ولا تخلو أيضاً الحياة الزوجية مما يمكن تسميته بالخيانة، ولكن ما تزال نظرة المجتمع إلى هذه الظاهرة مع الأسف نظرة سطحية من زاوية واحدة فقط، وما تزال هذه النظرة قاصرة عن فهم كل جوانب المشكلة ومحاولة تناولها ومعالجة الظروف الموضوعية والبيئة النفسية والاجتماعية التي أدَّت إليها؛ لذا، سنحاول معاً في هذا المقال أن نشرح الجذور النفسية لهذه المشكلة الحقيقية بأسلوب سهل وممتع.
ما هو تعريف الخيانة بحسب خبراء علم النفس؟
يمكن أن نبدأ بتعريف سهل أو لنقل بدائي لمفهوم الخيانة الذي نجده في أذهان البسطاء، والذي يعني قيام فرد من جماعة ما بإنشاء علاقات مع جماعة معادية لها، أو ممارسة الجنس خارج إطار الزواج وما إلى ذلك من أمور يمكننا ملاحظتها بشكل واضح في المجتمع المحيط به.
أمَّا من وجهة نظر علم النفس، فإنَّ الخائن لشريكه أو أخلاقه أو وطنه هو شخص يعاني من شعور بالنقص في سعادته أو ماله أو متعته أو أي نوع آخر من النقص؛ وهذا ما يدفعه إلى البحث عن طريقة يسد بها هذا النقص أو يعوض منه ولو جزءاً صغيراً.
هل ترتبط الخيانة مع معدل ذكاء أعلى أم أقل؟
لقد كان "ستالين" ديكتاتورياً عظيماً وقام بسياسات قصد من خلالها تطويق كل معارضيه وحماية نظام حكمه ومنع أيَّة محاولة خيانة قبل حصولها، وقد كان يقول دائماً: "إنَّه يحب الفلاحين والمزارعين وجميع مَن يعمل في أرضه؛ لأنَّ مَن يعمل في الأرض لا يمكن أن يخونها بأي شكل من الأشكال"، وعلى الجانب الآخر أكَّد "ستالين" على عدم ثقته بطبقة المثقفين والمتعلمين؛ وذلك لأنَّهم - على حد تعبيره - يمكن أن يجدوا مبررات أو مسوغات لأيَّة فكرة ومن بينها موضوع الخيانة.
أما من وجهة نظر الدراسات الحديثة، فقد أكدت ثلاث دراسات أُجرِيَت في نواحٍ مختلفة من أوروبا أنَّ موضوع الخيانة لا يتعلق بدرجة الثقافة أو معدل الذكاء سواءً العاطفي أم الاجتماعي؛ بل هو عبارة عن عملية قد تكون واعية أو غير واعية، تهدف إلى الوصول إلى الإشباع الذاتي وتحقيق الرغبات الشخصية أو المكاسب المادية، دون وضع أي اعتبار أخلاقي أو قانوني؛ وإنَّما عقلية نفعية بحتة تتجاوز حقوق الآخرين.
طبعاً إنَّ هذه الدراسات ليست قطعية أو حاسمة؛ إذ إنَّ الموضوع له الكثير من التشعبات والتفاصيل والعوامل المؤثرة التي تتغير حسب المنطقة الجغرافية والطبيعة الثقافية للمجتمع والوضع الاقتصادي القائم والظروف السياسية والأمنية والاجتماعية، وما إلى ذلك من ظروف متغيرة تتغير فيها مفاهيم المجتمع بشكل كامل.
كيف يمكن للإنسان أن يتعرَّض إلى الخيانة من جسده؟
إنَّ الشخص الذي تعرَّض إلى الإساءة الجنسية أو الاعتداء الجنسي، قد يشعر بأنَّه قد تعرَّض إلى الخيانة من جسده؛ وذلك في حال شعر بنوع من اللذة خلال الاعتداء الجنسي.
نحن نعرف جميعاً شناعة وفظاعة مثل هذه الأفعال، وقد نستبعد حصول متعة عند الضحية، ولكنَّ فيزيولوجيا الجسد لا تعرف هذا الأمر، عدا عن أنَّ المعتدي يحاول القيام بأفعال جنسية محددة يهدف من خلالها إلى إثارة الضحية وجعلها تشعر بالمتعة؛ وذلك بهدف نقل المسؤولية عن نفسه وإلصاقها بالضحية؛ في محاولة خبيثة لجعلها شريكة أو مستفيدة من الاعتداء، ومن ثم تخفيف خطر الإفشاء؛ إذ تشعر الضحية بالعار جراء إحساسها بالنشوة فتمتنع عن إخبار السلطات المعنية أو حتى مَن حولها.
أشكال خاصة من الخيانة الزوجية:
يوجد مفهوم عام للخيانة الزوجية؛ وهو معروف بالنسبة إلى الجميع وموجود لدى عامة الناس، وهو ينطوي في معظم الحالات على محورين: الأول عاطفي بحت، يتضمن الشعور بالحب تجاه طرف آخر سواءً بمواعدة أم دون مواعدة؛ وذلك دون حدوث اتصال جنسي، أما المحور الثاني؛ فهو الجانب الحسي أو الجنسي، الذي يكثر وجوده مقارنةً بالمحور الأول، إلَّا أننا قد نرى في بعض الحالات خليطاً من الاثنين.
ما ورد سابقاً يُشكِّل المفهوم العام للخيانة بشكلها التقليدي أو النموذجي، أمَّا ما سنتحدث عنه الآن هو كلٌّ غير نموذجي من الخيانة، وقد نستطيع تسميته بالخيانة الفكرية أو الثقافية.
تقول "يانا" وهي فتاة جميلة عزباء تبلغ من العمر ثلاثين عاماً: إنَّها تَعُدُّ جمالها ومقوماتها الجسدية والشكلية آخر ما تعتمد عليه في حياتها، وتقول إنَّ متعتها الحقيقية تكمن في إجراء حوار عميق مع الشخص الموجود أمامها؛ إذ ترى أنَّ "العقل" هو كنز ثمين وكوكب غير مُكتشَف يمكن للإنسان أن يحصل من خلاله على متع لم يختبرها من قبل، بما يتفوق بأضعاف مضاعفة على متعة الجنس المحدودة بالناحية الحسية.
وانطلاقاً من فكر صديقتنا " يانا" وتفكيرها المختلف والمميَّز، فإنَّها لا تَعُدُّ قيام شريك حياتها المستقبلي بعلاقة جنسية بحتة مع فتاة أخرى خيانة لها، بقدر قيامه بمحادثة عميقة يسترسل فيها مع فتاة أخرى ويجد فيها متعة أكبر من متعة الحديث معها. نلاحظ أنَّ الخيانة تختلف اختلافاً كبيراً بحسب كل شخص وثقافته وتفكيره وبيئته، ولا يمكن أن نقيمها وفق معيار ثابت أو قانون واحد، وهذا ما يميز العقل البشري عن الآلة.
اختلاف سايكولوجيا الخيانة بين الرجل والمرأة:
لا يوجد أي إجماع على مفهوم الخيانة بين الرجل والمرأة، إلَّا أنَّه يوجد العديد من الآراء المتضاربة فيما بينها التي سنوردها لكم الآن:
- الرأي الأول: يقول إنَّ موضوع الخيانة يكون تقبُّله على الرجل أصعب من الطرف الآخر، فخيانة الرجل غالباً ما تكون نزوة عابرة، وتكون عبارة عن رغبة جامحة يشعر بعدها الرجل بالندم والذنب، أما فيما يخص المرأة فغالباً ما تلجأ إلى الخيانة لتعويض نقص عاطفي معيَّن؛ بمعنى أنَّها تخون بكل جوارحها وعواطفها بالإضافة إلى جسدها.
- الرأي الثاني: يؤكد على تساوي موضوع الخيانة بين الرجل والمرأة، فكلاهما إنسان من لحم ودم، وكلاهما لديه كرامة وكبرياء، ولا يمكن أن نبرر الخيانة للرجل فقط لأنَّها نزوة، ثم مَن يستطيع أن يؤكد على أنَّها نزوة أم لا؟
- الرأي الثالث: يقول إنَّ المرأة تتأثر بخيانة الرجل لها تأثراً كبيراً؛ وذلك بحكم طبيعتها العاطفية والنفسية الحساسة، أكثر من الرجل الذي يغلب عليه طابع الخشونة والجلافة.
شاهد بالفديو: 8 تصرفات خاطئة تهدد الحياة الزوجية
تفسير الخيانة من وجهة نظر علم النفس التطوري:
وجد خبراء علم النفس التطوري أنَّ ردود الفعل السلبية على الخيانة الزوجية تكون أقوى لدى الذكور في حال وجود خيانة من الناحية الجنسية، فيما يختلف الأمر عند النساء؛ إذ تُغضِبهن الخيانة العاطفية أكثر بكثير من نظيرتها الجنسية، وقد وجد خبراء علم النفس التطوري أنَّ إمكانية المرأة بأن تنجب أطفالاً من ذكور آخرين تشكل عقدة تطورية عند الذكر؛ وهذا يسبب فيما بعد إشكالية الخيانة.
ما هي السبل التي يستطيع الشخص من خلالها تجنُّب الخيانة؟
1. التجديد:
إنَّ أكثر ما يجلب أفكار الخيانة إلى العلاقة الزوجية هو الملل وانعدام التجديد في العلاقة؛ لذا، يجب على الزوجين اتباع آلية التجديد وتجربة الأمور الجديدة وعدم الاكتفاء بما نفعله كل يوم.
2. لا يمكن بناء سعادتنا على تعاسة الآخر:
قبل أن نُقحِم أنفسنا في علاقة غير شرعية، علينا أن نفكر جيداً، ونقتنع بأنَّ ما نريد القيام به هو مجرد استجابة لرغبة لحظية لن تستطيع تغطية المآسي والكوارث التي قد تحدث بعدها، فلا سعادة تُبنى على أحزان الآخرين.
3. من أجل صحتك الجسدية:
إنَّ أغلب مَن يمارسون العلاقات غير الشرعية هم أشخاص لا يملكون الوعي الصحي الكافي، وفي الوقت نفسه، هم أشخاص لديهم تعدد كبير في العلاقات الجنسية؛ لذا، لا يمكن أن نضمن عدم انتقال الأمراض المنقولة بالجنس التي يمكن أن تسبب الكثير من المشكلات، ومن ضمنها السرطانات.
4. الشعور بالآخر:
في حال فكرت للحظة ما في خيانة شريكك، ضع نفسك مكانه، ماذا سيكون شعورك لو قام هو بفعل الخيانة؟ هذا لوحده كفيل بجعلك تشعر بخطورة وفظاعة ما يمكن أن تُقدِم عليه.
5. الاحترام المتبادل:
إنَّ أكثر ما يؤدي إلى الخيانة هو شعور النقص، وأكثر ما يولد هذا الشعور هو عدم وجود ثقافة الاحترام عند أحد الشريكين أو كليهما، فلا يمكن لأيَّة علاقة مهما كان نوعها أو شكلها أن تستمر دون وجود حالة دائمة من الاحترام المتبادل.
في الختام:
نتمنى أن نكون قد وُفِّقنا في إيصال أفكار نفسية مفيدة حول موضوع الخيانة، وفي النهاية، تبقى الحياة الزوجية عرضة لمثل هذه الأمور، ولكن يجب علينا أن نكون عقلانيين ونضع رغباتنا جانباً، عندما يتعلق الأمر بمنظومة هامة وهي "الأسرة"؛ فليس من حق أي أحد أن يحرم هؤلاء الأطفال من دفء العائلة مقابل رغبات لحظية لا قيمة لها على الأمد البعيد.
أضف تعليقاً