نلاحظ دائماً أنَّ الشخصياتِ الناجحة هي المُبدِعةُ في ابتكار الحلولِ للمشكلات التي تواجهها والتي تتميَّز بأنَّها حلولٌ أكثر كفاءةٍ وربَّما أسرع أيضاً، كما أنَّ الشخصَ الناجحَ هو شخصٌ مُتفائِلٌ دائماً لا يستسلمُ للإحباط ببساطةٍ؛ لكونه يمتلك الشغفَ والحبَّ الكافي لدفعه نحو أهدافه بقوَّةٍ وبأفضلَ طريقةٍ؛ لأنَّه يركِّز على طريق النجاح ويجعلُ رحلتَه ممتعةً أكثر من كونها مُجهِدة، وإلى جانب التفاؤل يمتلك الإصرار والصبر في مختلف الأوقات وخاصَّةً الأوقات العصيبة في أثناء مواجهة التحديات والصعوبات التي لا يخلو منها أي طريق.
إضافة إلى ما سبق، فإنَّ معظم الشخصيات الناجحةِ والمؤثِّرة في الحياة لديهم استمرارية في التعلم، فنجدهم يمتلكون كثيراً من المعلومات والمهارات وفي مُختلَف المجالات، أمَّا النقطةُ الأساسية أو الصفة التي تمتلكها معظم الشخصيات الناجحة عملياً أو اجتماعياً وفي مختلف الجوانب هي "القيادية"، فتلك الصفة تعطيهم كاريزما خاصة تجعلهم جذَّابِين لجميع مَن يتعامل معهم، وتجعلُ ثقةَ الجميع فيهم عاليةً؛ لذلك سنتحدَّث في مقالنا الحالي عن الشخصية القيادية وكيفيَّة اكتسابها، فيساعدك ذلك على الوصول إلى المكان الذي تحلم به في عملك وحياتك عموماً.
ما هي سمات الشخصية القيادية؟
تمتلك جميعُ الشخصيات القيادية صفات مُشترَكةً تُعَدُّ السمات الرئيسة لها والتي تُصنَّف على أساسها بأنَّها قياديةٌ، وأبرزها ما يأتي:
1. الاحترام:
الإنسان القيادي هو من يحترم الآخرين بقدر ما يرغبُ أنْ يحترمَه الناس، ومهما كانت الظروف التي يمرُّ بها صعبة أو حالتُه النفسيةُ غير مستقرَّةٍ لا يُقلِّل من احترام الآخرين، وهذا ما يجعل وجوده يؤدِّي دوراً هاماً في تخفيف التوتر والصراعات إن حَضَرَ بين أطرافٍ مُختلِفةٍ أو مع أشخاص يَختلِف معهم، فيُظهِر دائماً الاحترام لوجهات النظر المختلفة.
2. الرحمة:
هي الصفة التي تَسمَح للشخصية القيادية بالتَّأثير بالآخرين فوراً، فعندما يُشارِك أحدٌ الشخص القيادي مشكلاته أو همومَه أو أحلامَه يُظهِر تعاطفاً واضحاً معه، فيشعر بأهميَّة ما تحدَّث به، ويساهم ذلك في بناءِ علاقةٍ متينةٍ بينهما، إضافة إلى أنَّ الشخصيةَ القياديةَ تفهم احتياجات الآخرين وتحاول مساعدتهم وتهتمُّ لجميع من حولها.
3. التواضع:
ربَّما يربِطُ بعضُ الأشخاص بين الشخصية القيادية والتكبُّر، إلَّا أنَّها على النقيض من التوقعاتِ تماماً، فهي شخصيةٌ قادرةٌ على التعامل مع مُختلَف الأنماط والمستويات الاجتماعية، كما أنَّها بعيدةٌ كلَّ البُعدِ عن "الأنا"؛ أي صعوبةِ تقبُّل الهزيمة أو إظهار الضعف أو قبول الأخطاء.
4. الشفافية:
الشخصية القيادية بعيدةٌ عن الاحتيال أو الكذب أو الخداع، فتُناقِش الآخرين بصدقٍ وصراحةٍ، وتمنحهم الفرصةَ للحوار ومشاركة الرأي، حتَّى عندما تنتَقِدُ هذه الشخصية فإنَّها تَنتَقِدُ بصراحةٍ ولكن بأسلوبٍ لطيفٍ ورحيمٍ، فلا ينزعجُ الطَّرَفُ الآخرُ منها.
5. التعاون:
تؤمِن هذه الشخصية بأهمية التعاون في تحقيق الأهداف المرجوَّةِ، وتؤمِن بأنَّ كلَّ شخصٍ يمتلكُ قدراتٍ فريدةٍ أو مَيِّزاتٍ تجعل التعاونَ معه مُثمِراً، ويَظهَر ذلك جليَّاً في الناحية العملية من حياة الشخصية القياديَّةِ؛ لكونها تؤمنُ بأهميةِ فريقِ العملِ المُتكامِل.
6. الشجاعة:
تمتلك الشخصيةُ القياديَّةُ من الشجاعة كثيرَاً، والذي يجعلها تثابرُ وتجتهدُ لتصلَ إلى أهدافها وتُحَقِّقَ أحلامَها وتحلَّ المشكلات التي تواجهها بالطرائقَ الأكثرِ صواباً، وتعملُ عادةً الشخصيةُ القياديةُ على تشجيع الآخرين ودعمهم معنوياً للوصول إلى أهدافهم.
7. الامتنان:
تعترف الشخصية القيادية بفضل الآخرين، فعندما يُقدِّم أحدهم معروفاً لها تُسارِع إلى شُكرِه بأفضل الطرائق.
8. المرونة:
هي صفة تجعل الشخصية القياديَّة قادرةً على تَقبُّل التَّغيُّر في جوانب حياتها المُختلِفة فتستجيب للتَّحدِّيات وتنظرُ نظرةً إيجابيَّةً لكافَّة التغيرات.
شاهد بالفديو: 8 صفات للشخصية القيادية الناجحة
كيفية اكتساب سمات الشخصية القيادية:
يقول ويليام شكسبير: "يُولَد بعض الأشخاص عظماء، ويحقق بعضهم العظمةَ، وبعضهم الآخر تُفرَض عليهم العظمةُ"؛ أي إنَّ بعض البشر وُلِدوا حامِلِين صفات الشخصيةِ القياديةِ وفي الوقت ذاته يوجد كثيرٌ من الناس يسعَون ليُصبحوا شخصيات قيادية، ومن ثم يُمكِن للجميع اكتسابُ سماتِ الشخصيةِ القيادية، ويتمُّ ذلك من خلال اتباع ما يأتي:
1. تعلُّم مهارات التواصل:
عموماً، التأثيرُ بالآخرين والنجاحُ في بناء علاقاتٍ متينةٍ معهم يحتاج إلى مهاراتِ التواصُلِ وخاصَّةً الاستماع الفعَّال، فلا يكفي أن تسمعَ، بل يجب أن تُظهِرَ الاهتمام وتُركِّزَ جيداً بما تسمَعُه، إضافة إلى كيفيَّة التحدُّث إلى الآخرين، فبعضٌ من الناس تجذبنا طريقة تَحَدُّثهم وبعضهم الآخر نتمنَّى ألَّا يتكلمَ، والقائد هو من يَعرِف ما يتحدَّثُ به ومتى يتحدَّث ومتى يصمت.
2. تجنُّب التعالي على الآخرين:
التكبُّر والتعالي صفتان تقتلان العلاقات بمختلَف أشكالِها؛ لأنَّها سببٌ كافٍ لتنفِّر الناس وتُبعِدَهم عنك؛ لذلك تذكَّر أنَّنا جميعنا بشرٌ خلَقَنا الله متساويين على اختلاف الطبقات الاجتماعية والمستويات العلمية، فإنَّ الجميعَ يَستَحِقُّ الاحترام والتعاطف والرحمة، فلا تُلقِ اللومَ على شخصٍ قبل معرفة الأسباب التي دفعته للتصرف بالطريقة التي تصرَّف بها، ولا تَحكُم على إنسان من مظهره أو سلوكه؛ بل يجب أن تستمع جيداً له ثم تَحكُم.
3. تعلُّم كيفيَّة إدارة الصراعات:
الشخصية القياديةُ لا تنحازُ لطرفٍ مُعيَّنٍ لوجود أسبابٍ شخصيةٍ؛ إنَّما تقفُ مع الحقِّ دائماً وتُحاولُ تقريبَ الأطراف المختلِفةِ من بعضها بعضاً، فإن كنتَ في بيئةٍ حَدَثَ فيها صراعٌ بين طرفين، فعليك تهدئة الأجواء والتحدُّث عن النقاط المُشترَكةِ والمساعدة على إيجاد حلول ترضي مُختلَف الأطرافِ.
4. التعلُّم باستمرار:
تمتلك الشخصيةُ القيادية المعارفَ والمعلوماتِ الكثيرة، وخاصةً في مجال عملها، فيجعلها ذلك قادرةً على إدارة مُختلَف الحوارات والنقاش في موضوعات متعدِّدةٍ؛ لذلك حَدِّد وقتاً يومياً للقراءة والاطِّلاع على التطورات الجديدة في مجال عملك، وفي أثناء العطلات أو أوقات الفراغ حاوِلْ تعلُّمَ مهاراتٍ جديدة والبحث والاطِّلاع على آخر التطورات في العالم عموماً.
5. تعزيز ثقتَك بنفسك:
لا يمكن للشخص أن يصبح قيادياً في عمله أو مجتمعه أو حتَّى منزله إن كانت ثقتُه بنفسه مهزوزةً؛ لأنَّه حينها لن يجدَ من يثق به، ولا نقصد بالثقة العالية بالنفس أن يصبح متغطرساً فيفرض رأيه على الآخرين ولا يعترف بأخطائه؛ إنَّما الشخصُ الواثقُ بنفسه قادرٌ على شرح رأيه بوضوحٍ والدفاعِ عن وجهاتِ نظره وتحديد نقاط القوَّةِ التي يمتلكها والاستفادة منها، وكذلك الإشارة إلى نقاطِ ضعفِه ومُحاولَة التخلُّص منها والاعتراف بأخطاء الماضي بقوُّةٍ.
6. الاجتهاد والمثابرة:
الشخصية القيادية بعيدةٌ عن الاتِّكال على الآخرين، فلا تنتَظِرُ شخصاً يُحقِّق لها أحلامها، ولا تتراجع إن وجَدَت الطريق صعباً أو واجهت صعوبات؛ بل تُثابر وتجتهد لتصل إلى ما تريد؛ لذلك حاول أن تتجنَّب الكسلَ في حياتك، وعندما تشعر بانعدام الشغف أو القوة لمتابعة الخطة خذْ استراحةً قصيرةً من العمل أو ما يُتعِبك، ومارس نشاطات تعيد طاقتك الإيجابية، ثم عاوِد المحاولة لتتجاوزَ الصِّعابَ.
7. تشجيع التفكير الإبداعي:
كثيراً ما يحاول الناسُ تفادي الفِكَر الجديدة وعدم تشجيعها تجنُّباً للاعتراف بوجود أشخاصٍ أكثرَ إبداعاً منهم، ولكن إن أردت أن تكونَ شخصيةً قياديةً، فعليك تشجيع التفكير الإبداعي، فتفتَح المجالَ للجميع ليقدِّموا اقتراحاتهم وأفكارَهم المُختلِفة، وتُفكِّر مليَّاً بأفكَارهم وتدعمهم في التجربة، وتكون مرناً فتتقبَّل التغيرات الحاصلة في الحياة وتستعدَّ لتغيير خطَّة عملك بناءً على ذلك.
8. الوفاء بالوعود:
تتذكَّر الشخصية القيادية جيداً الوعود التي قطَعَتها، وتتحمَّل مسؤولية الكلام الذي صدر عنها، فلا تتحدَّث عن أشياء صعبةِ التنفيذ أو مستحيلة، بل عليك التحدُّث وإصدار الوعود بما تستطيع القيام به فقط وما هو قابلٌ للتَّنفيذِ في الوقت الحالي.
9. محاسبة نفسك:
لا يجب أن تنظرَ إلى نفسك على أنَّك شخصٌ كاملٌ لا يخطئ أو أنَّ الأخطاءَ التي ترتكبها بسيطةٌ ومغفورةٌ، فهذا نوعٌ من التكبُّرِ وتقليل احترام الآخرين، فبدلاً من إلقاء اللَّومِ على شخصٍ من محيطك عندما تُخطِئ، عليك أن تراجعَ نفسَك وتتذكَّر ما قمت به من أفعالٍ، والسلوكات التي تتَّبعها وتُحدِّد الأماكنَ التي أخطأْتَ بها وتَعترِف بذلك أمام الأشخاص المعنيَّةِ وتُحدِّد كيفيَّةَ معالجةِ الخطأ، فهذا التصرف يجعلك شخصاً جديراً بالثقة أمام الجميع وجذاباً ومسؤولاً ومحترماً أيضاً.
10. القدوة الحسنة:
الشخصية القيادية مثال يُحتَذى به في كلِّ مكانٍ، ولا فائدة إن طبَّقْت ما سبق دون وجودِ انضباطٍ في حياتك والتزامٍ بالأخلاق الحميدة والقيم والمبادئ الصحيحة، فلا يمكن أن تكون شخصيةً قياديةً وتسرِق أو تحتال أو تخون شريكَك العاطفي أو تكذِبَ في كلامك أو وعودك أو تُحبِط المُحيطين أو تفضح أسرارهم، لذلك كن قدوةً حسنةً في مُختلَف الظروف.
في الختام:
حلمُ كثيرٍ منَّا أن يصبحَ شخصيةً قياديةً؛ لكونها شخصية جذَّابة للآخرين مميَّزة في كل مكان تحضُرُ فيه وفي جميع الحوارات التي تُشارِك بها؛ كونها شخصية تَحتَرِم الآخرين ومتواضعة كثيراً وتُظهِر التعاطفَ والرحمةَ والتعاون والشكر أيضاً، فتُعطي كلَّ إنسانٍ حقَّه، كما أنَّها مَرِنةٌ قادرةٌ على تقبُّل الآراء المُخالِفةِ والتَّغيُّرات الحاصلة في حياتها، وليصبح الإنسان شخصيةً قياديةً عليه تعزيز ثقته بنفسه وتعلُّمِ كيفية التواصل الفعَّال مع المحيطين وتشجيع فِكّرهم الإبداعية وتجنُّب التعالي والتكبر، ومن الضروري أن يكون شخصاً صادقاً ومُجتهداً في حياته، فيثابر للوصول إلى أهدافه ويُحاسِب نفسه إن أخطأَ ويَحرِصُ على التعلُّم باستمرارٍ لمواكبة كافة التطورات الحاصلة في العالم عموماً أو في مجال عمله، وتذكَّر دائماً أنَّ الشخصيةَ القياديةَ هي قدوةٌ حسنةٌ للمحيطِين فيها؛ لذلك التزمْ بالقيم والأخلاق الحميدة.
أضف تعليقاً