وهل تعلم أنَّ الكثير من الحيوانات والنباتات مهدَّدة بالانقراض، كما أنَّ الكثير من الأصناف الأخرى قد انقرضت مسبقاً؟ نعم، وهذا معظمه نتيجة أفعال الإنسان الجائرة بحق الأرض، ناهيك عن الكوارث الطبيعية التي اجتاحت العالم على مر الزمان.
نتيجةً لذلك أُنشِئَت المحميات الطبيعية؛ وهذه المناطق التي تؤِّمن بيئة خالية من تدخُّل الإنسان وتردعه عن محاولة استغلال مواردها وتوفِّر الأمان ومصادر الغذاء والماء للحفاظ على ما تبقَّى من كائنات في أرضنا، وفي مقالنا هذا سنتعرَّف إليها بشكلٍ موسَّع؛ لذا تابعوا معنا.
مفهوم المحميات الطبيعية:
هي أماكن أو قطع من الأرض أنشأها الإنسان كمربى للحيوانات المعرَّضة إلى خطر الانقراض أو الصيد الجائر، ووفَّر جميع ما تحتاج إليه من ظروف وعوامل تساعدها على العيش والتكاثر.
من الأمثلة عن ذلك المحميات التي تضم حيواناتٍ كالفيَلة أو دب الباندا؛ إذ تُعَدُّ الفيَلة من الحيوانات المُهدَّدة بالانقراض؛ وذلك لأنَّ البشر يصطادون سنوياً أكثر من 50000 فيلٍ طمعاً بأنيابهم المكوَّنة من العاج وبيعها، وكذلك الباندا هذه الدببة اللطيفة مهدَّدة بالانقراض نتيجة الحرائق التي شملت مواطنها ونقص الغذاء والماء.
كانت الكائنات الحيَّة تعيش في بيئتها المناسبة، كل حيوان ينتمي إلى ظروف وبيئات تسمح له بالعيش والنجاة، فمثلاً النمور تعيش في المناطق العشبية كالسافانا أو في الغابات التي توفِّر صيداً وفيراً لها وفي نفس الوقت توفِّر طرائق تَخفٍّ كثيرة، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الحيوانات كالغزلان والحمار الوحشي والزرافات وغيرها تستفيد من مزايا تلك المناطق التي تعيش فيها، والطيور تعيش في المناطق المفتوحة والغابات وضفاف الأنهار، والأسماك والحيوانات البرمائية كالتماسيح وفرس النهر وكلب البحر وغيرها تكثر في البيئات المائية.
لكنَّ كثرة الحرائق والعوامل المناخية القاسية كارتفاع درجات الحرارة وتبخُّر المياه، والصيد الجائر للاستفادة من جلود الحيوانات وفرائها وأنيابها، والجفاف والأمراض وقطع الأشجار لاستخدامها في صناعات الورق والأثاث وغيرها، جميعها عوامل انعكست سلباً على الحيوانات وقلَّلت من أعدادها وأصبحت مهددة بالانقراض، وجعلت الإنسان يبحث عن طريقة للحد من هذه المشكلات وإنقاذ أكبر عدد ممكن من الحيوانات.
من هنا جاءت فكرة المحميات الطبيعية؛ إذ بدأ الإنسان بالبحث عن مناطق عيش الحيوانات وحوَّطها وبنى سياجاً حولها، ووضع ضوابط شديدة لمنع الصيد فيها أو استجرار مواردها، ووفَّر للحيوانات الغذاء والماء والرعاية الصحية، وكذلك وضعَ أشخاصاً لحمايتها وإلقاء القبض على كل من يحاول المساس بأمانها.
أنواع المحميات الطبيعية:
تُصنَّف المحميات الطبيعية حسب أهدافها الإدارية وحسب نظام تصنيف الاتحاد الدولي للحفاظ على البيئة IUCN وهي:
- محميات طبيعية صارمة: هي محميات خاضعة إلى ضوابط وحماية كبيرة للحفاظ على التنوُّع الحيوي والبحث العلمي، وهي المستوى الأوَّل في تصنيف اللجنة العالمية للمناطق المحميَّة، وتحتوي داخلها على حيوانات ونباتات وطيور وحشرات وحياة برية متكاملة ومناسبة لعيشها، ولها قيمة جيولوجية وبيئية تراثية أو تاريخية وجمالية.
- مناطق برية: وتُعَدُّ المستوى الثاني في تصنيف اللجنة العالمية للمناطق المحمية، وتحتوي على أنواع من الكائنات الحية كما في المحميات الطبيعية الصارمة.
- النصب التذكارية الطبيعية: وهي محميات تحتوي على قيمة طبيعية أو ثقافية من تنوع حيوي ونادر وقيمة جمالية بارزة أو أثرية أو ذات تكوين جيولوجي هام، وتُعَدُّ المستوى الثالث في تصنيف اللجنة العالمية للمناطق المحمية.
- المحميات الطبيعية المائية: وهي عبارة عن حدود مائية أو شواطئ تعيش ضمنها كائنات مائية ونباتات وطيور.
- مناطق توجيه وإدارة المسائل الطبيعية والحيوانات والنباتات: وهي المناطق التي تُعنى بالحفاظ على تكاثر الكائنات وزيادة التنوع الحيوي ضمنها والحفاظ عليها ودوام استمرارها.
- متنزهات قومية: خاصة بالسياحة والتنزه والرحلات والأهداف التعليمية والترفيهية.
- محميات المحيطات الحيوية: وهي المحميات التي تسمح للسكان المحليين باستخدام الأراضي المحمية بنسبة معينةٍ؛ وذلك للحفاظ على التنوع الحيوي والجيني والحفاظ على العلاقة بين الإنسان والطبيعة وكائناتها الأخرى والتوازن البيئي.
- محميات الحياة التقليدية: وهي المحميات أو المنظومة البيئية التي يعيش فيها الإنسان في البريَّة كالقبائل البدائية التي تعيش حياة خالية من ملوثات التطور والتقدُّم، ويتعايشون مع البيئة ويحافظون عليها ويقتاتون منها ضمن ضوابط محددة، فلا يتم الإضرار بها بشكل كبير.
- المحميات الطبيعية الوقائية: وهي المناطق التي تعرَّضت إلى كوارث طبيعية أو بشرية وسببت انقراض كل ما فيها أو أنواع محددة فيها؛ لذا تطوَّق وتُفرَض قوانين وحماية صارمة عليها حتى يُعاد تأهيلها وتهيئتها من جديد لجعلها محميات طبيعية.
- المناظر الطبيعية المحمية.
- المناطق المحمية للموارد الطبيعية للحفاظ على التنوع البيولوجي والموارد المستدامة ضمنها.
شاهد بالفديو: 8 حلول للحد من ظاهرة التلوث البيئي
أهمية المحميات الطبيعية:
تساهم المحميات الطبيعية بعدَّة أمورٍ في التنمية الحيوية المستمرة، كما يأتي:
- تساهم في التوعية البيئية لأهمية الحيوانات في التوازن البيئي وأهمية الحفاظ على البيئة.
- تنمية المناطق النائية؛ إذ إنَّ أغلب المحميات تقع في مناطق نائية وفقيرة؛ الأمر الذي ساعدَ على تطوير هذه المناطق وانفتاحها نتيجة السياحة وغيرها، فضلاً عن استغلال المناطق الهامشية وجعلها محميات طبيعية ذات قيمة.
- توفير الفرص للبحث وإجراء الدراسات العلميَّة على كافة أنواع الكائنات البرية والنباتات، والمتابعة الإحصائية لأعداد الحيوانات وتواتر تكاثرها ونفوقها والأمراض التي تصيبها.
- تضمن المحميات الطبيعية دوام الإنتاج والتوازن البيئي والمحافظة على استقرار البيئة، وتقلل بسبب ذلك من الفيضانات والجفاف وموت النباتات.
- توفِّر المحميات الطبيعية أماكن للسياحة والتنزُّه والاستجمام لمحبي عالم الحيوان، وعالم الطبيعة الغني بالكائنات الرائعة.
- الحفاظ على الموارد الطبيعية التي توفِّر سبلاً لعيش الإنسان واستمراريته وتطوره.
- توفير دفاع للدول التي تحتويها؛ إذ إنَّ تسجيل المحميات الطبيعية في المنظمات العالمية التي تحمي البيئة يفرض حماية للدول من خطر التهديدات العسكرية والاعتداءات الخارجية.
شروط المناطق المؤهلة لتصبح محميات طبيعية:
توجد عدَّة شروط يجب توافرها في المنطقة الطبيعية قبل أن تصبح محمية، وهي:
- توافر نظام بيئي متميز: أن تحتوي المنطقة على مجموعة حيوانية مستوطنة فيها، كالحيوانات المستوطنة في الغابات المطيرة أو السافانا.
- وجود نوع متميز في المنطقة المراد تحويلها إلى محمية: كوجود حيوان أو أكثر يكون متميزاً بقيمته أو ندرة نوعه إذ يكون معرضاً إلى الانقراض يعيش فيها.
- أن يحتوي المكان المراد تحويله إلى محمية على تنوع طبيعي لأنماط الأحياء والنباتات والتوازن بينهم.
- اختيار المنطقة التي تملك التضاريس المناسبة والعوامل الجيوفيزيائية الخاصة كوجود الينابيع أو مناطق جيولوجية فريدة.
- تُختار المناطق التي تكون أيضاً بحاجة - بالإضافة إلى حماية الكائنات فيها - إلى حماية التربة أو المصادر المائية والطقس المحلي.
- اختيار المناطق التي تكون ذات أهمية سياحية كالشواطِئ والأنهار والبحيرات والمناطق الجبلية والحياة البرية.
- يجب أن تشتمل المنطقة على مواقع لها أهمية لإجراء البحوث العلمية طويلة الأمد.
- من الشروط أحياناً أن تشتمل المحميات على مواقع أثرية.
إجراءات الحفاظ على المحميات الطبيعية:
توجد عدَّة إجراءات يجب اتِّباعها للمحافظة على المحميات الطبيعية:
- التوعية: يجب توعية المجتمعات عن طريق المؤسسات الحكومية والمنظمات العالمية بمدى التهديد الذي يسببه الإنسان للطبيعة والممارسات التي يرتكبها والتي تخل بتوازن النظام البيئي، وعقد المؤتمرات ووضع قوانين صارمة، وتثقيف الناس فيما يتعلق بالمشكلات المترتبة جراء عدم الاهتمام بالطبيعة وكائناتها.
- الدعم المالي: يجب دعم الجمعيات العالمية والمنظمات التي تعمل للحفاظ على البيئة دعماً مالياً ومعنوياً؛ وذلك عن طريق الانتساب إليها وتقديم العون لها في سبيل تحقيق أهدافها في المحافظة على ما تبقى من بيئتنا الثمينة.
- الجهود الشخصية: الحفاظ على البيئة يتطلب الكثير من الجهد والمال والتكاتف الدولي، لكن إذا انطلق كل إنسان من نفسه وقدَّم بعض الجهود البسيطة قد يُحدث فارقاً ويحافظ ولو بالقدر الأدنى على بيئته من عمليات إعادة التدوير، والتوقف عن استهلاك المنتجات الضارة بالبيئة، وتقليل استخدام وسائل النقل التي تسير على الوقود والنفط للحد من تلوث الهواء والمياه، والتطوع في المنظمات الخيرية ومنظمات حماية البيئة وتقديم العون لهم في معركتهم ضد التلوث.
وغيرها الكثير كإصدار التشريعات التي تحمي البيئة، واستخدام الوقود الحيوي، وصيانة الحدائق العامة وتوسيعها، وتكثيف الدراسات والأبحاث العلمية في دراسة الغلاف الحيوي وابتكار وسائل للحد من مظاهر التلوث التي تضر بالبيئة كلها.
أكبر خمس محميات طبيعية في العالم:
فيما يأتي أكبر 5 محميات طبيعية في العالم:
1. محمية كافانكو-زامبيزي الطبيعية:
أُسِّسَت هذه المحمية من قِبَل مؤسسة حدائق السلام والصندوق العالمي للطبيعة، وتمتد مساحتها ضمن حدود 5 بلدان إفريقية وهي: بتسوانا، ناميبيا، أنجولا، زامبيا، وزيمبابوي، وتُقدَّر مساحتها بـ 287000 كم، وتحتوي على عدد من المحميات الصغيرة المختلفة؛ وذلك لتشجيع السياحة في هذه البلدان وتشجيع هجرة وتنقُّل الحيوانات بينها.
2. محمية غالاباغوس المائية:
وهي محمية طبيعية مائية تبعد حوالي 1000 كم عن الساحل الإكوادوري، وتصل مساحتها إلى 133000 كم، ويعيش فيها العديد من الكائنات البحرية مثل الحيتان والسلاحف البحرية وأسماك القرش؛ إذ توفِّر هذه المحمية بيئة مناسبة لعيش هذه الكائنات؛ وذلك نتيجة التقاء التيارات المائية الساخنة والباردة واختلاطهما معاً؛ وهذا بدوره يؤمِّن مياهاً معتدلة مواتية لهذه الكائنات.
3. محمية ليمبوبو الطبيعية:
وهي محمية إفريقية تمتد داخل حدود ثلاثة بلدان إفريقية وهي: زيمبابوي وموزمبيق وجنوب إفريقيا، تُقدَّر مساحتها بـ 99000 كم، وتحتوي داخلها على العديد من المحميات الصغيرة، وتشكِّل موطناً للكثير من الحيوانات المهددة بالانقراض كالفيلة، والزرافات والفهود والغزلان وغيرها.
4. محمية هواء وتينيري الطبيعية:
قامت منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة بعدها منطقة تراثية حضارية، وتوجد في النيجر وتُقدَّر مساحتها 77360 كم، وتغطي النصف الشرقي من جبال أيار والنصف الغربي من صحراء تينيري.
5. محمية القديس إلياس-رانجيل:
توجد في جنوب ولاية ألاسكا الأمريكية، وتُعَدُّ منطقة تراثية حضارية، تبلغ مساحتها 53321 كم؛ أي بمساحة تزيد عن مساحة 9 ولايات مجتمعة، وتُعَدُّ أكبر محمية طبيعية في الولايات المتحدة الأمريكية، وتنتشر فوق ثاني أعلى جبل في أمريكا الشمالية.
في الختام:
لقد تعرَّفنا في هذا المقال إلى مفهوم المحميات الطبيعية وأنواعها وأهميتها، وتعرَّفنا إلى شروط المناطق المؤهلة لتصبح محميات طبيعية، مع ذكر إجراءات الحفاظ عليها، وتحدَّثنا عن خمسة من أكبر المحميات الطبيعية في العالم، على أمل تحقيقه للفائدة المرجوة منه.
التعليقات
مستخدم النجاح
قبل 11 شهربحث رائع و ممتاز واصلوا اكثر
أضف تعليقاً