لقد شجعت جميع الأديان السماوية على التعلم وحثَّت الكثير من الآيات على أهميته، فهو الوسيلة في حل المشكلات ومواجهة التحديات وتمهيد الصعاب؛ وذلك لأنَّ المجتمع المثقف قادر على حل مختلف مشكلاته وقادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي أيضاً فيمنع أيَّة جهة خارجية من التحكم به.
في البداية، كان التعليم مقتصراً على التعليم التقليدي فقط، الذي يشترط فيه الوجود الجسدي للمعلم والطالب في نفس المكان والزمان في أثناء الفصل الدراسي، وهو نظام التعليم الأكثر شهرةً حول العالم، كما يتميز بالتواصل الاجتماعي بين الطالب والمعلمين والأقران أيضاً، ويساعد على صقل مهارات الطالب الاجتماعية، كما يتميز بالانضباط والالتزام، وهذا يجعل العملية التعليمية فعالة ومفيدة للطالب.
لكن حالياً وبفعل الكثير من العوامل والمؤثرات التي طرأت على العالم ككل انتشر نوع آخر من التعلم وهو التعلم عن بُعد، الذي يُعَدُّ أسلوب تعلم مناسباً للكثير من الناس، لكن على الرغم من توفر الكثير من المزايا للتعلم عن بُعد، توجد أيضاً صعوبات وتحديات ومشكلات تواجه الطلاب والمدرسين أيضاً، لذلك قبل أن تتخذ قرارك في التعلم عن بُعد، عليك أن تتعرف إلى كل الصعوبات التي من المحتمل أن تواجهك مستقبلاً كي تحاول تلافيها قدر الإمكان.
مفهوم التعلم عن بُعد:
هو الحصول على المعلومات والدروس بواسطة وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة؛ أي إنَّ المتعلم يتلقى المنهج الدراسي المخصص له دون الذهاب إلى المراكز التعليمية أو المدارس أو الجامعات كما هو متعارف عليه سابقاً، وللتعلم عن بُعد العديد من الفوائد التي تعود على الطلبة. نذكر منها ما يأتي:
1. اختيار الوقت المناسب للتعلم:
هذا الأمر يناسب من لديه العديد من الالتزامات اليومية، فمثلاً بإمكان الطالب التعلم والعمل في نفس الوقت.
2. توفير فرصة التعليم لعدد كبير من الناس:
خاصةً لمن ليست لديه قدرة الانتساب إلى جامعة معينة ربما لأسباب مادية أو لأسباب تتعلق بالعمر أو تتعلق بالجغرافيا، فبواسطة التعلم عن بُعد يمكن الدراسة بجامعات خارج البلاد دون الحاجة إلى السفر إليها، وهذا ما جعله فرصة لذوي الاحتياجات الخاصة أيضاً كي يحصلوا على الشهادات العلمية ومواكبة كل ما هو جديد دون الحاجة إلى التنقل.
3. التخفيف من مشكلة الطاقة الاستيعابية:
التي تعاني منها العديد من المنشآت التعليمية، فالتعليم عن بُعد يتيح فرصة لأكبر عدد من الطلاب للدراسة في جامعة معينة دون أن تضطر الجامعة إلى تهيئة قاعات لتدريس الطلاب.
4. التكلفة المادية أقل:
لا يحتاج الطالب إلى المال للتنقل أو للسكن بالقرب من جامعته؛ وذلك لأنَّه يستطيع تلقِّي التعليم وهو في منزله.
صعوبات التعلم عن بُعد:
على الرغم من وجود الميزات التي تحدثنا عنها آنفاً للتعلم عن بُعد، إلا أنَّه يترافق مع العديد من الصعوبات التي لا بد من مواجهتها، منها ما يأتي:
1. مشكلة الاتصال والشبكات:
يُعَدُّ الاتصال البطيء أو انقطاع الاتصال المفاجئ خلال تلقي الدرس من أسوأ ما يواجه المتعلم عن بُعد، وتكون المشكلة أسوأ عند تقديم الامتحانات والاختبارات.
2. تكلفة الأجهزة الإلكترونية:
وغيرها من التقنيات التي يحتاجها التعلم عن بُعد، فبدلاً من احتياج الطالب إلى الأقلام والأوراق للالتحاق بالمدرسة أو الجامعة سيحتاج إلى جهاز حاسوب فقط، وأجهزة لوحية، وجهاز مخصص لربط الشبكة المنزلية بشبكة الإنترنت، وغيرها من التقنيات التي لا بد من امتلاكها.
3. غياب السبل المحكمة لمنع الغش في التعلم عن بُعد:
مثلاً يمكن للطلاب تبادل المعلومات فيما بينهم في المنزل في أثناء الإجابة عن أسئلة الامتحان من خلال الإنترنت، كما أنَّ الطالب يمكنه استخدام مصادر علمية مثل مواقع إنترنت أو كتب للمساعدة على الإجابة عن الأسئلة أو حل الواجبات المنزلية أيضاً، وبالطبع لن تستطيع المنشأة التعليمية اكتشاف ذلك عن بُعد؛ بل سيحصل على نفس الدرجات التي يحصل عليها طالب ذكي ومجتهد يتعلم بالطريقة التقليدية.
4. عدم وجود تناغم وتناسب كافٍ بين المناهج الدراسية والتعليم عن بُعد:
مثلاً الكثير من التجارب الفيزيائية أو الكيميائية يصعب فهمها إن لم يقم الطالب بنفسه بها، وهذا ما يصعب تحقيقه في التعلم عن بُعد، حتى إن شاهدت فيديو مصوراً لكيفية تطبيق التجربة قد لا تتمكن من فهمها، كما أنَّ تطبيق التجارب في المنزل صعب جداً لصعوبة توفر المواد والأدوات اللازمة للتطبيق الصحيح لها.
مشكلات التعلم عن بُعد:
ظهرت مشكلات التعلم عن بُعد بكثرة عند ازدياد الحاجة إليه، والأكثر تأثراً هو الطالب بالطبع، لذلك سنذكر المشكلات التي تواجه الطلاب في التعليم عن بُعد:
1. انخفاض الشعور بالجدية:
الطالب عند تلقيه التعليم بالطريقة التقليدية ونتيجة ذهابه إلى المنشأة التعليمية وحضوره الدروس؛ حيث إنَّ الغياب ممنوع نوعاً ما، يتولد لديه شعور بالالتزام وبالجدية، وهذا الشعور لا يمكن أن يتولد لدى الطالب المتعلم عن بُعد إلا في حال كان يتمتع بالالتزام الذاتي.
2. غياب التواصل بين المعلم والطلاب:
بخلاف التعليم التقليدي، وكما نعلم فالتواصل هام جداً في تحفيز وتشجيع الطالب على متابعة التعلم.
3. صعوبة توفر بيئة تعليمية جيدة ومناسبة:
أحياناً حاجة الطالب إلى العلم والعمل في نفس الوقت تجعله يطلع على المحاضرات في أثناء قيامه بعمله، أو إنَّ ساعة إلقاء المحاضرة تتزامن مع وقت عمله.
4. سهولة التشتت:
وجود الطالب في الصف؛ أي ضمن جوٍّ تعليميٍّ لا تتوفر فيه مشتتات يختلف عن وجوده في المنزل، فقد يتشتت لمجرد وجود أخيه الصغير إلى جانبه، أو قد يستخدم هاتفه النقال ويتصفح "فيسبوك" مثلاً، بينما هذه التصرفات ممنوعة في التعليم التقليدي.
5. قضاء الكثير من الوقت أمام الشاشة:
هذا الأمر مؤذٍ كثيراً للنظر؛ إذ تتسبب الأشعة الصادرة عن الحاسوب وتتمثل في الأشعة السينية والكهرومغناطيسية وفوق البنفسجية وتحت الحمراء بنقص هرمون الميلاتونين، وهذا يؤثر في مناعة الجسم، كما يتسبب بإجهاد العين وإصابتها بالجفاف أو الحرقة.
شاهد بالفديو: 12 طريقة لتحفيز الطلاب
6. العزلة الاجتماعية:
قد يفتقد الطالب للتفاعل الممتع الذي يحدث بين الزملاء في بيئة الفصل الدراسي، فلا يمكن بالتعلم عن بُعد مناقشة الأقران بالأفكار والمعلومات، ولا يمكن القيام بنشاطات تعليمية أو ترفيهية تزيد من حماسة وتحفيز الطالب للعلم وحضور الدروس.
7. صعوبة الفهم:
أحياناً يكون التعلم عن بُعد بتلقي المحاضرات مكتوبة ومجهزة من قِبل المدرسين، ولكنَّ غياب المدرس يجعل فهم الدرس صعباً جداً، فهو القطب الهام في العملية التدريسية.
الصعوبات التي تواجه المعلم في التعليم عن بُعد:
يواجه المعلمون العديد من الصعوبات في التعليم عن بُعد التي كثيراً ما تجعلهم يفضلون التعليم التقليدي، وإليك بعض هذه الصعوبات:
1. عدم القدرة على ضبط الصف والسيطرة عليه سيطرة تامة:
يتعرف المعلم بالتعليم التقليدي إلى تلاميذه جيداً وبعد فترة قصيرة من الزمن يصبح لديه إلمام ببعض صفاتهم النفسية وقدراتهم التعليمية، فيساعده ذلك على التعامل معهم بطريقة مناسبة، كما يساعده على تطويرهم بشكل أفضل، أما في التعليم عن بُعد فيصعب التعرف إلى الطلاب.
2. قلة الخبرة باستخدام وسائل الاتصال والأساليب التكنولوجية الحديثة:
هذا يجعل المدرس مضطراً إلى تطوير خبراته في مجال التكنولوجيا كي لا يقع في موقف محرج أمام تلاميذه عند شرح الدروس أو قد يضطر إلى طلب المساعدة من متخصص بذلك.
3. عدم إيجاد أسلوب مناسب لشرح بعض المعلومات:
خاصةً التي يتطلب فهمها تطبيقاً عملياً للفكرة أمام الطالب، فقد اعتاد المعلم على تقديم المعلومة بطريقة المناهج القديمة المعتادة، ومن ثمَّ لن يتمكن من تقديم خبرته الكافية للطلاب.
التحديات التي تواجه التعليم عن بُعد:
يواجه التعلم عن بُعد تحديات عدة منها ما يأتي:
1. عدم تناسب بعض المواد والفروع التعليمية مع أسلوب التعلم عن بُعد:
مثلاً لا يمكن تعلُّم الرسم بواسطة الإنترنت؛ إنَّما عليك تعلُّم إمساك القلم أو الفرشاة وتعلُّم كيفية تحريك معصمك، وينطبق الأمر نفسه على الرسم الهندسي وكل ذلك غير ممكن بواسطة التعلم عن بُعد، وأيضاً دراسة التربية الرياضية لا يمكن أن تتم دون حضور الدروس فعلياً.
2. إمكانية اختراق الموقع:
يكون ذلك من قِبل بعض المتخصصين بذلك، ومن ثمَّ توجد صعوبة في الحفاظ على خصوصية المنشأة التعليمية.
3. عدم اعتراف بعض الجهات الرسمية بالشهادات التي تم الحصول عليها بواسطة التعلم عن بُعد.
4. لا يناسب كثيراً المرحلة الابتدائية:
الطفل في هذه المرحلة يحتاج إلى معاملة خاصة تجعله يبتعد عن الارتباك والخوف والخجل ويعتاد على الالتزام بالقوانين المدرسية والقواعد، كما أنَّ الطفل في هذه المرحلة يتعلم بشكل أفضل عن طريق اللعب والنشاطات والتنزه مع الأقران، وهذا ما لا يمكن تحقيقه في التعلم عن بُعد.
5. التطور السريع في المعايير القياسية:
هذا يجعل المنشآت التعليمية تسعى باستمرار إلى إجراء تعديلات، وقد تكون التعديلات كبيرة أحياناً كي تتماشى مع التطورات الحاصلة.
6. ضرورة وجود الآباء:
لضبط الابن قدر الإمكان عند حضور الدروس، وهذا يجعل الأهل مضطرين إلى تنظيم الوقت جيداً بين العمل والمنزل تفادياً لحدوث ما يقطع الطالب عن دراسته كالزيارات المفاجئة.
في الختام:
التعلم عن بُعد أصبح أمراً ضرورياً في زمننا الحالي وخاصةً بعد انتشار الأمراض التي فُرِض بسببها الحجر المنزلي مثل فيروس كورونا المتجدد، إضافة إلى فضله في توفير فرص تعليم مناسبة لمن ليست لديه القدرة على السفر والالتحاق بالجامعات العالمية، لكن يواجه التعلم عن بُعد صعوبات كثيرة مثل مشكلة شبكات الإنترنت ومشكلة الغش التي يمكن أن تحدث بسهولة، إضافة إلى تكلفة اقتناء الأجهزة التي يحتاجها التعلم عن بُعد.
أما الطلبة فتواجههم مشكلات مثل صعوبة توفر بيئة تعليمية مناسبة بعيدة عن التشتت وتحفزهم على الاستمرار في التعلم، إضافة إلى ضعف التواصل مع المدرسين الذي يؤثر سلباً في الطالب، أما المعلم فلا يمكنه السيطرة على صفه وضبطه بشكل تام من خلف الشاشة، إضافة إلى عدم قدرته على تطويع الأساليب القديمة في التعلم عن بُعد؛ إنَّما يحتاج إلى أسلوب مغاير لإيصال المعلومة إلى الطالب.
كما أنَّ التعلم عن بُعد يتطلب منه الوعي الكافي بالتكنولوجيا وكيفية التعامل مع الأجهزة التقنية الحديثة، ويواجه التعلم عن بُعد تحديات مثل ضرورة التطوير المستمر، فنحن في زمن التطورات السريعة، إضافة إلى ضرورة وجود الآباء لضبط أبنائهم وخاصةً صغيري السن، كما أنَّ التعلم عن بُعد لا يناسب مختلف المواد، وأخيراً عدم اعتراف بعض الجهات الرسمية بشهادات التعلم عن بُعد يُعَدُّ تحدياً يواجه الكثير من الطلبة.
أضف تعليقاً