حقيقة المشاعر وأسرارها:
المشاعر هي جوانب معقَّدةٌ وغالباً ما يُساء فهمها من التجربة الإنسانية، و تتأثَّر بعدة عوامل، مثل الذكريات والمعتقدات والتوقُّعات والسياق، فأحياناً تكون المشاعر انعكاساً دقيقاً للواقع، ولكن في أحيانٍ أُخرى تُشوَّه أو يُبالَغ فيها بسبب التحيُّزات المعرفية أو آليات الدفاع أو الاضطرابات العاطفية، فإليك فيما يأتي 3 أسرار عن المشاعر:
- من أسرار المشاعر أنَّها ليست ثابتة ولا دائمة، بل هي ديناميكية ومُتغيِّرةٌ، وتتأثَّر بأفكارنا وأفعالنا وتفاعلاتنا مع الآخرين، فمثلاً إذا تحدَّينا أفكارنا السلبية أو مارسنا الامتنان أو طلبنا الدعم الاجتماعي، فيمكننا تحسين مزاجنا ورفاهنا، وبخلاف ذلك إذا اجتررنا أو انعزلنا أو تجنَّبنا مشاعرنا، فقد يؤدِّي ذلك إلى تفاقم حالتنا العاطفية واختلاق مزيدٍ من المشكلات.
- سرٌّ ثانٍ للمشاعر هو أنَّ لها غرضاً ووظيفةً، وأنَّها ليست عشوائية أو دون معنى، ولكنَّها إشارات تُخبرنا باحتياجاتنا وقيَمِنا وأهدافنا، ويمكنها تحفيزنا على اتِّخاذ الإجراءات أو التواصل أو طلب المساعدة، فالغضب ينبِّهنا إلى الظلم، والخوف يحذِّرنا من الخطر، والفرح يعبر عن النجاح، ومع ذلك فإنَّ المشاعرَ ليست دائماً دليل موثوق به، وأحياناً نحتاج إلى استخدام عقولنا أو حدسنا أو تعليقات الآخرين لاتِّخاذ أفضل القرارات.
- السرُّ الثالث للمشاعر هو أنَّه يمكن مشاركتها أو الحفاظ عليها خاصة، وَفقَ الموقف والشخص، فأحيانا تكون مشاركة مشاعرنا مفيدةً، لأنَّها تزيد من العلاقة الحميمة والثقة والتفاهم مع الآخرين، وتساعد أيضاً على معالجة مشاعرنا وتنظيمها والتعامل معها، ومع ذلك فإنَّ مشاركةَ مشاعرنا قد تكون لها عيوبٌ أيضاً، مثل تعرُّضنا للحكم أو النقد أو الرفض، كما تستنزف طاقتنا أو تصرفنا عن أهدافنا؛ لذلك يجب أن نكون انتقائيين ومُدرِكين لمتى وكيف ومع من نشارك مشاعرنا.
المشاعر جزءٌ أساسيٌّ من كوننا بشراً، ويمكنها إثراء حياتنا بعدة طرائق، ومع ذلك تكون أيضاً صعبةً ومُربكةً وساحقة أحياناً، والحقيقة هي أنَّ المشاعرَ ليست حقائق، بل هي تجارب ذاتية وشخصية تتأثَّر بعوامل كثيرة، ومن خلال فهم أسرار المشاعر، يمكننا أن نتعلَّم كيفية إدارتها والتعبير عنها وتقديرها تقديراً أفضلَ.
كيف تُحدِّد مشاعرك؟
يكون تحديدُ مشاعرك عمليةً صعبةً ولكنَّها مُجزيةٌ، ويساعدك ذلك على فهم نفسك فهماً أفضلَ والتواصل تواصلاً أكثرَ فاعلية والتعامل مع التوتر والتحديات، فيما يأتي بعض النصائح التي يمكنك اتِّخاذها للتعرُّف إلى مشاعرك:
1. ابدأ بقياس درجتك العاطفية، واسأل نفسك:
ما هي المشاعر التي أشعر بوجودها؟ ما هي الأبرز؟ حاول أن تصف ذلك لنفسك بالتفصيل، ويمكنك استخدام [عجلة المشاعر] أو [قائمة المشاعر] لمساعدتك على العثور على الكلمات الصحيحة.
2. حدِّد الضغوطات الخاصة بك، واسأل نفسك:
ما الذي قد يثير هذا الشعور؟ ما الذي يحدث (أو لا يحدث) في حياتي اليومية؟ انتبه للأحداث أو الأفكار أو الأحلام التي ليس لديك سيطرة عليها أو التي تميل إلى تجنبها أو تجاهلها.
3. اكتشف وظيفة مشاعرك والغرض منها، واسأل نفسك:
ما هي مشاعري التي تحاول أن تخبرني بها؟ هل تكشف عن احتياجاتي وقيمي وأهدافي؟ كيف تحفزني على التصرف أو التواصل أو طلب المساعدة؟
4. شارك مشاعرك مع شخص تثق به، واسأل نفسك:
من الذي يمكنني التحدث معه عن مشاعري؟ كيف يمكنني التعبير عنها بطريقة محترمة وصادقة؟ كيف يمكنني الحصول على تعليقات أو دعم من الآخرين؟ تؤدي مشاركة مشاعرك إلى زيادة العلاقة الحميمة والتفاهم والرفاهية.
5. تدرَّب على الشعور بمشاعرك، واسأل نفسك:
كيف يمكنني قبول مشاعري واحتضانها دون الحكم عليها أو قمعها؟ كيف يمكنني التعامل مع المشاعر الصعبة أو غير المريحة بطريقة صحية؟ كيف أستطيع تنمية المشاعر الإيجابية والممتعة في حياتي؟ يساعدك الشعور بمشاعرك على تنظيمها ومعالجتها وتقديرها تقديراً أفضلَ.
هذه النصائح ليست خطية أو ثابتة، بل هي مرنة ومتكرِّرة، ويمكنك تكرارها كلما أردت ذلك، أو تعديلها لتناسب تفضيلاتك وموقفك، ويعد تحديد مشاعرك مهارةً يمكنك تعلمها وتحسينها بمرور الوقت، ويساعدك على تعزيز ذكائك العاطفي ومرونتك وسعادتك.
ما هي المشاعر الكبيرة؟
المشاعر الكبيرة هي طريقة لوصف الفئات الخمس الرئيسة للعواطف، وفقاً لعالم النفس "بول إيكمان"، وهي: الفرح، والحزن، والخوف، والغضب، والاشمئزاز، فهذه المشاعر عالمية ويشعر بها أي شخص، بصرف النظر عن ثقافته أو لغته أو خلفيته، ومع ذلك تختلف أيضاً في شدتها ومدتها وتعبيرها، اعتماداً على الشخص والموقف.
كيف يمكن التحكم بالمشاعر؟
يمكن التحكم بالمشاعر باتِّباع بعض الاستراتيجيات والتقنيات التي تساعد على التعامل مع المواقف والأحداث التي تثيرها، إليك بعض هذه الاستراتيجيات:
- الفصل التام ما بين حياتك في البيت وحياتك في مكان العمل.
- ممارسة تقنيات التنفس العميق والاسترخاء.
- اتباع قاعدة العشر ثوان، وهي التفكير لمدة عشر ثوان قبل الرد أو التصرف عند الغضب.
- الوضوح مع نفسك وتحديد ما تشعر به وما هو مصدره.
- التعبير عن غضبك ومشاعرك السلبية من خلال الرياضة.
- عدم الرد أو اتخاذ قرار أبداً عند الغضب.
- الاعتراف بالمشاعر والحديث عنها مع شخص موثوق أو محترف.
- التعبير عن المشاعر بالرسائل بدلاً من التعبير عنها وجهاً لوجه.
- استخدام الإيماءات الرمزية، مثل: تقديم الاعتذار، وكتابة الملاحظات التي تعبِّر عن الذات.
- البحث عن المساعدة النفسية إذا كانت المشاعر تؤثِّر في حياتك اليومية أو تسبِّب لك الاكتئاب أو القلق.
هذه بعض الاستراتيجيات التي قد تساعدك على التحكُّم بمشاعرك والتغلُّب على التحديات التي تواجهك.
هل من المفيد تحديد مصدر المشاعر؟
نعم، تحديد مصادر المشاعر هو أمرٌ مفيد جداً لفهم أنفسنا والتعامل مع مشاعرنا تعاملاً أفضلَ، فعندما نعرف ما الذي يُثير مشاعرنا، سواء كانت إيجابية أم سلبية، يمكننا التحكُّم فيها وتوجيهها نحو الأهداف والقيم التي نريدها، كما يمكننا أن نتجنَّب أو نواجه المواقف التي تُسبِّب لنا الضيق أو القلق أو الغضب.
يساعدنا تحديد مصادر المشاعر أيضاً على التواصل مع الآخرين بطريقة أكثر صدقاً ووضوحاً، فعندما نشرح للآخرين ما نشعر به ولماذا، يمكننا أن نحصل على الدعم والتفهم والتعاطف منهم، كما يمكننا أن نحلَّ النزاعات ونتفاهم مع الآخرين تفاهماً أفضلَ.
ما هي مُحفِّزات المشاعر؟
بعض المُحفِّزات الشائعة للمشاعر هي:
1. صدمة الماضي:
الأحداث أو المواقف التي تُذكِّر الفرد بتجربةٍ مؤلمة من ماضيه تكون بمقام مُحفِّز عاطفيٍّ قوي، وقد يشمل ذلك تجارب مثل الحوادث أو التعاطي أو الخسارة.
2. الذكريات السلبية:
بعض الذكريات المرتبطة بالفشل أو الإحراج أو خيبة الأمل تكون بمقام محفِّزات، وهذا يجعل الشخص يعاني من مشاعر سلبية شديدة عند مواجهة مواقف مماثلة.
3. الخوف:
الرهاب والمخاوف غالباً ما تكون مُحفِّزات عاطفية، فمثلاً قد يعاني الشخص الذي يعاني من خوف المرتفعات من القلق أو الذعر، عندما يواجه احتمال وجوده في مكان مرتفعٍ.
4. المواقف العصيبة:
تؤدي المواقف الصعبة أو الضغط العالي إلى التوتر والقلق، وقد يشمل ذلك المواعيد النهائية للعمل، أو التحدث أمام الجمهور، أو غيرها من الظروف الصعبة.
شاهد بالفديو: 9 مفاتيح لتجاوز الأوقات الصعبة
5. مشكلات العلاقات:
تؤدي التفاعلات مع أشخاص محددين أو التذكيرات بقضايا العلاقات السابقة إلى إثارةِ مشاعر شديدة مثل الحزن أو الغضب أو الإحباط.
هذه مجرد أمثلة عن المُحفِّزات العاطفية، ولكن قد يكون هناك أمثلةٌ أخرى فريدة لكل شخص، وقد تتأثر المحفزات العاطفية في عدة عوامل، مثل الذكريات والمعتقدات والتوقعات والسياق، ومن خلال تحديد المُحفِّزات العاطفية وإدارتها، يمكنك تحسين صحتك العاطفية ورفاهيتك.
طرائق لتحسين الذكاء العاطفي:
الذكاء العاطفي (EI) هو القدرة على تحديد وتنظيم عواطفنا، وكذلك التعرُّف إلى عواطف الآخرين وفهمها والتأثير فيها، إنَّها مهارةٌ هامة جداً لبناء علاقات أقوى ومتعاطفة، وتساعد على التواصل مع أعمق مشاعرنا، وهذا يسمح لنا باتِّخاذ قرارات أكثر توافقاً مع قيمنا وأهدافنا الشخصية.
توجد عدة طرائق لتحسين ذكائنا العاطفي، ولكن إليك بعض النصائح العامة:
1. ابحث عن طرائق لإدارة المشاعر الصعبة:
أحياناً نواجه مشاعر غير مريحة أو ساحقة أو مزعجة، وبدلاً من تجاهلها أو قمعها، يمكننا أن نتعلَّم كيفية التعامل معها بطرائق صحية، وتشمل بعض الاستراتيجيات تمرينات التنفس أو التأمل أو النشاط البدني أو كتابة اليوميات أو طلب الدعم الاجتماعي.
2. انتبه لأفكارك ومشاعرك:
اليقظة الذهنية هي ممارسة الاهتمام باللحظة الحالية بانفتاحٍ وفضول، ويساعدنا على أن نصبح أكثر وعياً بمشاعرنا وتأثيرها في سلوكنا وتفاعلاتنا مع الآخرين، ومن خلال مراقبة أفكارنا ومشاعرنا دون إصدار أحكام، يمكننا الحصول على مزيد من التبصُّر في أنفسنا ومحفِّزاتنا العاطفية.
3. مارس الاستماع النشط:
الاستماع النشط يدور حول الاستماع إلى ما هو أبعد من كلمات الناس، وينطوي على التناغم التام مع ما يوصل، ومن ذلك محتوى الرسالة والموقف الذي يكمن وراءها، فيساعد الانتباه إلى لغة جسد الآخر، فضلاً عن نبرة صوته وسرعته، على تحديد الحالة العاطفية للمتحدث في تلك اللحظة وأية رسائل تتجاوز ما يقوله.
4. انظر إلى التحديات على أنَّها فرصٌ:
إحدى فوائد الذكاء العاطفي هي أنَّه يساعدنا على التكيف مع الظروف المتغيرة والتغلب على العقبات، وبدلاً من رؤية التحديات على أنَّها تهديدات أو إخفاقات يمكننا أن ننظر إليها على أنَّها فرصٌ للتعلم والنمو وتحسين أنفسنا، وهذا يساعدنا على تطوير عقلية إيجابية ومرنة.
5. مارس مهارات الاتصال:
التواصل جانباً أساسياً من الذكاء العاطفي، لأنَّه يسمح لنا بالتعبير عن مشاعرنا واحتياجاتنا، إضافة إلى فهم الآخرين والتعاطف معهم، ولتحسين مهارات الاتصال لدينا، يمكننا التدرب على استخدام عبارات "أنا"، وإعطاء وتلقِّي الملاحظات، وطرح أسئلة مفتوحة، وحل النزاعات حلَّاً بنَّاءً.
الذكاء العاطفي هو مهارة مرنة يمكن تعلمها وتطويرها وتعزيزها، باتِّباع هذه النصائح، يمكننا تحسين ذكائنا العاطفي والاستمتاع بفوائده في حياتنا الشخصية والمهنية.
في الختام:
لقد تعرفنا إلى بعض الأسرار المتعلِّقة بالعواطف، وكشفنا بعض الحقائق عن المشاعر، وناقشنا طبيعة المشاعر، وكيف تتأثر بأفكارنا وأفعالنا وتفاعلاتنا مع الآخرين، وكيف تُعزِّز ذكاءنا العاطفي ومرونتنا وسعادتنا، فالمشاعر هي جوانب معقَّدةٌ وغالباً ما يُساء فهمها من التجربة الإنسانية، ولكن من خلال فهم أسرار المشاعر، يمكننا أن نتعلم كيفية إدارتها والتعبير عنها وتقديرها تقديراً أفضلَ.
حقيقة المشاعر هي أنَّها ليست حقائق، بل هي تجارب ذاتية وشخصية تتأثر بعوامل كثيرة، ومع ذلك فهي أيضاً إشارات تخبرنا باحتياجاتنا وقيمنا وأهدافنا، وتحفِّزنا على اتِّخاذ الإجراءات أو التواصل أو طلب المساعدة، فالمشاعر جزءٌ أساسيٌّ من كوننا بشراً، ويمكنها إثراء حياتنا بعدة طرائق.
أضف تعليقاً