لمحة تعريفية عن التعلق العاطفي:
يُقصَد بالتعلق العاطفي حب شخص لشخص آخر، وهذا الحب يصل إلى أعلى درجاته، ومن ثمَّ يسبب التعلق الزائد، ويُعَدُّ التعلق العاطفي فخاً خطيراً يمنعك من الحب الحقيقي، ودائماً ما يسبب هذا التعلق مشكلات كثيرة بين الحبيبين، وإعاقة الحياة لكليهما، بحيث لا تجري ضمن إطارها الطبيعي.
على الرغم من أنَّ التعلق العاطفي ناتج عن أسمى شعور، إلا أنَّه كارثة نفسية على المحب، وكتلة من المشكلات السلبية على حياة المحب وعلى سلوكه وصحته النفسية والجسدية، وبصورة أخرى، يُعَدُّ التعلق من علامات الحب الصادق، وهو ضروري للحفاظ على العلاقة بين الطرفين، وتقوية الرابطة الروحية والمودة بين الأفراد، بشرط ألا يصل إلى مرحلة التعلق المرضي الذي حتماً سيدمر المصاب به نفسياً وروحياً دون رحمة.
أوصاف وعلامات التعلق العاطفي بشخص ما:
إنَّ الإنسان بطبعه وسلوكه البشري العقلاني يسعى إلى إقامة العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، بحيث يطور من شخصيته ومهاراته، لكن عندما يزيد الأمر عن حده ويصل إلى مرحلة التعلق المفرط، سيصبح هذا الأمر اضطراباً سلوكياً ونفسياً يمنع الشخص من الوصول إلى حالته السوية والاستقرار والحب الحقيقي، وإليكم أبرز علامات التعلق العاطفي:
- المحاولات المتكررة والمحمومة للتقرب من شخص معين.
- ديمومة الاطمئنان عن الشخص والسؤال عن أحواله.
- الاكتئاب واضطرابات النوم والقلق والمرض الوهمي عند البعد عن الشخص المتعلَّق به.
غالباً ما توجد أسباب كثيرة وراء التعلق المفرط، منها ما هو ناتج عن البيئة المحيطة، ومنها بسبب الاضطرابات السلوكية النفسية، وهي:
- ضعف الثقة بالنفس وضعف الشخصية.
- مرور الشخص بمواقف صعبة وصدمات قاسية تركت جرحاً عميقاً في عقله.
- الحاجة الملحة إلى شخص يمنحه الأمان ويتشبث به.
- الشخصية الاتكالية على الآخرين.
شاهد بالفديو: 8 طرق لتنمية الذكاء الوجداني
متى يصبح التعلق حالة مرضية؟
يمكن مراقبة السلوكات الصادرة عن الشخص لمعرفة ما إن كان تعلُّقه وصل إلى حد المرض والاضطراب أم لا، ومن أبرز هذه السلوكات:
- مراقبة أعمال ونشاط شخص آخر، وعدم القدرة على العيش دون التدخل في حياته الشخصية وتفاصيله اليومية.
- عدم قبول تدخُّل أو ارتباط أي طرف آخر مع الشخص المتعلَّق به، والمحاولات المتكررة بحد علاقاته الاجتماعية.
- عدم قدرة الشخص المصاب على الانسحاب من حياة الطرف الآخر والعيش بسلام، فعلى سبيل المثال، تعلُّق الشخص بصديقه أو زميله في العمل والتواصل معه بشكل متكرر يومياً، والتقرب منه لأقصى الدرجات حتى يصبح جزءاً لا يتجزأ من حياته.
- تفضيل الطرف الآخر على نفسه من خلال الاهتمام به وتقديم جميع الجهود لإرضائه.
- ارتباط مشاعر الشخص بمشاعر الطرف الثاني والفرح لفرحه والحزن لحزنه.
- مسامحة الآخر على أي خطأ يرتكبه مهما كان كبيراً.
- قبول الطرف الثاني بجميع سلبياته ومشكلاته.
كيف يمكن الحد من التعلق العاطفي؟
عندما يبدأ الشخص بالانهيار النفسي نتيجة التعلق العاطفي الشديد بطرف آخر، لا بد من دعمه ومساعدته للخروج من هذه الكارثة التي حلَّت به والتي قد توصله إلى حد الانتحار في بعض الحالات، وسنبدأ معكم بتعداد الحلول بدءاً من أبسطها، فتابعوا معنا.
1. التفكير الإيجابي:
يجب على المصاب بالتعلق التفكير السليم بأنَّه شخص مميز له كيان خاص، وأنَّ قبوله في مجتمعه لا يعتمد على من يحيط به، ومن ثمَّ التوقف عن تقديم التنازلات للطرف الآخر والحد من التعلق.
2. الابتعاد عن الطرف الثاني:
كلما كان الوقت الذي تقضيه مع الطرف الآخر أقل، كان كسر الرابطة بينك وبينه أسهل، بحيث يمكنك البحث عن أصدقاء جدد تقضي معهم وقتاً ممتعاً، أو ابحث عن هوايات تقضي وقتك بها، مثل الذهاب إلى النادي الرياضي أو تعلُّم العزف على البيانو وغير ذلك.
3. تقييم الأحداث والمواقف:
على الرغم من صعوبة مواجهة مشاعر الحب والتعلق، إلا أنَّه يجب عليك ذلك لكي تستطيع فهم محفزاتك ومشاعرك، وأن تعطي لنفسك المجال الكافي للتفكير دون تأثير الأطراف الأخرى فيك، ولا سيما الشخص الذي تتعلق به.
4. تحديد النمط السالب الذي تمارسه يومياً:
دائماً ما يوجد سلوك سلبي في التواصل، ونطارد هذا السلوك حتى نصل إلى الارتباط العاطفي، والمفتاح الرئيس للتغلب عليه هو التغلب على القناعات الكاذبة التي نوهم أنفسنا فيها عن الحب.
5. طلب المساعدة عند الحاجة:
دائماً ما تصبح المشكلات أسهل عندما نتشاركها، فعندما يزيد التعلق عن حده وتبدأ بمواجهة تأثيراته الجانبية، يمكنك الحصول على استشارة طبيب مختص أو معالج نفسي يساعدك على التخلص من هذا الصندوق الأسود الذي بداخلك، ويقدِّم لك الدعم والحلول للتخلص من التعلق المفرط.
6. كتابة كل الأشياء السيئة التي مر بها الشخص:
كثيراً ما يكون الحديث عن الأشياء والمواقف السلبية التي مر بها الفرد صعباً، ولهذا تكون الكتابة الحل الأمثل لتفريغ الألم أو المشاعر السيئة وتخطِّي تلك التجربة الصعبة، فكل ما يجب عليك هو التفكير الجيد بمدى تأثير هذه الأشياء في عقلك وروحك.
المدة اللازمة للتعافي من آثار التعلق العاطفي بعد الانفصال:
لا يمكن تحديد المدة بشكل دقيق، لكن تختلف مدة التعافي بحسب قوة العلاقة الروحية بين الأطراف، ومن الممكن أن يستغرق الشخص نصف المدة التي قضاها مع الشخص للبدء بالتشافي والنسيان، وفي بعض الدراسات تبيَّن أنَّ الأشخاص بحاجة إلى 3.5 شهر للتعافي ومقدار 1.5 للنسيان وربما أكثر، وبعض الدراسات أكدت أنَّ المشاركين كانوا أكثر ثقة بعد مرور 10 أشهر على أكثر تقدير.
بعض مظاهر التعلق العاطفي بين الأشخاص:
إليكم فيما يأتي بعض من هذه المظاهر، وكيفية حلها:
1. التعلق العاطفي بين الأزواج:
يجب على الأزواج أن يدركوا أنَّ الحياة الزوجية هي ربيع العمر، وليست مقبرة للأحلام والطموحات، فلا يجب على أي منهما أن يتعلق بالآخر لدرجة تنسيه ما يرغب بالوصول إليه، ويجب على المرأة أن تحترم زوجها وتحبه وتقدِّم له جميع حاجاته الزوجية، لكن ليس إلى الحد المبالغ فيه، فربما التدليل الكثير للزوج يفسد العلاقة والارتباط العاطفي بينهما.
هذا الأمر لا يقتصر على الزوجات فحسب؛ بل كذلك على الأزواج، فالتعلق الزائد بالمرأة قد يسبب نفوراً وسلبية لديها، كما هو الحال لدى الرجل، والحل الأمثل للتعلق بين الزوجين هو أن يعرفا قبل الزواج أنَّهما مقبلان على مرحلة لا تغيِّر حياتهما؛ بل تضاف لها كأي شيء آخر دون التعلق المفرط بين طرفيها.
2. التعلق بين الآباء وأطفالهم:
إنَّ التعلق بين الأهل وأبنائهم هو تعلُّق غريزي ولا يمكن الحد منه مهما كان، ويعود ذلك إلى الرابطة الدموية القوية بين الطرفين، لكن من الممكن الحد من تعلُّق الأبناء بالآباء لبناء شخصيتهم وتقويتها، وكذلك جعلهم أشخاصاً مستقلين بحياتهم وسلوكهم وتصرفاتهم، وسنذكر لكم مثالاً بسيطاً يوضح كلامنا هذا.
إنَّ تعلُّق الطفل بأمه مثلاً وعدم الابتعاد عنها مهما كان إلا عند النوم، سيكوِّن لدى الطفل شخصية ضعيفة، بينما الطفل الذي يبتعد عن والدته للعب مع الأطفال واللهو بالألعاب، سيكون ذا شخصية قوية، وفي هذا المثال تصدق المقولة: (اقطعوا حبال الصلة منذ الصغر)؛ أي يجب على الأم خرط طفلها بالجو الاجتماعي وعدم تشجيعه على التعلق بها، لكيلا ينمو مع هذا الطبع، ويكون الشاب الاتكالي على أهله.
يمكن حل هذا التعلق بترك الطفل عند أقربائه لمدة من الزمن بين الفترة والأخرى، وتسجيله في نوادٍ ودورات تدريبية، أو تركه وحده للهو بين ألعابه ودماه.
شاهد بالفديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء
3. التعلق العاطفي بين الأصدقاء:
إنَّ الأصدقاء المحبين لبعضهم دائماً ما يكونوا أكثر سعادة من غيرهم، وقد تتطور العلاقة أكثر وأكثر ليصبح لديهم ارتباط وتعلُّق عاطفي كبير، بحيث قد يحزن أحدهم عند مشاهدة صديقه برفقة شخص آخر، كأنَّ هذا الشخص ملك له وحده.
بالتأكيد، هذا أمر خاطئ وغير سوي، بحيث لا يجب أن تكون علاقة الأصدقاء مبنية على هذا الشيء؛ وإنَّما الصداقة مبنية على كثير من الأسس مثل الاحترام ومساعدة الصديق عند الحاجة وغير ذلك.
يُعَدُّ إقناع النفس بأنَّ الأشخاص ليسوا ملك أحد وليسوا بعبيد أو تابعين لأي شخص هو الحل الأمثل والأفضل للتخلص من هذا النوع من التعلق، والجدير بالذكر أنَّه لا بد من مراجعة خبير ومعالج نفسي في حال التعلق المرضي والمفرط بالأصدقاء لإيجاد حل له؛ وذلك بسبب الآثار النفسية المدمرة التي قد تحل في صاحب العلاقة.
في الختام:
إنَّ التركيز والوعي هما الخطوة الأولى للتخلص من قيود التعلق العاطفي، والسبيل الوحيد لهدم جدار الوهم وكشف الحقائق للأشخاص.
أضف تعليقاً