ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب ومؤسس موقع "ريسكولوجي" (riskology) "تايلر تيرفورن" (Tyler Tervooren)، ويخبرنا فيه عن تجربته في تغيير حياته.
إنَّهم يختبرون كل حدسٍ ممكن من أجل أن تلائم نظريتُهم أنموذجَ العلم كما نفهمه اليوم؛ فهذه هي الطريقة التي تُقبَل بها النظريات والقوانين العلمية الجديدة من خلال موافقة ما هو مفهوم حالياً واعتماده، ومع ذلك فإنَّ المشكلة التي تظهر مراراً وتكراراً هي مشكلة تحيز الاختيار (selection bias)، وهي اختبارات تبدو ناجحة؛ لكنَّها في الواقع ليست كذلك؛ لأنَّ العينات التي اختُبِرَت لم تكن متنوعة بما فيه الكفاية، وعندما تُشرَح مرة أخرى بمجموعة أكبر من البيانات والموضوعات تنهار بعض اكتشافاتها الجديدة.
يُعطِّل تحيز الاختيار العلم والدراسة الموضوعية، لكن هل يمكن أن يكون مفيداً حقاً للأشخاص الذين يحاولون تغيير حياتهم للأفضل من خلال تجاهل الصعاب ومواجهة تحدياتٍ غير معقولة؟
فرضيتي تقول: "نعم"؛ إذ يمكن استخدامها استخداماً مفيداً؛ لكنَّ هذا كله يتوقف على كيفية تطبيقها؛ لذا دعونا نلقي نظرة إلى هذين المثالين:
1. الأعمال المحكوم عليها بالفشل:
فكر في هذا السيناريو للحظة:
لديك فكرة عمل تجاري ومن المكلف حقاً البدء فيه، أو ربَّما تستهلك فيه جميع مدخراتك، ولست متأكداً ما إذا كان الناس سيرغبون بالفعل فيما تبيعه؛ لذلك تقرر إجراء بعض الخطوات المعقولة الأولى وسؤال 20 شخصاً من أصدقائك المقربين عمَّا إذا كانوا سيشترون منتجك عند إطلاقه، فتلجأ إلى أمك وأبيك وأجدادك وخالاتك وأعمامك وجميع أبناء عمومتك وأقرب أصدقائك.
كل واحد منهم يقول: "نعم! سأشتريه بالتأكيد، عليك أن تباشر في ذلك العمل"، لكن بالتأكيد سيظهر شخص من بين هؤلاء يرى أنَّ الإنترنت مجرد بدعة.
بناءً على النتائج التي توصلت إليها ستشعر بالسعادة العارمة وستكون واثقاً بنسبة 95% من أنَّ لديك فكرة قيمة للغاية، فتذهب إلى البنك وتسحب أموالك كلها، وتنفقها ببذخٍ في تطوير منتجك، فلنفترض أنَّ منتجك هو تركيبة جديدة مضادة لتساقط الشعر للقطط الكبيرة، ولم يكن لدى أيِّ شخص في عائلتك حيوان أليف؟
تُطلِق المنتج وتبيع 19 أنبوباً بالضبط للأصدقاء والعائلة الذين قالوا إنَّهم سيشترونه لأنَّهم يشعرون بالذنب، وتعطي واحداً لذاك الشخص الذي لم يقتنع بعملك؛ فقط لإثبات أنَّه على خطأ.
لقد أهدرت مدخراتك كلها بسبب التحيز في الاختيار وحصلت على نتيجة مزيفة؛ لأنَّك طرحت الأسئلة الخاطئة على الأشخاص الخطأ، بالطبع هذا سيناريو غريب وأنت ذكي بما يكفي لتجنُّب كارثة من هذا القبيل؛ لكنَّه يوضح المفهوم جيداً.
شاهد بالفيديو: 7 طرق مضمونة للفشل في الحياة!
2. عازف كمان موهوب:
فكر في هذا السيناريو:
أنت تريد أن تكون عازف كمان رائعاً؛ لكنَّك لم تمسك كماناً قَط فيخيفك هذا الأمر، ولست متأكداً ممَّا إذا كنت قادراً على القيام بذلك، لكن بالحكم على حقيقة أنَّك لا تعرف في الواقع أيَّ شخص يعزف على الكمان ورأيت طفلاً يبلغ من العمر خمس سنوات على موقع يوتيوب (YouTube) يشارك في حفل إضاءة شعلة الأولمبياد، فتحسبُ أنَّ الأمر لا يمكن أن يكون بهذه الصعوبة، ولا يبدو أنَّ هناك كثير من التحدي في ذلك، فتبدأ في تعلمه.
كلَّما تعمقت في الأمر أكثر فأكثر وتعرفت إلى الآلة الموسيقية والموسيقى والثقافة، تبدأ في إدراك مدى سذاجتك عندما بدأت، لكن لن يبقى لذلك أهمية بعد الآن؛ فأنت الآن جيد جداً في هذه المهارة الجديدة، ويمكنك الحصول على عروض موسيقية حينما تشاء، وقد حصلت للتو على تجربة أداء مع أوركسترا جوَّالة، فقد وصلت إلى القمة، وأصبح احترامك لذاتك في أعلى مرتبة؛ لأنَّك تعلمت مهارةً جديدة تماماً لطالما رغبت في تعلمها، وكان عملك شاقَّاً للغاية؛ لكنَّك فعلتها على أيِّ حال لأنَّك أحببتها.
لو أنَّك عرفت حجم التحدي الذي ستواجهه عندما بدأت فهل كنت ستتخذ الخطوة الأولى؟ وهل كنت ستسمح لنفسك حتَّى أن تحلم به؟ وكيف كان سيكون رد فعلك؟
لقد ساعدك في هذه الحالة تحيزك في الاختيار على البدء في تحدٍّ لا يمكن التغلب عليه، فأنت تحتاج أحياناً إلى القيام بعملية بحث وافية قبل تعريض نفسك للأذى، وأحياناً يكون من الأفضل عدم معرفة الاحتمالات في المقام الأول؛ لأنَّها غير هامة حتَّى لو لم تحمل كماناً أو تستخدمه من قبل ما دمتَ قد تعلمت شيئاً جديداً جعلك سعيداً، وفي رأيي هذا نجاح.
النتيجة:
يمكن أن يؤدي التحيز في الاختيار إلى نجاحك أو فشلك؛ لكنَّ هذا كله يتوقف على ما هو هدفك؛ فإذا كنت تحاول بدء عمل تجاري غير متأكد منه مستهلكاً كل ما لديك من مال، أو تريد أن تجد طريقة لإقناع العالم بأنَّ الكون في الواقع مختلف تماماً عما نفهمه حالياً، فالتحيز في الاختيار هو عدوك ويجب عليك مواجهته.
من ناحية أخرى إذا كانت أهدافك داخلية شخصية، وتحتاج فقط إلى إقناع نفسك بالبدء في شيء هام بالنسبة إليك، فتجاهل بشتَّى السُبُل البيانات التي تقول إنَّه ليس أمامك فرص جيدة؛ لأنَّها لا تهم، استمتع بتجاهلك الانتقائي.
دراسة حالة إضافية:
عندما بدأت موقع "ريسكولوجي" (Riskology) استخدمت الاستراتيجية نفسها لإنشاء تصميم للموقع على الرغم من أنَّني لم أكن أدرك أنَّني كنت أقوم بذلك في ذلك الوقت.
على الرغم من أنَّني في أعماقي كنت أعرف أنَّ الدفع لمصمم الويب كان يستحق المال؛ لأنَّ ما يفعله هو عمل شاقٌّ لا يمكن للهواة القيام بمثله، بقيت أقول لنفسي: "يمكنني أنا القيام بذلك".
كنت ساذجاً على نحو لا يُصدَّق؛ لكنَّ الحقيقة هي أنَّه لم يكن هاماً حقاً؛ فالتكلفة الوحيدة الصعبة التي تحملتها لتصميم الموقع بنفسي كانت 65 دولاراً وكثيراً من الوقت - وكان لدي كثير منه - الذي قضيته في التلفظ بأبشع العبارات وأنا أجلس خلف الحاسوب.
لم أكن أعرف مقدار العمل الذي سأحتاج إليه أو ما الذي يجب أن أتعلمه؛ لكنَّني شرعت في ذلك على أيَّة حال، وواجهت كثيراً من الإخفاقات؛ لكنَّني واصلت التقدُّم لأنَّني لم أفقد أيَّ شيء حقاً بسبب هذا العبث؛ بل كنت أتعلم أموراً كثيرة.
بدلاً من القلق بشأن النظر والبحث في كل موقع ويب مصمم جيداً عبر الإنترنت - وهي مهمة مستحيلة - اخترت خمسة مواقع ذات تصميمات رائعة وتواصلت معهم وأمضيت كثيراً من الوقت في محاولة فهم سبب ظهورهم بهذه الطريقة الجيدة، وأردت أن أعرف ما الذي لفت انتباهي بشأن التصميم على اعتباره ناجحاً.
ثم أخذت ما تعلمته من تلك التصميمات وطبقتها في العمل بمفردي، واستعرت الأفكار بصورة متحرِّرة ورتبتها بطريقة ظننتُ أنَّها منطقية للجمهور الذي أردت جذبه، ثمَّ دخلت منافسةً شرسة.
كانت النتيجة النهائية تصميماً أضعف من أن يجذب 99% من الأشخاص الموجودين عبر الإنترنت؛ لكنَّه جيد جداً في جذب انتباه الأشخاص الذين أرغب في أن يرتادوا هذا الموقع.
هو سيئ جداً بالنسبة إلى موقع واسع النطاق يحاول تسويق محتواه على نطاق واسع، لكن بالنسبة إلى الأشخاص الذين أريد التحدث إليهم فهو جيد جداً، وأرى أنَّ هذا كان عاملاً كبيراً في النمو الذي شهدتُه في موقع "ريسكولوجي" (riskology).
شاهد بالفيديو: كيف تتعلَّم فن اتخاذ القرارات الصحيحة
بعض الدروس لجعل هذا النوع من التجارب يعمل على نحو أفضل:
1. الابتعاد عن التقليد:
استلهم من الآخرين بحرية، لكن لا تسرق؛ فيؤدي نهج التقليد المباشر إلى نجاح محدود دائماً، ولا يمكنك تجاوز الأصل لأنَّك زائف؛ لذا تعرَّف إلى ما يُلهمك من الأعمال وطبِّقها بدلاً من ذلك، واستفد من جوهر الفكرة وليس من الأنموذج نفسه؛ فهذا يفسح مجالاً لنجاح غير محدود.
2. دراسة سبب النجاح:
من السهل العثور على الأصدقاء والأقارب وغيرهم من المقربين الذين لديهم رأي عن كيفية القيام بشيء ما، لكن ما لم يكونوا قد فعلوا ذلك بأنفسهم بالفعل فإنَّ ذلك لن يكون مفيداً جدَّاً؛ إذ عادةً ما يكون أخذ النصيحة من شخص لم يحقق ما تحاول القيام به طريقاً سريعاً نحو الفشل؛ لكنَّه مغرٍ؛ لأنَّه من السهل الحصول على نصيحة؛ لذا ابذل جهداً إضافياً وابحث عن دراسات حالة جيدة يمكنك بالفعل تعلُّم شيء قيِّم منها.
3. تنويع مجموعة أنموذجاتك:
أنت لا تحتاج إلى التخلص من تحيز الاختيار؛ لكنَّ الأمر يستحق أن تفهم على الأقل وجوده والخروج من دائرة التغذية الراجعة المألوفة، سيحدُّ هذا من تأثير الانحياز ويجعل كل ما تعمل عليه أكثر تميُّزاً، فإذا حصلت على أفكارٍ مُلهِمة من خمسة أماكن متشابهة تماماً فربَّما ينتهي بك الأمر فقط إلى إنشاء نسخة سادسة.
أضف تعليقاً