العصر الذي يوصَف بأنَّه عصر التكنولوجيا والمعلومات والتقنيات الحديثة والمبتكرة التي شملت كل المجالات ودخلت في أدق تفاصيل حياتنا اليومية فأصبح من المفروض علينا التعامل معها، وهذا ما يتطلب منا المزيد من البحث والتعلم لتنمية وتطوير المهارات الموجودة لدينا وتعلم وإتقان مهارات جديدة.
في السابق كان الاعتماد الكلي في عملية التعلم على المعلم بوصفه مصدراً وحيداً للمعلومات، كما كان من الضروري الحضور في قاعات المدارس والجامعات، وهذا بالطبع لم يعد كافياً اليوم ولا قادراً على سد الفجوة الهائلة التي حصلت بين كمية المعرفة التي نحتاجها وبين ما تقدمه هذه الأنظمة التعليمية التقليدية، ناهيك عن الكثير من العوائق التي خلقتها طبيعة الحياة المعاصرة وجعلت عملية الحضور الدائم في الجامعات عبئاً كبيراً على الطالب وهدراً لوقته وماله.
نتيجةً لكل ما سبق بدأ مفهوم جديد للتعلم يلوح بالأفق وهو التعلم المستمر؛ أي التعلم الذي يستمر طوال فترة حياة الشخص، وانطلق هذا النوع من التعلم من مبدأ الحاجة الضرورية إلى مواكبة تطورات العصر الذي نعيش فيه، وبرز أيضاً مفهوم التعلم الذاتي بوصفه أحد أشكال التعلم المستمر، فنحن لا نحتاج إلى مرشد أو معلم أو موجه لنبحث عن المعرفة؛ بل يجب على هذه العملية أن تنبع من رغبة ذاتية خالصة.
حتى تتمكن الأنظمة التعليمية من مواكبة كل هذه التغيرات التي طالت عملية التعلم نفسها والطالب والبيئة التعليمية والمعلم؛ ظهر ما يسمى "نظام التعلم عن بُعد"، ومن خلاله لم يعد التعليم مقتصراً على عمر محدد أو شروط خاصة، ولم يعد الطالب مضطراً إلى الحضور الجسدي في قاعات التدريس، ولتعرف المزيد عن التعليم عن بُعد تابع القراءة.
ما هو التعليم عن بُعد؟
التعليم عن بُعد هو مصطلح يضم كل أنواع التعليم الذي يتم عن طريق الإنترنت دون الخضوع لشروط وقواعد التعلم النظامي الذي يتطلب التفاعل بين المعلم والمتعلم، كما يشترط حضور المتعلم في القاعات الصفية، وبخلاف هذا لن يكون الطالب في نظام التعلم عن بُعد محتاجاً إلى الحضور في مبنى الجامعة أو مضطراً إلى التفرغ الكامل لحضور المحاضرات والدروس.
يعوِّض هذا النظام عن ذلك من خلال اعتماده على التقنيات الحديثة والمتطورة وتسخيرها لخدمة الطلاب والمعلمين والعملية التعليمية، فمثلاً لا يحتاج طالب موجود في "سورية" إلى السفر لـ "السعودية" لمتابعة تعليمه في إحدى جامعاتها، فيمكنه ببساطة التسجيل وحضور الدروس دون مغادرة غرفته حتى.
لقد تبنت الكثير من الجامعات حول العالم أسلوب التعلم عن بُعد منذ عام 2020 بعد انتشار جائحة كورونا؛ وذلك لمنع الاختلاط وحرصاً على استمرار العملية التعليمية على الرغم من الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم.
ينقسم التعلم عن بُعد إلى نوعين:
- المتزامن؛ إذ يكون التفاعل بين المعلم والمتعلم مباشراً وآنياً.
- اللامتزامن؛ إذ يقوم المعلم في هذا النوع بتوفير المادة الدراسية وإيصالها إلى الطالب إما عن طريق الفيديو أو قنوات "اليوتيوب" و"التيليجرام"، ويستطيع الطالب الرجوع إليها في الوقت المناسب لظروفه.
شاهد بالفديو: أهمية التعليم عن بعد
ميزات التعلم عن بُعد:
مزايا التعلم عن بُعد كثيرة ومتنوعة، وهذه المزايا جعلته معتمَداً في أشهر جامعات العالم، وفيما يأتي سنذكر أهم هذه الميزات:
- يستطيع الطالب من خلال التعلم عن بُعد الجمع بين العمل والدراسة بسهولة؛ وذلك لأنَّ هذا النظام يضع في حسبانه الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الطلاب، فمن خلال نظام التعلم عن بُعد لن يكون الطالب مضطراً إلى ترك عمله حتى يلتحق بصفوف الجامعة.
- تأتي الدراسة عن بُعد في كثير من الأحيان مترافقة مع ممارسة الطالب لعمل أو وظيفة ما، وهذا من شأنه مساعدته على تطوير مهاراته وخبراته وجعله على اطلاع دائم على كل ما يجري حوله من تطورات وجعله أكثر قدرة على الاستجابة لمتطلبات العصر.
- أدت طبيعة الحياة المعاصرة اليوم إلى ظهور ضعف كبير في أنظمة التعليم في الوطن العربي ودول العالم الثالث، وهذا ما أدى إلى زيادة عدد المتسربين والأميين وإلى تدني مستويات التعليم، ولن نتجاهل أيضاً أنَّ أغلب الأنظمة التعليمية العربية لا تعتمد على التقنيات الحديثة ولا على التكنولوجيا في أساليب تعليمها، وهذا ما ميَّز أنظمة التعليم عن بُعد عن غيرها، فهي قائمة من الأساس على استخدام الوسائط التقنية المتعددة والمتطورة التي تتكامل فيما بينها حتى ترتقي بالعملية التعليمية وتحسِّن مخرجاتها.
- التعلم عن بُعد قادر على حل الكثير من المشكلات التعليمية وتلبية الحاجات الوظيفية والاجتماعية والمهنية للطلاب، كما يحقق التكامل مع المؤسسات التعليمية التقليدية الأخرى.
- من أهم مزايا التعلم عن بُعد مرونته الكبيرة بالنسبة إلى الوقت والمكان ونظام الامتحانات ومراعاته لاحتياجات الطلاب واحترامه لوقتهم وظروفهم.
- تعزيز الرغبة الداخلية للتعلم، فقد يجعل التعلمُ عن بُعد التعلمَ عمليةً نابعةً من ذات الشخص نفسه دون إجبار أو إكراه.
- يحقق التعلم عن بُعد مبدأ ديمقراطية التعليم، ففي كل نظام تعليمي يجب أن تتوفر أبعاد ثلاثة هي:
- البعد الاجتماعي: للجميع الحق في إكمال تعليمهم طالما لا يوجد ما يمنعهم عقلياً من ذلك، فلا فرق بين جنس أو عِرق أو لون أو دين.
- البعد الكمي: أي إنَّ التعليم عن بُعد يستوعب كل من يرغب في إكمال تعليمه سواء كان من الصغار في سن الدراسة الطبيعي أم من الكبار الذين يرغبون بمتابعة تعليمهم أم ذوي الاحتياجات الخاصة.
- البعد النوعي: لا يوجد منهاج محدد وثابت؛ بل المناهج وأساليب وطرائق التدريس جميعها قابلة للتغيير لمواكبة التقدم والتطور الذي يشهده العالم ولتلبية حاجات الدارسين ولمساعدة المعلمين على إيصال المعلومة بأفضل وأسهل الطرائق وأكثرها إيضاحاً.
عيوب التعلم عن بُعد:
مساوئ التعلم عن بُعد أيضاً متعددة وعلى الرغم من أنَّ تفاديها أمر وارد وممكن، لكن هذا لا ينفي حقيقة كونها مسببةً لبعض المتاعب سواء للمعلم أم المتعلم، وسنذكر فيما يأتي أكثر هذه المساوئ انتشاراً:
- مشكلة الاستمرارية بسبب فقدان الطلاب للحافز والدافع الذي يدفعهم إلى الاستمرار في التعلم.
- غياب التفاعل الاجتماعي بين الطلبة.
- المشكلات التكنولوجية كالاتصال الضعيف بالإنترنت أو اعتماد برمجيات معينة غير متاحة لجميع الطلاب.
- معظم مصادر التعليم عن بُعد متوفرة باللغة الإنجليزية، وهذا ما يجعلها بمستوى من الصعوبة بالنسبة إلى الطلبة غير الناطقين بالإنجليزية، ومن ثمَّ تتقلص الفائدة المرجوة منها.
- فقدان التواصل المباشر بين المعلم والطالب، فالطالب يفتقد إلى النقاش الذي يمكن أن يحدث في بيئة الصف الطبيعية، ويفتقد إلى التغذية الراجعة التي قد يقدمها المعلم.
- الشكوك التي قد تساور الطلاب والتي تتجلى بعدم الاعتراف بشهادتهم، وخاصةً عند مقارنتها بشهادة التعليم التقليدي أو معدلاته كون معدلات التعليم عن بُعد غالباً ما تكون متدنية.
- يعتقد الكثيرون أنَّ مناهج التعليم عن بُعد لا تصل بمستواها إلى مناهج التعليم التقليدي؛ إذ إنَّ فرص التعلم الجامعي في التعليم عن بُعد غالباً ما تكون في مجالات محدودة مع افتقارها إلى الجانب العملي التطبيقي الذي توفره أنظمة التعليم التقليدية.
- بعض الجامعات لا تسمح للخريجين أن يتقدموا إلى الدراسات العليا، وهذا أيضاً من شأنه أن يشكك بكفاءة الخريجين ومساواتهم مع خريجي الجامعات النظامية.
- ما يمكننا عَدُّه سلاحاً ذا حدين هو تقديم الطالب فحوصاته إلكترونياً وهو شيء إيجابي، لكن لا يمكن لمدرس المادة من معرفة ما إذا كان الطالب هو من يقدم الامتحان أو بمساعدة شخص آخر، وهذا هو الشيء السلبي بسبب زيادة احتمالية التلاعب والغش.
فوائد التعلم عن بُعد:
تنبع فوائد الدراسة عن بُعد في الواقع من الميزات نفسها وأهمها:
- تبعد المتعلم عن قيود التعليم التقليدي؛ وذلك من خلال إعطاء المتعلم حرية الدراسة باختيار المواد التي تناسبه، واختيار البرنامج الذي يلائم ظروف حياته دون تقييده بعدد محدد من المواد أو ببرنامج معين.
- توفير وسائل تعليمية متاحة أمام الجميع، وبذلك يساعد هذا النظام أصحاب العمل الذين لديهم الرغبة في تطوير موظفيهم وتحفيزهم وإطلاعهم على آخر المستجدات في ميدان عملهم دون الحاجة إلى السفر أو التنقل؛ بل يمكنهم ذلك دون مغادرة مكان عملهم بسبب اعتماد نظام التعليم عن بُعد على شبكات الإنترنت ووسائل التواصل.
- توفير مصادر التعليم المتنوعة وبتكلفة قد تكون مجانية، إضافة إلى ترجمة هذه المصادر إلى لغات أخرى لتوسيع عملية التعلم، وتوفير فرصة الدراسة أو تقديم الامتحانات عبر الإنترنت أو ضمن مراكز خاصة.
- نشر المعرفة بين الناس وخاصةً أولئك الذين يعيشون في مناطق نائية أو الذين لم تسمح لهم ظروفهم للالتحاق بمؤسسات تعليمية تقليدية أو غيرهم أو ممن لا يستطيعون الالتحاق بالجامعة بسبب الأقساط المرتفعة؛ إذ يوفر التعليم عن بُعد في بعض الدول تعليماً بتكاليف مقبولة مقارنة بباقي الجامعات.
- تأهيل الطلاب أيضاً وتدريبهم لتحقيق الاستفادة المثلى من التكنولوجيا ومن شبكة الإنترنت، وتنمية مهارات استخدام الحاسب وتسخيره لخدمة العملية التعليمية بوصفه أهم الوسائل التعليمية.
- توجيه الطالب ومساعدته وتعليمه كيفية تحسين أسلوبه الخاص بالدراسة لإبعاده عن سياسة قراءة المعلومات وحفظها فقط.
شاهد بالفديو: 8 نصائح للتعلم الفعال عن بعد
أهداف التعلم عن بُعد:
يمكن تحديد أهداف التعليم عن بُعد انطلاقاً من أهداف التعليم عموماً وطبيعة التعلم عن بُعد خصوصاً، فجميع أنظمة التعليم سواء أكانت تقليدية أم عن بُعد تهدف إلى الارتقاء بالعملية التعليمية وتحسين مستوى التعلم ورفع السوية العلمية للطلاب؛ من خلال التطوير الدائم للوسائل والأساليب التعليمية.
إليك فيما يأتي أهم أهداف التعلم عن بُعد:
- الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا بشكل يحسن طرائق الوصول إلى المعلومات ومصادر التعلم ويؤمن بيئة تفاعلية مناسبة بين المعلمين والمتعلمين.
- تطوير وتحسين مهارات استخدام التكنولوجيا سواء للمعلم أم المتعلم بشكل يصب في مصلحة العملية التعليمية.
- تنمية مهارات البحث والتعلم الذاتي لدى الطلاب وإبعادهم عن أساليب التعليم التقليدية التي تعتمد على وجود موجِّه ومحرِّض للتعليم، وعلى الرغبة في التعلم أن تنبع من ذات الشخص فالمعلم ليس المصدر الوحيد للمعلومات اليوم.
- مراعاة الفروق الفردية وإتاحة الفرصة لجميع الطلاب مهما كانت ظروفهم وأوضاعهم لمتابعة الدراسة وإعطاء فرصة جديدة لكل طالب لم يتمكن من الالتحاق بأنظمة التعليم التقليدية.
في الختام:
أدت أنظمة التعليم عن بُعد دوراً كبيراً خلال السنوات الماضية وتحديداً منذ بدء جائحة كورونا، فقد كانت الخيار الأمثل والأفضل لتحقيق استمرارية عملية التعلم على الرغم من المعوقات والظروف الصعبة التي مر بها العالم، كما أنَّ نظام التعليم عن بُعد أثبت بجدارة أنَّه الحل السحري والأمثل للأشخاص الذين يعانون من ظروف خاصة كما في بعض حالات الإعاقة.
يمكننا القول في النهاية إنَّ أسلوب التعليم عن بُعد أحد أنجح أنظمة التعليم اليوم وأكثرها انتشاراً وأقلها تكلفةً، وهو من أهم طرائق الاستفادة من التكنولوجيا والتقنيات الحديثة والثورة الرقمية.
أضف تعليقاً