والتي كانت بأمس الحاجة إلى أن تُرمَّز من أجل حماية خصوصية الأخبار المتناقلة فيها من قطاع الطرق والمتطفلين، والحفاظ على سرية المعلومات المراد تناولها بين أطراف المراسلة.
مع تقدُّم العلم والتكنولوجيا وانتشار الإنترنت، ادَّعت حاجة المستخدمين إلى الحفاظ على أمنهم وخصوصيتهم إلى وجود أرض خصبة لتطوير مفهوم "تشفير البيانات" (Data Encryption) الذي سنفرد هذا المقال للحديث عنه، وعن أنواعه وطريقة عمله وأهميته وأشهر طرائق استخدامه في حياتنا اليومية.
مفهوم "تشفير البيانات" (Data Encryption):
يمكن تعريف "تشفير البيانات" (Data Encryption) على أنَّه تحويل البيانات من شكلها القابل للقراءة إلى شكل مرمَّز غير مقروء، وفي حال الرغبة في قراءة المعلومات المشفرة يجب على الطرف المستقبل معالجة الشيفرة وفكها لإعادة البيانات إلى صيغتها المقروءة.
يضمن التشفير حماية البيانات من السرقة، أو الاطلاع عليها من قِبل أشخاص متطفلين أو أعداء، أو أشخاص لديهم نزعات ونوايا تخريبية ويحبون إلحاق الضرر بالآخرين.
انتقل مصطلح تشفير البيانات إلى المعلومات المتناقلة على الشبكة العنكبوتية، وأصبح عماد عمليات المراسلة عبر الإنترنت؛ كونها أصبحت ممراً رئيساً لجميع عمليات التواصل البشري التي تنطوي على جانب كبير من السرية والخصوصية.
ينطوي مفهوم استخدام تشفير البيانات على تأمينها من قِبل الأفراد والمؤسسات التي تحاول انتهاك معلومات المستخدمين المتناقلة بين المستعرضات والخوادم، والتي قد تحتوي على بيانات شخصية أو بيانات مصرفية متعلقة بعمليات الدفع والتحويل البنكي.
تُستخدَم في عمليات تشفير البيانات برامجَ تعتمد خوارزميات معينة في عمليات الترميز وتدعى "خوارزميات التشفير"، ويتم تطوير مخططات التشفير في هذه الخوارزميات دورياً ليصبح اختراقها أمراً مستحيلاً ومتطلباً لقدرات حوسبية هائلة.
كيف تتم عملية "تشفير البيانات" (Data Encryption)؟
تتم عملية تشفير البيانات في المرحلة التي تسبق نقلها عبر شبكة الإنترنت؛ فلا يجب أن تعبر بيانات المستخدمين الشبكة العنكبوتية والأجهزة الشبكية بصورتها المقروءة؛ وذلك من أجل حمايتها من قِبل المخترقين؛ لذا يجب على المستخدمين تثبيت تطبيقات أو برامج متخصصة بضمان انتقال البيانات بشكل آمن من المصدر إلى الوجهة.
تكون آلية التشفير عن طريق تحويل النص المقروء إلى شكل غير مقروء بالنسبة إلى الإنسان، ويسمى النص في هذه الحالة "نصاً مشفراً"، ويكون ذلك عن طريق استخدام مفاتيح خاصة بعملية التشفير، وظيفتها تحويل البيانات القابلة للقراءة إلى رموز عشوائية غير مفهومة للكائن البشري.
هذه المفاتيح عبارة عن مجموعة من القيم الرياضية يتم الاتفاق عليها بين طرفي المراسلة؛ أي بين المرسل والمتلقي؛ إذ يرسل المستخدم مفتاح التشفير إلى جانب النص المشفر، ليتم فك التشفير في الطرف المستلم باستخدام المفتاح ذاته، وتعود البيانات إلى صورتها المقروءة.
يرتبط أمان عملية التشفير بتعقيد مفتاح التشفير، فكلما كان المفتاح معقداً، انعكس ذلك إيجاباً على أمان عملية التشفير، وبهذا تقل احتمالات قدرة هجمات القراصنة على فك الترميز وإعادة تحويل الرموز العشوائية إلى صيغتها المقروءة والحصول على المعلومات التي لا يجب أن يمتلكوا إمكانية معرفتها والوصول إليها.
يستخدم تشفير البيانات أيضاً من أجل تشفير كلمات السر الخاصة بالمستخدمين، ويكون ذلك عن طريق بعثرة كلمات المرور وتحويلها إلى شكل عشوائي يصعب تخمينه من قِبل المخترقين.
شاهد بالفديو: 10 نصائح تحفظ خصوصيتك على الإنترنت
ما هي أكثر تقنيات التشفير انتشاراً؟
انتشرت العديد من تقنيات التشفير، ولعلَّ أشهرها على الإطلاق هما تقنيتا التشفير المتماثل، والتشفير غير المتماثل، وتختلف التقنيتان في طريقة استخدامهما لمفتاح التشفير في عمليات التشفير وفك التشفير.
1. طريقة تشفير البيانات باستخدام مفاتيح التشفير المتماثلة:
أو طريقة التشفير المتماثل التي يتم من خلالها استخدام مفتاح التشفير نفسه في طرفي المراسلة؛ أي في عملية التشفير وعملية فك التشفير؛ لذلك فهو يسمى "المفتاح الخاص"، وهو الأسلوب الأكثر تفضيلاً من قِبل الأنظمة المغلقة والمستخدمين الفرديين.
يشترط هذا النوع من التشفير إرسال المفتاح إلى الطرف المتلقي، ويمتاز بسرعته مقارنة بطرائق التشفير الأخرى، إلا أنَّه أسهل اختراقاً من قِبل المتسللين، وأقل مقاومة للهجمات الخارجية.
2. طريقة تشفير البيانات باستخدام مفاتيح التشفير غير المتماثلة:
أو طريقة التشفير غير المتماثلة، والتي تستخدم مفتاحين في عمليات التشفير؛ مفتاح عام ومفتاح خاص، ويكون المفتاحان عبارة عن أرقام كبيرة مربوطة مع بعضها بخوارزمية معينة؛ ولكنَّهما غير متماثلين، ومن هنا جاءت تسمية هذا النمط بغير المتماثل.
يكون المفتاح الخاص بحوزة المالك المرسل حصراً، يستخدمه من أجل تشفير البيانات المرسلة، أما المفتاح العام فتتم مشاركته مع مستقبلين حصريين أو مع الجمهور عموماً، من أجل فك شيفرة البيانات المرسلة.
أهمية تشفير البيانات:
تبدو أهمية تشفير البيانات من خلال النقاط الآتية:
1. المساعدة على تكامل البيانات:
تتجلى أهمية تشفير البيانات من خلال وضع حدٍّ للمتسللين الذين يحاولون التعديل على البيانات المنقولة، فبعض المخترقين تكون أهدافهم أبعد من الاطلاع على البيانات الخاصة بالمستخدمين الآخرين، ويرغبون في الاحتيال عن طريق تحريف البيانات المتناقلة؛ لذا إنَّ التشفير يساعد مستقبلي البيانات على اكتشاف التعديلات الحاصلة عليها، وإدراك أنَّ تعديلاً غير متوقع قد طرأ عليها، فيستهل تدارك الخطأ الحاصل.
2. مساعدة المؤسسات على الالتزام باللوائح التنظيمية:
تبدو أهمية تشفير البيانات من خلال ضمانه لاستجابة المؤسسات وامتثالها للوائح التي تحدد كيفية استخدام البيانات الخاصة بالمستهلكين وحفظها، وتوضع هذه اللوائح من قِبل مقدمي الخدمات مثل الخدمات المالية أو خدمات الرعاية الصحية.
3. حماية البيانات في أثناء انتقالها عبر التجهيزات الشبكية:
تظهر أهمية تشفير البيانات من خلال تقديم الحماية والأمان للبيانات المتناقلة بين المستخدمين، والتي تمر عبر الأجهزة الشبكية وخطوط النقل، فتؤمن لها الخصوصية والسرية في أثناء عمليات التجول من المصدر إلى الوجهة عبر المخدمات والأجهزة، وتمنع وصول المستخدمين غير المصرح لهم إليها.
4. تأمين البيانات المخزنة في النقل السحابي:
تتجلى أهمية تشفير البيانات في تأمين الحماية للبيانات التي يتم تخزينها على وسائط التخزين السحابية، ويبدو هذا ضرورياً وخاصة في الآونة الأخيرة التي ازداد فيها عدد المستخدمين ازدياداً هائلاً لنظم التخزين السحابي، ويشترط الحصول على درجات الأمان القصوى تشفير البيانات لدى المستخدم في أثناء استخدامها، وفي أثناء نقلها وفي أثناء وجودها على المخزن السحابي.
5. المساعدة على تأمين المكاتب:
في الفترة التي انتشر فيها العمل عن بُعد وخاصة بعد جائحة كورونا، أصبحت البيانات بحاجة إلى المزيد من الحماية وخاصة تلك التي يتم تنفيذها لمصلحة الشركات من قِبل الموظفين عن بُعد، وفي مثل هذه الحالات تبدو أهمية تشفير البيانات واضحة عن طريقة تأمين المعلومات المنقولة وحمايتها من السرقة والفقد العرضي.
6. حماية الملكيات الفكرية:
من المجالات التي تبدو فيها أهمية تشفير البيانات بوضوح نذكر دور التشفير في حماية حقوق الملكية الفكرية وخاصة في الحالات الرقمية منها مثل البرامج والأغاني، ويكون دور تشفير البيانات في حالات السكون منع الوصول غير المصرح به إليها، واستخدامها دون إذن من قِبل العابثين، أو انتهاك حقوق النشر.
استخدامات تشفير البيانات:
توجد عدة استخدامات لتشفير البيانات في حياتنا اليومية التي قد لا ندرك وجوده فيها، ومن الأمثلة عن ذلك:
- تناقل البيانات عند استخدام آلات الصراف الآلي، وحالات الدفع عبر الإنترنت في كل مرة يتم فيها شراء المنتجات عبر الأجهزة الذكية واستخدام بطاقات الدفع البنكية، فإنَّ هذه العمليات لا يمكن أن تتم دون تشفير للبيانات المرسلة والمستقبلة حفاظاً على أمن المستخدمين.
- حالات تأمين الأجهزة يجب بالضرورة أن يتم فيها تشفير البيانات حفاظاً على البيانات الخاصة بكل جهاز، ومن أمثلة ذلك تشفير أجهزة الحاسوب المحمولة.
- البيانات التي يتم تناقلها من وإلى المواقع الإلكترونية التي تستخدم طبقة المقابس الآمنة (SSL)، ويمكن الاستدلال على هذه المواقع التي تقوم بتشفير بيانات المستخدمين المرسلة والمستقبلة إليها عن طريق وجود قفل إلى جانب عنوان (URL) الخاص بها ووجود حرف (S) في (https://).
- تشفير رسائل تطبيق (WhatsApp) الذي يُعَدُّ من أشهر تطبيقات المراسلة على الهواتف المحمولة، ويمكن التأكد من ذلك عن طريق وجود مجلد مشفر على ذاكرة الجهاز.
- تشفير رسائل البريد الإلكتروني من أجل ضمان خصوصية البيانات وسريتها عن طريق استخدام بروتوكولات خاصة بذلك مثل (OpenPGP).
- يُعَدُّ تشفير البيانات قبل حذفها من أفضل طرائق الحذف والتخلص منها وأكثرها أماناً، ويكون ذلك عن طريق حذف مفتاح التشفير المُستخدَم ومن ثم حذف البيانات المشفرة، وفي حال قرر أحد العابثين استعادة البيانات المحذوفة، سوف يستعيد البيانات بصيغتها المشفرة دون أن يملك مفتاح التشفير لإعادتها إلى صورتها المقروءة.
- يُستخدم تشفير البيانات من قِبل الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، كما أنَّه من الضروري تشفير محركات الأقراص الثابتة والمساحات التخزينية السحابية، ومن أجل المزيد من الخصوصية يمكن القيام بمكالمات صوتية مشفرة.
- يُعَدُّ تشفير البيانات جزءاً من حماية المؤلفات وإدارة الحقوق الرقمية، كما أنَّه يُستخدم في التوقيعات الرقمية؛ وذلك من أجل تأكيد صحة المعلومات وإثبات سلامتها.
في الختام:
إنَّ تشفير البيانات هو تقنية تضمن الحفاظ على سرية معلومات المستخدمين وأمانها، وخاصة تلك التي يتم تداولها على الشبكة العنكبوتية والتي تكون في كثير من الأحيان عرضة لهجمات المخترقين والمتسللين، وإنَّ تشفير البيانات يلبي حاجة المستخدمين إلى الخصوصية في الحالات التي يضطرون فيها إلى مشاركة معلوماتهم الشخصية أو البيانات المتعلقة بحساباتهم المصرفية كما في عمليات الشراء عبر الإنترنت.
أضف تعليقاً