ما هو مرض نقص الانتباه مع فرط الحركية؟
مرض نقص الانتباه مع زيادة الحركية، أو قصور التركيز وفرط الحركة هو اضطراب في الجهاز العصبي من نمط تأخُّر التطور في مناطق من الدماغ؛ حيث إنَّه يتظاهر في مرحلة الطفولة عند المريض؛ مما يؤدي إلى مجموعة من الأفعال تجعل المرض عاجزاً عن تنفيذ الأوامر أو عن التحكم في أفعاله، أو أنَّه يواجه مشكلات كبيرة في التركيز على الأشياء الهامة، وبذلك فهو في حالة تشتت مستمر بالأمور الصغيرة.
ما هي أعراض وأنواع اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركية؟
يُعَدُّ تراجع التركيز والنشاط الزائد والاندفاعية من الأعراض الأساسية لاضطراب فرط الحركية ونقص الانتباه، هذا ومن الصعوبة بمكان أن نُحدِّد أعراضاً معيَّنة لهذا المرض بصفة خاصة بسبب عدم وجود قدرة على تحديد جدار فاصل بين الأعراض العادية لنقص الانتباه وفرط الحركية والأعراض الأخرى التي تحتاج إلى استشارة طبية، ومن أجل أن نُحدد ما إذا كان الطفل مصاباً باضطراب فرط الحركية ونقص الانتباه أم لا.
يحب أن تكون الأعراض مستمرةً عنده لفترة لا تقلُّ عن 6 أشهر في مكانين مختلفين، ويجب أن تكون هذه الأعراض أشد من مشابهاتها عند الأطفال الآخرين في الفئة العمرية ذاتها؛ إذ قام العلماء بتصنيف أعراض اضطراب فرط الحركية ونقص الانتباه عند الأطفال إلى أنواع، وينبثق عنها ثلاث فئات فرعية منها، ألا وهي:
- الصنف الذي يسيطر فيه تشتت الانتباه.
- الصنف الذي يسيطر فيه الأداء الحركي المفرط والاندفاعية.
- الصنف المركب الذي يتشارك فيه نقص التركيز والنشاط الحركي المفرط والاندفاعية معاً في وقت واحد.
قد ينطوي على الصنف الذي يسيطر في نقص الانتباه الأعراض الآتية:
- تشتت التركيز بسرعة، وضعف القدرة على التركيز على التفاصيل، والنسيان، والتنقل المستمر من شيء إلى آخر.
- صعوبة التركيز في أمر واحد، والشعور بالملل من أداء نشاط واحد بعد بضع دقائق فقط ما لم يكن هذا النشاط ممتعاً، وصعوبة تركيز الانتباه على تنظيم واستكمال عمل ما أو تعلُّم شيء جديد.
- ضعف القدرة على إنهاء الوظائف المدرسية أو أدائها، وفقدان الأشياء في كثير من الحالات (مثل أقلام الرصاص والألعاب والوظائف المدرسية) الضرورية لإتمام المهام أو النشاطات.
- يبدو المصاب وكأنَّه لا يستمع عند التحدث إليه؛ حيث يكون الطفل مستغرقاً في أحلام اليقظة، ويرتبك بسرعة ويمشي ببطء شديد.
- ضعف القدرة على معالجة البيانات بسرعة وكفاءة مثل أقرانه.
- صعوبة تنفيذ الأوامر.
أما الصنف الذي يسيطر فيه الحركية المفرطة والاندفاعية فيتميز بالأعراض الآتية:
- التوتر والتململ في المقعد.
- التكلم دائماً.
- الحركة الدائمة في كل مكان، ولمس أي شيء أو اللعب بكل شيء تقع يدا الطفل عليه.
- ضعف القدرة على الجلوس بهدوء خلال تناول الطعام وفي المدرسة وعند التحضير للنوم.
- المعاناة في القيام بالمهام أو النشاطات بهدوء.
وتشير الأعراض الآتية أيضاً إلى الاندفاعية بشكل أساسي:
- ضعف القدرة على الصبر.
- قول كلام غير ملائم والتعبير عن العواطف دون محاولة ضبط النفس والقيام بتصرفات دون التفكير بالنتائج.
- ضعف القدرة على انتظار حدوث الأمر الذي يرغبون به مثل أن ينتظروا دورهم في اللعب.
من المرجح أن يقوم أغلب الأشخاص ببعض من هذه السلوكات، ولكن ليس إلى المرحلة التي تعوقهم بشكل واضح عن أداء واجباتهم أو علاقاتهم أو دراساتهم، وقد تبقى أعراض مرض فرط الحركية ونقص الانتباه حتى سن البلوغ بنسبة تزيد عن نصف المرضى المصابين بهذا المرض، ومن الصعب تخمين هذه النسبة؛ حيث لا توجد معايير واضحة لنشخص مرض فرط الحركية ونقص الانتباه عند البالغين.
يظل مرض فرط الحركية ونقص الانتباه عند الكبار مقتصراً على التشخيص السريري، فقد تتباين العلامات والأعراض المتعلقة بمرحلة الطفولة عن مشابهاتها في مرحلة المراهقة نتيجةً لعمليات التأقلم وآليات الدفاع التي يكتسبها في أثناء عملية التربية الاجتماعية، وبرهنَت إحدى الأبحاث التي أُجرِيَت عام 2009 أنَّ الأطفال الذين يكابدون مرض فرط الحركية ونقص الانتباه يتحركون بشكل مفرط زائد عن الطبيعي؛ ذلك لأنَّ هذا يعينهم على توسيع فترة الانتباه لإتمام المهام الموكلة إليهم.
جذور مرض فرط الحركية ونقص الانتباه:
تتكلم نظرية الصياد والفلاح - تلك الفرضية التي ألفها الأديب "توم هارتمان" - عن أصل مرض فرط الحركية ونقص الانتباه، وتقول هذه النظرية إنَّ فرط الحركية ربما هو سلوك تأقلمي لدى بني البشر في مرحلة ما قبل الحداثة، وأنَّ سلوكية مرضى اضطراب فرط الحركية ونقص الانتباه يحمل في جذوره العديد من المميزات السلوكية الموغلة في القدم "للصياد" والتي كانت تتمتع التجمعات البشرية في المرحلة السابقة لاكتشاف الزراعة.
كذلك تؤكد هذه النظرية على أنَّ مرضى اضطراب فرط الحركية ونقص الانتباه قد يمتلكون مهارات ومواهب أكثر من غيرهم في مجالات البحث والسعي، وفي المقابل قدرات أقل في مجالات تتطلب البقاء في حالة ثابتة أو مستقرة وحلَّ المشكلات المعقدة مع مرور الزمن، كما توصلَت إحدى الأبحاث في سنة 2006 إلى وجود أدلة أخرى تشير إلى أنَّ فرط الحركية قد يعود بمنفعة كبيرة ولفئات محددة من المجتمعات القديمة، ففي هذه التجمعات، من المفترض أن يتمتع مرضى اضطراب فرط الحركية ونقص الانتباه بمهارة أكبر في إتمام المهمات التي تتضمن خطورةً أو منافسةً كالصيد.
العوامل الاجتماعية المساهِمة في حدوث اضطراب فرط الحركية ونقص الانتباه:
تؤكد منظمة الصحة العالمية أنَّ الإصابة بمرض فرط الحركية ونقص الانتباه يمكن أن ينتج عن اضطراب اجتماعي عائلي أو مناطق ضعيفة في المؤسسات التعليمية، وليس بالضرورة أن يكون ناتجاً عن أمراض نفسية، وقد ينتج عن مقاساة المريض لاضطراب الشدة ما بعد الصدمة المعقد حصول مشكلات متعلقة بالتركيز، والتي تظهر مشابهة لأعراض مرض فرط الحركية ونقص الانتباه.
تدبير مرض فرط الحركية ونقص الانتباه:
تتضمن أساليب المعالجة في أغلب الأحوال خليطاً من تصحيح السلوك وتغيير أسلوب الحياة واستشارة المختصين، بالإضافة إلى الأدوية، كما برهنَت أبحاث أُجرِيَت في سنة 2005 أنَّ التدبير الطبي والعلاج السلوكي المناسب هما أكثر العلاجات نجاعةً في تدبير مرض فرط الحركية ونقص الانتباه، ثمَّ تأتي بعدها الأدوية وحدها، ثمَّ العلاج السلوكي وحده، بينما أكدَت نتائج هذه الأبحاث إلى أنَّ الأدوية ستقود إلى تصحيح السلوك في حال تناوله لمدة قصيرة، إلا أنَّه لا يؤدي إلى تحسُّن حقيقي على الأمد الطويل.
تتضمن أساليب العلاج النفسي المستعملة لتدبير مرض فرط الحركة ونقص الانتباه أساليب نفسية ووسائل سلوكية غير دوائية، وعلاج سلوكي، وعلاج سلوكي معرفي (CBT)، وقد تطوَّر في أوروبا الاهتمام بهذا الصنف الآمن من العلاج النفسي، وخاصةً بعد الريبة التي أثارَتها نوعية الدواء المستعمل للتدبير وغموض آثاره الجانبية على الأمد الطويل من جانب، وبسبب التشخيص غير المدروس من بعض الأطباء؛ حيث يشتبهون بما يسمى بالمرض شبيه - فرط الحركية ونقص الانتباه.
العلاج الدوائي لفرط الحركية ونقص الانتباه:
أُثبِتَ أنَّ التحكم في أعراض الاضطراب من خلال الدواء هو أكثر الطرائق نجاعةً من حيث الكلفة المادية، يليها العلاج السلوكي، ثمَّ المشاركة بين كلتا الطريقتين، وذلك في إحدى الأبحاث التي أُجرِيَت مدة 14 شهراً، ومع ذلك، ذكرَت إحدى الأبحاث أنَّ الأدوية المنشِّطة لا تتجاوز في فائدتها طرائق العلاج السلوكي المستخدَمة مع الأطفال بعد إيقاف كل طرائق المعالجة المخصصة لهم لمدة سنتين.
لا يوصي الأطباء باستعمال الأدوية المخصصة لمرض فرط الحركية ونقص الانتباه للأطفال في عمر ما قبل المدرسة لنقص المعرفة بتأثيراتها الجانبية على الأمد الطويل عليهم في هذا العمر الصغير، ويوجد شح كبير في المعلومات الخاصة بالآثار الجانبية للمنشطات أو منافعها على الأمد الطويل بالنسبة إلى مرض فرط الحركية ونقص الانتباه.
تُعَدُّ المنبهات الدواء الذي ينصح به الأطباء عادةً لتدبير مرض فرط الحركية ونقص الانتباه، وأكثر المنبهات استخداماً هي "الميثيلفينيديت" وتتضمن "الريتالين" و"الميتاديت" و"الكونسيرتا"؛ حيث إنَّها تُعزز الإحساس بالبهجة والسعادة مثل هرمون الدوبامين؛ ذلك لأنَّها يمكن أن تؤدي إلى التعود، كما تشير الكثير من الأبحاث إلى أنَّ استعمال الأدوية المنبهة مثل "الميثيلفينيديت" يمكن أن يؤدي إلى حالة من التعود الدوائي، والتي تعني ضعف فاعلية الدواء في تخفيف الأعراض، كما يحدث التعود لمن يأخذون جرعةً مرتفعة من "الميثيلفينيديت".
برهنَت إحدى الأبحاث أنَّ الأطفال المصابين بمرض فرط الحركية ونقص الانتباه لديهم حاجة ملحة إلى الكثير من النشاط الحركي من أجل المحافظة على درجة مناسبة من التيقظ في أثناء إنجاز المهمات الموكلة إليهم والتي تختبر ذاكرتهم النشطة، ومن أمثلة المهمات التي تحتاج ذاكرةً نشطة حل تمرينات ومسائل الرياضيات بشكل ذهني وتذكُّر التعليمات متعددة التفرعات، والتي تتضمن استذكار البيانات ومعالجتها لفترة قصيرة.
قد تعطي هذه النتائج أيضاً فكرةً عن سبب تعديل الأدوية المنشِّطة لسلوك معظم الأطفال المصابين بمرض فرط الحركية ونقص الانتباه؛ حيث تؤدي هذه الأدوية إلى تصحيح عتبة الاستثارة الفيزيولوجية عند المرضى الذين يعانون من الاضطراب، بالإضافة إلى تحسين درجة اليقظة لديهم، وقد بيَّنَت أبحاث سابقة أنَّ الأدوية المنشِّطة تؤدي إلى دعم وتحسين قدرات الذاكرة النشطة بشكل مؤقت.
كلمة أخيرة:
اضطراب فرط الحركية ونقص الانتباه هو مرض جدي لا ينبغي التهاون معه أبداً، ويجب المسارعة لمراجعة الطبيب النفسي المختص عند ملاحظة أي عرض من الأعراض آنفة الذكر، فهو الوحيد القادر على التشخيص والمعالجة، وإنقاذ مستقبل طفلك.
أضف تعليقاً