كما أنَّ العالم المتقدم وخاصةً في البلدان ذات معدلات إعادة التدوير المنخفض يواجه أيضاً مشكلةً في جمع المواد البلاستيكية المهملة بشكل صحيح، فقد أصبحت النفايات البلاستيكية منتشرةً في كل مكان لدرجة أنَّها دفعت الجهود لكتابة معاهدة عالمية تفاوضت عليها الأمم المتحدة.
كيف حدث ذلك؟ يبلغ عمر المواد البلاستيكية المصنوعة من الوقود الأحفوري أكثر من قرن بقليل؛ إذ تسارع إنتاج وتطوير آلاف المنتجات البلاستيكية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية، وبعدها تغيَّر العصر الحديث بحيث أصبح من المستحيل التعرف إلى الحياة دون البلاستيك اليوم.
لقد أحدث البلاستيك ثورةً في الطب باستخدام الأجهزة المنقذة للحياة، وجعل السفر إلى الفضاء ممكناً، وخفف وزن السيارات والطائرات، وهذا ما وفر الوقود، وأنقذ الأرواح بالخوذات والحاضنات ومعدات مياه الشرب النظيفة.
لكنَّ وسائل الراحة التي وفرتها اللدائن أدت إلى ثقافة التخلص التي تكشف عن الجانب المظلم للمادة، واليوم تمثل المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد 40% من البلاستيك الذي يتم إنتاجه كل عام، فالعديد من هذه المنتجات مثل الأكياس البلاستيكية وأغلفة الطعام لها عمر يتراوح من دقائق إلى ساعات، ومع ذلك قد تستمر في البيئة لمئات السنين.
لكن هل تعلم أنَّ البلاستيك يمكن أن يكون صديقاً للبيئة وقابلاً للتحلل؟ نحن نتحدث عن بلاستيك القنب وليس البلاستيك التقليدي، لكن ما هو بلاستيك القنب؟ تقليدياً، يتم تصنيع البلاستيك من المركبات البترولية التي تطلق غازاتٍ سامةً في الغلاف الجوي، فهذه المواد البلاستيكية غير قابلة للتحلل ولها آثار سلبية في أرضنا ومياهنا وحياتنا البرية.
تُنتِج النباتات مادة السليلوز التي يمكن استخدامها لصنع البلاستيك العضوي والقابل للتحلل، وفي الواقع السليلوز هو البوليمر العضوي الأكثر وفرةً الذي يمكن أن تجده على الأرض، وهكذا يأتي بلاستيك القنب.
ما هو بلاستيك القنب؟
يتكون بلاستيك القنب من السليلوز المشتق من ساق نبات القنب؛ إذ يحتوي هذا النبات على نسبة عالية من السليلوز المطلوب لتصنيع البلاستيك، وتوجد أنواع مختلفة من بلاستيك القنب، ومن ذلك البلاستيك التقليدي المدعم بألياف القنب وبلاستيك القنب 100% المصنوع بالكامل من نبات القنب، والآن بعد أن عرفت ماهية بلاستيك القنب، دعنا نلقي نظرةً على خصائصه.
مزايا بلاستيك القنب:
يتميز بلاستيك القنب بالعديد من الخصائص التي تميزه عن البلاستيك القياسي، وفيما يأتي بعض منها:
بلاستيك القنب قابل للتحلل وإعادة التدوير:
يمكنك استخدام حافظة طعام مصنوعة من البلاستيك التقليدي لبضع دقائق، ولكنَّ الأمر سيستغرق قروناً حتى تتحلل تماماً، ومن ناحية أخرى يستغرق بلاستيك القنب نحو 3-6 أشهر ليتحلل فقط، إضافة إلى ذلك يمكن إعادة تدوير هذا البلاستيك الصديق للبيئة إلى أجل غير مسمى، لذلك لا يساهم في التلوث الدائم، فالبلاستيك البترولي قابل لإعادة التدوير أيضاً، ولكنَّ العملية قد تكون سامةً؛ وذلك لأنَّ البلاستيك يحتوي على الكثير من المواد الكيميائية الضارة مثل: (Bisphenol-A) (BPA).
بلاستيك القنب مقاوم للحرارة:
يوفر بلاستيك القنب ثباتاً حرارياً عالياً وثباتاً ضد الأشعة فوق البنفسجية، فبعض أنواع بلاستيك القنب مقاومة أيضاً للهب، وفي الواقع يُعَدُّ بلاستيك القنب أقوى بنحو 2.5 مرةً من بلاستيك البولي بروبلين (PP).
بلاستيك القنب غير سام:
تحتوي اللدائن التقليدية على عوامل مُخِلَّة بالغدد الصماء مثل (BPA) التي تؤثر في الغدد الصماء ونظام الهرمونات في جسم الإنسان، فعندما يدخل (BPA) إلى جسمك، فإنَّه يعمل مثل هرمون الأستروجين، وهذا يؤدي إلى خلل هرموني قد يؤدي إلى تطور الأورام السرطانية، ومن ناحية أخرى فإنَّ بلاستيك القنب غير سام، بخلاف اللدائن التي أساسها البترول لا يحتوي على مواد ضارة للغدد الصماء، كما أنَّه لا يُطلق أبخرةً سامةً في الغلاف الجوي في أثناء إنتاجه.
استخدامات بلاستيك القنب:
بلاستيك القنب متعدد الاستخدامات بشكل لا يصدق وتطبيقاته لا حصر لها، وفيما يأتي نظرة على بعض الاستخدامات الشائعة لهذا البلاستيك الصديق للبيئة:
مواد البناء:
يمكن أن يحل بلاستيك القنب محل مجموعة كبيرة من مواد البناء، ومن ذلك البلاستيك البترولي والخرسانة واللوح الجصي، وحقيقة أنَّ بلاستيك القنب أكثر أماناً وثباتاً من الألياف الزجاجية يجعله بديلاً رائعاً لمكونات البناء المصنوعة من البلاستيك التقليدي، وفي الواقع في المستقبل القريب، يمكننا بناء منزل كامل باستخدام ألياف القنب المضغوطة، وأفضل شيء في مواد البناء القائمة على القنب هي أنَّها مقاومة للعناصر المختلفة وفعالة من حيث التكلفة ولها تأثير أقل في البيئة من مواد البناء التقليدية.
تصنيع السيارات:
استُخدِمَت المواد النباتية لأول مرة في صناعة مكونات المركبات في الأربعينيات من قِبل "هنري فورد"، واليوم يفكر العديد من مصنِّعي السيارات في استخدام المنتجات الطبيعية بدلاً من المكونات البلاستيكية والمعدنية، فالسيارات التي تحتوي على مكونات أساسها القنب محايدة للكربون، كما أنَّها موفرة للوقود؛ وذلك لأنَّها أخف بنسبة 30%، وحقيقة أنَّ القنب قابل للتحلل البيولوجي، فإنَّ هذه السيارات لن تشكل خطراً على البيئة عندما تصبح قديمةً.
تجدر الإشارة إلى أنَّ مصنِّعي السيارات مثل (Ford) و(Chrysler) و(GM) و(Honda) و(Mercedes) و(BMW) و(Saturn) يستخدمون حالياً ألواح الأبواب المصنوعة من القنب وبطانات الأسقف وصناديق السيارات من بين مكونات أخرى.
صناعة الورق:
الورق التقليدي مصنوع من الأشجار؛ إذ تستغرق الأشجار عادةً 30 عاماً على الأقل لتكون جاهزةً لتصنيع الورق بعد الزراعة، ومن ناحية أخرى يتجدد القنب وينمو في الحقل في غضون بضعة أشهر، وهذا يجعل القنب مادةً مثاليةً لتصنيع الورق، إضافة إلى ذلك فإنَّ استخدام القنب لصنع الورق سيساعد على الحفاظ على غابات العالم.
في الواقع ولفترة طويلة في التاريخ، تم استخدام القنب لإنتاج الورق؛ إذ يُعَدُّ الورق القائم على القنب ذا جودة عالية، كما أنَّه خالٍ من الأحماض بشكل طبيعي، ولا يتحول إلى اللون الأصفر أو يصبح هشاً مع مرور الوقت كما يؤول إليه الورق التقليدي.
ألعاب الحيوانات الأليفة:
لا يُستخدم القنب فقط في صنع المنتجات التي تفيد الإنسان، لكن أيضاً المنتجات التي تفيد الحيوانات مثل الكلاب والقطط؛ إذ تستخدم شركة اسمها (Honest Pet Products) القنب المستدام والصوف العضوي لصنع ألعاب الحيوانات الأليفة، فالطريقة التي تستخدمها الشركة في صنع هذه الألعاب مفيدة أيضاً للبيئة والمجتمع، وعلى وجه التحديد يتم تصنيع الألعاب من قِبل أشخاص يعانون من إعاقات في النمو في ولاية "ويسكونسن" والنساء اللواتي يعشن في "نيبال" وصحراء "غوبي".
صناعة الطائرات:
تعاقدت شركة (Hempearth) الكندية في عام 2014 مع شركة تصنيع طائرات مقرها "فلوريدا" لبناء طائرة ذات أربعة مقاعد بالكامل تقريباً من مادة القنب؛ إذ سيكون للطائرة جناحان بطول 36 قدماً، كما سيتم بناء نحو 75% من الطائرات من القنب الصناعي مستقبلاً.
فوائد بلاستيك القنب:
يتمتع بلاستيك القنب بمجموعة واسعة من الفوائد، ومن ذلك:
متعدد الاستخدامات وذو قيمة للعديد من الصناعات:
تنتشر ألياف القنب انتشاراً عشوائياً عند مقارنتها بالبلاستيك التقليدي، وهذا ما يعزز قوَّته في كل الأنحاء، وهذه القوة المتزايدة تجعل بلاستيك القنب مثالياً للاستخدام في العديد من الصناعات، كما تتبنى صناعات البناء والتعبئة والسيارات بلاستيك القنب، فهذا البلاستيك خفيف الوزن أيضاً مع نسبة عالية من الكثافة بالنسبة إلى الوزن، وهذا ما يجعله مادةً جيدةً محتملةً لصنع مكونات خفيفة الوزن في صناعة الطيران.
تقليل الملوثات البيئية:
يتزايد مستوى ثنائي أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي يوماً بعد يوم، وفي الواقع يوجد المزيد من ثنائي أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي اليوم أكثر من أي وقت في التاريخ طوال الـ 80000 عاماً الماضية، وقد يرتبط هذا التركيز العالي لثنائي أوكسيد الكربون بالاحترار العالمي "تأثير الاحتباس الحراري".
تُعزى زيادة كمية ثنائي أوكسيد الكربون جزئياً إلى حرق الوقود الأحفوري مثل البترول، وحقيقة أنَّ البلاستيك التقليدي مصنوع من المنتجات البترولية يعني أنَّه يساهم مساهمةً كبيرةً في زيادة انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون.
بخلاف ذلك، يساعد بلاستيك القنب على تقليل تأثير الاحتباس الحراري، ويقوم بذلك عن طريق امتصاص ثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتحويله إلى أوكسجين، إضافة إلى ذلك يُطلق بلاستيك القنب منتجاتٍ ثانويةً غير سامة.
شاهد بالفديو: أنواع التلوث البيئي وطرق علاجه
بلاستيك القنب أرخص وأسهل في التصنيع:
بلاستيك القنب قابل للحقن بالكامل، ففي هذه العملية يتم ملء القادوس ثم إذابة المادة الخام قبل قذفها في تجويف القالب لتصليبها. هذه العملية عالية الكفاءة ويمكن استخدامها لتصنيع العناصر المعقدة بتكلفة منخفضة.
إنقاذ الحياة البرية:
ساهم البلاستيك التقليدي في موت ملايين الأحياء البرية، فوفقاً لدراسة أجرتها هيئة الأبحاث العلمية والصناعية الأسترالية وكلية "إمبريال كوليدج" في "لندن"، فإنَّ 60% من الطيور البحرية اليوم تحوي بلاستيكاً في أمعائها، وقد يرتفع هذا الرقم إلى 99% بحلول عام 2050.
يتحلل البلاستيك عادةً إلى قطع صغيرة عند تعرضه لأشعة الشمس، وقد ينتهي الأمر بالحيوانات البحرية إلى تناول هذه القطع الصغيرة من البلاستيك، وهذا يؤدي إلى تأثيرات ضارة مختلفة وموت الحيوانات في نهاية المطاف، وبخلاف ذلك فإنَّ بلاستيك القنب قابل للتحلل البيولوجي وغير سام، لذلك بدلاً من تكديس المسطحات المائية بالبلاستيك البتروكيميائي الضار، يجب علينا تطوير مبادرات مستدامة لإعادة تدوير بلاستيك القنب بأمان.
في الختام:
مشكلة البلاستيك ابتداءً بصناعته ووصولاً إلى استخدامه وانتهاءً بتراكمه في البيئة وصعوبة تحلله، هي مشكلة خطيرة وعالمية بمراحلها الثلاث؛ لذا ينبغي التوصل إلى حلول سريعة لتدبير ومعالجة هذه الكارثة قبل أن نصل إلى يوم لن ينفع فيه الندم.
أضف تعليقاً