سنسلِّط الضوء في هذا المقال على تأثير تكنولوجيا الليزر في الطب، وسنستعرض كيف أسهمت هذه التقنية في تحسين نتائج العلاجات، وتقليل المخاطر المرتبطة بالإجراءات الطبية التقليدية.
ما هو العلاج بالليزر؟ ومتى بدأ استعماله في الطب؟
- العلاج بالليزر هو تقنية طبية تستخدم أشعة الليزر لعلاج مجموعة متنوعة من الحالات الصحية، و"الليزر" هو اختصار لـ "تضخيم الضوء بواسطة الانبعاث المحفِّز للإشعاع"، ويمكن استخدام الليزر في الطب لأغراض عديدة، مثل: إزالة الأورام أو الأنسجة غير الطبيعية، وجراحة الليزك لتحسين الرؤية، وإزالة الشعر بالليزر، وعلاج الأمراض الجلدية وغيرها.
- بدأ استخدام الليزر في الطب في أواخر الستينيات، وقد شهدت هذه التقنية تطوُّراً كبيراً منذ ذلك الوقت، ويعود أوَّل استخدام فعلي لليزر في العلاج الطبي إلى عام 1961، عندما استخدم الدكتور "توماس ميلفان" الليزر؛ لعلاج الورم في تجربة سريرية، وتطوَّرت هذه التكنولوجيا منذ ذلك الحين، وأصبحت تطبيقات الليزر أكثر تنوُّعاً وانتشاراً في المجال الطبي.
العلاج بالليزر
العلاج بالليزر هو أحد الابتكارات الطبية الحديثة التي أحدثت ثورة في كيفية معالجة العديد من الحالات الصحية؛ بفضل الدقَّة الفائقة التي يتمتَّع بها الليزر، وأصبح من الممكن استهداف الأنسجة بدقة متناهية دون التأثير في المناطق المحيطة، وهذا يتيح للمرضى التعافي بسرعة وبأقل قدر من الألم، منذ دخوله إلى مجال الطب في ستينيات القرن الماضي.
توسَّعت تطبيقات الليزر لتشمل مجالات متنوعة أهمها:
1. علاج السرطان بالليزر
يُعدُّ علاج السرطان بالليزر من الطرائق الحديثة التي يُستخدَم فيها الليزر؛ لاستهداف وتدمير الخلايا السرطانية، ويتميَّز العلاج بالليزر بالدقة العالية، وهذا يجعله فعَّالاً في استهداف الخلايا المصابة، مع تقليل الضرر على الأنسجة السليمة المحيطة.
يستخدم العلاج بالليزر شعاعاً من الضوء المركَّز جداً، ويُوجَّه الليزر إلى الأنسجة السرطانية، وتمتص الخلايا المستهدفة الضوء، وهذا يؤدي إلى تسخينها وتدميرها، وتعتمد فاعليَّة الليزر على نوع الورم، وحجمه، وموقعه، ونوع الليزر المستخدم.
توجد عدَّة أنواع من الليزر تُستخدَم في علاج السرطان، وتختلف حسب طول الموجة وقوَّة الطاقة، ومن أبرزها:
1.1. ليزر ثاني أكسيد الكربون (CO2)
يُستخدَم عادة لإزالة الأورام السطحية، مثل الأورام الجلدية، وبعض سرطانات الرئة والحنجرة.
2.1. ليزر النيوديميوم-ياج (Nd)
يُستخدَم في علاج الأورام العميقة، مثل تلك الموجودة في الحلق، والمعدة، والقولون.
3.1. الليزر الضوئي الديناميكي (PDT)
يتضمَّن استخدام مادة حسَّاسة للضوء تُحقَن في الجسم، وتُفعَّل المادة الحساسة للضوء عندما يتعرَّض الورم لضوء الليزر، وهذا يؤدي إلى تدمير الخلايا السرطانية.
2. إزالة حصى الكلى بالليزر
تُعرَف هذه التقنية باسم "تفتيت الحصى بالليزر" أو "تفتيت الحصى بالمنظار"، ويمكن استخدام الليزر عندما يعاني المريض من حصى الكلى التي تسبِّب ألماً أو تعوق تدفُّق البول؛ لتفتيت هذه الحصى دون الحاجة إلى إجراء عملية جراحية، فيُدخَل جهاز يُسمَّى "المنظار" عبر مجرى البول وصولاً إلى الحصى في الكلى أو الحالب، ويُستخدَم ليزر عالي الطاقة، مثل ليزر الهولميوم (Holmium laser) لتفتيت الحصى إلى قطع صغيرة جداً، يمكنها المرور بسهولة عبر الجهاز البولي، ثمَّ الخروج من الجسم مع البول.
3. استئصال أجزاء من البروستات بالليزر
يُستخدَم الليزر أيضاً في علاج تضخُّم البروستات الحميد، وهي حالة شائعة لدى الرجال الأكبر سناً، والذين تتضخَّم البروستات لديهم، فتضغط على مجرى البول، وهذا يسبب مشكلات في التبوُّل، ويمكن إجراء عملية تُسمَّى "الاستئصال عبر الإحليل للبروستات بالليزر" (HoLEP)، عبر إدخال أداة عبر الإحليل (قناة البول) وصولاً إلى البروستات، ويُستخدَم ليزر الهولميوم أو ليزر الثوليوم (Thulium laser) لإزالة الأنسجة الزائدة من البروستاتا التي تعوق تدفُّق البول.
4. تنظيف الشرايين بالليزر
تُستخدَم تقنية العلاج بالليزر داخل الأوعية، المعروفة أيضاً بـ "إزالة اللويحات بالليزر" في علاج تصلُّب الشرايين، وهو تراكم اللويحات الدهنية والكالسيوم على جدران الشرايين، وهذا يعوق تدفُّق الدم، وقد يؤدي إلى أمراض القلب أو السكتات الدماغية، وتُدخَل في هذا العلاج قسطرة تحتوي على ألياف بصرية إلى الشريان المتضرِّر، ثمَّ يُستخدَم الليزر لتبخير أو إذابة اللويحات المتراكمة، وهذا يفتح الشريان، ويسمح بعودة تدفُّق الدم تدفُّقاً طبيعياً، ويُعدُّ هذا النوع من العلاج بديلاً أقل توغُّلاً من الجراحة التقليدية لفتح الشرايين، مثل جراحة المجازة التاجية، ويُستخدَم في الحالات التي تكون فيها الأدوية أو الإجراءات الأخرى غير فعَّالة.
5. تحسين الرؤية بالليزر
يُعرَف تحسين الرؤية بالليزر عموماً باسم "جراحة الليزك" (LASIK) أو PRK، وهي إجراءات شائعة لعلاج مشكلات الانكسار في العين مثل قصر النظر، وطول النظر، والاستجماتيزم، ويُستخدَم خلال جراحة الليزك ليزراً خاصاً يُعرَف باسم "ليزر الإكسيمر" (Excimer laser) لإعادة تشكيل القرنية، وهي السطح الأمامي الشفَّاف للعين، عن طريق تعديل شكل القرنية، ويمكن تحسين طريقة انكسار الضوء داخل العين، والتي تؤدي إلى تحسين الرؤية تحسيناً كبيراً، وتُعدُّ هذه الجراحة شائعة، وتتميَّز بفترة تعافي قصيرة ونتائج فعَّالة وطويلة الأمد.
6. الاستخدامات التجميلية بالليزر
يُستخدَم الليزر على نطاق واسع في الطب التجميلي؛ لتحسين مظهر الجلد، والتخلُّص من العيوب.
من بين الاستخدامات التجميلية الأكثر شيوعاً:
1.6. إزالة الشعر بالليزر
يُستخدَم الليزر لإزالة الشعر غير المرغوب فيه من مناطق مثل الوجه، والساقين، والذراعين، والإبطين، ويعمل الليزر عن طريق توجيه الطاقة إلى بصيلات الشعر، وهذا يعوق نمو الشعر في المستقبل.
2.6. إزالة الندوب والتجاعيد
هي تقنية تُعرَف باسم "الليزر الجزئي" (Fractional Laser) وتُستخدَم لتحفيز إنتاج الكولاجين في الجلد، وهذا يساعد على تحسين مظهر التجاعيد والندوب، وكذلك التصبُّغات الجلدية.
3.6. إزالة التصبُّغات والبقع
يستطيع الليزر استهداف التصبُّغات الداكنة على الجلد، مثل بقع الشمس، والكلف، والنمش، وهذا يسهم في تفتيح لون البشرة وتوحيد لونها.
7. إزالة الوحمات بالليزر
الوحمات: هي علامات جلدية تظهر منذ الولادة أو بعدها بفترة قصيرة، وقد تكون مسطَّحة أو مرتفعة، وذات ألوان مختلفة مثل الأحمر، أو البني، أو الأسود، ويمكن استخدام الليزر لإزالة أو تقليل مظهر هذه الوحمات، وخاصة الوحمات الوعائية (مثل وحمة النبيذ البورتو، وحمة الفراولة)، ويعمل الليزر عن طريق تدمير الأوعية الدموية غير الطبيعية التي تغذِّي الوحمة أو تكسير الصبغة الداكنة داخل الجلد، وهذا يؤدي إلى تفتيح لون الوحمة وتقليل ظهورها، وقد يتطلَّب العلاج عدة جلسات لتحقيق النتائج المرجوة، ويُعدُّ الليزر وسيلة فعَّالة وآمنة لتقليل أو إزالة الوحمات.
8. طب الأسنان بالليزر
طب الأسنان بالليزر: هو تقنية متقدِّمة تُستخدَم في مجموعة متنوعة من إجراءات الأسنان، سواء أكانت علاجية أم تجميلية، وقد يعالج الليزر في طب الأسنان أنسجة الأسنان الصلبة واللينة على حد سواء.
من أبرز استخداماته:
1.8. علاج التسوُّس
يُستخدَم الليزر لإزالة الأنسجة المصابة بالتسوُّس بدقَّة، ودون الحاجة إلى التخدير في بعض الحالات، وهذا يقلِّل من شعور الانزعاج في أثناء العلاج.
2.8. تبييض الأسنان
يُستخدَم الليزر لتنشيط المواد المبيِّضة الموضوعة على الأسنان، وهذا يسرِّع عملية التبييض، ويعطي نتائج أفضل.
3.8. علاج أمراض اللثة
قد يعالج الليزر أمراض اللثة من خلال إزالة الأنسجة الملتهبة والمصابة، كما أنَّه يساعد على إعادة تشكيل اللثة.
4.8. جراحة الأسنان
قد يُستخدَم الليزر في جراحات اللثة البسيطة، مثل إزالة اللثة الزائدة أو تقليم الأنسجة؛ لتحسين مظهر الابتسامة.
9. علاج البواسير بالليزر
علاج البواسير بالليزر: هو إجراء طفيف التوغُّل يُستخدَم لعلاج البواسير الداخلية والخارجية. البواسير: توسُّع في الأوعية الدموية الموجودة في منطقة الشرج والمستقيم، وقد تسبِّب الألم، والحكَّة، والنزيف، ويُستخدَم ليزر خاص؛ لتقليص الأنسجة المتضخِّمة، أو لإزالة البواسير المتدلية، ويعمل الليزر على تقليل تدفق الدم إلى البواسير، وهذا يؤدي إلى انكماشها تدريجياً واختفائها.
مزايا استخدام تكنولوجيا الليزر في الطب
لاستخدام الليزر في الطب فوائد عديدة، منها:
1. دقة عالية
قد يستهدف الليزر الأنسجة أو الخلايا بدقة متناهية، وهذا يقلِّل من الضرر الذي يلحق بالأنسجة المحيطة، ويزيد من فاعليَّة العلاج.
2. ألم أقل
قد تكون الإجراءات باستخدام الليزر أقل إيلاماً مقارنة بالإجراءات الجراحية التقليدية، وهذا يقلِّل من الحاجة إلى تخدير عام، ويقلِّل من شعور المريض بالألم.
3. فترة تعافي قصيرة
تكون فترة التعافي عادة أقصر مقارنةً بالإجراءات الجراحية التقليدية؛ بسبب دقَّة الليزر وقلَّة الأضرار التي يلحقها بالأنسجة المحيطة.
4. تقليل النزيف
يستخدم الليزر الحرارة لقطع الأنسجة أو إغلاق الأوعية الدموية، وهذا يقلِّل من النزيف في أثناء العملية وبعدها.
5. تحسين النتائج التجميلية
يمكن لليزر تحسين المظهر تحسيناً فعَّالاً دون الحاجة إلى تدخُّل جراحي كبير في الإجراءات التجميلية، مثل إزالة الشعر أو علاج التجاعيد.
6. إجراءات غير جراحية
لا تتطلَّب العلاجات بالليزر شقوقاً أو جراحة، وهذا يجعلها خيارات جذابة للمرضى الذين يفضِّلون تجنُّب العمليات الجراحية التقليدية.
7. تعدُّد الاستخدامات
يمكن استخدام الليزر في مجموعة متنوعة من التخصُّصات الطبية، ومن ذلك الجلدية، والعيون، والأسنان، والجراحة العامَّة.
في الختام
تُعدُّ تكنولوجيا الليزر أداة ثورية في المجال الطبي، وأحدثت تحوُّلات ملحوظة في كيفية تقديم الرعاية الصحية وعلاج الأمراض؛ بفضل دقَّتها المتناهية، وقدرتها على استهداف الأنسجة استهدافاً محدَّداً، وتوفِّر تكنولوجيا الليزر حلولاً فعَّالة لمجموعة متنوعة من المشكلات الطبية، من إزالة الشعر والجلد إلى معالجة الأورام وتجديد البشرة.
تعزِّز المزايا التي تقدِّمها تكنولوجيا الليزر، مثل تقليل الألم وفترات التعافي القصيرة، من جودة حياة المرضى، وتسهم في تحسين نتائج العلاجات تحسيناً ملحوظاً، ويُتوقَّع أن تزداد التطبيقات الطبية لتكنولوجيا الليزر مع استمرار التطوُّرات التكنولوجية في هذا المجال، وهذا يفتح آفاقاً جديدة للرعاية الصحية، ويؤكِّد على دورها الحيوي في المستقبل الطبي.
أضف تعليقاً