كونك مشغولٌ أمرٌ جيد، إنَّه أفضل من عدم القيام بأيِّ شيءٍ، وترك الوقت يضيع سُدىً. ولكن، ما لا يدركه الكثير من الناس هو أنَّ الانشغال لا يعني دائماً أنَّك مُنتِج؛ إذ لا يعني استغراق مزيدٍ من الوقت لإكمال شيءٍ، ما النجاح فيه. وينتهي الأمر بالكثير من الناس بالوقوع في هذا الفخ، وهم يملؤون يومهم بمهام وأعمال قد ينتج عنها القليل من النتائج أو المردود، مقارنةً مع المجهودات التي بذلوها فيها.
لنفترض -على سبيل المثال- أنَّ الغسالة في المنزل تعطَّلت ويجب إصلاحها. يقرِّر الزوج مثلاً أنَّ يصلحها بنفسه بدلاً من استدعاء عامل الصيانة؛ وينتهي به الأمر بهدر نصف يومه للتعرُّف على هذه الآلة قبل أن يَهُمَّ بإصلاحها. لقد أصلحها في النهاية، ولكن كان عليه القيام برحلةٍ إلى متجر الأدوات لشراء بعض الأدوات الإضافية، وقطع تبديلٍ لغسالته. الآن، لو أنَّه اتصل بعامل الصيانة، فمن المحتمل أنَّه كان سيأخذ وقتاً أقلَّ بكثير، وكان سيملك جميع الأدوات والقطع الضرورية بالفعل، فهذه وظيفته.
في هذه الحالة، هل كان وقت الزوج وجهده يستحقَّان كلَّ هذا العناء؟ لا، وبكل تأكيد. ولأنَّه استغرق نصف يوم لإصلاح الآلة، توجَّب على الزوجة الآن القيام بواجباته بتوصيل الأطفال إلى المدرسة.
لسنا مضطرين لأن نكون مشغولين إلى هذا الحد:
آمل أن توافق على أنَّه سيكون من المثالي تفويض تلك المهمَّة لعامل الصيانة، حيث سيوفِّر هذا وقتك وجهدك، وبذلك يمكنك وزوجتك التركيز على القيام بأشياء أخرى أكثر أهميَّةً بالنسبة إليك، مثل: التواجد مع أطفالك، أو قضاء الوقت مع بعضكما بعضاً. هذا مجرد مثالٍ واحدٍ يبيِّن كيف أنَّنا غالباً -ودون أن ندرك ذلك- ما نفرض الانشغال على أنفسنا؛ ولكن، سنريكم كيف يمكنكم الحصول على وقتٍ نوعيٍّ نشأ من مصادر خارجية.
مهما كان حجم الأهداف أو الطموحات التي تملكها، فمن الطبيعي أن يشغلوا حيِّزاً كبيراً من وقتك، حتَّى أكثر ممَّا توقعته بدايةً.
نحن نتحدَّث عن أشياء، مثل: بدء عملٍ جديد، وتغيير الوظائف، وربَّما الانتقال إلى مدينةٍ جديدة. غالباً ما تنطوي التحديات الجديدة على أشياء خارج خبرتنا وتجربتنا؛ لذلك تكون تغطية جميع الأشياء بأنفسنا غير ممكنةٍ أحياناً؛ ذلك لأنَّها تستغرق الكثير من الوقت للتعلُّم، ومن ثمَّ القيام بكلِّ شيء.
أنت شخصٌ واحدٌ فقط:
أنت شخصٌ واحدٌ في النهاية، ولديك مقدارٌ محدودٌ من الوقت؛ لذا، عليك أن تفعل أشياء ذات أهميةٍ بالنسبة إليك. في حين أنَّ الهدف العام قد يكون ذا مغزى، فقد لا تكون كلُّ المحطَّات اللازمة للوصول إلى هناك هامَّة؛ لأنَّ لدينا جميعاً نقاط قوةٍ ونقاط ضعف، ولدينا جميعاً ما نحبُّ وما نكره، كما لن تكون كلُّ مهمَّةٍ نقوم بها ممتعةً أو مليئةً بالتسلية واللعب، حيث يتطلَّب القيام ببعضها قوة إرادةٍ كبيرةً وانضباطاً، ومن هنا يأتي التفويض.
ما هو التفويض؟
إنَّه طريقةٌ فعَّالةٌ للمدراء لتوزيع العمل، أو تجنُّبه أحياناً. قد تسمع هذا المصطلح كثيراً في عالم الأعمال أو الشركات، لكن ليس هذا ما نود الخوض فيه، فالتفويض هو الاستفادة من وقت مصدرٍ خارجيٍّ لمنحك الفرصة لزيادة جودة وقتك الخاص، ونعني بقولنا من مصدرٍ خارجيٍّ أنَّ هذا الوقت الذي تقضيه ليس وقتك.
ما الذي يجب أن تفوضه؟
للتفويض بفعالية، يجب أن يحدث ذلك بنيَّةٍ متعمَّدة؛ لأنَّ الهدف من التفويض توفير وقتٍ مفيدٍ لنفسك. هناك 3 أنواعٍ من المهام التي يجب تفويضها عموماً، وتُدعَى مثلث التفويض:
- النوع الأول: المهام التي لا تستمتع بالقيام بها. وهذه هي الأشياء التي تعرف كيفية القيام بها، ولكنَّك تكره القيام بذلك.
- النوع الثاني: المهام التي لا ينبغي عليك القيام بها. وهذه هي الأشياء التي تعرف كيفية القيام بها، وحتَّى أنَّك قد تستمتع بها؛ ولكنَّها قد لا تشكِّل أفضل استغلالٍ لوقتك.
- النوع الثالث: المهام التي لا تستطيع القيام بها. وهذه هي الأشياء التي يجب القيام بها، ولكنَّك لا تملك المهارة والخبرة الكافيتين لتنفيذها.
ألقِ نظرةً على مهامك ومسؤولياتك اليومية، وانظر إذا كان بإمكانك إدراجها ضمن هذه الفئات الثلاث.
عثرات التفويض:
يمكنك باستخدام مثلث التفويض هذا، تحديد المهام التي تستحق التفويض. قد يبدو نظرياً أنَّه من السهل تصنيف الأعمال؛ لكن غالباً ما يكون الأمر أصعب ممَّا تعتقد فعلياً. ومن الأمثلة على ذلك: هدر الوقت على المهام التي لا ينبغي القيام بها.
فلنعد إلى مثال الغسالة: يقرِّر الزوج إصلاحها بنفسه بدلاً من استدعاء عامل صيانة لإصلاحها. لماذا؟ ربَّما لأنَّ هذا يشكِّل تحديَّاً يستمتع به هو نفسه، وهو إنجازٌ من شأنه أن يحقِّق له الرضا. ومع ذلك، إذا كانت المهمَّة غير قيِّمة، فيجب تفويضها للآخرين.
أحياناً، عندما يكون لديك هدفٌ أكبر في ذهنك، فقد تضطر إلى التضحية ببعض الأعمال مقابل إحراز تقدُّم. فكِّر دائماً في الصورة الأكبر؛ فشيءٌ واحد يمكن أن يساعدك على تجنُّب هذا المأزق، وهو: إبقاء مواعيدك النهائية في عين الاعتبار كلَّما قمت بتحديد مراحل مشروع أو مهمَّة. المواعيد النهائية هي التزامٌ لنفسك، ولكلِّ جزءٍ من الوقت الثمين؛ لذلك إذا كان النشاط الذي تركِّز عليه يأخذ من وقت تقدُّمك نحو هدفك، فربَّما يكون من الأفضل تركه في الوقت الراهن؛ إذ يمكنك دائماً أن تقرِّر العودة إليه مرةً أخرى لاحقاً.
ثمَّ هناك الطرف الآخر من التفويض، وهو عندما تبدأ تفويضَ كلِّ شيءٍ تكره القيام به لجهات خارجية، إذ من المغري إساءة استخدام التفويض، وتحميل تلك "الجهات" مسؤولية كلَّ شيءٍ موجودٍ في قائمة "لا أحبُّ القيام به". يصعب إرضاء بعض الناس بشأن ما يفعلونه؛ ولكن أحياناً، إذا كنت لا تحبُّ القيام بذلك ولكنَّك الوحيد الذي يمكنه القيام بذلك، فيجب عليك إنهاء المهمَّة.
وفي النهاية، سوف يتطلَّب منك تحقيق النجاح الذي تريده العمل بجدٍّ وبذل الجهد. لذا، إذا وجدت أنَّك تواجه باستمرارٍ مشكلة التفويض هذه، فقد يكون الوقت قد حان لإعادة تقييم دوافعك، أو سبب القيام بكلِّ ما تقوم به.
اسأل نفسك: "هل تساهم هذه المهمَّة في تحقيق الهدف الهامّ الذي أريد تحقيقه؟"، و"ما نوع التقدُّم الذي أحقِّقه في كلِّ مرةٍ أنفِّذ فيها هذه المهمَّة بنفسي؟".
إذا كانت المهمَّة هامَّةً وتحقِّق التقدُّم في آنٍ واحد، فالخطوة التالية أن تسأل نفسك أسئلة يمكن أن تساعدك في القيام بالأعمال: ما العقبات التي تجعلك تتجنَّب هذه المهمة؟ هل يكون هذا بسبب ضعف ثقتك بقدراتك؟ وهل تعتقد أنَّ شخصاً آخر يمكنه القيام بالمهمَّة أفضل منك؟ هل هو مستوى تركيزك؟ أو هل هناك إجراءٌ بديل يمكنك القيام به، بحيث تحصل على النتائج نفسها؟
اتخذ إجراءاتٍ الآن:
ألقِ نظرةً على المهام الحالية، أو المهام التي خطَّطت للقيام بها هذا الأسبوع، ثمّ اطرح الأسئلة التالية:
- ما هي المهام التي يمكن أن تكون مرشحةً لإدراجها ضمن مثلَّث التفويض؟
- هل يندرج أيٌّ من هذه المهام ضمن العثرات المذكورة أعلاه؟
- ما هي المهام التي يمكنك تحديدها على الفور، والتي يجب تفويضها الآن؟
نأمل أن يساعد هذا في تنظيم مهامك ومسؤولياتك قليلاً، ويسمح لك برؤية مقدار الوقت الذي يمكنك توفيره للقيام بمزيدٍ من الأشياء الهامَّة. لكن هذه ليست نهاية عملية التفويض، فالخطوة التالية بعد أن تقوم بترتيب المهام التي يمكن تفويضها هي تحديد إلى من يجب تفويضها؛ فإلى جانب أشخاصٍ مثل: زملائك في العمل، أو الشريك، أو أفراد الأسرة؛ هل تعلم أنَّ هناك صناعةً كاملةً تقوم على التفويض؟
أضف تعليقاً