تقول مريانا إحدى خريجات كلية التربية، والتي عانت خلال رحلتها في الحصول على وظيفة، إنَّها تخرجت بمعدل جيد من الجامعة، وتقدمت لوظائف عدة خلال سنوات متتالية من سنة تخرجها؛ لكنَّها فشلت في الحصول على تلك الوظيفة المنشودة، وبعد أن تملَّكها اليأس أخبرها أحد أصدقائها المقربين بضرورة اللجوء إلى شخص مقرب من عائلتها صاحب نفوذ، ويستطيع مساعدتها على تحقيق هدفها الذي يتجلى بالحصول على وظيفة.
بعد التفكير ملياً لم يكن أمامها، إلا القبول بهذا الخيار الوحيد المتاح أمامها؛ إذ لجأت إلى ذلك القريب الذي سهَّل لها عملية الحصول على عمل بعد عناء طويل من البطالة والبحث عن عمل، لكنَّ مريانا لم تخفِ عدم ارتياحها لاضطرارها إلى سلوك هذا الطريق، لكن على حد تعبيرها (خياران أحلاهما مرٌّ: أن أبقى عاطلة عن العمل وأمثِّل عبئاً على غيري من أفراد أسرتي الذين يتولون مسؤولية الإنفاق على متطلباتي على الرَّغم من وضعهم الصعب، أو يجب عليَّ اللجوء إلى شخص يساعدني على الحصول على عمل، وهذا ما فعلته فعلاً).
في الحقيقة إذا ما طرحنا السؤال الآتي: كم فرد منا حصل على عمل بواسطة علاقاته الاجتماعية؟ بالطبع سيكون الجواب أنَّ عدداً كبيراً حصل على عمله عن طريق علاقاته الاجتماعية والشخصية، لا سيما في مجتمعنا العربي الذي يعزز هذه الطريقة من خلال عاداته وتقاليده الموجود فيها هذه الطريقة التي ينفر منها أفراد كثيرون؛ لكنَّها تبقى حلاً لمشكلة يعانيها الفرد وهي البطالة؛ فحصولك على تزكية من شخص ما هي بطاقة عبورك إلى مكان ربما لم تكن لتحلم بالوصول إليه.
العلاقات الاجتماعية:
يقصد بالعلاقات الاجتماعية الروابط التي تجمع بين الأفراد والناس بعضهم ببعض سواء أكانت هذه الروابط أسرية؛ أي تحمل صفة القرابة، أم صداقة، أم علاقات مع زملاء الدراسة، أم زملاء العمل السابقين أو الحاليين، أم العلاقات التي تجمع الفرد مع جيرانه وغير ذلك؛ فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي ومجبول على تكوين علاقات اجتماعية والتعامل مع الناس، وتكوين شبكة علاقات معهم.
يعمل الجميع في الوقت الحالي على تقوية هذه الروابط ومحاولة المحافظة عليها عن طريق ممارسة الأنشطة المشتركة معهم أو حتى متابعتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعية، فيتعاون وينصح ويفرح ويحزن لأجلهم ويتقبل المعونة والتوجيه في جو من الاحترام وحسن التعامل؛ فالجميع أصبح يعي أهمية العلاقات الاجتماعية في حياته وكيف يمكن لها أن تكون مصدر عونٍ لنا في الأوقات الصعبة التي نمر بها خلال حياتنا.
التوظيف بواسطة علاقاتك الاجتماعية:
تُعدُّ ظاهرة التوظيف عن طريق استخدام العلاقات الاجتماعية للفرد طريقة سائدة في كل المجتمعات؛ لكنَّها تتفاوت في اتِّباعها بين الدول المتقدمة والدول النامية، ويقصد بها عامة الحصول على عمل على حساب الأشخاص الآخرين، وهي ما تسمى في المجتمع (بالواسطة أو المحسوبية)، وعلى الرَّغم من أنَّ هذه الممارسات تؤثر سلباً في منظومة النزاهة المؤسسية، والتي تتضمن العدالة والشفافية وسيادة القانون، كما أنَّها قد تؤثِّر في جودة الخدمات التي تقدمها تلك المؤسسة إذا ما وُوظف شخص لا يملك الكفاءة المطلوبة لشغل وظيفة معينة، إلا أنَّها تُستخدَم استخداماً كبيراً، وتبقى حلاً لدى أشخاص كثيرين راغبين في الحصول على عمل، وكذلك حلاً بالنسبة إلى أصحاب النفوذ إذا ما أرادوا استغلال السلطة التي يتمتعون بها.
على الرَّغم من النظرة السلبية جداً لمفهوم الواسطة؛ إلا أنَّنا نستطيع أن نغير رأينا بها عندما يرتبط الموضوع بنا وبمسيرة حياتنا وتطورها، وبطبيعة الحال أصبح معظم الأفراد يفكرون بكيفية التواصل مع أشخاص مؤثرين في مجال الأعمال التي تمثل محور اهتمامهم؛ وذلك من خلال محاولة الوجود في أماكن وجودهم سواء في الاجتماعات والندوات والمؤتمرات وكافة الفعاليات التي يمكن أن تسمح بذلك النوع من التواصل.
بحسب موقع kick career الخاص بدراسة سوق العمل، إنَّ الوظائف التي يُحصل عليها بواسطة استخدام العلاقات الاجتماعية تمثل نسبة تقع بين (65 % إلى 80%) من فرص العمل، ويُعرف هذا النوع من الوظائف بسوق العمل المخفي؛ أي الوظائف وفرص العمل التي لا تقوم الشركات أو المؤسسات بالإعلان عنها؛ إذ تكتفي الشركات هنا بتلقي الترشيحات عن طريق موظفيها العاملين لديها.
تلجأ الشركات إلى هذه النوع من التوظيف لأسباب عدة، لعل أهمها توفير تكاليف الإعلان عن شاغر وظيفي والاحتفاظ بسرية آليات العمل، والحصول على العمال العاملين بأسرع وقت يمكن، والأهم من كل ذلك إعطاء الموظفين نوعاً من التحفيز عند قبول الأفراد الذين يرشحونهم للعمل.
من الملاحظ في جميع المجتمعات رغبة الأفراد في العمل مع أفراد يعرفونهم جيداً، ويبدون موثوقين بالنسبة إليهم، فيعتمدون على ترشيحات أصدقائهم المميزين، بدلاً من الاعتماد على الطريقة التقليدية في التوظيف؛ أي الإعلان وتلقِّي السِّيَر الذاتية والقيام بالمقابلات الشخصية، فإذا كنت من الأشخاص الباحثين في الوقت الحالي عن فرصة عمل أو ترغب في تغيير عملك والانتقال إلى عمل جديد؛ إليك بعض النصائح عن كيفية استغلال العلاقات الاجتماعية في تأمين فرصة العمل التي ترغب فيها:
شاهد بالفديو: 6 خطوات للعمل بعد التخرج مباشرة
1. اعمل على توسيع دائرة معارفك وشبكة علاقاتك لا سيما علاقات العمل:
يُتطلب منك في الأحوال العادية عند الحصول على وظيفة أن تمتلك المؤهلات والكفاءات المطلوبة لشغل وظيفة معينة، لكن في سوق العمل المخفي، فإنَّه يتطلب منك إضافة إلى ذلك وجود نوع من العلاقات الجيدة مع الزملاء ودائرة الأفراد المحيطين بك عامة؛ فعند سماعهم بوجود شاغر وظيفي يناسب ما تحمل من مؤهلات يقدمون ترشيحهم لك؛ لذا فإنَّ أول خطوة في بناء شبكة علاقاتك هي تغير طريقة تفكيرك تجاه الأفراد الذين تقابلهم.
فكِّر بأنَّ كل شخص تعرفه أو تصادفه يمكن أن يقدم لك المساعدة إن لم يكن على الفور ربما في المستقبل القريب أو البعيد، كما يجب عليك تسجيل ما تعرفه من أشخاص وحصرهم وترتيبهم من الأقرب إليك حتى الأبعد، ولاحظ عمل كل منهم وبيئة العمل الموجودين فيها، وحاول البقاء على التوصل معهم، وإن كان ذلك على مواقع التواصل الاجتماعية التي تتيح ميزة المتابعة مثل Facebook.
تذكَّر جيداً أنَّ العلاقات تبنى وفق مبدأ تبادل المصالح؛ لذا كن من المبادرين لتقديم المساعدة لمن يحتاج إليها، وادعم الآخرين في تقدمهم وتطور مساراتهم المهنية، وهنِّئهم على ذلك التقدم الذي يحرزونه.
2. عزِّز حضورك الاجتماعي في المؤتمرات والفعاليات كافة ذات الصلة بمجال العمل الذي ترغب في العمل فيه:
يمثِّل حضور المؤتمرات والفعاليات الاجتماعية أفضل الأشياء التي يمكن أن تقوم بها، سواء إذا كنت من الأشخاص الباحثين عن عمل أم من الأشخاص الراغبين في تطوير مسيرتك المهنية، فعدا عن كونه فرصة جيدة للتعرف إلى كافة التطورات في مجال تخصصك أو المجال الذي ترغب في العمل فيه وتنمية مهاراتك، كذلك هو أيضاً فرصة للتعرف إلى الأشخاص المؤثرين في ذلك المجال.
كل ما عليك فعله هو اختيار المؤتمر المناسب كما يمكنك الاطلاع على مواقع عبر شبكة الإنترنت؛ إذ تقوم بتأمين فرص الحضور لمثل هذه المؤتمرات التي يمكن أن تكون ممولة بالكامل أو تمويلاً جزئياً، أو التقدم للحصول على منح مالية تدعم تلك الفكرة؛ فالمؤتمرات والفعاليات الاجتماعية هما المكانان المناسبان لتقوية العلاقات الاجتماعية القديمة، وبناء علاقات جديدة، ولفعل ذلك لا تنسَ تجهيز تقديم محفز عنك؛ لتسهل عليك تلك العملية.
3. حدِّد أهدافك المهنية بالضبط:
يجب عليك وضع قائمة محددة بأهدافك المهنية التي تريدها قبل قيامك بالتواصل مع أحد أفراد شبكة علاقاتك الاجتماعية، وما هو المكان الذي ترغب في شغله، والعمل الذي تود القيام به، فمن الواجب عليك إعلام ذلك الشخص الذي سيقدم لك المساعدة برغباتك بالتحديد كي يعرف ما الذي يمكنه تقديمه لك دون أن تسبب له الإحراج من أفراد آخرين أو حتى تتسبب لنفسك بالحرج إن قدَّم وظيفة لك لا تريدها أو تلائم مؤهلاتك.
4. كثِّف من نشاطك على مواقع التواصل ومنصات التواصل المهني:
لأنَّك باحث عن فرصة عمل جيدة عليك أن تعرف كيف تسوق لنفسك جيداً، فيجب أن تكون مدركاً للطريقة التي تروج فيها لمؤهلاتك لا سيما في المنصات التي تُعنى بسوق العمل، فربما تقوم الشركات بالبحث على هذه المواقع للحصول على الموظف، وربما أنت تتعرف من خلاله إلى شخص ما يقدم لك الدعم اللازم.
5. كن شخصاً لبقاً ومهذباً في طلبك:
عندما ترغب في طلب المساعدة من أحد الأشخاص لا تطلب ذلك بصيغة الإجبار ووجوب تقديم المساعدة لك من قبله؛ بل اعمل على طلب نصيحة منه، فبدلاً من أن تقول أنا أريد أن أعمل في مدرسة خاصة بوصفي مدرساً، أو تواصل مع هذه المدرسة التي تعرفها من أجلي يمكنك أن تقول أنا لدي شهادة ومؤهل علمي في هذا المجال، أو هل يمكن أن ترشح اسمي في بعض المدارس أو المؤسسات التي تعرف أنَّها بحاجة إلى شخص مثلي.
كما عليك أن تهتم بعنصر الوقت والمكان المناسب لكي تطلب المساعدة، فلا تتصل به عبر الهاتف أو الذهاب إليه وقت انشغاله في اجتماع ما أو في أثناء مناسبة حزينة؛ بل اطلب موعداً محدداً؛ إذ يتثنى لك شرح ما تريد بدقة، وفي الوقت نفسه يستطيع الشخص الآخر تفهمك جيداً بعيداً عن وجود ضغط مباشر عليه.
6. تواصل مع الشركات شخصياً إذا كنت بحاجة إلى فرصة عمل:
ليس من الضروري أن تنتظر أن تقدِّم الشركات التي ترغب في العمل معها إعلاناً عن الوظائف الشاغرة لديها أو قيام أحد الموظفين بتقديم التذكية لك فيها؛ بل يجب أن تقوم بالتواصل مباشرة معهم عبر تقديم نموذج من سيرتك الذاتية التي توضح مؤهلاتك وخبراتك والمهارات التي تملكها، وبناء عليها ربما تستطيع الحصول على الوظيفة التي ترغب فيها.
شاهد بالفديو: تأثير العلاقات الاجتماعية على إيجاد فرص العمل
في الختام:
في النهاية لا يستطيع أحد إنكار أهمية وجود شبكة علاقات قوية في حياته تسهل عليه صعوبات الحياة ويستطيع من خلالها الحصول على ما يريد، فمعرفتك بأشخاص مميزين في حياتك هو بمنزلة جواز سفر يمكِّنك من الدخول لأي دولة تريد؛ لذا عليك تقدير أهميتها والعمل على تحسين علاقاتك الاجتماعية وبناء علاقات جديدة تكون عوناً لك وقت تحتاج إليها
أضف تعليقاً