أسباب شيوع الاضطرابات النفسية بين النساء
تُعد الصحة النفسية للمرأة قضية محورية تستدعي الاهتمام المتزايد، خاصة مع ارتفاع معدلات الاضطرابات النفسية لديهن مقارنة بالرجال، وتساهم في هذا الشيوع عوامل متداخلة تشمل الجوانب البيولوجية والضغوط المجتمعية والأدوار المتعددة التي تضطلع بها المرأة. وفيما يلي أبرز هذه العوامل:
1. التأثيرات البيولوجية والهرمونية
تمر المرأة بتقلبات هرمونية مستمرة تؤثر على حالتها النفسية، وتتضمن هذه التغيرات:
- الدورة الشهرية: وما يصاحبها من تقلبات مزاجية.
- فترة الحمل وما بعد الولادة: وهي مراحل حساسة قد تزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب.
- مرحلة انقطاع الطمث: وما يرتبط بها من تغيرات هرمونية ونفسية.
حيث قد تحفز هذه التغيرات الهرمونية ظهور أعراض الاكتئاب لدى النساء، خاصة في ظل غياب الدعم النفسي والتوعية الكافية.
2. الضغوط المجتمعية والأعباء المتعددة
غالباً ما تتحمل المرأة أعباء متعددة تفرض عليها ضغوطاً نفسية مستمرة، وتشمل هذه الأعباء:
- العمل خارج المنزل: وما يترتب عليه من مسؤوليات وظيفية.
- رعاية الأطفال والاهتمام بالأسرة: وهو دور يتطلب جهداً عاطفياً وجسدياً كبيراً.
تخلق هذه الضغوطات بيئة مناسبة لتطور القلق المزمن، ونوبات الغضب، والإرهاق الذهني.
3. التجارب السلبية والعنف
تتعرض النساء بشكل أكبر لتجارب سلبية تؤثر بعمق على صحتهن النفسية، مثل:
- العنف الأسري.
- التحرش.
- التمييز في بيئات العمل.
في كثير من الأحيان، لا تجد المرأة مساحة آمنة للتعبير عن مشاعرها أو طلب المساعدة بسبب الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالحديث عن المشكلات النفسية، مما يؤدي إلى تفاقم معاناتها بصمت.
4. الفجوة في الرعاية الصحية النفسية
توجد فجوة ملحوظة في الرعاية الصحية النفسية المقدمة للنساء، حيث تتجاهل العديد من الأنظمة الصحية الخصوصيات النفسية المرتبطة بالنوع الاجتماعي، وهذا يستدعي ضرورة تطوير خدمات نفسية مصممة خصيصاً للمرأة، تشمل:
- العلاج النفسي المتخصص.
- الدعم المجتمعي الشامل.
- حملات التوعية المستمرة.
إن شيوع الاضطرابات النفسية بين النساء ليس دليلاً على ضعف، بل مؤشراً على الحاجة إلى تبني مقاربة أكثر إنصافاً وواقعية تأخذ في الاعتبار السياقات النفسية والبيئية التي تعيشها المرأة، فالصحة النفسية ضرورة لبناء مجتمعات أكثر توازناً ووعياً.
شاهد بالفيديو: 6 نصائح هامة يجب على كل امرأة اتباعها بعد سن الثلاثين
أهم طرائق دعم الصحة النفسية للمرأة
في عصر تتزايد فيه الضغوطات الاجتماعية، والاقتصادية، والعاطفية أصبحت الصحة النفسية للمرأة من الضروريات التي يجب أن يُسلّط عليها الضوء بصورة دائمة، لا كخيار ثانوي، بل كأولوية تؤثر مباشرة على جودة حياة المرأة وسلامة أسرتها بل والمجتمع كله.
فالمرأة، بحكم أدوارها المتعددة، تعيش تحت ضغوطات مستمرة قد تؤدي إلى التوتر النفسي أو حتى الاكتئاب، خاصة إذا لم تجد الدعم المناسب أو لم تتمكن من التعبير عما يدور في داخلها. ولذلك يجب الحديث عن وسائل دعم نفسية حقيقية تُراعي خصوصية المرأة وظروفها المختلفة.
تمارين التنفس والاسترخاء
عندما تتراكم الضغوطات اليومية من العمل والأسرة والعلاقات تشعر المرأة وكأنَّ عقلها لا يتوقف أبداً. وفي هذه اللحظة تأتي تمارين التنفس والاسترخاء كأداة فعالة لتصفية الذهن، وتخفيف التوتر النفسي للمرأة، ومنح الجسد والعقل لحظات من الراحة. التنفس العميق من البطن يرسل إشارات للجهاز العصبي تخبره أنَّ (كل شيء بخير) مما يقلل من ضربات القلب، ويخفض ضغط الدم، ويهدئ الجهاز العصبي.
هناك تمارين بسيطة مثل (4-7-8) (استنشاق لأربع ثوانٍ، وحبس النفس لسبع، وزفير لثماني ثوانٍ) يمكن أن تمارس في أي مكان، حتى في السيارة أو أثناء العمل. كما تساعد تقنيات، مثل اليوغا والاسترخاء العضلي التدريجي أو التأمل الموجّه على إعادة الاتصال بالجسد وإبطاء وتيرة الحياة. ومما يميز هذه التمارين أنَّها مجانية وسهلة وآمنة ولا تحتاج إلى أدوات أو أماكن خاصة. تصبح مع الاستمرار عادة وتُقلل من نوبات القلق وتحسن النوم وتبطئ من تطور علامات الاكتئاب عند النساء.
أهمية الدعم الاجتماعي
الدعم الاجتماعي ليس رفاهية، بل هو من الركائز الأساسية في الحفاظ على الصحة النفسية للمرأة. العديد من النساء يعانين في صمت، ليس لأنَّهن لا يشعرن، بل لأنَّهن لا يجدن من يستمع إليهن دون الحكم أو التقليل من مشاعرهن. إنَّ وجود شخص يستمع للمرأة عندما تعبر عن شعورها بأنها ليست بخير، ويستجيب لتلك المشاعر بالتفهم والاحتواء، قد يحميها من نوبات الاكتئاب ويساعدها على التغلب على مشاعر الوحدة والقلق.
ولا يجب أن يكون الدعم فقط من العائلة أو الأصدقاء. يمكن للمرأة أن تنضم إلى مجموعات دعم افتراضية أو واقعية تشارك فيها تجاربها وتستمع لتجارب أخريات، فتدرك أنَّها ليست وحدها. كما يجب على المجتمعات أن تربّي رجالها وأبنائها على الاستماع والتعاطف، وأن تُوفر بيئات عمل مرنة تراعي التحديات النفسية التي قد تمر بها النساء، خصوصاً أثناء الحمل أو بعد الولادة.
المجتمع الداعم هو الذي لا يستخف بمعاناة المرأة النفسية ولا يصفها بالمبالغة أو الحساسية الزائدة، بل يراها إنساناً له الحق في التوتر والضعف والطلب والاحتياج دون أن يُنتقص من احترامها.
متى تحتاجين إلى استشارة مختص؟
تجبر المرأة نفسها على التحمل والصمت، وتَعُدُّ أنَّ طلب المساعدة النفسية هو ضعف أو ترف. لكن الحقيقة هي أنَّ هناك لحظات يجب فيها التوقف، والنظر بجدية إلى ما يحدث داخلياً. إذا بدأتِ تشعرين بالحزن المستمر لأيام أو أسابيع وفقدت شغفك بالأشياء التي كنتِ تحبينها أو واجهتِ صعوبة في النوم أو الأكل أو التركيز، فهذه مؤشرات واضحة على أنَّ هناك أمراً يحتاج إلى تدخل مختص.
الاكتئاب عند النساء لا يظهر دائماً على صورة بكاء مستمر. أحياناً يظهر في صورة إرهاق دائم، وعصبية زائدة أو حتى انعدام القدرة على الاهتمام بالنفس أو بالآخرين. كذلك فإنَّ المرور بتجربة صادمة، مثل طلاق أو فقدان وظيفة أو وفاة أو عنف أسري قد يترك آثاراً عميقة لا تشفى وحدها مع الوقت.
المختص النفسي ليس فقط شخصاً يُنصت، بل هو شريك في رحلة التعافي، فهو يُقدم أدوات علمية تساعد على إعادة التوازن الداخلي. ومع تنوع أنماط العلاج الحديثة، مثل العلاج السلوكي المعرفي، والعلاج بالتقبل والالتزام، أو العلاج الجماعي أصبح بالإمكان إيجاد طريقة تناسب كل امرأة حسب شخصيتها وظروفها.
طلب الاستشارة لا يعني أنَّ المرأة مجنونة أو فاشلة كما يروج بعضهم، بل يعني أنَّها قوية بما يكفي لتدرك حاجتها وتبحث عن الحل.
شاهد بالفيديو: 6 نصائح للتعامل مع الزوجة في سن اليأس
نصائح للعناية بالصحة النفسية بمناسبة اليوم العالمي لصحة المرأة
يُعد اليوم العالمي لصحة المرأة فرصة هامة لإعادة النظر في الطريقة التي نتعامل بها مع أنفسنا، خصوصاً على المستوى النفسي. فالمرأة رغم ما تحققه من إنجازات، لا تزال تتحمل نصيباً كبيراً من المسؤوليات الاجتماعية والعاطفية والمهنية، ما يجعلها أكثر عرضة للإرهاق النفسي والتوتر المزمن بل وأحياناً الاكتئاب. لذلك فإنَّ الاهتمام بـالصحة النفسية للمرأة لم يعد رفاهية، بل ضرورة حياتية واستثمار طويل الأمد في الذات والعطاء.
1. خذي وقتاً لنفسك دون الشعور بالذنب
المرأة في كثير من الأحيان تربّى على أنَّ العطاء للآخرين هو الأولوية، وأنَّ تخصيص وقت لها قد يُعد أنانية. لكن الحقيقة هي أنَّ التوازن يبدأ من الداخل. سواء كنتِ أماً أو عاملة أو طالبة أو ربة منزل، فلكِ الحق في التوقف والتقاط أنفاسك، وتخصيص وقت تستعيدين فيه نفسك.
وجربي تخصيص ربع ساعة يومياً لشيء تحبينه فقط لنفسك: قهوة على الشرفة، أو كتابة في دفتر، أو حتى جلسة صمت وتأمل. هذه اللحظات الصغيرة تخلق فرقاً كبيراً في مواجهة التوتر النفسي المتراكم.
2. تحدثي وشاركي مشاعرك
السكوت عن المشاعر لا يعني أنَّك قوية، بل قد يكون طريقاً نحو الانفجار الداخلي. الاكتئاب عند النساء أحياناً يبدأ من كتمان الأحزان والضغوطات اليومية.
وتواصلي مع شخص تثقين به، مثل: صديقة أو أخت أو مختصة نفسية. فبمجرد التحدث عما تشعرين به، دون الحاجة إلى حلول فورية يمكن أن يكون علاجاً بحد ذاته. يجب أن تعرفي أنَّك لست وحدك، وأنَّك لست مُطالبة بتحمّل كل شيء بصمت.
3. مارسي أنشطة تخفف من التوتر
يعمل الجسد والعقل بتناغم، فحين تهملين جسدك يصرخ عقلك. خصصي وقتاً لممارسة نشاط بدني حتى لو كان بسيطاً كالمشي أو الرقص. تمارين التنفس العميق أو التأمل الذهني تساهم في تهدئة الجهاز العصبي وتقلل من مستويات الكورتيزول المرتفعة بسبب الضغط.
حيث أشارت دراسات عديدة إلى أنَّ الحركة المنتظمة تُقلل من فرص الإصابة بـالاكتئاب عند النساء وتحسّن النوم والمزاج.
4. قللي من الانتقاد الذاتي
من أكثر العوامل التي تؤثر على الصحة النفسية للمرأة هو الصوت الداخلي الذي يكرر: لستِ كافية. هذا الصوت لا يُنتج منه سوى القلق، والشعور بالذنب، والتقليل من الإنجازات.
وحاولي أن تتعاملي مع نفسك كما تتعاملين مع صديقتك المقربة: بلطف وتقدير وتفهم. عندما تخطئين، لا تجلدي ذاتك، بل اسألي: ما الذي يمكنني تعلمه؟ بدلاً من، لمَ أنا هكذا؟
5. راقبي مؤشرات الاكتئاب
يجب التمييز بين الإرهاق الطبيعي والتدهور النفسي. إذا لاحظتِ أنَّك تفقدين الحماس، أو تشعرين بثقل في القيام بالأنشطة اليومية، أو تبكين كثيراً، أو تفتقدين الطاقة، فقد تكون تلك علامات الاكتئاب عند النساء.
ولا تنتظري أن "تتحسني وحدك"، فالأمر قد يتطلب دعماً من مختصة نفسية. يُساعدك التشخيص المبكر في إيجاد توازن جديد ويمنع تفاقم الحالة.
6. احجزي وقتاً مع مختصة نفسية
الاستشارة النفسية لا تعني أنَّك مجنونة أو أنَّك ضعيفة. هي دليل على وعيك ونضجك، وحرصك على التغيير. كثير من النساء لا يتحدثن عن ما يؤلمهن خوفاً من الأحكام أو الإحراج، لكن الجلسات النفسية توفر مساحة آمنة وسرية للتفريغ والتحليل وفهم الذات. كما أنَّ العلاج لا يقتصر على الكلام فقط، بل يُقدم أدوات عملية لمواجهة التوتر النفسي وتحسين جودة الحياة اليومية.
إقرأ أيضاً: الهرمونات الأنثوية وتأثيرها في الحالة النفسية للمرأة
7. اعتني بجسدك لتدعمي عقلك
تُعد التغذية السليمة والنوم المنتظم وشرب الماء كلها أساسيات لا غنى عنها لصحة نفسية متوازنة. يؤثر الجوع أو نقص الفيتامينات، أو اضطراب النوم مباشرة على كيمياء الدماغ ومن ثمَّ على المزاج والانفعال. اجعلي الاهتمام بجسدك عادة يومية لا مجرد ردة فعل بعد الإرهاق.
8. تذكري أنَّ لكِ الحق في الفرح
وأخيراً أنتِ لا تعيشين فقط لتنجزي وترضي من حولك. لكِ الحق في الضحك، وفي المتعة، وفي الراحة، وفي الحياة. ضعي الفرح على قائمة مهامك اليومية، ولو من خلال شيء بسيط: مشاهدة فيلم تحبينه، أو شراء وردة، أو الاستماع لموسيقى تُحرك قلبك.
في الختام
يتضح أنَّ الصحة النفسية للمرأة ليست مسألة فردية، بل قضية مجتمعية تتطلب اهتماماً جاداً وعميقاً. التحديات النفسية التي تواجهها المرأة بسبب أدوارها المتعددة والتوقعات الاجتماعية قد تؤثر بصورة كبيرة على حياتها الشخصية والعائلية والمهنية.
أضف تعليقاً