كان زميلي في الجامعة يطمح لأن يتبع دورة تدريبية في مجال يشغف به خلال فترة دراسته الجامعية، ولكنَّ والده كان له رأي مغاير نابع من عدم قدرته على تحمُّل تكاليف الدراسة والتدريب، وعجزه عن منحه رسوم التسجيل.
كم مرة سمعنا عن زوج يعنِّف أطفاله وزوجته ولكنَّها لا تستطيع اتخاذ قرار الانفصال عنه لأنَّها غير قادرة على إعالتهم، فتصبر وإياهم على أنواع الذل والعذابات.
فهذه المواقف ومثيلاتها الكثيرة التي تكبح قرار شخص ما بسبب عدم قدرته على تحمُّل تكاليفه وأعبائه، لا حل لها سوى تحقيق الشخص للاستقلال المالي الذي يؤهله لخوض غمار الحياة بالطريقة التي يحب وبالحرية التي يرغب وباستقلال تام.
انطلاقاً من الأهمية البالغة لتحقيق الاستقلال المالي في سبيل اتخاذ قرارات مستقلة، قررنا أن نفرد هذا المقال لنقدم لكم أفضل الطرائق التي تساعد على الوصول إلى الاستقلال المالي.
ما هو الاستقلال المالي؟
قبل الدخول في أفضل الطرائق التي تساعد على الوصول إلى الاستقلال المالي لا بد لنا من وضع تعريف واضح له؛ لذا فإنَّنا نُعرِّف مفهوم الاستقلال المالي على أنَّه المفهوم المرادف للحرية المالية؛ أي قدرة الفرد على تحقيق مصادر دخل مالي خاصة به، تساعده على تلبية احتياجاته الحياتية بشكل مستقل ودون الحاجة إلى الاستعانة بطرف آخر، وتكون له إمكانية التدخل في كسب هذه الأموال أو التصرف بها.
يُعَدُّ مفهوم الاستقلال المالي ضرورة قصوى في حياتنا الراهنة، وهو أهم بكثير من عَدِّه مجرد رفاهية؛ لذا ننصح الجميع بضرورة تحقيق الاستقلال المالي، وسنورد فيما بعد أفضل الطرائق التي تساعد على الوصول إليه.
لا بد لنا أن نشير إلى نقطة هامة، وهي أنَّ الاستقلال المالي لا يعني تحقيق دخل عالٍ؛ وإنَّما يعني تحقيق الدخل الكافي لسد احتياجات الفرد - والأشخاص الذين يعيلهم في حال وجودهم - إذ يمكن لفرد أن يحقق دخلاً يقارب 100 دولار شهرياً وتكون كافية لسد جميع احتياجاته ومنحه القدرة على اتخاذ قرارات بشكل مستقل وعيش الحياة التي يرغب فيها وتحقيق الاستقلال المالي.
يمكن أن يستطيع فرد آخر تحقيق دخل يقارب 1000 دولار شهرياً، ويكون هذا الدخل غير كافٍ لسد احتياجاته، كونه يطمح للعيش في مستوى معيشي أكثر ترفيهاً أو كون مصاريفه أكبر من دخله، فيضطر إلى الاستعانة بأشخاص آخرين لسد هذه الاحتياجات ومن ثمَّ لا يحقق الاستقلال المالي الذي يطمح له.
فإنَّ الاستقلال المالي هو الخطوة الأولى على طريق استقلال القرارات؛ إذ لا يمكن لفرد أن يكون حراً في مواقفه إن كان يعيش على حساب شخص آخر مهما بلغت صفته ودرجة قرابته.
أفضل الطرائق التي تساعد على الوصول إلى الاستقلال المالي:
قد يبدو اتخاذ قرار الاستقلال المالي صعباً وينطوي على خروج من دائرة الراحة، ولكنَّه في حقيقة الأمر ليس مستحيلاً، ويمكن تحقيقه عبر اتباع تكنيك محدد؛ لذا دعونا معاً نتعرف إلى أفضل الطرائق التي تساعد على الوصول إلى الاستقلال المالي:
1. تقليل الإنفاق:
يُعَدُّ تقليل الإنفاق من أفضل الطرائق التي تساعد على الوصول إلى الاستقلال المالي، ويبقى تأثير تقليل الإنفاق محدوداً ما لم يترافق بزيادة في الأرباح والمداخيل، ولا يعني تقليل الإنفاق حرمان النفس من الحاجات الأساسية، ولكنَّه يعني الاقتصاد في عمليات الشراء والإنفاق؛ إذ يمكن للفرد أن يستقل المواصلات العامة بدلاً من التاكسي في الذهاب إلى عمله، ويستطيع الاستعانة بالدراجة الهوائية أو المشي بدلاً من قيادة سيارته إذا ما أراد الذهاب في نزهة قريبة.
ينطبق مفهوم تقليل الإنفاق على الملابس أيضاً؛ إذ يمكن الحصول على ثياب أنيقة وذات نوعية جيدة دون اللجوء إلى الماركات العالمية التي تكون أسعارها في كثير من الأحيان مبالغاً فيها، أو يمكن الشراء منها في مواسم التنزيلات، أما بالنسبة إلى الأطعمة فيمكن الاعتماد على الخضار والفواكه المحلية والموسمية التي تكون أقل سعراً مقارنةً بالمستوردة أو المخزَّنة.
أما فيما يتعلق بزيادة المدخول، فيجب على الفرد أن يسعى إلى الحصول على العلاوات والترقيات والحوافز عن طريق الاجتهاد في عمله، أو العمل لساعات إضافية أو في أيام العطل من أجل الحصول على دخل يحقق له الاستقلال المالي.
شاهد بالفديو: 6 نصائح من الملياردير وارن بافيت لحياة مالية متوازنة
2. امتلاك إرادة قوية:
يُعَدُّ امتلاك الإرادة القوية من أفضل الطرائق التي تساعد على الوصول إلى الاستقلال المالي؛ كون هذه الإرادة تمكِّن الفرد من كبح رغباته الشرائية والإنفاقية والتي تكون في كثير من الأحيان على أشياء غير ضرورية وغير أولوية.
على سبيل المثال، يعاني أحد الأفراد من إدمان شراء الساعات، وعلى الرغم من أنَّه يمتلك عدداً كبيراً منها ولا يرتديها إلا بشكل نادر، إلا أنَّه مهووس بشرائها وتخزينها في المنزل.
فإنَّ هذا الشخص عليه أن يتحلى بالإرادة القوية لمواجهة رغباته في شراء ساعات جديدة والاكتفاء بما يمتلكه من أجل أن يوفر الأموال التي ينفقها عادة في شراء الساعات، ويوجه استخدامها في مجالات أخرى توصله إلى تحقيق الاستقلال المالي.
3. الادخار:
يُعَدُّ الادخار من أسرع وأفضل الطرائق التي تساعد على الوصول إلى الاستقلال المالي؛ كونه يعوِّد الفرد على تقليل نفقاته من أجل حفظ الفائض منها لاستثماره في أماكن أكثر جدوى، وعند اتباع سياسة تقليل الإنفاق وزيادة الدخل يجب عدم إنفاق الأموال الناتجة عن هذا التوفير في سبل أخرى؛ بل من المفضل ادخارها من أجل استثمارها فيما بعد ضمن مشاريع ربحية تضمن للفرد المزيد من الاستقلال المالي.
4. الاستثمار:
إنَّ الاستثمار أيضاً هو من أفضل الطرائق التي تساعد على الوصول إلى الاستقلال المالي؛ ويعني تحريك المال ليجلب المزيد من المال، ولا يكون الاستثمار عن طريق سوق الأوراق المالية فقط؛ بل يمكن أن يكون عن طريق العقارات أو السيارات وغيرها من المجالات التي تحقق للفرد دخلاً سلبياً.
وفق علماء الاقتصاد يجب عدم "وضع البيض كله في سلة واحدة"؛ أي عدم استثمار جميع الأموال المدخرة في مشروع واحد؛ وذلك تجنباً لأيَّة حالة طارئة أو إفلاس أو فشل في المشروع الاستثماري.
5. تحديد الميزانية:
على الرغم من تجنُّب العديد من الناس الحسابات والميزانيات، إلا أنَّ تحديد الميزانية يُعَدُّ من أفضل الطرائق التي تساعد على الوصول إلى الاستقلال المالي، فإذا ما قام الفرد عن طريق حسبة بسيطة بمعرفة نفقاته الشهرية ولنَقُل إنَّها 100 دولار شهرياً، فإنَّه يكون على بيِّنة من أنَّه إذا قلَّص بعض مشترياته فستكفيه 75 دولاراً ويضع الباقي في مدخراته.
وإذا كان قد خصص ميزانية 100 دولار خاصة برحلة، فإنَّه يستطيع التقليل من نفقاتها عن طريق النزول في فندق ثلاث نجوم بدلاً من خمس نجوم، والذهاب بالقطار بدلاً من التاكسي، ومن ثمَّ توفير المزيد من المال الذي يتم ادخاره واستثماره والوصول إلى الاستقلال المالي.
شاهد بالفديو: كيف تضع ميزانية تساعد على الادّخار؟
6. تنويع مصادر الدخل:
يُعَدُّ تنويع مصادر الدخل من أفضل الطرائق التي تساعد على الوصول إلى الاستقلال المالي، فالموظف الذي يعمل من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثالثة عصراً يستطيع العمل لساعات إضافية أو في وظيفة أخرى من الخامسة عصراً وحتى العاشرة، أو حسب ما يجد من فرص مناسبة في حال كان وقته حراً، كما أنَّ الاستثمار في الأسهم أو العقارات يولِّد له دخلاً إضافياً، فتصبح لديه ثلاثة مصادر دخل وتُعَدُّ كافية لإيصاله إلى الاستقلال المالي والغنى أيضاً في حال أجاد إدارة مصاريفه.
7. التعلم عن المال:
يُعَدُّ النظر بإيجابية ووفرة نحو المال من أفضل الطرائق التي تساعد على الوصول إلى الاستقلال المالي، فالمال هو أداة يتم توظيفها في سبيل خدمة الإنسان وتحقيق راحته ورفاهيته؛ لذا يجب تعلُّم أصول التربية المالية ونقلها إلى الأبناء والاطلاع المستمر على المجالات الاستثمارية ودراسة جدوى الاستثمار فيها، كما هو الحال في الاستثمار حالياً في العملات الرقمية.
8. تجنُّب القروض الاستهلاكية قدر الإمكان:
يُعَدُّ تجنُّب القروض التي تترتب عليها الضرائب والفوائد من أفضل الطرائق التي تساعد على الوصول إلى الاستقلال المالي، ويمكن استبدال عملية الاقتراض بالادخار، كون الفوائد التي تُقتَطع من قِبل البنوك والجهات المقرِضة تؤثر سلباً في رأس المال وتسبب تراجعه، وفي حال كان لا بد من الاقتراض يجب إجراء جدوى اقتصادية للتحقق من كفاءة المشروع وقدرته على تحقيق دخل أكبر من قيمة سداد القسط والفوائد المترتبة عليه.
9. معرفة أنَّ الاقتصاد أسلوب حياة:
في كتاب "الأب الغني والأب الفقير" يذكر الكاتب مصطلحاً يسمى "سباق الفأر"؛ ويعني زيادة مصاريف الفرد بشكل مضطرد مع زيادة دخله، فكلما تحسن دخل الفرد وحصل على علاوة جديدة قام بتغيير سيارته إلى إصدار أحدث وارتياد مطاعم الخمس نجوم؛ وهذا ما يجعله يدور في دوامة لا نهائية.
فإنَّ من أفضل الطرائق التي تساعد على الوصول إلى الاستقلال المالي هي الحفاظ على الحد الأدنى من المصاريف على الرغم من ارتفاع مستوى الدخل، ومن ثمَّ يزداد معدل الادخار الذي يُستثمر في شراء الأصول التي تعود على صاحبها بالمزيد من الاستقلال المالي.
في الختام:
إنَّ تحقيق الاستقلال المالي هو خطوة هامة على طريق تحقيق استقلال الشخصية، فلا يمكن للفرد أن يكون مستقلاً وذا سيادة ويتخذ قرارات حرة إذا ما كان تابعاً مالياً لأي طرف؛ لذا فإنَّنا ننصح باتباع الطرائق المذكورة آنفاً في تقليل معدلات الإنفاق، وزيادة نسبة الدخل، وتعلُّم الادخار وأصول الاستثمار، والتثقيف الذاتي حول المال وأصول استثماره؛ وذلك من أجل تحقيق الاستقلال المالي الذي نطمح جميعاً للوصول إليه.
أضف تعليقاً