فيما يُعاني بعض الأشخاص من أعراض الحساسية على مدار السنة، تظهر تلك الأعراض لدى الآخرين بصورة ذروة على نحوٍ مفاجئٍ وشديد خلال أجزاء مُعيَّنة من العام كما في فصلَي الربيع والصيف أو بدايات فصل الخريف، ويعتمدُ موعدُ ظهور أعراض الحساسية واشتدادها لدى الشخص المُصاب على الأشياء التي يُعاني من حساسيةٍ تجاهها.
يصرِّح الدكتور "مارك موس" (Mark Moss) الحائز على دكتوراه في الطب ومدير برنامج البحوث السريرية في قسم الحساسية وعلم المناعة في "جامعة ويسكونسن-ماديسون" (University of Wisconsin–Madison)، واختصاصيُّ الحساسية في "مركز يو دبليو الصحي" (UWHealth) في "مدينة ماديسون" (City of Madison) في ولاية "ويسكونسن" (Wisconsin)، لموقع "هيلث" (Health) الصحي قائلاً: "ستكون جميع أعراض الحساسية متشابهةً عموماً، سواء كنتَ تُصاب بالحساسية في فصل الربيع أم الخريف، ولكنَّ الفرقَ الأكبر هو ما يحفِّز حدوثَ تلك الأعراض".
تابِع قراءة المقال لتتعلَّم المزيد عن الحساسية الموسمية في فصل الخريف وأسبابها وكيفية تشخيصها وفقاً لاختصاصيي الحساسية.
مسبِّبات الحساسية في فصل الخريف:
يشير الدكتور "موس" إلى أنَّه غالباً ما يتحرَّض حدوث الحساسية الموسمية في فصل الربيع بواسطة حبوب الطلع المتطايرة من الأشجار، فقد يُعاني الشخصُ المصاب بالأَرَجِيَّةٌ الطَلْعِيَّة الخاصة بالأشجار من الأعراض لأول مرة في أوائل الربيع، مع استمرار الأعراض لديه خلال فصل الصيف أيضاً إن كان من الأشخاص الحسَّاسين تجاه حبوب الطَّلع العُشبية، غيرَ أنَّ الحساسية الموسمية في فصل الخريف من جهةٍ أخرى تحدث استجابةً لمولِّدات حساسية مُعيَّنة تبدأ بالظهور في شهر أيلول/سبتمبر، ومن ضمنها ما يأتي:
شاهد بالفديو: 6 طرق طبيعية لحمايتك من أمراض الشتاء
1. عشبة الرجيد:
تُعدُّ عشبة الرجيد أكثر مسبِّبات الحساسية انتشاراً في أشهر الخريف وفقاً للدكتور "موس"؛ إذ يقول: "إنَّ ما يحفِّز عشبة الرجيد لإنتاج حبوب اللُّقاح والتلقيح الذاتي هو قصر النَّهار وقلَّة تعرُّضها لضوء الشمس في فصل الخريف؛ لذا فإنَّ بداية موسم إنتاج حبوب اللُّقاح الخاصة بعشبة الرجيد مُنتظمة تقريباً؛ إذ تحدث في مُنتصف شهر آب/أغسطس، وتبلغ ذروة إنتاجها عموماً في بداية شهر أيلول/سبتمبر".
تصرِّح الدكتورة "ديبة مسعود" (Deeba Masood) الحائزة على دكتوراه في الطب واختصاصية الحساسية وعلم المناعة في "مجموعة نورث وسترن ميديسن الطبية" (Northwestern Medicine Medical Group)، في ضاحية "فيرنون هيلز" (Vernon Hills)، في ولاية "إلينوي" (State of Illinois)، لموقع "هيلث" الصحي بأنَّ طول مدَّة موسم عشبة الرجيد السنوي يعتمد في النهاية على درجة حرارة الجو؛ إذ تحتاج هذه العُشبة إلى درجات حرارة دافئة - لكن ليست شديدة الحرارة - للبقاء على قيد الحياة.
تُردِف الدكتورة "مسعود" قائلةً: "وفي أيامنا هذه، يبدو أنَّ موسم عشبة الرجيد يستمرُّ لمدَّةٍ أطول بثلاثة أو أربعة أسابيع، ابتداءً من أول شهر آب/أغسطس وحتى منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر"، مضيفةً بأنَّ الخبراء يشيرون إلى أنَّ التغيُّر المناخي من العوامل المُساهِمة في ذلك.
2. العَفن الفطري:
هو فطرٌ له بذور تُسمَّى الأبواغ والتي تنتقل عبر الهواء، وهو أحد الأسباب الشائعة الأخرى للحساسية الموسمية في فصل الخريف وفقاً للدكتورة "مسعود"؛ وذلك لأنَّ بعض أنواع أبواغ العفَن الفطري تنمو وتتطور في البيئات الرطبة، كما تشير إلى أنَّ العفَن الفطري شائع النمو في أكوام الأوراق الرطبة المتساقطة، وكذلك يمكنه أيضاً أن يتراكم في المواد النباتية الأخرى والحدائق التي يملؤها العفن وفقاً للدكتور "موس".
3. الأشجار والأعشاب الضارة وغيرها:
مع أنَّ أعشاب الرجيد قد تكون المُولِّد الرئيس للحساسية في الخريف، فإنَّها ليست المسبِّب أو المُذنِب الوحيد في هذا الفصل؛ إذ يُشير الدكتور "موس" إلى أنَّ أنواعاً أخرى من الأعشاب، كنبات القُطيفة، أو عشبة المُستنقعات البكر، أو حبق الراعي، تزرع بذورها أيضاً من خلال التلقيح أو التأبير الذاتي خلال أشهر الخريف كي تتمكَّن من التكاثر في العام التالي.
كما يمكن للأشجار والعشب أيضاً أن تقوم بالتلقيح الذاتي خلال الخريف؛ وذلك اعتماداً على المكان الذي تعيش فيه؛ إذ تشهد أجزاء من الساحل الأمريكي الغربي وكذلك الجنوبي بعضَ عمليات التلقيح الذاتي لدى الأعشاب في فصل الخريف وفقاً لكلام الدكتور "موس".
تصرِّح الدكتورة "سايانتاني سيندر" (Sayantani Sindher) - وهي أستاذة مُساعدة سريرية في الحساسية وعلم المناعة في "كلية الطب بجامعة ستانفورد" (Stanford University School of Medicine)، إضافة إلى كونها اختصاصية في الحساسية في "مركز ستانفورد هيلث كير الطبي" (Stanford Healthcare Medical Center) - لموقع "هيلث" بأنَّه يوجد عديد من الأشجار التي تُزهِر في أشهر الخريف كذلك، قائلةً: "على سبيل المثال، تُعدُّ حبوب اللُّقاح المتطايرة من أشجار الدردار واحدةً من أعلى مسبِّبات الحساسية في "ولاية كاليفورنيا" (State of California) في الوقت الراهن".
كيف تشخِّص الحساسية الموسمية في فصل الخريف؟
يُشير الدكتور "موس" إلى أنَّ ظهور أعراض الحساسية التقليدية في نهاية شهر آب/أغسطس أو أيلول/سبتمبر بصورة سنوية يُعَدُّ مؤشِّراً أو دليلاً جيداً على الإصابة بالحساسية الموسمية في فصل الخريف، وإحدى الطرائق البسيطة أيضاً لتشخيص الإصابة بها هي بمعالجتها؛ إذ يقول الدكتور "موس": "إن تحسَّنت أعراض المُصاب وخفَّت شدَّتها بعد تلقيه لعلاج الحساسية، يمكنك أن تَثِقَ تماماً بأنَّها كانت أعراض ناجمة عن الحساسية الموسمية لفصل الخريف".
من الطرائق الأخرى لإثبات الإصابة بالحساسية استشارةُ اختصاصي الحساسية وإجراءُ الاختبارات اللازمة، وفيما يُجري بعض الاختصاصيين اختبارات دموية، تُشيرُ الدكتورة "مسعود" إلى أنَّ "اختبار حساسية الجلد" أو "اختبار وخزة الجلد" (allergy skin-prick testing)، هو المعيار الذهبيُّ لتشخيص الحساسية الموسمية؛ إذ يُستخدم هذا الاختبار بالمُشارَكة مع التاريخ الطبي للمريض لاكتشاف الأشياء التي يُعاني من حساسية تجاهها تماماً.
قد يكون من الصعب أحياناً التمييز بين الأمراض الفيروسية، كالزُّكام، أو مرض فيروس كورونا (COVID-19)، والحساسية الموسمية، لكن ثمَّة عدة أمور أساسية للانتباه لها والبحث عنها، فوفقاً للدكتورة "سيندر"، نادراً ما تترافق الحساسية الموسمية بالحُمَّى والتي تُعدُّ عرضاً أشيعَ ارتباطاً بالأمراض الفيروسية، كما تُشير الدكتورة "مسعود" إلى أنَّه من المُرجَّح أن تحدث الحساسية الموسمية في وقتٍ مُعيَّنٍ من العام، ثمَّ تستمرَّ لمدَّة أسابيع بدلاً من عدة أيام، في حين تُعدُّ المُدَّة النموذجية للزكام مثلاً عدة أيام.
تُردِف قائلةً: "حين تستمرُّ الأعراض طويلاً، فمن المُرجَّح أن تكون مُصاباً بالحساسية الموسمية بدلاً من الزُّكام"، وإن كنتَ قلقاً من إصابتك بفيروس كورونا (COVID-19) لأي سبب، فيجب إجراء الفحوصات اللازمة والاستمرار باتباع جميع بروتوكولات السلامة.
علاج الحساسية الموسمية:
توجد طرائق عدة لعلاج أعراض الحساسية الموسمية بمُجرَّد تشخيص إصابتك بها والتأكد من ذلك؛ إذ يمكن للتعديلات البسيطة على روتينك المُعتاد أن تكون مفيدةً في ذلك، فعلى سبيل المثال، تُوصي الدكتورة "مسعود" بمراقبة تعداد حبوب اللقاح في المنطقة التي تعيش بها، والبقاء داخل المنزل خلال ساعات ذروة انتشار حبوب الطلع والتي تمتدُّ عادةً من منتصف الصباح وحتَّى أول فترة الظهيرة، كما أنَّ إبقاء نوافذ سيارتك ومنزلك مغلقةً خلال موسم الحساسية في الخريف قد يساعدك أيضاً، إضافة إلى خلع حذائك وسُترتك قبل الدخول إلى المنزل لتجنُّب نشرِ حبوب اللقاح في داخل المنزل والتي ربَّما تكون قد التقطتها في الهواء الطلق.
يمكن كذلك لأدوية علاج الحساسية أن تمنع ظهور الأعراض، ويؤكد الدكتور "موس" أنَّ أفضل دواءٍ لها هو البخاخات الأنفية الستيروئيدية مثل "فلوناز" (Flonase)، أو "نازاكورت" (Nasacort)، أو "رينوكورت" (Rhinocort)، وفي حين أنَّ هذه البخاخات مفيدة لعلاج جميع أعراض الحساسية، تؤكد الدكتورة "مسعود" أنَّها قد تحتاج أسبوعاً أو أسبوعين كي تظهر آثارها وفوائدها كاملة ويتحقق الشفاء التام؛ بينما يُعَدُّ استخدام مُضادات الهيستامين المُتاحة دون وصفة طبية خيارها الثاني.
تُعدُّ هذه الأدوية أحد أكثر العلاجات شيوعاً ومن أمثلتها "زيرتك" (Zyrtec)، و"كلاريتين" (Claritin)، و"أليغرا" (Allegra)، وتعمل هذه الأدوية من خلال منع تحرُّر الهيستامين من الخلايا المناعية، وهو المادة الكيميائية التي يُنتجها الجهاز المناعي في أثناء التفاعل التحسُّسي والمسؤولة عن جميع الأعراض التحسُّسية، ويبدأ تأثير هذه الأدوية وعملها خلال عدة دقائق إلى ساعات وفقاً للدكتور "موس"، ويوجد مضاد هستامين آخر يُدعَى "بينادريل" (Benadryl)، يمكنه أن يساعد على التخلُّص من أعراض الحساسية، ولكنَّه قد يسبِّب آثاراً جانبية غير مرغوبة، كالنُّعاس وجفاف الفم وفقاً للدكتورة "مسعود".
أمَّا الدكتورة "سيندر" فتفضِّل الجمع بين البخاخ الأنفي وغسل الأنف بالمحلول الملحي، ممَّا يمكن أن يزيل المواد المسبِّبة للحساسية من الطرق الأنفية ويُخرجها، وتوصي بغسيل الأنف جيداً بالماء باستخدام المحلول الملحي قبل 20-30 دقيقة من استخدام البخاخ الأنفي؛ وذلك لإحداث أقصى تأثير ممكن.
أمَّا إن وجدت نفسك غير محظوظ بالتخلُّص من أعراض الحساسية التي تعاني منها أو تخفيفها بعد تجربة استخدام العلاجات السابقة جميعاً، فثمَّة خيارٌ آخر وهو الحُقن المُضادة للحساسية التي يمكنك الحصول عليها من اختصاصي الحساسية، وتُردِف الدكتورة "سيندر" قائلةً: "يتمثَّل مبدأ هذه الحُقَن بتعريض جهازك المناعي لكميات ضئيلة من المواد المسبِّبة للحساسية بالنسبة إليك، ومن ثمَّ تدريبه على تحمُّل محفِّزات الحساسية تلك شيئاً فشيئاً".
في الختام:
يمكن للحساسية الموسمية في فصل الخريف أن تكون مزعجةً أو أن تُضعِفَ قواك حتى؛ لذا إن كنتَ تظنُّ بأنَّك تعاني منها ولا تجد الراحة الكافية رغم بقائك في المنزل، فخُذ موعداً لدى مزوِّد الرعاية الأولية الخاص بك، والذي يمكنه أن يحوِّلك لاستشارة اختصاصي حساسية إن لزم الأمر.
أضف تعليقاً