وليس فقط المزارعون وحدهم من يحتاجون إلى المياه لتدبر أمورهم، فالصناعات والمدن والحيوانات تعاني إن حدث أي نقصٍ في المياه، والسبب الرئيس والأخطر لنقصان هذه المياه هو الجفاف.
تعريف ظاهرة الجفاف:
الجفاف هو كارثة طبيعية تتمثل بنقصان أو انعدام المياه العذبة الجوفية منها والسطحية نتيجة ارتفاع حرارة المناخ العام وقلة هطول الأمطار، وقد يكون لها آثار خطرة وبعيدة الأمد.
حيث أنه، وفقاً للمركز الوطني لبيانات المناخ، يأتي الجفاف في المرتبة الثانية بعد الأعاصير من حيث الآثار والأضرار الاقتصادية التي يتسبب بها؛ لهذا السبب يجب على الناس تعلم كيفية التحكم وترشيد استهلاك المياه والعمل على الحفاظ على الموارد المائية واستثمارها بشكل صحيح بلا إسراف أو هدر غير ضروريين.
فترات الجفاف عموماً هي فترات يكون فيها هطول الأمطار أقل من المعتاد وتسبب فترات طويلة من نقص المياه، ويمكن تعريف حالات الجفاف أيضاً على أنها حالات مؤقتة من ازدياد الطلب على المياه في النظام الهيدرولوجي وتجاوزه للوارد المائي من مصادر أخرى.
كما أن الجفاف قادر على التسبب في الدمار والخسائر الفادحة لأنه حالة لا يمكن التنبؤ بها ولا بنهايتها، فقد تستمر بضعة أشهر وقد تبقى لسنوات.
والمحزن في الأمر أن الناس لا تنظر إلى حالات الجفاف على أنها كوارث طبيعية كالأعاصير أو حرائق الغابات؛ وذلك لأن آثارها التدميرية ليست فورية؛ بل تحدث بشكل بطيء، لكن في الحقيقة، إن ما تخلفه قد يكون كارثياً على الأمد الطويل ونحن لا نحرك ساكناً.
أنواع الجفاف:
يعرف الخبراء الجفاف بتعريفات عدة، وتقودنا هذه التعريفات إلى الأنواع الرئيسة للجفاف والتي تشمل:
1. الجفاف الجوي (Meteorological Drought):
يحدث هذا النوع من الجفاف عندما تطغى أنماط الطقس الجاف على الظروف المناخية الأخرى، ويتم تحديده بشكلٍ كبيرٍ من خلال الغياب العام للرطوبة في الغلاف الجوي.
على سبيل المثال، قلة هطول الأمطار إلى جانب الظروف الجوية الأخرى كدرجات الحرارة المرتفعة والرياح الجافة.
الجفاف الميتيورولوجي هو علامة تحذير لنقص المياه المحتمل حدوثه إذا بقيت الظروف المناخية الجافة ثابتة لفترات طويلة.
وقد يكون هذا النوع من الجفاف قصير الأمد، فغالباً ما يبدأ وينتهي في فترة قصيرة.
2. الجفاف الزراعي (Agricultural Drought):
يحدث هذا النوع من الجفاف عندما تنخفض رطوبة الغلاف الجوي إلى الحد الذي تبدأ فيه رطوبة التربة بالتأثر.
وتبدأ عندها الآثار المترتبة على نقصان الرطوبة في التربة بالظهور على المحاصيل والحيوانات، فالجفاف الزراعي هو أول إشارة يشهدها الناس عند حدوث الجفاف الجوي.
3. الجفاف الهيدرولوجي (Hydrological Drought):
يتجلى هذا النوع من الجفاف حين يكون ثمة نقصان واضح في إمدادات المياه ومصادرها كمياه الأنهار والبحيرات الطبيعية والخزانات والجداول ومستويات المياه الجوفية وغيرها.
تحدث حالات الجفاف الهيدرولوجي بعد شهور من الجفاف الميتيورولوجي، وينجم عن قلة هطول الأمطار والاعتماد المفرط على مصادر المياه وهدرها في الزراعة وتوليد الطاقة والاحتياجات الأخرى.
وعلى عكس الجفاف الجوي، لا تحدث حالات الجفاف الهيدرولوجي معاً في نفس الوقت، كما أن الانخفاض في كمية ونوعية المياه السطحية هو نتيجة التأثير المباشر للجفاف الجوي.
4. الجفاف الاجتماعي والاقتصادي (Socioeconomic Drought):
هذا النوع من الجفاف مرتبط بالعرض والطلب ومتمثل في توريد أو تأمين سلع وخدمات محددة، على سبيل المثال، مياه الشرب والغذاء والطاقة وما يهددها من تحولات في الحالة الهيدرولوجية والحالة الجوية.
عادةً ما يتفاقم هذا الوضع نتيجة ارتفاع عدد السكان وانفجار الطلب على تلك السلع والخدمات لدرجة تؤدي إلى التدافع والصراع على المياه القليلة أو الغذاء القليل المتاح.
وقد يحتاج هذا النوع من الجفاف إلى وقت طويل حتى يصبح في ذروة خطورته ووقت أطول للتعافي منه.
شاهد بالفديو: أنواع التلوث البيئي وطرق علاجه
أسباب الجفاف:
يُعَدُّ نقص أو عدم كفاية هطول الأمطار السبب الرئيس للجفاف في معظم المناطق؛ إذ تؤدي قلة الأمطار في أية منطقة عموماً إلى نقص المياه السطحية والجوفية ومن ثمَّ حدوث الجفاف فيها، كما تؤثر كمية بخار الماء في الغلاف الجوي إلى حد كبير في هطول الأمطار في المنطقة.
فحين تكون المنطقة ذات نظام ضغط جوي رطب ومنخفض فثمة احتمالية كبيرة لهطول الأمطار والبرد والثلج، بينما يحدث خلاف ذلك تماماً عندما تكون المنطقة ذات ضغط جوي مرتفع ورطوبة أقل.
1. التغيرات المناخية:
التغيرات المناخية كالاحتباس الحراري يمكن أن تسهم في حدوث الجفاف، كما من المحتمل أن يؤثر الاحتباس الحراري في العالم بأسره وخاصة في اقتصاد العالم الثالث.
وقد حاولت معظم الحكومات إيجاد طرائق للتقليل من حقيقة أن درجة حرارة الأرض قد ارتفعت ارتفاعاً ملحوظاً بسببهم، إلا أن العلماء أثبتوا وصرحوا أن النشاطات البشرية هي المساهم الرئيس في زيادة الغازات الدفيئة في غلافنا الجوي.
حيث أن ارتفاع درجات الحرارة هي المكون الرئيس في وصفات الجفاف وحرائق الغابات، وهذه المجموعة من الظروف تساهم مساهمة كبيرة في فترات الجفاف الطويلة.
2. النشاطات البشرية:
تُعَدُّ الغابات من المكونات الأساسية في دورة المياه، فهي تساعد على تخزينها وتقليل التبخر، وتسهم إسهاماً كبيراً من الرطوبة الجوية عن طريق النتح.
وهذا في جوهره يعني أن إزالة الغابات التي تجيزها الحكومات لرفع الوضع الاقتصادي للمنطقة واستخدامها في الصناعات ستعرض كميات هائلة من الماء للتبخر.
كما سيضعف قطع الأشجار قدرة الأرض على الاحتفاظ وتخزين المياه والسماح بحدوث التصحر بسهولة تامة.
كما أن إزالة الغابات تقلل إلى حد كبير من إمكانات مجمعات المياه وتخفيض مستوياتها، ويؤدي الإفراط في الزراعة أيضاً إلى إرخاء التربة؛ وهذا يزيد من احتمالية حدوث التعرية وتآكل التربة، والذي بدوره سيضر بقدرة التربة على الاحتفاظ بالماء أيضاً ومن ثم الجفاف.
3. الإفراط في استغلال موارد المياه السطحية:
تتمتع مناطق محددة من العالم بموارد مائية سطحية كالأنهار والجداول والبحيرات التي تكون مصادرها مجمعات المياه والجبال، ويمكن لهذه الموارد أن تجف إذا تم التدخل في منابعها ومصادرها الرئيسة.
إذ تُعَدُّ أنظمة الري والسدود الكهرومائية عبارة عن أنظمة استغلال مفرط وهادر لموارد المياه السطحية، وغالباً ما يقوم البشر فيها بقطع إمدادات المياه عن مجمعات المصبات الخاصة بها.
الآثار الضارة للجفاف:
من الآثار الضارة للجفاف نذكر ما يأتي:
1. الآثار الاقتصادية:
عادةً ما تنطوي الآثار الاقتصادية للجفاف على خسارة الأموال من قِبل الحكومات أو الشركات أو العائلات أو الأفراد، وفيما يأتي موجز للآثار الاقتصادية الرئيسة للجفاف:
- سيضطر المزارعون إلى تحمل إنفاق مبالغ ضخمةٍ على الري وسقاية الحيوانات، ويتضمن ذلك حفر الآبار أو شراء المياه من مسافات بعيدة.
- عائدات منخفضة تسبب خسائر كبيرة في الدخل؛ إذ يؤدي انخفاض الغلة إلى خفض الأجور وتسريح العمال والموظفين الزراعيين.
- قد يتم إغلاق الشركات والصناعات التي تنتج معدات زراعية لأنَّ المزارعين لن يملكوا المال لشراء المعدات.
- النقص المطول في الأمطار يعني ظروفاً أكثر جفافاً؛ وهذا ما يجعل المنطقة عرضة لارتفاع نسبة الحرائق فيها؛ إذ يمكن أن تدمِّر حرائق الغابات الممتلكات من مزارع وحقول وغابات، كما وتتكبد الحكومات الملايين في محاولة إخمادها والسيطرة عليها سنوياً؛ وهذا ما يؤثر في اقتصادها.
- في حالة انخفاض إمدادات المياه، تعمل محطات الطاقة الكهرومائية بأقل طاقاتها؛ وهذا يعني تكاليف إضافيةً مقابل المزيد من الكهرباء أو تحمل تكاليف استخدام المولدات الخاصة التي تعمل على الوقود، كما تخسر شركات الطاقة لأنَّها غير قادرةٍ على تلبية متطلبات الطاقة في المنطقة، وتخسر الحكومات أيضاً جزءاً كبيراً من عائدات الضرائب.
2. تأثيرات بيئية:
- يؤدي الجفاف إلى تدمير الموائل وجفاف المسطحات المائية كالأنهار والبحيرات والبرك والجداول، ويسبب موت الحيوانات المائية التي تعيش فيها.
- رطوبة التربة أمر بالغ الأهمية لتفكيك المواد العضوية، ويؤثر الجفاف في جودة التربة مسبباً انخفاض النشاط العضوي حتى انعدامه نتيجة موت الكائنات الدقيقة الحية بفعل قلة رطوبة التربة.
- يسبب الجفاف تضخم آثار التصحر عن طريق قضائه على أيَّة فرصةٍ لاستعادة الأراضي.
- تتأثر جودة وصحة المسطحات المائية مثل الأنهار والجداول والبحيرات تأثراً كبيراً؛ وهذا ما يعرِّض الكائنات الحية فيها وفي محيطها والمعتمدة عليها لخطر الموت.
- تتنقل الكائنات البرية لمسافات طويلة بحثاً عن الماء، وقد ينتهي بهم الأمر في موائل خطرةٍ جديدةٍ ربما تتسبب في موتهم وزوالهم.
3. التأثيرات الاجتماعية:
الآثار الاجتماعية للجفاف هي الأقوى؛ وذلك لأنَّها تؤثر تأثيراً مباشراً في البشر، وتشهد العديد من دول العالم الثالث على مخاطره وشدة تأثيراته، ومن هذه التأثيرات ما يأتي:
- الماء يحافظ على صحتنا، فالصرف الصحي ومياه الشرب النقية أمران أساسيان لصحتنا، ويؤدي جفاف المياه إلى حدوث سوء التغذية والمجاعات وفقر الدم وانتشار الأمراض وقلة النظافة.
- يتسبب الجفاف في حدوث الهجرات؛ وهذا يعني افتقار المناطق إلى الشباب والأيدي العاملة؛ العنصران الأساسيان في تنمية أيَّة منطقة.
- قد يكون لعدم القدرة على معرفة أو التحكم بموعد انتهاء الجفاف آثارٌ نفسيةٌ بعيدة الأمد في الأفراد كالتوتر والقلق والاكتئاب؛ الأمر الذي يسبب انخفاضاً في التفاعل الاجتماعي وتعطل شبكات المجتمع.
حلول ظاهرة الجفاف:
مع ارتفاع حرارة الأرض، تشهد العديد من مناطق العالم هطول أمطار أقل، وأصبح الجفاف أكثر شيوعاً من أي وقت مضى. ومع ذلك، نحن البشر لدينا القدرة على التفكير واستخدام مهاراتنا في هندسة الحلول، إليك فيما يلي أبرز الحلول الممكنة لظاهرة الجفاف:
1. تحلية المياه:
في الختام:
لقد تعرفنا في هذا المقال إلى مفهوم الجفاف وأنواعه وبحثنا في أسبابه القائمة على التغيرات المناخية والنشاطات البشرية وغيرها، كما ذكرنا تأثيراته الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.
أضف تعليقاً