نكشف النقاب في هذا المقال عن تأثير التدخين في الجنين، وكيف يمكن لنَفَس واحد محمَّل بالنيكوتين أن يُعكِّر نقاء حياة لم تبدأ بعد، فما الذي يحدث للجنين حقاً؟ وكيف يمكن تجنُّبه؟
تأثير التدخين في الجنين خلال الحمل
يُعد الحمل فترة حساسة تتطلب عناية مخصصة بصحة الأم والجنين، فتؤثر العادات الصحية للأم مباشرة في نمو وتطور طفلها، ويُعد التدخين أحد أخطر الممارسات التي قد تُعرِّض الجنين لمخاطر جسيمة منها:
1. تأخر النمو داخل الرحم
يقلل التدخين تدفق الأكسجين والمواد الغذائية إلى الجنين بسبب تأثير أول أكسيد الكربون والنيكوتين في السجائر في الأوعية الدموية، وهذا يُضعِف النمو البدني للجنين داخل الرحم، وفي هذا السياق بينت الدراسات أنَّ النساء المدخنات في الحمل أكثر عرضة بمقدار 2-3 مرات للإصابة بتأخر النمو داخل الرحم مقارنة بالنساء غير المدخنات.
2. نقص الوزن عند الولادة
يساهم انخفاض كمية الأكسجين والمواد المغذية المتدفقة إلى الجنين بسبب التدخين في عدم اكتمال النمو المناسب للجنين، فالأطفال الذين يولدون بوزن أقل من الطبيعي (أقل من 2.5 كجم) قد يواجهون مشكلات صحية متعددة عند الولادة وفي المستقبل.
3. زيادة خطر الإجهاض والولادة المبكرة
يزيد التدخين في الحمل خطر حدوث اضطرابات المشيمة، مثل انفصالها المبكر، وضعف تدفق الدم إلى الجنين، مما يؤدي إلى عدم استقرار الحمل وزيادة احتمالية الإجهاض والولادة المبكرة قبل الأسبوع 37، وتشير الإحصائيات إلى أنَّ النساء المدخنات أكثر عرضة للإجهاض بنسبة 25-50% مقارنة بغير المدخنات، كما أوضحت منظمة الصحة العالمية أنَّ التدخين، يضاعف خطر الولادة المبكرة بمقدار 1.5 إلى 2 مرة، ويُعزى ما يقارب 15-20% من حالات الولادة المبكرة إلى التدخين.
4. التشوهات الخلقية
يزيد التدخين في الحمل خطر الإصابة بالتشوهات الخلقية لدى الجنين، مثل الشفة الأرنبية وشق سقف الحلق، وتؤثر المواد السامة في السجائر، مثل النيكوتين وأول أكسيد الكربون في تكوين الأعضاء ونموها السليم خلال المراحل الأولى من الحمل.
5. مشكلات في الجهاز التنفسي
يُضعف التدخين تطور الجهاز التنفسي للجنين، فيؤدي إلى عدم اكتمال نمو الرئتين جيداً، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي بعد الولادة، مثل الربو، والالتهابات المتكررة، وضيق التنفس، فقد يعاني الأطفال أيضاً من ضعف أداء الرئة لاحقاً بسبب التعرض للنيكوتين وأول أكسيد الكربون داخل الرحم.
6. متلازمة موت الرضيع المفاجئ (SIDS)
ترتبط متلازمة موت الرضيع المفاجئ (SIDS) بالتدخين مباشرة؛ إذ تزيد السجائر من خطر حدوث الوفاة المفاجئة وغير المتوقعة للأطفال الرضع، ويُعتقد أنَّ التدخين يؤثر في تطور الدماغ والجهاز العصبي المسؤول عن التحكم في التنفس وضربات القلب، مما يزيد من احتمالية حدوث هذه الظاهرة القاتلة.
شاهد بالفيديو: كيف تتصرّف إذا اكتشفت أنّ ابنك مدمن على التدخين؟
مضاعفات الحمل بسبب التدخين
تتسبب السموم الموجودة في دُخان السجائر في اضطرابات تؤثر في سير الحمل، مما يزيد من احتمالية حدوث مضاعفات خطيرة قد تُعرض حياة الأم والجنين للخطر، ومن بين تلك المضاعفات المحتملة:
1. الحمل خارج الرحم
يحدث الحمل خارج الرحم عادة في قناة فالوب، فتنغرس البويضة المخصبة خارج الرحم، ويُعد هذا الحمل خطيراً ويهدد حياة الأم إذا لم يُعالج في الوقت المناسب، ويُعد التدخين من العوامل التي تزيد من حدوثه.
2. وفاة الجنين (الإملاص)
يُضعِف التدخين تدفق الأكسجين والمواد المغذية إلى الجنين، مما يزيد من خطر وفاة الطفل داخل الرحم في المراحل المتأخرة من الحمل.
3. الإجهاض التلقائي
يُعرف الإجهاض بفقدان الحمل قبل الأسبوع الـ 20، ويزيد التدخين من خطر حدوث الإجهاض بسبب التأثيرات السامة للنيكوتين والمواد الكيميائية الأخرى التي تضعف استقرار الحمل.
4. مشكلات المشيمة
- انفصال المشيمة المبكر: يحدث عندما تنفصل المشيمة عن جدار الرحم قبل الولادة، مما يُعوق وصول الأكسجين والغذاء إلى الجنين.
- المشيمة المنزاحة: تُغطي المشيمة فتحة عنق الرحم، مما يسبب نزيفاً حاداً يهدد استمرار الحمل والولادة الطبيعية.
5. تمزق الأغشية المبكر
يُضعِف التدخين الأغشية المحيطة بالجنين، مما يزيد من خطر تمزقها قبل موعد الولادة، وهو ما يُعرِّض الأم لخطر العدوى ويُهدد الجنين بالولادة المبكرة.
6. الولادة المبكرة
يُعد التدخين عاملاً رئيساً في حدوث الولادة المبكرة (قبل الأسبوع 37)، فيؤدي إلى تقلصات مبكرة وضعف في المشيمة، مما يزيد خطر ولادة طفل غير مكتمل النمو ويحتاج إلى رعاية مخصصة.
التدخين والرضاعة الطبيعية
تعد الرضاعة الطبيعية أحد أهم وسائل حماية صحة الطفل، فتُقلل من خطر الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي، والتهابات الأذن، وأمراض الجهاز الهضمي والرئة، وتعزز مناعة الطفل ونموه، ومع ذلك، يُشكِّل التدخين في الرضاعة الطبيعية خطراً كبيراً على صحة الطفل والأم معاً.
تنتقل المواد الكيميائية السامة، مثل النيكوتين وأول أكسيد الكربون، إلى حليب الأم، مما يُعرِّض الرضيع لهذه السموم مباشرةً، وقد يسبب هذا الانتقال مشكلات صحية متعددة للطفل، أبرزها المغص، والتهيج، واضطرابات النوم، إضافةً إلى زيادة خطر الإصابة بمشكلات التنفس في مراحل مبكرة من حياته.
يُؤثر التدخين سلباً في إنتاج الحليب وجودته، فيُقلل من كمية الحليب التي يُفرزها جسم الأم ويُضعف قيمته الغذائية، وتُظهر الدراسات أنَّ الأمهات المدخنات، أقل احتمالية للرضاعة الطبيعية، ويُفطمن أطفالهن في وقت مبكر مقارنة بالأمهات غير المدخنات، وذلك بسبب تأثير التدخين في مستويات هرمون البرولاكتين المسؤول عن إنتاج الحليب؛ لذا يعد التوقف عن التدخين في فترة الرضاعة الطبيعية خطوة ضرورية وأساسية لحماية صحة الرضيع وتوفير أفضل بداية ممكنة لحياته، وفي حال صعوبة الإقلاع، يُوصى بتجنب التدخين قبل أو في الرضاعة، وتأخير التدخين قدر الإمكان بعد إطعام الطفل، لتقليل تركيز النيكوتين في الحليب.
طرائق وأساليب الإقلاع عن التدخين في فترة الحمل
يعد الإقلاع عن التدخين خلال فترتَي الحمل والرضاعة من أهم القرارات التي يمكن أن تتخذها الأم لحماية صحتها وصحة طفلها، فالتدخين يُعرِّض الجنين والرضيع لمخاطر صحية خطيرة بسبب التعرض للمواد السامة والنيكوتين سواء من خلال المشيمة في الحمل أم حليب الأم في الرضاعة؛ إذ لا يعد الإقلاع عن التدخين مستحيلاً، ولكنَّه يتطلب الإرادة والدعم واتباع استراتيجيات فعالة للتغلب على هذه العادة الضارة، وإليك الخطوات:
- تحديد موعد محدد للإقلاع عن التدخين والالتزام به.
- إعداد قائمة بالأسباب التي تدفعك للإقلاع (صحة طفلك، وحماية نفسك).
- تقسيم الهدف الكبير (الإقلاع تماماً) إلى خطوات صغيرة تدريجية.
- التحدث مع الطبيب أو فريق الرعاية الصحية حول الرغبة في الإقلاع.
- طلب المساعدة من برامج دعم الإقلاع عن التدخين، مثل خدمات الخطوط الساخنة أو الاستشارات النفسية.
- استخدام العلاج ببدائل النيكوتين (NRT)، مثل العلكة أو اللصقات النيكوتينية، ولكن بعد استشارة الطبيب لتحديد الأنسب.
- طلب الدعم من العائلة والأصدقاء ومشاركتهم قرار الإقلاع.
- الانضمام إلى مجموعات دعم الأمهات اللاتي يسعين للإقلاع عن التدخين.
- ممارسة تقنيات الاسترخاء للتعامل مع الضغوطات، مثل التنفس العميق أو التأمل، أو اليوغا.
- تغيير العادات اليومية.
- الابتعاد عن التدخين السلبي من خلال تجنب الجلوس في الأماكن التي يُدخن فيها الآخرون.
في الختام
يعد التدخين في فترة الحمل خطراُ كبيراً يهدد صحة الجنين ويؤثر سلباً في مراحل نموه وتطوره، سواء داخل الرحم أم بعد الولادة، فالسموم الموجودة في دخان السجائر، مثل النيكوتين وأول أكسيد الكربون، تؤدي إلى مضاعفات خطيرة، وإنَّ إدراك وفهم الأم لتأثير التدخين في الجنين يُشكل خطوة أساسية لحماية صحتها وصحة طفلها القادم.
يعزز الإقلاع عن التدخين قبل الحمل أو في أقرب وقت ممكن أثناءه فرص ولادة طفل سليم ويوفر له بداية حياة صحية خالية من المشكلات المرتبطة بالتدخين، وبالدعم المناسب من الأطباء والعائلة، يمكن لكل أم اتخاذ القرار الصائب الذي يضمن لطفلها مستقبلاً أكثر أماناً ونقاءً.
أضف تعليقاً