ما هي تقنية فاينمان (Feynman)؟
تُستخدَم تقنية فاينمان (Feynman) في التعلم النظري، وخاصةً لحفظ المواد المكتوبة. طوَّر هذه التقنية الفيزيائي النظري الأمريكي ريتشارد فيليبس فاينمان (Richard Phillips Feynman) الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1965، والمعروف على نطاق واسع بكونه أحد أكثر الشخصيات تأثيراً وإبداعاً في عصره، ولم يكتفِ فاينمان (Feynman) بكونه عالماً لامعاً في الفيزياء؛ بل قدَّم للعالم عملية تعلُّمٍ بسيطة وفعالة للغاية.
قد تتساءل كيف لك أن تتعلم باستخدام هذه التقنية؛ في الحقيقة، الأمر أسهل مما تتصور، فكلُّ ما عليك فعله هو شرح ما تحاول تعلُّمه بعبارات بسيطة، وملاحظة الثغرات في شرحك، وبمجرد الكشف عن هذه الثغرات في معرفتك، يصبح من السهل عليك سدُّها.
تكمن أهمية وفاعلية طريقة التعلم هذه في القدرة على شرح الأشياء ببساطة، وعلى الرغم مِن دراسة فاينمان (Feynman) العمليات المعقدة، إلا أنَّه امتاز بالقدرة على شرحها ببساطة بما يكفي كي يتمكن الأطفال في سن الثانية عشرة مِن فهمها؛ ولهذا السبب عُرف باسم "المفسِّر العظيم".
تعقيد الأمور لن يجعلك أذكى في نظر الآخرين:
يحبُّ الأشخاص المثقفون أن يبدوا أذكياء ومطَّلِعين أمام الآخرين؛ لكنَّهم لا يدركون أنَّ هذا لن يزيد الجمهور المتلقي إلا تعقيداً؛ فعندما نكون معتادين على استخدام المصطلحات التقنية، تمسي هذه هي طريقتنا في شرح النظريات لأنفسنا في أثناء عملية التعلُّم، مما يعطينا الانطباع الكاذب بفهم ما نتحدث عنه.
كثيراً ما تحتوي تفسيراتنا ثغرات كبيرةً وراء ستار الكلمات المختارة بعناية، وأسوأ ما في الأمر أنَّنا لا ندرك حتى وجود هذه الثغرات؛ لكن إن أخذنا الأمور بروية وحلَّلنا كلَّ سطر من شرحِنا، فسنلاحظ أنَّ الموضوع الذي نتحدث عنه مليء بالثغرات.
تتمحور تقنية فاينمان (Feynman) حول التفسير المبسَّط والتخلص من كلِّ المصطلحات غير المجدية وشرح مفاهيمنا بطريقة يستطيع طفل في الثانية عشرة فهمَها.
عندما تجرِّب هذه التقنية في البداية، ستلاحظ أنَّ بعض ما تقوله غير منطقي، أو أنَّك تقفز من نقطة رئيسة إلى أخرى دون أن تكون لديك فكرة واضحة عن كيفية حدوث ذلك؛ لكن في الحقيقة إنَّ الشرح ببساطة وفاعلية فنٌّ يَستغرق وقتاً لإتقانه.
وأنت في خضم هذه العملية، حاوِل تبسيط شرحك المبسط سلَفاً كي تكشف عن المعنى الكامن.
كيف تتعلم باستخدام تقنية فاينمان (Feynman)؟
تتكون تقنية فاينمان (Feynman) مِن أربع خطوات وهي:
1. القراءة "الدراسة الأولية":
عليك في البداية الاستفادة من فترة انتباهك وقراءة المصادر والإلمام بها لإنشاء قاعدة معرفية، ولا تكتفِ بمجرد التصفح؛ إذ عليك التعمق في الموضوع وقراءة واستيعاب ما تقرأه كي تتمكن مِن حفظه في نهاية المطاف.
يعتقد الكثيرون أنَّ باستطاعتهم شرح ما تعلَّموه حالما يفرغون مِن القراءة عنه؛ لكنَّهم لا يدركون أنَّ هذا غالباً يؤدي إلى قصور في فِهم المفهوم، مما يدفعهم إلى إعادة قراءة المعلومات مجدداً، وتشير الأبحاث إلى أنَّ إعادة القراءة طريقة غير فعالة للتعلم.
سيفيدك اتِّباع إحدى نصائح التعلم باستخدام تقنية فاينمان (Feynman) المتمثلة في شرح كل سطر طوال فترة قراءتك، فيسمح لك هذا الشرح بتوضيح مفهومك خلال العملية والتركيز بعد ذلك فقط على الاحتفاظ بالمعلومات في الذاكرة.
عندما تقرأ كلَّ شيء دفعةً واحدةً ثم تحاول استيعاب المفاهيم لاحقاً، تُفقَد معظم المعلومات في محاولة الشرح والاحتفاظ بها في الوقت نفسه.
2. الكتابة والشرح:
بمجرد قراءة النص وتوضيحه لنفسك جملةً بجملة، أغلق الكتاب -أو صفحة الإنترنت- وأخرِج قلَماً وورقةً، ثم اكتب كلَّ ما تعلمتَه عن الموضوع.
أعد كتابة جميع المعلومات التي استخلصتها وحاول شرحها بمصطلحات أساسية بغضِّ النظر عن ماهية تلك المعلومات أو منطقيتها، وتذكَّر: من الهام جداً أن تقدِّم شرحاً واضحاً تَستخدم فيه عبارات بسيطةً يمكن أن يفهمها طالب في الصف السادس.
وكما يُلزِمك العُرف، إن لم يفهم طالب الصف السادس شرحَك، فعليك العمل على تبسيطه أكثر، كما يمكنك أيضاً تجربة تعليمه لشخص آخر أو شرحه لطالب في الصف السادس فعلاً.
تتمثل الفائدة الكبرى للقيام بذلك برؤيتك ردود فعل حقيقية للشخص العادي لما يراه منطقياً أو غير منطقي.
3. الانتباه إلى الثغرات والشروحات غير السليمة:
الآن بعد أن كتبت شرحَك، ألقِ نظرةً أخرى عليه ولاحظ ما إذا كان كلُّ شيء يبدو منطقياً، وتأكد مِن تدفُّق الأفكار تدفقاً صحيحاً في جميع الجوانب، وأن تكون هذه الجوانب جميعها واضحةً وشاملة.
4. مراجعة المواد التعليمية:
للأسف قد تَذكُر معلومات خاطئةً في أثناء عملية التدوين، وهنا يأتي دور تسليط الضوء على هذه الأجزاء التي تظهر فيها مشكلات الفهم.
عُد إلى المواد التعليمية الخاصة بك وادرسها مجدداً؛ لكن هذه المرة، صُبَّ جلَّ تركيزك على الأجزاء التي فاتتك أو فهمتها خطأً قبلاً، سيسمح لك ذلك باستخدام أساليب التعلم المركزة التي تُحسِّن عملية الاحتفاظ بالمعلومات.
الفائدة العظمى لتقنية فاينمان (Feynman):
لقد ناقشنا فوائد الكشف عن جوانب الضعف في عملية التعلم لديك باستخدام تقنية فاينمان (Feynman)؛ لكنَّنا أغفلنا التركيز على شيء واحد وهو ما يلي الكشف عن تلك الجوانب الضعيفة.
تتمثل أكبر فائدة لتقنية فاينمان (Feynman) أنَّه بعد الكشف عن جوانب ضعفك، ستعرف الجوانب التي تستدعي اهتمامك الفوري، ونظيرتها التي لا ضير في تجاهلها في أثناء إعادة الدراسة، فيساعدك هذا التركيز الاصطفائي على حفظ الأجزاء الصعبة التي تنساها دائماً.
تطبيقات مكثَّفة في صنع القرار:
على الرغم من أنَّ تقنية فاينمان (Feynman) تُستخدم في التعلم النظري؛ لا يمكننا إنكار انتشار مبادئها عالمياً، بحيث يمكن للجميع استخدام هذه المبادئ في عملية صنع القرار.
عليك أيضاً عدم المبالغة في تعقيد القرارات أو تجنُّب شرحَها؛ فكلما واجهتك مشكلة، أخرِج قلماً وورقةً واكتب شرحاً لقرارك، وحاول أن تكون بسيطاً وصريحاً قدر الإمكان، بحيث يفهم الطفل البالغ من العمر اثنتي عشرة عاماً سبب خيارك هذا، وغالباً ما ستجد شروحاتك غير منطقية أو غير مكتملة.
أغلبنا غير مستعد للتفكير العميق في القرارات خوفاً مِن نتائجها، وعندما نجد أنفسنا أمام اتخاذ القرارات، نعتقد أنَّنا نفهمها مهما كانت معقدةً، فضلاً عن فهم أفعالنا وعواقبها؛ ومع ذلك عندما نركِّز في أثناء اتخاذنا لهذه القرارات ونفحصها بدقة ونوضِّح لأنفسنا سبب اتخاذنا لها، فستكون النتيجة اتخاذنا لأفضل القرارات.
الخلاصة:
تُعدُّ تقنية فاينمان (Feynman) طريقةً ممتازةً لفهم أفعالك والتعديل الطفيف على المعلومات غير المفهومة، وهي التقنية المناسبة لك في حال رغبت في التعلم بفاعلية، وخاصةً عند محاولة تعلُّم النظريات المعقدة أو الصعبة.
أضف تعليقاً