مع ذلك هذا ليس سوى وجه واحد من العالم الرقمي، وعلى الجانب الآخر يفيد 2 من كل 3 مستخدمين للإنترنت أنَّهم يعدُّون أنفسهم مدمنين على التكنولوجيا، ويُنفِق أكثر من نصف الأمريكيين 3-5 ساعات في استخدام أجهزتهم لأغراض شخصية فقط، بينما يقضي 43% وقتاً أطول من ذلك، ومع ذلك لم يُجرِّب 40% من الأشخاص التخلُّص من السموم الرقمية في حياتهم.
إذا كنت تشكُّ في فائدة التخلُّص من السموم الرقمية، ففكِّر في عدد المرات التي تشعر فيها بأنَّك تضيِّع وقتك عند استخدام الإنترنت، وهل تشعر بأنَّك تقضي معظم وقتك مُحدِّقاً في شاشة هاتفك وترغب في إحداث تغيير، وهل تعتمد نشاطاتك الترفيهية على التكنولوجيا الرقمية.
يُشير التخلُّص من السموم الرقمية إلى الحدِّ من استخدام التكنولوجيا والأجهزة الإلكترونية لتجنُّب الشعور بالإرهاق الناجم عن المعلومات والمحفِّزات الزائدة، ويساعدك ذلك على التركيز في مهامك الحالية، وتقليل مستويات التوتر وعيش حياة سعيدة دون الحاجة إلى الاتصال بالإنترنت.
التخلُّص من السموم الرقمية ودور الدوبامين:
التخلُّص من السموم الرقمية هو وسيلةٌ للحدِّ من التعرُّض للمحفِّزات الرقمية التي تؤدِّي إلى التعب والتهيُّج والقلق، ومشكلات في التركيز والصحة البدنية عند التعرُّض لكمٍّ كبير من تلك السموم، وللوقاية من هذه التأثيرات يشير التخلُّص من السموم الرقمية إلى الاعتدال في استخدام الأجهزة التكنولوجية مثل الهواتف الذكية (المعروفة بأنَّها تسبِّب الإدمان) وأجهزة الحواسب المحمولة وأجهزة الألعاب والأجهزة اللوحية وأجهزة التلفزيون وحتَّى الساعات الذكية، ويتطلَّب التخلُّص من السموم الرقمية الحدَّ من التعرُّض للتكنولوجيا التي تحفِّز إطلاق الدوبامين، وهو ناقل عصبي يُسهم في زيادة السعادة والرضى والمتعة.
يمكن رفع مستويات الدوبامين في الدماغ عن طريق مواد ونشاطات مختلفة، فتذكَّر ما تشعر به بعد تناول وجبة شهية أو شراء شيء تحبه أو التعرُّض لأشعة الشمس أو ممارسة التمرينات الرياضية، فإذا كنت تشعر بإحساس بالسعادة أو الرضى، فهذا بفضل الدوبامين.
لا تستطيع أدمغتنا عموماً التمييز بين النشاطات المذكورة آنفاً والنشاطات الرقمية، لأنَّ الدوبامين ينطلق أيضاً عندما تلعب لعبة فيديو أو تشاهد التلفاز أو تتصفَّح مواقع التواصل الاجتماعي، ومع أنَّ هذه النشاطات تبدو ممتعة وغير ضارة، فقد تتطوَّر إلى سلوك إدماني، مثل الإفراط في تناول الطعام أو إدمان التسوق أو إدمان ممارسة الرياضة.
كيف تصل إلى الإدمان الرقمي؟
يتأثر مركز المكافأة في دماغك المسؤول عن تكوين الذكريات والعادات المتعلِّقة بالشعور بالمتعة بشدة بالدوبامين، فعند مشاهدة مقاطع فيديو مضحكة مثلاً، يربط دماغك هذا النشاط بالفرح والرضى من خلال هذا النظام العصبي، وفي أثناء عملك، تبدأ في الشعور بالتعب أو الملل أو الإحباط، فتفكِّر في أخذ استراحة، وتتذكَّر مقطعَ فيديو أسعدك سابقاً لتعود إلى مشاهدة مقاطع أخرى.
مع ذلك لا يتوقَّف الأمر عند هذا الحد، فعندما يؤدي فعل ما إلى إطلاق الدوبامين، فإنَّه يعزز رغبة في تكرار هذا الفعل، وعند تكرار تنشيط مركز المكافأة في دماغك، قد تشعر بحاجة ملحَّة إلى البحث عن محفِّزات أقوى أو أكثر تكراراً للشعور بالمتعة والسعادة.
عندما تعتاد الشعور بالمتعة من نشاط معيَّن، تطلب مزيداً منه لتشعر بالرضى، وفي العالم الرقمي، قد يعني هذا اللجوء المتكرِّر إلى تطبيقاتك أو ألعابك المفضَّلة على هاتفك، أو إجراء عمليات شراء متكرِّرة من المتاجر خلال الإنترنت، ولكن لو عجزت عن فعل ذلك بسبب نفاد شحن بطارية الهاتف أو فقدان الاتصال بالإنترنت أو توبيخ رئيسك في العمل لك بسبب تقاعسك عن العمل، فقد يؤدِّي هذا إلى اضطراب جسدي وعاطفي، وقد تشعر بالتهيُّج أو الغضب أو بمستويات عالية من القلق، وبالصداع وصعوبة في التنفُّس والتركيز، وقد لا تفارقك الرغبة في استخدام هاتفك وتعجز عن البقاء جالساً.
إذا كنت تعتقد أنَّ سلوك الشخص المُفرِط في استخدام الأجهزة الرقمية يشبه سلوك الشخص المدمن على التدخين، فأنت على الطريق الصحيح، وعند استخدام الأجهزة الرقمية مدة طويلة، يُفرِز الدماغ الدوبامين، ولكن ليس بالقدر نفسه عند تعاطي المواد المخدِّرة، ومع ذلك فهو يُحفِّز مركز المكافأة في الدماغ بطريقة غير صحية ويقلِّل من تأثير الدوبامين.
شاهد بالفيديو: كيف نساعد أطفالنا في التغلُّب على إدمان التكنولوجيا؟ " Lisa Strohman" "ليسا ستورمان"
أهمية التخلُّص من السموم الرقمية:
في عالَم اليوم ازدادت صعوبة التمييز بين العالَم الرقمي والواقع، إذ أصبح التفريق بينهما دقيقاً جداً، فمثلاً قد يجد المراهق صعوبة في التفريق بين مقدار الوقت الذي يقضيه في المدرسة ومقدار الوقت الذي يقضيه في استخدام هاتفه الذكي، لأنَّه يبقيه في متناول اليد حتى في أثناء الدروس، وهذه معضلة شائعة تؤثر في الكثير منَّا.
في أثناء الدراسة أو استخدام الحاسب المحمول بغرض العمل، من الطبيعي أن نعجز عن التفريق بين مقدار الوقت الذي نقضيه في العمل والوقت الذي نقضيه في تصفُّح وسائل التواصل الاجتماعي أو مشاهدة مقاطع الفيديو، وينطبق هذا على الطلاب والأشخاص الذين يعملون من المنزل والفئات الاجتماعية الأخرى أيضاً، وقد يكون التخلُّص من السموم الرقمية مفيداً للجميع بصرف النظر عن مدى انشغالهم، وعلى مدار اليوم حتى النشاطات السريعة والسهلة مثل تناول قطعة من الحلوى أو تصفُّح وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن تحفِّز مركز المكافأة في الدماغ وتُطلِق الدوبامين.
مع ذلك يفيد التخلُّص من السموم الرقمية تحديداً عندما تعجز عن تتبُّع الوقت الذي تقضيه أمام شاشة هاتفك، ومثال ذلك عندما تتراكم مسؤوليات المنزل أو العمل أو المدرسة، وتلعب ساعة أخرى بدلاً من الالتفات إليها، أو عندما تدرك أنَّ اليوم بأكمله قد مرَّ، وأنَّك قضيت وقتاً أمام شاشة الهاتف أطول من الوقت الذي قضيته مع أحبائك، أو عندما تلغي مزيداً من الخطط والالتزامات لأجل الجلوس أمام حاسبك المحمول.
التطبيق العملي للتخلُّص من السموم الرقمية:
لا يؤدي إدراك المشكلة إلى حلِّها تلقائياً، وإلَّا لكان بمقدورنا حل معظم المشكلات التي نواجهها بسهولة، فمثلاً قد تعلم أنَّ تصفُّح الهاتف الذكي في وقت متأخر من الليل يرهقك ويعكِّر مزاجك في صباح اليوم التالي، وقد تشعر بالندم والقلق بشأن ذلك، ولكنَّك تستمر في ممارسة هذا السلوك، وهنا يبرز دور التخلُّص من السموم الرقمية، ويساعدك التوقف عن استخدام الأجهزة الرقمية على تجديد نشاطك العقلي والبدني، وهذا يسمح لك بالتركيز على مهام أهم في المستقبل.
بممارسة نشاطات لا تتطلَّب استخدام التكنولوجيا، مثل التنزُّه أو القراءة أو لعب ألعاب الطاولة مع أفراد العائلة في الهواء الطلق، يسهل عليك التخلُّص من إدمان هاتفك أو حاسبك المحمول والبدء في إنشاء علاقات هادفة مع الأشخاص من حولك.
ضافة إلى ذلك يساعد التخلُّص من السموم الرقمية على تقليل مستويات التوتر والقلق، وزيادة الوعي الذاتي والإنتاجية، وتحسين عادات النوم وما أشبه ذلك، وهنا لا ننسى الفوائد المذهلة للسفر بوصفه وسيلة للتخلُّص من السموم الرقمية، فتخيَّل استكشاف أماكن جديدة دون التشتُّت المستمر بالإشعارات ووسائل التواصل الاجتماعي، فيمكنك الاستغراق في جمال البيئة المحيطة بك والاندماج مع الطبيعة وتقدير اللحظة الحالية، سواء اخترت التنزه في الطبيعة الخلابة أم تذوُّق المأكولات المحلية، فإنَّ السفر يوفِّر فرصة للهروب من العالَم الرقمي والإحساس بالعالَم بكلِّ حواسك.
في الختام:
إذا رأيت أنَّك تقضي كثيراً من الوقت أمام شاشة هاتفك أو حاسوبك وأدركت تأثير ذلك في صحتك، فقد حان الوقت للتخلُّص من السموم الرقمية، فاخرج من المنزل واستكشف العالم من حولك وتواصَل مع أحبَّائك وابنِ علاقات وطيدة مع الآخرين وركِّز على نفسك وأعِدْ اكتشاف مصدر سعادتك الحقيقي.
سيساعدك التخلُّص من السموم الرقمية على الاسترخاء وبدء حياة جديدة، وضَعْ على الأقل بعض النباتات على مكتبك الصغير، لأنَّ وجود شيء من الطبيعة، حتى بهذه الطريقة الرمزية مفيدٌ لصحتك العقلية، وليس عليك التزام التخلُّص من السموم الرقمية مدة طويلة إذا كنت لا تستطيع تحمُّل تكاليفه أو لم يكن لديك الوقت لذلك، فقد يفي بالغرض أخذ استراحات قصيرة أو تخصيص يوم لا تمارس فيه النشاطات الرقمية على الإطلاق.
أهمُّ ما في الأمر هو أن تتَّخذ الإجراءات اللازمة وتبذل كل ما في وسعك لتحسين عافيتك بالتمهُّل والرويَّة والانتباه إلى مقدار الوقت الذي تقضيه في استخدام الإنترنت، وبهذه الطريقة تتجنَّب تحفيز مركز المكافأة في الدماغ بطريقة غير صحية وتقلِّل من تأثير الدوبامين.
أضف تعليقاً