أهمية اللعب في مكان العمل:
بيَّنَت الأبحاث العلمية أنَّ اللعب يعزز جودة التعلم وفاعليته، ويزيد من سرعة الاستيعاب والقدرة على ترسيخ المعلومات المكتسبة، وقد لوحظ أنَّ التسلية في مكان العمل تساعد على زيادة الإنتاجية، ومستوى الأمان النفسي، وجودة التعاون بين أعضاء الفريق.
اللعب تجربة غامرة يندمج فيها الفرد بشكل كامل، وهي تحفز إفراز هرمونات السعادة الدوبامين، والأوكسيتوسين، والسيروتونين، والإندورفين.
يؤدي إفراز هذه المركبات الكيميائية العصبية إلى تعزيز القدرة على الإبداع، والتواصل، والتعاون مع الآخرين، وهي عوامل ضرورية لتحقيق النجاح في مكان العمل؛ أي باختصار، يساعد اللعب على تعزيز الإنتاجية والنجاح في مكان العمل.
تنبيه:
تجدر الإشارة في البداية إلى المسؤولية الواقعة على عاتق القيادة لنشر ثقافة التسلية والمرح في مكان العمل، وينبغي أن تبدأ عملية التغيير من القيادة وتنتشر في كافة أرجاء المؤسسة تباعاً، أي يجب على القائد أن يطبق هذه السلوكات والمبادئ وينقلها إلى الموظفين بالاقتداء.
يشجع بعض القادة على أخذ الإجازات، لكنَّهم بالمقابل يمتنعون عن الاستفادة من العطل والإجازات، وينقلون هذه السلوكات إلى الموظفين؛ أي يجب أن يشارك القائد في العملية ويطبق السلوكات والأفعال المطلوبة لترسيخ ثقافة اللعب والتسلية في مكان العمل لكي يأخذ الموظف العملية على محمل الجد ويقتدي بقائده.
اللعب في مكان العمل:
لا بد أنَّك تتساءل عن كيفية تطبيق ممارسات اللعب في مكان العمل دون أن تؤثر في الإنتاجية وتهدر الوقت المخصص لإنجاز المهام، وتقتصر ممارسات اللعب على مرحلة الطفولة وتُنسى مع تقدم الإنسان في العمر، ولا توجد طريقة موحدة لتطبيق اللعب في مكان العمل بسبب الاختلاف في أنماط شخصية الموظفين وطريقة تجاوبهم مع الألعاب ووسائل الترفيه والتسلية.
يجب أن تفهم تركيبة الفريق وتحدد أنماط شخصية الأعضاء لكي تختار الألعاب والوسائل الترفيهية التي تناسبهم وتساعد على إضفاء المرح والمتعة على العمل.
هذا وقد بينت الأبحاث العلمية وجود 5 عناصر أساسية في الشخصية الإنسانية:
- الانفتاح.
- الضمير.
- الانبساط.
- الانسجام.
- العصابية.
يختلف مستوى تجاوب الموظف مع الألعاب والنشاطات الترفيهية بحسب نمط شخصيته ودرجة انفتاحه، وانبساطه، وغيرها من الخصائص الأساسية التي تكوِّن شخصيته.
لهذا السبب، ينبغي أن تحلل شخصيات أعضاء الفريق، وتكتشف الخيارات والوسائل الترفيهية التي تناسبهم، وتؤمِّن بيئة تساعدهم على استرجاع ذكريات الطفولة وإحياء الرغبة في اللعب.
يذكر الطبيب والمؤلف "ستيوارت براون" (Stuart Brown) في كتابه "اللعب" (Play) وجود 8 أنماط شخصية خاصة باللعب، وقد أضافت الباحثة "جوين جوردن" (Gwen Gordon) نمطاً جديداً ليصبح العدد النهائي 9.
شاهد بالفيديو: 9 فوائد للمرح في العمل
أنماط شخصية خاصة باللعب:
1. الممازح:
تركز ممارسات اللعب والترفيه في هذه الحالة على المزاح والفكاهة، والمقالب، وإلقاء الدعابات لتسلية المحيط، فلا يمانع الممازح التصرف بسخافة وهو يستمد شعور المتعة والبهجة من إضحاك الآخرين بدعاباته وتعليقاته الفكاهية.
2. المتحرك:
يعتمد شعور المتعة وفق هذا التصنيف على الحركة بكافة أنواعها مثل ممارسة التمرينات الرياضية، أو اليوغا، أو الرقص، أو لعبة قفز الحبل، ويمكن أن تميل هذه الشخصية للمنافسة، ولكن تهدف ممارساتها بشتى أنواعها إلى الحركة.
3. المستكشف:
تفضل هذه الشخصية استكشاف الأماكن الجديدة، وخوض التجارب عن طريق السفر، والمغامرات، والأبحاث، وتحليل الأمور من عدة وجهات نظر مختلفة، ويستمتع المستكشف بممارسات التأمل، والموسيقى، والحركات البسيطة التي تساعده على استكشاف ذاته وإحياء التواصل معها.
4. المنافس:
يحب المنافس اللعب وفق قواعد محددة، ويستمد شعور المتعة من تحقيق الفوز، وتستمتع هذه الشخصية بالمنافسة في الألعاب الرياضية واللوحية، وفي أثناء النقاشات التي تجري خلال اجتماعات العمل.
5. المدير:
يستمتع المدير بالتنظيم والتخطيط وترتيب الفعاليات، ويحب أن يكون مسؤولاً عن توزيع الأدوار والمهام على الآخرين، ويشعر المدير بالراحة عندما يكون محط انتباه الآخرين.
6. هاوي تجميع الأشياء:
يقتضي نمط اللعب الخاص بهذه الشخصية جمع الأشياء المادية أو خوض أكبر عدد ممكن من التجارب الحياتية، وقد تجوب هذه الشخصية العالم لإثراء معلوماتها الثقافية وزيارة أكبر عدد ممكن من البلدان والتعرف إلى الشعوب، في حين يستمتع بعضهم بتجميع الأشياء المادية مثل الملابس، والمعدات، والتذكارات، والأدوات التكنولوجية الحديثة.
7. الفنان/ المبدع:
تحب شخصية المبدع الابتكار وصنع الأشياء ولتكن عملاً فنياً جميلاً، أو أداة مفيدة، ويمكن أن تشمل النشاطات التي تستمتع بها البستنة، والطهي، وقص الشعر، وعزف الموسيقى أو تأليفها، وقد لا تعرض هذه الشخصية أعمالها الإبداعية على الآخرين، وهي تستمد شعور المتعة والسعادة من الابتكار ونشاطات التعبير عن الذات.
8. الراوي:
تركز نشاطات اللعب الخاصة بالراوي على التخيل وتأليف القصص وسردها، وهو يحب المشاركة في المسرح الارتجالي، ويستمتع بدراسة الأدب ومشاهدة الأفلام، ويندمج مع تجارب الشخصيات وعواطفها.
9. هاوي التواصل:
تحب هذه الشخصية كافة أشكال التواصل الاجتماعي مثل الحفلات، وفعاليات التعارف، والاحتفالات الدينية والشعبية والوطنية، ولا تسعى هذه الشخصية إلى المشاركة في إدارة الفعاليات لكنَّها تحب شعور الانتماء لمجتمع كبير، وهذا يُعد بمنزلة لعبة ممتعة بالنسبة إليها.
3 عناصر أساسية لخطط تطبيق اللعب في مكان العمل:
1. الطريقة:
ينبغي أن تحدد طريقة تطبيق اللعب أو التسلية في مكان العمل، فقد تكون عبارة عن لعبة أو نشاط ما على سبيل المثال.
2. الجمهور:
يجب أن تحدد الفئة المستهدفة من اللعب، والخيارات والنشاطات التي يفضلونها.
3. الهدف:
يجب أن تحدد الهدف من النشاط، وليكن تحسين المزاج، أو زيادة الإنتاجية، أو تعزيز ترابط الفريق.
3 خطوات لترسيخ ثقافة اللعب في الشركة:
1. التعامل مع اللعب على أنَّه عقلية:
اللعب هو فعل وسلوك، ولكن يجب أن تتعامل معه على أنَّه عقلية، وغالباً ما يكون المدير المرح محل إعجاب وتقدير الموظفين، وهم يعدونه خبيراً ويحترمونه لقدرته على تلطيف أجواء العمل وتخفيف حدة التوتر بطرافته.
2. تطبيق ممارسات اللعب في أوقات انخفاض نشاط الموظفين:
ثمة عدد كبير من الخيارات لتطبيق اللعب في مكان العمل عبر التمرينات والألعاب، وهي تساعد على تحسين أداء العاملين وزيادة الإنتاجية؛ لذا يجب أن تحدد الأوقات التي ينخفض فيها مستوى نشاط الموظفين خلال أيام الدوام، وتطبق نشاطات اللعب خلالها، ولتكن قبل الاجتماعات، أو في منتصف يوم الدوام، أو يمكنك أن تنظم عدة استراحات لفريق العمل خلال أيام الدوام لمساعدة العاملين على استعادة نشاطهم.
3. تطبيق نشاطات لعب اختيارية:
لا يجب أن تكون المشاركة في نشاطات اللعب إجبارية حتى لا تفقد فاعليتها في تنشيط الموظفين وتعزيز إنتاجيتهم.
طرائق لتطبيق اللعب في مكان العمل:
أولاً: اللعب في الاجتماعات الافتراضية
هناك طريقتان يمكن من خلالهما تطبيق اللعب في الاجتماعات الافتراضية:
1. تشغيل الموسيقى:
ينبغي أن تنضم للاجتماع الافتراضي مبكراً وتشغل الموسيقى ريثما ينضم بقية المشاركين، فتساعد هذه الطريقة على تحسين المزاج والتخفيف من حدة الصمت المحرج الذي يسود أجواء الاجتماعات الافتراضية، ويمكن رفع سوية الاجتماعات وزيادة فاعليتها عن طريق اختيار موسيقى تتوافق مع طبيعة الاجتماع ومحاور النقاش.
2. طبيق "لعبة أحمر، أصفر، أخضر" (the Red, Yellow, Green Game):
يمكن التكهن بأفكار الزملاء ومشاعرهم بسهولة في الاجتماعات التي تجري على أرض الواقع، ولكن يصعب تحديد حالتهم النفسية بدقة عند الاجتماع عبر الإنترنت، وتُستخدَم "لعبة أحمر، أصفر، أخضر" لتحديد الحالة النفسية لأعضاء الفريق قبل بدء الاجتماع بطريقة مسلية، ويقتضي التطبيق العملي للعبة إرسال العبارات الآتية إلى الدردشة:
- أحمر: منهك، لست بمزاج جيد.
- أصفر: أواجه بعض المشقة، لست بأفضل أحوالي، ولكن لا بأس.
- أخضر: مستعد، وأشعر بالنشاط والحيوية، وجاهز لبدء الاجتماع.
ينبغي أن يجيب المشارك عن هذه الخيارات بحسب حالته النفسية، ويجب تحديد الحالة النفسية لأعضاء الفريق من أجل مراعاتها في أثناء الاجتماع، وقد تبين أنَّ هذا التعاطف يساعد على زيادة مستوى الثقة والتفاهم ضمن الفريق.
ثانياً: اللعب في الاجتماعات الفردية
يمكن تطبيق اللعب في الاجتماعات الفردية من خلال التمشي أثناء الاجتماع.
حيث يمكنك أن تجري الاجتماع الفردي في أثناء المشي في الخارج عندما يكون الطقس مناسباً، إذ تساعد هذه الطريقة على تغيير روتين الاجتماعات وتحريك الجسم في أثناء إنجاز الأعمال، فيساعد المشي على تحسين الإنتاجية، وزيادة مستويات الطاقة والنشاط، وتعزيز شعور العافية.
ملاحظة: يمكنك أن تكسب ود الطرف المقابل وتبني الألفة معه عن طريق تقليد مشيته وسرعة سيره، فتساعد هذه البادرة على زيادة شعوره بالراحة، ويمكن تطبيق طريقة المشي في الاجتماعات الافتراضية أيضاً، فيمشي كل من الطرفين في مكان وجوده في أثناء النقاش.
ثالثاً: اللعب في جلسات العصف الذهني
1. تطبيق لعبة الاستخدامات البديلة:
تساعد لعبة الاستخدامات البديلة على تلطيف الأجواء، وتنشيط الدماغ وتهيئته للتفكير الإبداعي والخروج عن المألوف، وهو ما يحتاج إليه الفرد لإنتاج الأفكار الخلاقة في جلسات العصف الذهني، وقواعد اللعبة بسيطة ويمكن تطبيقها عبر الإنترنت أو على أرض الواقع، وهي لا تتطلب معدات أو تجهيزات خاصة، بل يكفي توفر أغراض عادية.
يقتضي التطبيق العملي للعبة تمرير غرض ما وليكن فنجاناً بين الموظفين بالدور، بحيث يقوم كل واحد منهم باقتراح استخدامات بديلة له، ولا توجد إجابات خاطئة، ويمكن تكرار الاقتراحات المطروحة سابقاً، والانتقال إلى غرض جديد عند نفاد الأفكار.
2. تطبيق التصويت المجهول:
غالباً ما تترافق عملية اتخاذ القرار مع بعض التحيزات، وقد تظن أنَّك تتَّخذ قراراً منطقياً وموضوعياً دون أن تدرك تأثير المحيط فيك، ويمكن تجنب تأثير التحيز عن طريق تطبيق التصويت المجهول الذي يُعد أكثر مرحاً وأقل إجهاداً من طريقة رفع الأيدي.
يقتضي تطبيق الطريقة في الاجتماعات التي تجري على أرض الواقع كتابة الأجوبة على قصاصات ورقيَّة وتسليمها للقائد، وثمة طريقة أخرى تقتضي عرض الأفكار والمقترحات على الحائط، بحيث يحصل كل مشارك على 3 نقاط ليستخدمها في التصويت على الأفكار التي يفضلها، وتقدم المنصات الافتراضية مثل "زووم" (Zoom) خيارات التصويت مع ميزة إخفاء هوية المشاركين.
في الختام:
يساعد اللعب على تنشيط الموظفين وإضفاء المرح على مكان العمل، وتحسين الإنتاجية، وجودة التواصل، ومستوى التعاون، والقدرة على إنتاج الأفكار الإبداعية ضمن الفريق، وزيادة إيرادات الشركة.
أضف تعليقاً