ومَن حاول أنْ يملأ قلبه بمحبّة الله، ذاق حلاوة القُرب منه، فغمَرَهُ الله تَعالى ببركاتٍ وآياتٍ من اللطف والعطف والرزق؛ فَرِضَاهُ أمرٌ وضرورةٌ لازمة، فهي ما يُسعد العبدَ في حياتهِ، ويرضيه في الدنيا والآخرة، فضلاً عن أنَّ محبة العباد لا تُغني عن محبة الله في شيء.
وأيضاً، من صِفات الأنبياء والصالحين محبّة العبد لله تعالى؛ فقد قام الله تعالى بمدح مَنْ يُظهِرون محبتهم وولاءَهم بعملهم الصالح وتأدية الطاعات، وربط بينها وبين طاعة النبيّ محمد صلى الله عليه وسلّم، وبيّن صفات المحبين له وجميل ما يقومون بصنعه أيضاً، فما هو الحيّز الأساسي للوصول إلى محبة الله تعالى؟
سوف نشرح ذلك وأكثر في سطور مقالنا هذا، ونتكلّم عن حب الله، وأثره على حياتنا.
ما هو معنى الحب بشكلٍ مُبسّط؟
يُمكن تعريف الحُب بأنَّهُ ذلك الشعور القويّ المليء بالإعجاب النابع من داخل الإنسان تجاه أصدقائه وأقربائه وأهله وأيّ شيءٍ كان؛ فعندما تحبّ شيئاً ما في حياتك، تجد نفسك أنَّك غير قادر على مفارقتهِ إلى الممات.
وللحبّ أشكالٌ عديدةٌ ومتنوّعةٌ تِبعاً للُمحبِّ والمحبوب وسبب المحبّة، لكن الأشكال الآتية؛ هي أكثرها أهميّة وقيمة:
1. محبة الله والنبي صلى الله عليه وسلم:
تعدُّ محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم فرضٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمة، وإنَّها أيضاً من شروط الإيمان، فقد قال سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام: "لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من والده وولده والنّاس أجمعين".
وتحتاج هذهِ المحبّة إلى طاعةِ المحبوبِ، أيْ طاعة الله ورسوله، وفِعل ما يأمرُ الله، والابتعاد عمَّا ينهى عنه؛ فلو ادّعى شخصٌ بأنّه يُحبُّ أحداً ولم يُطعه كما يجب، فذلك لا يُعدُّ حُبّاً على الإطلاق.
2. محبة المُؤمنين والصّالحين:
يعد هذا النوع من الحبّ من أفضل العبادات التي من خلالها يمكن أن يتقرّب العبد به إلى الله تعالى؛ إذ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: "ثلاثةٌ من كُنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، وأن يُحبّ المرء لا يُحبّه إلا لله، وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذَف في النّار".
3. محُبَّة الزوج لزوجته:
يميلُ الإنسان إلى زَوجتهِ بالفِطرة، وتزداد محبّته لها يوماً بعدَ يوم، وبالأخص إن كانتْ ذات خِصالٍ حميدة، مثل طيبة القلبِ وحُسنُ الدين والخُلق، أو أيّ صفات تجعل قلبهُ يحبُّها على الفور.
4. حبّ الوالدين:
يُجْبَلُ كلُّ إنسانٍ على حُبّ والدَيْه فطريّاً، لذا تجدهُ يُحبّهما حتّى وإن كان يُعاني منهما أو ينزعج من تصرفاتهما معه، فهُما كانا السّبب في وجودهِ، وهُما اللّذان تَعَبا وسهَرا اللّيالي من أجلِ راحَتِهِ وسعادته.
أنواع المحبة في الله:
- النوع الأول: محبّة الله تعالى مع الأخذ بالأسباب، إذ لا تكفي محبّة الله وحدها للنّجاة من عذابه أو الفوز بثوابه؛ فعندما نُحبّ، يجب أن نفعل كلّ ما يدلّ على حُبُّنا لله.
- النوع الثاني: محبّة ما يحبّه الله تعالى؛ فهذا هو الفعل الذي يُدخل الإنسان في الإسلام، ويُحبِّبُهُ به؛ فأَحبُّ الناسِ إلى الله أقوَمُهم بهذه المحبّة وأشدُّهم فيها.
- النوع الثالث: المحبّة في الله، وتعني محبّة الإنسان لأخيه من أجلِ عملهِ الصّالح وتقواه وإيمانهِ وعلاقتهِ بربّهِ سبحانه وتعالى، لا المحبة التي تأتي بسببٍ مادّيٍّ من جمالٍ أو مالٍ أو غير ذلك؛ فكلُّ حُبٍّ بُنيَ على شيءٍ زائل، إذ يزول بزوال سبب المحبة وداعيها. أما الحبّ الذي يكون في الله، يأتي حُبّاً صادقاً غير قابل للتغيير.
- النوع الرابع: وهي المحبّة الطبيعيّة، حيث تأتي هذه المحبّة من طبيعة ما يُلائمْ تكوين الإنسان ومعيشتهِ في الحياة، وهذا يُعدّ ميلٌ فطريّ، كميل الإنسان إلى النوم عندما ينعس، أو إلى تناول الطعام عندما يجوع، وميل المرء إلى ولده وزوجته؛ فمحبّةُ الزوجة أمرٌ فطريّ أيضاً، فقد قال اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
كيف تُحبّ الله بِصدق؟
مَحبّة الله عزَّ وجلّ عقيدةٌ ثابتةٌ وإيمانٌ مُحكّمٌ داخل قلب العبد المؤمن؛ فقد قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}؛ إذْ إنَّ حُبّ اللهِ عزّ وجلّ يأتي من الإيمان فقط. وكي يستطيع الإنسان أنْ يجعل حبّ الله في قلبه صافياً وصادقاً، يتوجّب عليه القيام ببعض الأمور التي نذكر منها:
- لا يُشرك بعبادة الله أحد سِواه، وهُنا يجب على الإنسان ألّا يعبدُ مع اللهِ أحداً غيرهِ، ويُحاول أيضاً ألّا يصرف من العِبادة شيئاً لغيره. وكما جاء في الحديث النبوي الشريف: "ثلاثٌ من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يَكره أن يلقى في النار".
- أن يعلم أنَّ محبّة الله سبحانهُ وتعالى لا تتجلّى إلّا في معرفة أسمائِهِ عزّ وجلّ جميعها، والعلم بصفاتهِ، ومعرفة معنى كلّ صفةٍ والأخذ بها في عينِ الاعتبار.
- التذلُّل إلى الله، عن طريق اللجوء إليه في الدعاء والصلاةِ والقيام بكلّ ما أَمَرَنَا به؛ فحبّ ربّنا عزّ وجلّ يتطلّب الاستشعار بعظمتهِ وقوّتهِ، والسَّعيَ إليه في وقتِ الحاجة؛ فالله يُحِبُّ أن يقوم عبده بالإكثار من الإلحاحِ في الدعاء، حيث أنَّ الله عادةً ما يبتلي عبده كي يختبر درجة صبرهِ وتحمُّلهِ، والعبد الذي يجتازُ ذلك الاختبار بنجاحٍ هو المُؤمن الصابر، وهو الذي لجأ إلى الله في وقتِ حاجتهِ؛ فالله ملجأ من لا ملجأ له.
- محبّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وذلك باتّباع سنته الشريفة؛ حيث قال الله عزّ وجلّ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: "لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
- التقرّب إلى الله والانشغال بعبادتهِ بما يرضيه، والإكثار من ذكره دائماً في أيّ مكانٍ وزمان، والخوف منه، والعمل على طاعتهِ في السر والعلانيّة أمام الناس جميعاً؛ فهنالك بعض البشر الذين يُظْهِرُون مخافة الله أمام الناس، ويرتكبون المعاصي بينهم وبين أنفسهم.
في النهاية، إنَّ الله عزّ وجلّ دائماً ما يكون شديد العقاب مع المخطئين، وعطوفاً ورحيماً مع المؤمنين، فما علينا إلا الأخذ بالأسباب، ومحبّة ربنا كما يجب؛ فإنَّها تُعدّ من أعظم مقامات العبادة على الإطلاق، وهي تسوق المؤمن إلى القرب من الله، وتهوّن المشقّة والعناء في سبيل رضا الله والفوز بجنته.
قال تعالى في وصف المؤمنين: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}.
أضف تعليقاً