من هو ابن الجوزي؟
- هو الشيخ الإمام العلَّامة جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن الجوزي، وينتهي نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم.
- لُقِّبَ بـ "ابن الجوزي" نسبةً إلى شجرة الجوز الموجودة في وسط داره، فلم يكن في البلد شجرة جوز سواها.
- رُزِق بالعلم الوفير والذاكرة القوية والقلم الفياض، وبلغت مصنَّفاته تقريباً 300 مصنَّفاً، وكان شيخاً للفقه والوعظ والتاريخ، فهو من أكثر العلماء الإسلاميين إنتاجاً ومشاركة في العلوم الإسلامية وغيرها من طبٍّ وحسابٍ وتاريخ وعلوم اللغة والشعر.
نشأة وطفولة ابن جوزي:
- وُلِد "ابن الجوزي" في عام 510 هجري الموافق 1116م في بغداد.
- توفِّي والده عندما كان عمره ثلاثة أعوام، ثمَّ تزوجت والدته، ونشأ يتيماً بين أعمامه وقامت عمته بتربيته، وتنقَّل بين أقاربه، وكان عملهم الرئيس تجارة معدن النحاس.
- عندما لاحظت عمته عزوفه عن التجارة واللهو، دفعته إلى العلم فلزم مسجد محمد بن ناصر الحافظ للاستماع للدروس والأحاديث.
- التزم "ابن الجوزي" في حلقة شيخ حنابلة العراق الشيخ ابن الزاغوني، وكان صبياً لا يُجاري أقرانه في اللعب واللهو، فتميَّز في تقدُّمه على أقرانه وظهر نجمه مُبكِّراً.
- لم يخالط "ابن الجوزي" أحداً ولم يأكل ما فيه شبهة، ولم يخرج من بيته إلَّا للجمعة فكان صبياً ديناً.
- طموحه دفعه إلى أن يجلس مكان شيخه الزاغوني عندما توفي وهو دون العشرين عاماً، ولكن أنكر الناس ذلك.
السيرة الذاتية لابن جوزي:
- ترك والد "ابن الجوزي" له كثيراً من المال، فقد كان يسير الحال ممَّا جعله يتفرَّغ للعلم ويعيش في النعيم دون أن يضطر إلى العمل، ولكنَّه لم يحب مخالطة الناس خوفاً من إضاعة الوقت والوقوع في الأخطاء، فقد مالت شخصية "ابن الجوزي" إلى الزهد، فلا ثروةً ولا نعيماً بل العلم والمعرفة فقط، وكانت حياته عبارة عن بيته ومسجده ودرسه فقط، وقلَّ أن يخرج عن تلك الثلاثة.
- استمرت دروس "ابن الجوزي" عقوداً من الزمن، قرأ خلالها كثيراً من المؤلفات مثل مؤلفات المؤرخ الخطيب البغدادي وأبي نعيم الأصفهاني، وتعلم على يد كثير من العلماء والشيوخ، فقد بلغ عددهم ما يقارب 87 شيخاً منهم محمد بن نصار وأبو القاسم الحريري المعروف بابن الطبري وأبو منصور موهوب الجواليقي وأبو منصور بن خيرون.
- استطاع أن يصبح "ابن الجوزي" علَّامةً في زمانه، فقد ذاع صيته وهو في سِنٍّ مُبكِّرة، فكانت موهبته كبيرة في الوعظ والخطابة، وسرعان ما انجذب الناس إليه وسمعوا مواعظه.
- كان يروى بأنَّه جادٌّ كثيراً بعيداً عن المزاح، والذي ساهم في صناعة طبيعته تلك الظروف التي تربَّى ضمنها، وكان يقول "ابن الجوزي" عن نفسه في صغره: "كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث وأقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلَّا عند الماء، فكلَّما أكلت لقمة، شربت عليها شربة وعين همتي فلا ترى إلا لذة تحصيل العلم".
- شارَكَ "ابن الجوزي" في الأعمال الإنسانية والخدمات الاجتماعية التي تعود بالنفع على الجميع، فقد بنى مدرسة بدرب دينار وأسَّس فيها مكتبة كبيرة.
- تزوَّج ورُزِق بثلاثة أبناء ذكور وخمس بنات.
- في سنة 590 هجرية عندما تسلَّم ابن القصاب الشيعي منصب الوزارة سجن "ابن الجوزي"، ونُفي إلى واسط وأقام بها خمس سنوات، ثمَّ أطلق سراحه بمسعى من ابنه محيي الدين يوسف الذي كان محتسباً، وبِتدخُّل من أم الخليفة ليعود "ابن الجوزي" إلى مجالس الوعظ، ولكن توفي بعدها بمدة قصيرة في عام 597 هجري.
المسيرة المهنية لابن جوزي:
- درَّس "ابن الجوزي" بوصفه مساعداً لأستاذه أبي الحكيم النهراوي الذي كان يعلِّمه في مدرسة باب الأزج في بغداد، وعندما توفي، تولَّى إدارة تلك المدرسة وأيضاً المدرسة الثانية التي بناها النهراوي سنة وفاته.
- عاصر "ابن الجوزي" عدداً من الخلفاء العباسيين في بغداد وفي عهد الخليفة المقتفي، وبدعمٍ من الوزير ابن هبيرة، وسَّع "ابن الجوزي" نشاطه في الوعظ وأقام جلسة كلَّ يوم جمعة في بيت ابن هبيرة، وفي عهد الخليفة المستنجد سمح ل"ابن الجوزي" الوعظَ في جامع القصر، وكان مؤيداً قوياً لنور الدين الزنكي في تدخُّله بشؤون مصر تجاه الصليبيين والفاطميين، كما كان "ابن الجوزي" مدافعاً قويَّاً عن السُنَّة، وزاد نشاطه في نشر الحنبلية، وعندما أسقط صلاح الدين الأيوبي الخلافة الفاطمية وثبت العباسية، مجَّد "ابن الجوزي" ذلك الحدث بكتاب "النصر على نصر"، وعظَّم الخليفة المستضيء بكتاب "المصباح المضيء في دولة المستضيء"، فزاد ذلك مكانة "ابن الجوزي" رفعةً وحضر أهم مجالس الأمراء والعلماء.
- سنة 574 هجرية كانت سنة العطاء الأعظمي بالنسبة إلى "ابن الجوزي"، فكان حينها يدير خمس مدارس، وقد حظيت الحنبلية بشعبية كبيرة، وسبَّب دعم الخليفة الناصر لذلك اضطرابات بين الشيعة والسنة.
إنجازات ابن الجوزي:
أهم إنجازات "ابن الجوزي" الكتب والمؤلفات التي تركها منها:
- صيد الخواطر.
- أخبار الحمقى والمغفَّلين.
- الأذكياء.
- تلبيس إبليس.
- وداع رمضان.
- رسالة إلى ولدي.
- ذم الهوى.
- بحر الدموع.
- صفة الصفوة.
- عيون الحكايات.
- المدهش.
- حفظ العمر.
- أحكام النساء.
- نصيحة الولد.
- منهاج القاصدين.
- الطب الروحاني.
- مناقب عمر بن الخطاب.
- دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه.
- سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز.
- تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر.
- آداب الحسن البصري وزهده ومواعظه.
- الواعظين ورياض السامعين.
- الرد على المتعصِّب العنيد المانع من ذم يزيد.
- اللطائف.
تحديات حياة ابن الجوزي:
- أبرز التحديات في حياة "ابن الجوزي"، تآمر عدوه الركن عبد السلام بن عبد الوهاب، الذي عاد نتيجة انتقاد "ابن الجوزي" الدائم لجدِّه الشيخ عبد القادر الجيلاني، مع ولده أبي القاسم الذي كان فاسقاً وماجناً وعاقاً لأبيه.
- انتُقد "ابن الجوزي" بسبب كثرة الأخطاء نتيجة كثرة التصانيف، فلم يدقِّق بعد الكتابة.
- تميَّز "ابن الجوزي" بالقدرة العالية على الوعظ الشفوي إلى جانب المؤلفات الكثيرة، فقد جمع خطابه النظم الرائع سرعة البديهة والخاطر والفهم العميق والصوت الحسن والقدرة على تحريك مشاعر الجماهير.
- قال عنه ابن كثيِّر: "أحد أفراد العلماء، برز في علوم كثيرة، وانفرد بها عن غيره، وجمع المصنَّفات الكبار والصغار قرابة 300 مُصنَّفاً".
- قال عنه الذهبي: "ما علمت أنَّ أحداً من العلماء صنَّف ما صنَّف هذا الرجل".
- أُعجِب بكتب "ابن الجوزي" كلُّ من ترجمها وأصبحت محطَّ أنظارِ الباحثين في التاريخ والفقه ومختلف العلوم.
- قال عنه الذهبي أيضاً: كان رأساً في التذكير بلا مدافعة، يقول النظم الرائق، والنثر الفائق بديهاً، ويسهب، ويعجب، ويطرب، ويطنب، لم يأت قبله ولا بعده مثله، فهو حامل لواء الواعظ، والقيِّم بفنونه، مع الشكل الحسن، والصوت الطيِّب، والواقع في النفوس، وحسن السيرة، وكان بحراً في التفسير، علَّامة في سير التاريخ، موصوفاً بحسن الحديث، ومعرفة فنونه، فقيهاً، عليماً بالإجماع والاختلاف، جيِّد المشاركة في الطبِّ، ذا تفنُّن وفهم وذكاء، وحفظ واستحضار.
أهم الأقوال والاقتباسات المأثورة:
تميَّز "ابن الجوزي" بالقول الحكيم، وله كثير من الحكم المأثورة منها ما يأتي:
- "الكتب هم الولدان المخلدون".
- "العاقل يعطي بدنه من الغذاء ما يوافقه".
- "المواعظ كالسياط فلا تُكثر منها".
- "إنَّما ينبغي للإنسان أن يتَّبع الدليل، لا أن يتَّبع طريقاً ويتطلَّب دليلها".
- "من المخاطرات العظيمة تحديث العوام بما لا تحتمله قلوبهم أو عقولهم أو بما قد رسخ في نفوسهم ضدَّه".
- "يا واقفاً في الصلاة بجسده والقلب غائب، أتدري بين يدي من أنت قائم؟ أتدري من اطَّلع عليك ما يصلح ما بذلته من العبد مهراً للجنَّة، فكيف ثمناً للمحبة؟ رأت فأرة جملاً فأعجبها، فجرت بخطامه فتبعها، فلما وصل إلى باب بيتها وقف ونادى بلسان الحال: إما أن تتخذي داراً تليق بمحبوبك أو محبوباً يليق بدارك، فخُذْ من هذا إشارة إمَّا أن تصلِّي صلاةً تليق بمعبودك أو معبوداً يليق بصلاتك".
- "عقاب المنايا يلسع، وخدران جسم الأمل يمنع الإحساس، وماء الحياة في إناء العمر يرشح الأنفاس".
- "قال لبعض الولاة: أذكر عند القدرة عدل الله فيك، وعند العقوبة قدرة الله عليك وإياك أن تشفي غيظك بسَقَمِ دينك".
- "قال له قائل: أيهما أفضل أأُسبِّح أو أستغفر؟ قال: الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخُّور".
- "فليس في الدنيا أطيب عيشاً من منفردٍ عن العالَم بالعلم، فهو أنيسه وجليسه، قد قنع بما سلَّم به دينه من المباحات الحاصلة، لا عن تكلُّفٍ ولا تضييع دين، وارتدى بالعزِّ عن الذل للدنيا وأهلها، والتحف بالقناعة باليسير، إذا لم يقدر على كثير بهذا الاستعفاف يسلم دينه ودنياه، واشتغاله بالعلم يدلُّه على الفضائل ويفرِّجه عن البساتين، فهو يسلم من الشيطان والسلطان والعوام بالعزلة، ولكن لا يصلح هذا إلا للعالِم، فإنَّه إذا اعتزل الجاهل، فاته العلم فتخبَّط".
- اشتهر من شعره كثير، ومنه الأبيات الآتية عن القناعة والزهد:
إذا اقتنعت بميسور من القوت
بقيت في الناس حرَّاً غير ممقوت
يا قوت يومي إذا ما درَّ خلفك لي
فلست آسي على درٍّ وياقوت
وصية ابن الجوزي:
وأوصى "ابن الجوزي" أن يكتب على قبره الأبيات الآتية:
يا كثير العفو عمَّن
كَثُرَ الذنب لديه
جاءك المذنب يرجو
الصفح عن جرم يديه
أنا ضيفٌ وجزاء
الضيف إحسانٌ إليه
الجوائز والتكريمات التي نالها ابن جوزي:
- لم يعرف التاريخ مثيلاً لمجالس "ابن الجوزي"، فيُقال إنَّ أقلَّ ما يحضر إلى مجلسه عشرة آلاف، فقد حصل على قبول وهيبة وكان ذلك بمنزلة تكريم دائم له.
- حضر مجلس "ابن الجوزي" الأمراء والسلاطين والعلماء والوزراء.
أضف تعليقاً