ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "توماس ويستنهولتز"، وهو كوتش في بناء العلاقات (THOMAS WESTENHOLZ)، ويُحدِّثنا عن تجربته الشخصية مع فشل العلاقات.
يعتقد الناس أنَّ علاقاتي لا تفشل، فأنا كوتش في مجال العلاقات، لكن الفشل ليس بمنأى عني، فأنا إنسان، ولدي ذكريات مؤلمة، وتجارب قد تجعلني أتصرف كطفل مجروح في بعض الأحيان.
لي توقعاتٌ واحتياجاتٌ قد لا تتوافق دائماً مع الأشخاص الهامين في حياتي، كما أرتكب أخطاء كثيرة، ويمكن أن أفسد الأمور مثل أيِّ شخص آخر.
تجربتي مع شريكة حياتي:
كنت قد قابلت امرأة رائعة، كانت روحها تفيض حبَّاً، لكنَّ التوقيت في بعض الأحيان قد يخذلنا.
كنت قد انفصلت عن شريكتي السابقة في شهر أيار من هذا العام بعد علاقة امتدت سبعة عشر عاماً، فقد تسببت حالة العزلة والقلق خلال فترة الحجر الصحي التي رافقت الجائحة، في إصابتها باضطراب الشخصية الحدي (borderline personality disorder)، فأصبحت عنيفة.
شكَّل الانفصال صدمة لي من نواحٍ عدة، فقد كانت المرأة التي أعرفها وأحبها تتغير تدريجياً من يوم إلى آخر، ثم يأتي ذلك الصباح لتخبرني بأنَّها تحبني وتريد الزواج مني، ويأتي مساء اليوم ذاته لتقول لي إنَّ الأمر قد انتهى، لم أجد تفسيراً؛ بل وجدت رسالةً إلكترونيةً في اليوم التالي تقول فيها إنَّها تريد الطلاق.
لذلك، ولأول مرة في حياتي، شعرت بالحاجة إلى الاستقرار مع شخصٍ لن يهرب عند أول بادرة توتر، ويمكنه أن يمنحني الاستقرار والوضوح الذي أحتاج إليه في هذه اللحظة من الزمن.
كانت تلك المرأة أيضاً قد خرجت للتو من علاقة صعبة، وكانت حساسة للغاية لفكرة التخلي عنها، لقد تركها شريكها قبل زفافهما هذا العام، أخبرتني أنَّها شعرت بتدني قيمتها الذاتية، وأصبحت تعاني قلق الهجر.
إليكم ما يحدث عندما يلتقي شخصان يحركهما دافع الخوف؛ عندما تسيطر علينا ذكريات الماضي المؤلمة، لا نستطيع فهم بعضنا بعضاً؛ إذ نفقد قدرتنا على التعاطف، والتأمل الذاتي، ووجهة نظرنا التي تؤهلنا لاتخاذ قرارات صائبة.
القصة بالتفصيل:
لقد خرجنا في ثلاثة مواعيد، وكان التواصل بيننا رائعاً، وكانت تعدُّني شخصاً مذهلاً، وكانت سعيدة جداً لوجودي في حياتها والتعرف إليَّ؛ لكنَّها أرادت أن تتريث في قرارها بسبب تجربتها السابقة، وفجأةً، تلقيت رسالةً هزتني.
اتهمتني فيها أنَّني غير صادق، ما أشعرني بالارتباك لأنَّ ذلك حدث بعد محادثة جيدة بيننا.
الآن أستطيع أن أفهم: كانت تلك المرأة تخشى أن أخدعها، كما فعل شريكها السابق الذي تظاهر برغبته في الزواج منها ثم رحل.
لم يكن الأمر يتعلق بي؛ لكنَّني تأثرت نتيجةً لذلك، وشعرت بالضيق لأنَّها تتهمني بعدم الأمانة دون تفسير، وفكرتُ بأنَّ عليها الاتصال بي أو أن تكلمني وجهاً لوجه وليس عبر الرسائل، وانتظرتُ أن تبذل جهداً لإصلاح الضرر الذي تسببتْ به، لكن لم يحدث شيء من ذلك، وانسحبت من حياتي بعد تلك الرسالة.
أدرك الآن أنَّني رفعت توقعاتي عن الطريقة التي "ينبغي" أن يتصرف بها الناس بوصفها الطريقة الصحيحة الوحيدة لفعل الأشياء، مما جعلني أشعر بمزيد من الانفعال.
نحن نفعل ذلك باستمرار، ودون وعي من خلال تقديم فكرتنا عن الطريقة التي يجب أن يتصرف بها الأشخاص معنا، ثم ننزعج إذا كان سلوكهم مغايراً لتوقعاتنا، دون أن نضع في حسباننا تجاربهم السابقة، والظروف التي مروا بها.
الارتباط من حيث المبدأ يعني أن يحاول الطرفان فهم قصص بعضهما بعضاً.
شاهد بالفيديو: 6 إشارات تدل على فشل الزواج مبكراً
لقد انسحبت تلك المرأة وتوقفت عن التواصل، وهذا ما أثار الذكريات المؤسفة لتجربتي الأخيرة، وقد شعرت بالقلق، وحاولت التوقف عن التفكير لحماية نفسي من آلام الرفض.
أخبرتها في رسالة أنَّه من غير الجيد أن تعاملني بهذه الطريقة ثم تصمت، كما هددتها بالانفصال إذا كانت هذه هي الطريقة التي ستعاملني بها بعد الآن.
في هذه اللحظة، شعرت بأنَّني أثبت حدودي، وشعرت بالقوة؛ لكنَّني أخطأت، وكان بإمكاني التعامل معاملة أفضل، ولقد أثار ذلك مخاوف تلك المرأة من التخلي عنها، وفجأةً، وفي بضع ثواني، دُمِّر التواصل الجميل الذي وصلنا إليه بعد شهور من التعارف، ولم يتطلب الأمر سوى بضع رسائل نصية.
تصادمت أدمغتنا الطفولية بسبب عدم الشعور بالأمان، وهكذا لم يعد بإمكاننا فهم بعضنا بعضاً، ولم تسمح لنا الجائحة باللقاء؛ لذلك علقنا بأسوأ أشكال التواصل؛ الهواتف المحمولة.
كنت أتمنى أن أجلس معها وجهاً لوجه وأخبرها أنَّها في أمان معي، وأنَّني لن أتركها أبداً، شعرت باندفاع للرجوع، فأنا لست مثالياً أيضاً، وأنا مثلها، أشعر بالخوف أحياناً، فخوفها من الهجر جعلها تُشبِّهني بشخص آخر، وترفضني قبل أن أرفضها كما تظن.
ما فعلته في تلك العلاقة، وما تعلمته منها:
1. وضعتُ توقعاتٍ تتعلق بالكيفية التي يجب أن تتصرف بها شريكتي، ثم انزعجتُ لأنَّها لم تلبِّي توقعاتي:
هذه ليست طريقة ممتازة للتواصل؛ إذ ليس من الممكن لأحد أن يطابق توقعاتنا، أو إجبارنا على سلوك معين؛ لذا في المرة القادمة سأحاول أن أفهم تجربتها من خلال طرح الأسئلة والإصغاء أكثر.
2. لقد تصرفت بناء على تجربتي السابقة، وأرسلت رسالة نصية من جهازي، كما أنَّني استعملت التهديد بالتخلي كي أحصل على ما أريد:
هذه فكرة سيئة: إيَّاك أن تهدد بالانفصال؛ فالضرر الذي يلحق بالثقة عند استخدام تهديدات الانفصال أو الهجر جسيم؛ فلا تتواصل أبداً عندما تكون منفعلاً جداً، هدئ نفسك أولاً؛ اقرأ مجلة، تحدَّث إلى الأصدقاء أو إلى المعالج، أو مارس الرياضة والتأمل، أيُّ شيء كفيل بتهدئتك إلى أن ترتاح أعصابك.
3. عدم إرسال أبداً رسائل نصية عن المشكلات أو الخلافات أو التوترات:
فاحتمال حدوث سوء تفاهم سيكون أكبر بسبب فقدان التواصل البصري، تحدَّث عن هذه الأمور وجهاً لوجه فقط أو كحدٍ أدنى في مكالمة فيديو.
4. أريد شخصاً يقبلني بمحاسني ومساوئي:
لذلك لست مضطراً أن أبذل قصارى جهدي أو أكون كوتشاً في مجال العلاقات.
5. أريد شخصاً لا يهرب عندما يشعر بالقلق:
بل يعود إليَّ لإصلاح الخلل والتعلم والنمو معاً.
6. قد تدمر لحظة خوف الفرصة بالحصول على نتائج عظيمة:
نادراً ما أشارك مقتطفات من مذكراتي؛ لكنَّني اليوم سأشارك معكم ما كتبته الليلة الماضية حتى تتمكنوا من رؤية بعض تأملاتي الذاتية وما تعلمته: "لقد تعلَّمت: عند الشعور بالقلق أو الخوف، لا تتواصل دون أفكارك ومشاعرك وأحاسيسك، ولا ترسل رسالة نصية.
7. عندما تكون هادئاً وواضحاً، قابل الشخص أو اتصل به:
لا تكتب رسالة، إذا كان الانتظار يجعلك قلقاً، دوِّن ما تريد، ودع المشاعر تتدفق على الورق حتى تتمكن من رؤية ما هو حقيقي وما هو الماضي الذي يستولي على هذه اللحظة الحالية، ثم عبِّر شخصياً أو عبر الهاتف عمَّا تشعر به وما تحتاج إليه.
أتمنى لو كانت تلك المرأة على استعداد لإجراء محادثة معي، هذا ما كنت سأقوله: "شعرت بالقلق عندما توقفتِ عن التواصل، وأنا بحاجة إلى الوضوح، أتمنى أن نحاول كلانا الإصغاء، والاعتراف لبعضنا بعضاً والتفاهم دون إصدار أحكام أو افتراضات مسبقة.
أريدك أن تبذلي جهداً في التوصل لحل أي توتر أو سوء تفاهم وإظهار الاهتمام وتقدير العلاقة، لقد كنت دائماً سبَّاقاً للصلح، لكنَّني أرجو أن نبادر للصلح معاً.
أريد أن أكون على ما يرام، فأنا لست مثالياً، ومن الوارد أن أُستفَّز وأن أرتكب الأخطاء، كما أشعر بالغضب والانزعاج، أريد أن أعرف أنَّك ما تزالين معي، ونحن على ثقة من أنَّنا لن نترك بعضنا بعضاً، وأرحب بكل المشاعر التي تشاركينني بها.
كما أريد أن أسمع تجربتك وأقدِّرها، وأن أفهمك فهماً أفضل، وأن أكون قادراً أيضاً على مساعدتك لتشعري بالأمان لأنَّك هامة بالنسبة إلي، فأنا أهتم وأنت تستحقين الاهتمام".
لقد اعتدنا على التهجم في كثير من المواقف، وعلى إلقاء اللوم والانتقاد والانسحاب بسبب التجارب السابقة، وهذا كلُّه يعطل التواصل بيننا، سأعمل عندما أكون هادئاً على أن أعبِّر عما أشعر به وما أحتاج إليه.
كان من الممكن أن تؤدي تلك التجربة إلى نتيجة مختلفة تماماً، لكنَّ النهاية كانت حزينة؛ إذ لم أتمكن أبداً من قول أيِّ كلمة من هذا لها، فقد رفضت التحدث معي أو إعادة التواصل؛ لذلك، ها أنا أقول ذلك في مذكراتي.
كلُّ خسارةٍ هي درسٌ يساعدنا على التحسن، ويتطلب الأمر الطرفان كلاهما للتعلم والنمو معاً، لكن ينبغي أن نحترم إرادة الطرف الآخر إن لم يكن يريد ذلك.
في الختام: تذكَّر من فضلك أن تكون لطيفاً ورحيماً تجاه نفسك:
مهما كان معدل ذكائك العاطفي مرتفعاً، ومهما امتلكت من مهارات في العلاقات، تذكَّر أنَّ الرقصة الأجمل تحتاج إلى اثنين، قدرتك على الرقص غير هامة إذا رفض الشخص الآخر تحريك قدميه، ولن تكون الرقصة جميلة؛ فالعلاقة هي رقصة وتتطلب شخصين يتمتعان بالقدرة والمهارات العاطفية لجعلها تزدهر.
لذلك، لا تلم نفسك؛ بل ابحث عن التعلم والتطور حتى تكون محاولتك القادمة أكثر غنىً لك، ولا بأس ألا تكون مثالياً، وأن تفسد الأمر، فأنت تستحق الحب واللطف على الرَّغم من كلِّ أخطائك.
أضف تعليقاً