تشمل هذه المهن مجموعة متنوعة من القطاعات مثل الرعاية الصحية، والقانون، والمالية، والإعلام، وغيرها، فالصحة العقلية ليست فقط حقاً أساسياً لكل فرد، بل هي أيضاً عنصر حيوي للإنتاجية والنجاح المهني، وفي المهن عالية الضغط، يؤدي تجاهل الصحة العقلية إلى مخاطر جسيمة تشمل الإرهاق، والقلق، والاكتئاب، وحتى الإصابة بأمراض جسدية.
سوف يستكشف هذا المقال العلاقة بين المهن عالية الضغط والصحة العقلية، مع التركيز على الاستراتيجيات والتدخلات اللازمة لدعم العاملين، وسنناقش كيف يمكن للمؤسسات والأفراد تبنِّي ممارسات صحية للحفاظ على التوازن العقلي والجسدي، وسنقدِّم توصيات لتعزيز بيئة عمل داعمة ومستدامة.
المهن عالية الضغط:
تختلف المهن عالية الضغط وَفقَ الظروف والبيئات، ولكنَّ تُعرف بعض المهن عموماً بأنَّها تحمل مستويات عالية من الضغط، وإليك قائمة ببعض هذه المهن:
1. الطب والتمريض:
يتعاملون مع حياة الناس يومياً وغالباً ما يعملون لساعات طويلة في بيئات مرهقة.
2. مهنة رجال الإطفاء والشرطة:
يواجهون مواقف خطيرة ومتغيِّرة باستمرار، ويجب أن يكونوا مستعدين دائماً للتعامل مع الطوارئ.
3. المحاماة:
يتعاملون مع قضايا معقدة وغالباً ما تكون لديهم مواعيد نهائية صارمة وضغوطات من العملاء.
4. الإدارة التنفيذية:
يتحملون ضغط اتِّخاذ قرارات قد تؤثر في مستقبل شركاتهم وموظفيهم.
5. العمل في مجال الخدمات المالية:
يتعاملون مع الأموال الكبيرة والأسواق المتقلِّبة، وهذا يجعلهم تحت ضغط مستمر.
6. الصحافة:
يعملون تحت ضغط الوقت لتقديم الأخبار وغالباً ما يواجهون مواقف خطيرة في تغطية الأحداث.
7. الطيران:
يتحملون مسؤولية سلامة الركاب ويعملون في بيئة تتطلَّب تركيزاً عالياً ودقة.
8. العمل في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية:
يتعاملون مع معدَّات قد تكون خطيرة ويجب أن يكونوا مستعدين للتعامل مع الأعطال الطارئة.
هذه بعض الأمثلة عن المهن عالية الضغط، وتوجد عدة مهن أخرى قد تحمل مستويات مختلفة من الضغط بناءً على الظروف الخاصة بها، ومن الهام للأشخاص العاملين في هذه المهن أن يجدوا طرائق فعالة لإدارة الضغط والحفاظ على صحتهم النفسية والجسدية.
تأثير الضغط الوظيفي في الصحة العقلية:
تأثيرات المهن عالية الضغط في الصحة العقلية متعددة وتكون جسيمة، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تشمل هذه التأثيرات:
1. الإجهاد الوظيفي:
يؤدي العمل تحت ضغط مستمر إلى الإجهاد الوظيفي، الذي قد يتسبَّب في مشكلات صحية عقلية مثل القلق والاكتئاب.
2. الإنهاك المهني:
الشعور بالإرهاق والتعب الشديد نتيجة للضغوطات الوظيفية، يؤدي إلى الإنهاك المهني، وهو حالة من الإرهاق الجسدي والعقلي الناتج عن الإجهاد المزمن.
3. التغيُّب عن العمل:
قد يؤدي الضغط الوظيفي المستمر إلى زيادة معدلات التغيُّب عن العمل، وهو ما يؤثر سلباً في الإنتاجية والأداء.
4. ارتفاع معدل دوران الموظفين:
يؤدي الإجهاد المهني إلى ارتفاع معدل دوران الموظفين، فيبحث الأشخاص عن بيئات عمل أقل ضغطاً.
5. تقليل رضى المرضى:
في القطَّاع الصحي، يؤدي الإجهاد الوظيفي إلى تقليل رضى المرضى بسبب انخفاض جودة الرعاية.
6. زيادة أخطاء التشخيص والعلاج:
قد يؤدي الإجهاد الوظيفي إلى زيادة الأخطاء في التشخيص والعلاج، وهذا يُعرِّض سلامة المرضى للخطر.
للتخفيف من هذه التأثيرات، توصي منظمة الصحة العالمية بتنفيذ التدخلات التنظيمية والفردية لتحسين الصحة العقلية في مكان العمل، مثل توفير تسهيلات عمل معقولة، وتقليل عبء العمل، وتحسين التواصل والعمل الجماعي، وتشجيع النشاط البدني، ومن الهام أن تعترف المؤسسات بأهمية الصحة العقلية، وأن توفر بيئة عمل تدعم الرفاهية النفسية للموظفين، وذلك لضمان استدامة الإنتاجية والحفاظ على جودة الخدمات المقدمة.
شاهد بالفيديو: 6 عادات لتحسين الصحـة العقلية
مخاطر المهن عالية الضغط:
إنَّ مخاطر الإجهاد في مكان العمل حقيقية جداً، وليس من المبالغة القول إنَّ التوتر في مكان العمل يكون حرفياً مسألة حياة أو موت، وأشهر الأمثلة عن التوتر في مكان العمل هي حالة "كاروشي"، وهو مصطلح ياباني يعني الوفاة الناجمة عن الإرهاق في العمل.
في اليابان، كانت ثمة حالات لأفراد ماتوا بسبب النوبات القلبية والسكتات الدماغية بعد العمل المُفرط لساعات طويلة، ويسلِّط هذا المثال المتطرف الضوء على مخاطر الإجهاد في مكان العمل وأهمية التعرف إليه ومعالجته قبل أن يصبح مشكلة خطيرة.
في السنوات الأخيرة، برزت عدة حالات لأشخاص يتحدثون علناً عن تجاربهم مع الإجهاد في مكان العمل في صناعات معيَّنة، مثل "جريج سميث"، الموظف السابق في بنك "جولدمان ساكس"، الذي استقال من الشركة في عام 2012 وكتب مقالاً افتتاحياً في صحيفة نيويورك تايمز واتَّهم فيه الشركة بالثقافة السامة التي تضع الربح على حساب مصالح العملاء، وقال إنَّ ساعات العمل الطويلة، وبيئات العمل شديدة الضغط، وتوقُّع وضع العمل قبل كل شيء آخر ساهمت مساهمةً كبيرةً في زيادة ضغوطاته.
مثل "جريج سميث"، أعلن لاعب كرة السلة السابق "رويس وايت"، الذي عانى من القلق والوسواس القهري في اللعب في الدوري، عن معاناته الصحية العقلية وانتقد الدوري الأميركي للمحترفين لعدم قيامه بما يكفي لدعم الصحة العقلية للاعبين، وأظهرت الدراسات البحثية أنَّ العمل في بعض الصناعات أكثر إرهاقاً من غيره.
وجدت دراسة نُشرت في المجلة الدولية لإدارة الإجهاد أنَّ العاملين في مجال الرعاية الصحية والأخصائيين الاجتماعيين والمعلمين، يعانون من مستويات أعلى من التوتر من العاملين في المهن الأخرى، ووجدت دراسة أخرى نُشِرت في مجلة علم نفس الصحة المهنية أنَّ صناعات التكنولوجيا والمالية مرهِقة، بسبب عوامل مثل ساعات العمل الطويلة، وانعدام الأمن الوظيفي، وأعباء العمل العالية، فيواجه كلٌّ من الرجال والنساء ضغوطات في مكان العمل، وإنَّ التركيز على التجارب الفردية مع التعاطف والتفاهم يكون وسيلة مثمرة لمعالجة التوتر وعدم إضافته في مكان العمل.
استراتيجيات التدخل لدعم الصحة العقلية:
للتغلُّب على التوتر في المهن عالية الضغط، يمكن اتِّباع هذه النصائح:
1. نظِّم الوقت:
استخدِمْ جدولاً زمنياً لتنظيم المهام والأولويات لتجنُّب الشعور بالإرهاق.
2. خُذْ فترات راحة قصيرة:
خُذْ استراحات منتظمة للتنفُّس العميق أو المشي لمسافات قصيرة لتجديد الطاقة.
3. مارِسْ الرياضة:
يساعد النشاط البدني على تقليل التوتر وتحسين المزاج.
4. تواصَلْ تواصُلاً فعَّالاً:
تحدَّثْ مع الزملاء أو المديرين عن المخاوف والتحديات التي تواجهها.
5. استخدِمْ تقنيات الاسترخاء:
جرِّبْ تقنيات مثل التأمل، أو اليوغا، أو تمرينات التنفس لتقليل التوتر.
6. حدِّدْ الأهداف الواقعية:
ضَعْ أهدافاً واقعية لنفسك ولا تضغط على نفسك لتحقيق المستحيل.
7. ركِّزْ على الإنجازات:
احتفِلْ بالإنجازات الصغيرة لتعزيز الثقة بالنفس.
8. تغذَّ تغذيةً سليمةً:
تناوَلْ طعاماً صحياً لدعم الصحة الجسدية والعقلية.
9. احصَلْ على قسط كافٍ من النوم:
يساعد النوم الجيِّد ليلاً على التعافي من الإجهاد اليومي.
10. اطلُبْ المساعدة المهنية:
إذا كان التوتر يؤثر تأثيراً كبيراً في حياتك، فكِّرْ في طلب المساعدة من مستشار أو طبيب نفسي.
تذكر أنَّ العناية بالصحة العقلية والجسدية هي جزء أساسي من الحفاظ على الإنتاجية والرفاهية في مكان العمل.
برامج ومبادرات دعم الصحة العقلية:
تشمل البرامج والمبادرات المتاحة لدعم الصحة العقلية في العمل ما يأتي:
1. برامج مساعدة الموظفين (EAPs):
تُقدِّم الاستشارات والدعم للموظفين الذين يواجهون تحديات شخصية أو مهنية.
2. ساعات العمل المرنة:
تسمح للموظفين بتكييف جداول عملهم مع احتياجاتهم الشخصية، وهذا يقلِّل من الضغط النفسي.
3. تدريب المديرين:
تعزيز الوعي بالصحة العقلية وتدريب المديرين على دعم فرقهم بفاعلية.
تشير الدراسات إلى أنَّ البرامج التي تركِّز على الصحة العقلية في العمل تساهم في تحسين الرفاهية العامة للموظفين، وتقليل معدلات الغياب وزيادة الإنتاجية، ويؤكد الخبراء على أهمية بيئة العمل الداعمة ويشدِّدون على ضرورة توفير الموارد والتدريب للموظفين لإدارة الضغط إدارةً فعالةً.
توصيات للشركات والمؤسسات لتحسين رعاية الصحة العقلية:
1. تطوير برامج الوعي بالصحة العقلية:
تشجيع الحوار عن الصحة العقلية وتقليل الوصمة المرتبطة بها.
2. توفير موارد الدعم النفسي:
إنشاء خطوط مساعدة وتوفير جلسات استشارية للموظفين.
3. تعزيز التوازن بين العمل والحياة الشخصية:
تشجيع ساعات العمل المرنة وتقديم إجازات للصحة العقلية.
4. تنفيذ تقييمات المخاطر النفسية:
تحديد المخاطر المحتملة ووضع خطط للتدخل المبكر.
5. تدريب الموظفين على الإسعافات الأولية النفسية:
تمكين الموظفين من تقديم الدعم لزملائهم في العمل.
6. استخدام التطبيقات والبرمجيات:
تطوير أدوات تساعد على مراقبة الصحة العقلية وتقديم تدخلات فورية.
7. الواقع الافتراضي والألعاب:
استخدام تقنيات الواقع الافتراضي لتدريب الموظفين على مواجهة الضغوطات بطرائق مبتكرة.
8. الذكاء الاصطناعي:
استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتقديم توصيات مخصصة لتحسين الصحة العقلية.
في الختام:
لقد استكشفنا في هذا المقال العلاقة المعقدة بين المهن عالية الضغط والصحة العقلية، وأبرزها الحاجة المُلحَّة لتدخلات فعالة تدعم الرفاهية النفسية للعاملين، من خلال سرد أمثلة للمهن عالية الضغط وتحليل الأبحاث المتعلقة بتأثير الضغط الوظيفي، كما بيَّنا كيف يمكن للضغوطات المهنية أن تؤثر سلباً في الصحة العقلية، وندعو القرَّاء للتفكير في كيفية تطبيق المعلومات المقدَّمة في بيئات عملهم، والعمل على تعزيز ثقافة تُقدِّر الصحة العقلية وتدعمها.
أضف تعليقاً