ماذا يُقصد بالواقع الافتراضي؟
إنَّ مصطلح الواقع الافتراضي (virtual reality) (VR) هو مصطلح يعبِّر عن تقنية قادرة على توفير واقع غير موجود، فتستطيع تكوين بيئة ثلاثية الأبعاد باستخدام الحواسب، وتتيح للمستخدم التفاعل مع عناصر هذه البيئة الافتراضية كما لو كانت حقيقية، ويدخل المستخدم إلى هذا الواقع ويتحكَّم بخياراته والبيئة التي يريدها من خلال ارتداء نظارة أو خوذة مخصصة لعملية الـ VR.
تهدف هذه التقنية لتوفير تجربة غامرة تجعل المستخدم يعيش هذا الواقع الافتراضي بكلِّ حواسه، وهذا ما يُميِّزها عن تقنية الواقع المعزز التي تضيف إلى الواقع الحقيقي صوتاً، وصوراً، وفيديوهات، ومجموعة من الإضافات الأخرى، أي إنَّها تدمج الواقع الحقيقي مع الواقع الافتراضي.
إنَّ أكثر المجالات التي تشهد الآن استخداماً هاماً لتقنيات الواقع الافتراضي وتطوراً كبيراً في تطبيقاته بمختلف نواحيها هي ألعاب الفيديو، والألعاب الإلكترونية، والأفلام، والسينما، ولكن مستقبلاً نتوقَّع وجوداً هاماً لدور الواقع الافتراضي في التدريب والتطوير بمجالات مهنية وعلمية، كالطب والعلاج النفسي والهندسة والتدريس وكثير من المهن الأخرى.
ما هو التدريب الافتراضي؟
هو برنامج تدريب وتعليم يستند إلى الواقع الافتراضي في توفير تجربة تعلُّم غامرة تتيح للمتدربين محاكاة مواقف العمل الموجودة فعلياً على أرض الواقع وممارسة المهام ضمنها وتطبيق مهاراتهم التي تعلَّموها دون التعرض لمخاطر بيئات عملهم، فيستطيع المتدرِّب أن يخطئ ويتعلَّم من خطئه مراراً حتى يُتقن العمل ويكتسب خبرة دون مخاطر، ويصبح مستعدَّاً للانخراط في العمل بكفاءة عالية، وهذا ما يُبرز دور الواقع الافتراضي في التدريب والتطوير المهني.
إنَّ هذا النوع من التدريب يهدف إلى إدخال المتدربين في عملية تعلُّمهم المهارات والمعارف التي يحتاجونها بطريقة ترفيهية ممتعة، من خلال ألعاب المحاكاة التي يتفاعلون داخلها بوجود العناصر ثلاثية الأبعاد والصوت المحيطي والتتبُّع الحركي، وإنَّ قدرة المستخدم على تحريك العناصر الرقمية، تحقِّق هذا التدريب الشامل.
من يستخدم الواقع الافتراضي للتدريب؟
تستخدم بعض المجالات الواقع الافتراضي للتدريب، وما زالت هذه الدائرة آخذة في الاتِّساع لتشمل مجالات أخرى، وإنَّه مع تقدُّم الوقت وتطوُّر التقنيات، يزداد دور الواقع الافتراضي في التدريب والتطوير وتزداد الابتكارات في طرائق استخدامه، فدعنا نتعرَّف اليوم إلى بعض المجالات التي تستخدم التدريب الافتراضي:
1. محاكاة التدريبات في الظروف عالية الخطورة
كالحروب والكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ، التي يُدرَّب فيها الأفراد على التعامل مع المواقف والأحداث الخطيرة دون أن يتعرَّضوا لمخاطرها، وبذلك يمتلكون المهارات الإسعافية لإنقاذ حياتهم وحياة من حولهم.
2. المجال الطبي
يهدف إلى تدريب الأطبَّاء والممرضين على مهارات التداخلات الجراحية والإسعافية، وحالات الطوارئ بعيداً عن مخاطر الأخطاء التي قد يرتكبونها في بدايات تدريبهم للوصول إلى كفاءة ومهارة عالية، إضافةً إلى التدريبات على تشخيص وعلاج حالات سريرية متعدِّدة كما في الحالات الواقعية، ويدخلون الحياة العملية ولديهم بالفعل خبرة في الممارسة السريرية.
3. العلاج النفسي
توفير واقع افتراضي للمرضى يُدخلهم في تجربة مضبوطة من قِبَل المعالجين النفسيين المشرفين، تجعلهم يواجهون مخاوفهم والصدمات التي عاشوها فيتعاملون معها ويكتسبون مناعة تجاهها، ويطبِّقون القدرة على التعامل التي اكتسبوها من العلاجات المعرفية والسلوكية، فتخفُّ أعراض المرض تدريجياً عندها، وذلك مثل مرضى الفوبيا من الأماكن الضيِّقة والقلق الاجتماعي واضطراب ما بعد الصدمة.
4. التصاميم الهندسية وتطوير البرمجيات
إنَّ دور الواقع الافتراضي في التدريب والتطوير وفَّر القدرة على إنشاءتصميم افتراضي للمبنى أو المنشئة المراد تصميمها مع القدرة على كشف عيوب التصميم والتطوير السريع فيه واختباره بعيداً عن النماذج المبدئية المادية التي كانت تهدر الوقت والمال والجهد، إضافةً إلى القدرة على تطوير البرمجيات واختبارها بطريقة واقعية أكثر.
5. الطيران والتدريبات العسكرية
إنَّ هذا الجانب يؤدي دوراً هاماً من أدوار الواقع الافتراضي، فيُدرَّب الطيارون في بيئة محاكية تماماً لرحلة الطائرة وسيناريوهاتها وأيضاً يُدرَّب الجنود على العمليات والمهارات العسكرية.
شاهد بالفديو: التحول الرقمي في التعليم تأثير الرحلات الافتراضية
دور الواقع الافتراضي في التدريب والتطوير
يعدُّ الواقع الافتراضي وسيلة فعَّالة جداً في التدريب، ويأتي ذلك من قدرته على توفير بيئة محاكية للواقع وتجربة غامرة تُصمَّم بدقة عالية من عناصر ثلاثية الأبعاد إلى صوت محيطي إلى كثير من التفاصيل وَفقَ احتياجات ومجالات التدريب المطلوب.
إنَّ هذه البيئة التفاعلية والواقعية المتطوِّرة، تسمح للمتدربين بتطوير المهارات التي يريدونها على درجة عالية من الإتقان، بسبب الفترة التدريبية المتطوِّرة التي يخوضونها بمهام وأعمال الواقع الفعلي، وأيضاً توفِّر لهم كسب المعرفة والعلوم المطلوبة في مجالهم بطريقة مسليَّة تطبيقية تجعل من الصعب نسيان هذه المعارف.
إنَّ قدرة المتدرِّب على تكرار التجربة بالقدر الذي يحتاجه دون القلق من المخاطر والتكاليف العالية، تعدُّ نقطة هامَّة جداً في تعزيز المهارات وتحسين قدرات العاملين في مختلف المجالات، إضافة إلى إمكانية تقديم الملاحظات لهم لتطوير أيَّة نقطة ضعف ملحوظة لديهم.
ناهيك عن ذلك كله، فإنَّ استخدامات الواقع الافتراضي قد أصبحت مبتكرة جداً فمن التدريب على المهارات العملية لروَّاد الفضاء والجراحين والطيارين والمسعفين وغيرهم، إلى تقوية واكتساب المهارات الاجتماعية مثل التواصل والتفاعل والتفاوض والقدرة على طرح الأفكار والمحاورة البنَّاءة، إلى تدريب العاملين على أسس السلامة والأمان في بيئة العمل للحفاظ على أمانهم وصحتهم، ولا ننسى دور الواقع الافتراضي في التعلُّم والتدريس وكثير كثير من التطبيقات التي من الصعب حصرها في مقال، والتي ستُخرِج إلى الواقع الفعلي أيدٍ ماهرة وعقولاً مبتكرة قادرة على التطوير.
كيف يمكن الاستفادة من الواقع الافتراضي في التدريس؟
إنَّ دور الواقع الافتراضي في التدريب وتطوير المجال التعليمي، يعدُّ فرصة لتغيير مفهوم التدريس والتعلُّم والتقليل الكبير من الطريقة النظرية لعرض وأخد المعلومات إلى طريقة عملية تفاعلية، فيستطيع الواقع الافتراضي إضافة عدة جوانب إلى العملية التعليمية، نذكر منها:
1. إنشاء بيئة واقعية
للفضاء الخارجي مثلاً أو أماكن تاريخية أو معالم جغرافية ومحميات وغابات وغيرها، وهذا يتيح للطالب زيارات ميدانية لبيئة المعلومات التي يتلقَّاها والتفاعل مع عناصرها.
2. تقوية الذاكرة البصرية وتفعيل الحواس
وهذا ما يؤدي إلى فارق هام لدى الطالب في فهم وإدراك المعلومات، وتعزيز قدراته العقلية على ربطها وتطويرها وتطوير مهارات التفكير الناقد والتحليل وجعل المعلومات سهلة التذكر، فكلُّ هذا يقوِّي قدرات الذاكرة لديه.
3. تعلُّم وممارسة اللغات
فالواقع الافتراضي يوفربيئة مناسبة تماماً لممارسة اللغات مع الآخرين بعملية تفاعلية، ويتيح القدرة على مناقشة المعلمين ومحادثة ناطقين أصليين للغة والتفاعل معهم تفاعُلاً واقعياً.
4. التعلُّم التجريبي
يمكِّن الطلاب من إجراء التجارب العلمية في المواد التي فيها تجارب وقوانين ومعادلات مستنبطة منها، وذلك دون الحاجة لمعدات وتكاليف عالية أو التعرض لمخاطر المواد.
هل الواقع الافتراضي هو مستقبل التدريب؟
إنَّ أحدث الدراسات أكَّدت تزايد أهمية وانتشار الفعاليات الافتراضية في التدريب والتعليم، كما وضَّحت هذه الدراسات بالأرقام تزايد الطلب على تطبيقات الواقع الافتراضي، فقد بيَّنت أنَّ سوق التطبيقات الافتراضية سيبلغ حجمه 404 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027، وأنَّ معدَّل النمو يبلغ حالياً 23% سنوياً، ونرى هنا إذاً أنَّ الواقع الافتراضي وتطبيقاته يعدُّ في حالة من التطور المستمر، فقد أصبحت هذه التقنية اليوم أكثر الطرائق فاعلية للتدريب وتقديم المحتوى التعليمي بطريقة مفيدة وبتجربة فريدة تجعلها لا تقارَن بطرائق التدريب التقليدية.
لذا فإنَّه لا ريب في تزايد السعي لتطويره واستخدامه لجعله مستقبل التدريب، وإنَّ الجانب الهام الذي ما زال يشهد ازدهاراً باهراً وغير مسبوق، هو العمل الحثيث على تطوير دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي مع الواقع الافتراضي لما للذكاء الاصطناعي من دور هام في إنشاء المحتوى المتطور لفعاليات الـ VR، بسبب إمكاناته الكبيرة في تحليل كميات هائلة من البيانات، وتطوير وسائل التفاعل مع الشخصيات والكائنات الافتراضية.
في حديثنا عن مستقبل دور الواقع الافتراضي في التدريب والتطوير، فقد عَمِل المطوِّرون على جعل الواقع الافتراضي أكثر سهولة للاستخدام وبأسعار معقولة تمكِّن شرائح وفئات أكثر من الناس والمؤسسات التعليمية والمهنية من امتلاك تقنيات الواقع الافتراضي وتسخيرها في تطوير التعليم والتدريب، وهذا ما سيعزِّز إمكانية استخدامه على نطاق واسع.
في الختام
إنَّ الإمكانات الضخمة التي وضعها الواقع الافتراضي بين يدينا والتي كسَّرت كل قوالب النمطية وعوائق عملية التدريب، تجعلنا نعترف بدور الواقع الافتراضي في التدريب والتطوير، ولكن علينا ألَّا ننسى أهمية التوازن بين استخدام تطبيقاته وعيش تجارب الواقع الحقيقية الغنية.
أضف تعليقاً