لكنَّ عالمنا ليس كذلك، لهذا السبب ستبحث عن أسلوب مختلف للقيادة. ماذا عن القيادة التكيفية (وهي إطار قيادة عملي يساعد الأفراد والمنظمات على التكيف مع البيئات المتغيرة والاستجابة بفاعلية للمشكلات المتكررة)؟ لقد طور كل من الدكتور "رون هيفتز" (Dr. Ron Heifetz) و"مارتي لينسكي" (Marty Linsky) من جامعة "هارفارد" (Harvard University) القيادة التكيفية كطريقة للعمل ضمن الوضع الحالي الذي يشهد فيه عالم الأعمال اليوم تغيراتٍ متسارعة.
ما هي القيادة التكيفية؟
يوجد أربعة مبادئ للقيادة التكيفية تشكِّل إطاراً قيادياً يمكِنك تتبعه:
- التنقل ضمن بيئات العمل.
- القيادة مع التعاطف.
- التعلم من خلال التصحيح الذاتي والتفكير.
- إيجاد حلول ترضي الجميع.
باستخدام هذه المبادئ، يمكِن للقادة إيجاد طرائق للاستجابة إلى بيئتهم بطريقة من شأنها تعزيز الإبداع والتوصُّل إلى حلول؛ حيث لا يمكِن لأحد أن يجد حلاً لكل مشكلة تواجهه، ويُعدُّ هذا الأمر من الإخفاقات الكبيرة التي يواجهها القادة الذين يتبعون مبدأً تراتبيَّاً في الإدارة يبدأ من أعلى هرم القيادة ويتجه إلى قاعدته، لذلك تستعين القيادة التكيفية بكافة الموظفين والعملاء للعثور على الحلول الناجحة.
التنقل ضمن بيئات الأعمال:
عندما تقوم بأمر ما بشكلٍ متكرر، يمكِنك توقُّع نفس النتيجة، وعندما لا تسير الأحداث على ما يرام، فأنت بحاجة إلى تغيير ما تقوم به لتحسين الوضع؛ ولكن كيف تفعل ذلك؟
يجب أن تكون مرناً وتتقبَّل فكرة التغيير، وبالتالي أنت تحتاج إلى التفكير في أساليب أخرى تختلف عن تلك التي تستخدمها دائماً، وقد يبدو الأمر أصعب مما تعتقد، ولا بُدَّ أنَّك سمعتَ عن مواقف قاوم فيها الناس التغيير بأي ثمن.
تُعدُّ شركة كوداك (Kodak) إحدى أعظم الشركات التي واجهَت الإخفاق، وذلك عندما فشلَت في التنقل ضمن بيئة الأعمال بشكل مناسب. قد تتذكَّر فيلم التصوير الذي نضعه في الكاميرا، لقد كانت تلك الفكرة عبارة عن عمل كبير ومربح، وعندما بدأَت التكنولوجيا الرقمية بالظهور، شعرَت كوداك بالأمان لأنَّ التكنولوجيا الرقمية لن تكون أفضل من الأفلام؛ ولكنَّهم كانوا مخطئين.
متى كانت آخر مرة اشتريتَ فيها فيلماً لكاميرا؟ لم تتكيف كوداك مع بيئة العمل سريعة التغير.
القيادة مع التعاطف:
إذا كنتَ لا تستطيع فهم من أين يأتي موظفوك وزبائنك، فستواجه صعوبة في تلبية احتياجاتهم، وإذا لم تتمكن من تلبية احتياجات الزبائن والموظفين، سيتركونك ويذهبون إلى مكان آخر، فأنت تحتاج إلى التعامل مع الموظفين بالتعاطف والتراحم لتضمن بقاءهم ومساعدتهم لك في تعزيز النجاح في العمل.
لا يشعر الموظفون في الوقت الحالي بالسعادة لمجرد قدومهم إلى العمل وإنجاز المهام المتكررة والحصول على الراتب؛ والزبائن يريدون دائماً الحصول على منتجات وخدمات جديدة ومفيدة، فمثلاً انظر إلى ظهور الوعاء الفوري "إنستانت بوت" (Instant Pot) - وهو عبارة عن قدر الضغط الكهربائي يُستخدم للطهي السريع وهو قابل للبرمجة ومتعدد الاستخدامات - حيث يُعدُّ نسخة كهربائية من قِدر الضغط الذي كنا نستخدمه مسبقاً؛ لكن أدرك المبدعون أنَّ المطبخ الحديث يبحث عن حل حديث للحصول على وجبة صحية على مائدة الطعام.
كان يمكِن للموظف أن يقول: "قدور الضغط موجودة أساساً، ولسنا بحاجة إلى مثل هذا الاختراع"، وقد يكون الموظف محقاً، لكن هذا ما أراده الناس وما جعلهم يشعرون بحال أفضل عند إعداد الطعام. لقد ساعد التعاطف على تحقيق نجاح كبير.
التعلُّم من خلال التصحيح الذاتي والتفكير:
لا يوجد شخص ينجز أي أمر دون أن يُخطئ، وكل القادة يخطئون، حيث يدرك القائد المتكيف ذلك ويكون مستعداً لتصحيح مسار عمله، وهذا يعني أنَّه إذا كنتَ تتبع أسلوب القيادة التكيفية، فيجب أن تتقبل الفشل كجزء من عملك.
يمكِنك أن تقول: "هذا الأسلوب ينجح معي في العمل، لذلك سأواصل القيام بذلك"، لكنَّ عالم الأعمال يتغير بسرعة، وما نجح معك بالأمس ليس بالضرورة أن ينجح اليوم، وحتى إذا حصل ذلك، قد لا يكون هو الحل الأفضل، لهذا السبب يجب عليك أن تجرب أمور جديدة.
هذا يعني تَقَبُّل التغذية الراجعة؛ ما الذي يقوله الموظفون؟ وما الذي يقوله الزبائن؟ أجرِ الاستطلاعات وألقِ نظرة على البيانات، فلا يمكِنك السؤال عن آرائهم ثم تجاهل ذلك، أنت تحتاج إلى التفكير في الأساليب الناجحة والأساليب غير الناجحة والمخاطرة بتغييرها.
إيجاد حلول ترضي الجميع:
يُعدُّ كل أمر مناسب لك مناسباً تماماً، أليس كذلك؟ إذا كنتَ تريد البقاء في العمل لفترة قصيرة جداً، فقد ينجح هذا المبدأ معك؛ لكن عندما تستطيع التوصل إلى حلول تناسب منظمات عدَّة، ستحقق مزيداً من النجاح.
قد يبدو هذا المبدأ من القيادة التكيفية غريباً، لاسيَّما إذا كنتَ مُصرَّاً على العمل بمبدأ التنافس، ولكن ماذا لو استطعتَ أنت والمنافسين مساعدة بعضكم بعضاً؟
إذا كنتَ تريد مثالاً على ذلك، استمِع إلى بعض التدوينات الصوتية التي يقدِّمها أشخاصٌ مستقلون، وستجد أنَّ الأشخاص المنافسين عملياً يشجعون ويمدحون بعضهم بعضاً؛ ماذا يَحدث عندما يقومون بذلك؟ يبدو أنَّ الأشخاص الذين يستمتعون بسماع تدوينةٍ صوتية يستمتعون أيضاً بسماع غيرها.
بدلاً من المنافسة الشرسة، يعتمد هذا المبدأ على إيجاد سيناريوهات تُرضي الجميع، ويمكِنك القيام بالأمر نفسه في عملك؛ ابحث عن حلول ترضي الجميع بدلاً من استخدام استراتيجية فرِّق تسد.
إذا كنتَ تريد أن تصبح قائداً جيداً؛ فحاوِل اتباع هذه المبادئ الأربعة للقيادة التكيفية وراقِب كيف ستتغير حياتك، حيث يمكِن لسلوكك الجديد أن يحسِّن الوضع في عملك.
خصائص أسلوب القيادة الناجحة:
لقد ذُكِرَ كثيرٌ من الأمور المتعلقة بما يجعل القادة ناجحين، وسنذكُر لك فيما يلي مجموعة من الخصائص والصفات والإجراءات التي يعتقد عديدٌ من القادة أنَّها أساسية لتكون القيادة ناجحة:
- الرغبة في ممارسة القيادة واتِّباع أسلوب القيادة التكيفية.
- أن تكون الشخص الذي يختار الآخرون اتباعه.
- توفير رؤية للمستقبل.
- أن تكون مصدراً للإلهام.
- جعل الآخرين يشعرون بالأهمية والتقدير.
- التعايش مع قيمك، والتصرف بطريقة أخلاقية.
- تحديد القادة وتيرة عملهم من خلال توقعاتهم ونماذجهم.
- تأسيس بيئة قائمة على التحسين المستمر.
- توفير الفرص للأشخاص للتطور والنمو من الناحيتين الشخصية والمهنية.
- الاعتناء والتصرف بتعاطف واستخدام أسلوب للتواصل بحيث يؤثر تأثيراً إيجابياً في الصحة النفسية.
تُعَدُّ القيادة التكيفية إحدى طرائق القيادة التي انتشرت مؤخراً في بيئات العمل، وهي كما رأينا تقوم على أربعة مبادئ هي: التنقل ضمن بيئات العمل، و القيادة مع التعاطف، والتعلم من خلال التصحيح الذاتي والتفكير، وإيجاد حلول ترضي الجميع، وإذا كنتَ تعاني مشكلةً في إدارة مؤسستك فقد يكون أسلوب القيادة التكيفية هو أحد الحلول.
أضف تعليقاً