأشياء التي تسبِّب لنا ألماً جسدياً طفيفاً، ولذلك حاوِلْ عموماً أن تبقي نفسك منشغلاً كي تبقى على المسار الصحيح.
في الختام
لا يوجد ما هو أفضل من علم النفس السلوكي لفهم ما يجعلنا متحفِّزين، وجادَلَ كثير من علماء النفس الأوائل أمثال "فرويد" (Freud) بأنَّ اللذة، وتجنُّب الألم هما المحرِّكان الأساسيان لجميع سلوكاتنا، وتُثبت التجارب والدراسات والأبحاث العملية يوماً بعد يوم صحة هذه الأفكار، وهذا يعني أنَّ كل النصائح المستمدة منها هي قوانين لا تحتمل الخطأ، ويمكن الاعتماد عليها لتعديل سلوكنا، وامتلاك الحافز اللازم لتحقيق أهدافنا.
أضف تعليقاً