هوس عمليات التجميل

"مراهقة بريطانية خضعت لـ 25 عملية تجميل"، "شاب كوري غيَّر شكله تماماً"، "فتاة روسية جعلت من نفسها نسخة عن باربي بعد خضوعها لعمليات تجميل عديدة"، وغيرها الكثير من العبارات المدوية التي تنزل كالصاعقة فوق رؤوسنا عندما نتصفح المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي؛ وهذا يدفعنا لنتساءل عن السبب الحقيقي لسعي الكثيرين إلى عمليات التجميل، وهل يمكننا وصف هذا الهوس بالمرض النفسي، وغيرها من التساؤلات التي سنحاول الإجابة عنها في هذا المقال.



كيف تصبح عمليات التجميل هوساً؟

يسعى الناس إلى الجمال دائماً، ويحبون أن يبدو مظهرهم جذَّاباً وجميلاً ومتناسقاً، فلم يرتبط هذا السعي وتلك الرغبة بعصر من العصور أو زمن من الأزمنة؛ فقد بدأ الاهتمام بالشكل منذ تشكُّل الحضارات، والمشكلة في الجنون الذي رافق السعي وراء الكمال الشكلي في العصر الحالي.

ومع التطور الحاصل في كل الأصعدة والمجالات ظهرت الثورة الطبية في مجال عمليات التجميل؛ إذ لم يقتصر الأمر على علاج التشوهات الخلقية أو التشوهات الناتجة عن الحوادث؛ بل تعدَّى ذلك، ووصل إلى درجة يغيِّر فيها الشخص ملامحه بالكامل ويستبدلها بملامح أخرى يختارها بنفسه وكأنَّ الأمر إعادة تدوير للشكل.

أصبح الجمال في كثير من الأحيان موضة، وأصبحنا نسمع كثيراً عن موضة الشفاه الممتلئة، والعيون المرفوعة، والذقن المنحوتة، والأنف المرفوع وغيرها، ولأنَّ الأمر موضة فهو قابل للتغير والتبديل؛ أي أصبح تغيير الشكل أمراً ضرورياً لمواكبة الموضة، كما انتشرت أيضاً ظاهرة تقليد الفنانين والفنانات، وتغيير ملامح الشخص ليصبح نسخة عن أحد الفنانين المحبوبين لديه.

غزت عمليات التجميل اليوم العالم العربي، وأحدثت زلزالاً حقيقياً في صفوف النساء الباحثات عن الشكل المثالي بحثاً مبالغاً به وغير طبيعي، وقد أشار أحد أطباء التجميل إلى أنَّ حوالي 50% من طلبات النساء لتجميل أشكالهن تكون غير طبيعية، وغير منطقية، وغير ملائمة لشكل الوجه وطبيعته الحقيقية، وتصل إلى حدِّ المبالغة.

متى يصبح إجراء عمليات التجميل هوساً؟

ذكرنا آنفاً أنَّ معظم الناس يحبون الحصول على مظهر مثالي وشكل جميل، ولكنَّ بعضهم لا يعطي ذلك أهمية كبيرة، ولا يضعه ضمن أولوياته، في حين يخضع بعضهم الآخر لعمليات التجميل بسبب عدم تقبُّله لشكله، أو عدم الرضى عن أجزاء محددة من جسمه.

ويتحول هذا عند بعضهم إلى ما يشبه الإدمان، وتصبح الحاجة إلى إجراء عمليات التجميل حاجة دائمةً؛ فهم يشعرون طوال الوقت بأنَّ أشكالهم تحتاج إلى تعديل وتحسين، وبدلاً من أن توصلهم العمليات إلى حالة من الرضى وتقبُّل للشكل يزداد توترهم وقلقهم، ويطمحون دائماً للوصول إلى المثالية الموجودة فقط في خيالهم؛ وهنا يمكننا القول إنَّنا وصلنا إلى حالة من الهوس أو إدمان عمليات التجميل.

إذاً؛ يبدأ هذا الإدمان بسبب فقدان الشعور بالثقة والمنظور غير الصحيح عن مفهوم الجمال، ويرتبط هوس إجراء عمليات التجميل حسب علم النفس باضطراب تشوُّه الجسد؛ وهو اضطراب يُسبب إحساساً داخلياً للشخص بأنَّه قبيح وغير جميل، فيصبح عاجزاً عن رؤية أي شيء إلا عيوبه، حتى إنَّه في بعض الأحيان يتخيَّل عيوباً لا وجود لها؛ وهذا ما يدفعه لإجراء عمليات التجميل، لإصلاح وترميم ما يراه من عيوب.

والمشكلة الكبرى أنَّ العمليات لا تحل المشكلة؛ بل تزيد الوضع سوءاً؛ وذلك لأنَّه كلما أجرى عملية رغب في المزيد؛ لذا بدلاً من التوجُّه إلى طبيب التجميل لإجراء عملية، لا بدَّ من التوجُّه إلى عيادة الطب النفسي، والخضوع للعلاج المعرفي السلوكي المناسب.

طبعاً، ليس كل مَن يخضع اليوم لعمليات التجميل المبالغ بها هم أشخاص مصابون بهذا الاضطراب، وتقريباً نسبة مَن يعاني من هذا الاضطراب من 7 إلى 15% من الأشخاص، وهذا الإدمان شائع أكثر عند الفئات العمرية الصغيرة، وعلى عكس ما يُعتقَد، فإنَّ هذا الهوس يُصيب كلَّاً من الرجال والنساء، ولكنَّ النسبة مرتفعة أكثر عند النساء.

إقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن عمليات تجميل الأنف

ما هي الأسباب المؤدية إلى هوس عمليات التجميل؟

بنظرة سريعة على صور الفنانات والعارضات وحتى صور الفتيات العاديات على مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، نرى بوضوح أنَّ جميع الفتيات أصبحن نسخاً عن بعضهن؛ إذ تتشاركن بالملامح ذاتها، مثل الأنف، والعيون، والخدود، وحتى شكل الجسم من صدر وأرداف ممتلئة وخصر منحوت؛ وهذا ما يدفعنا للسؤال عن المسؤول عن ذلك، وعمَّن وضع هذه المعايير لتشعر أيَّة فتاة لا تمتلكها أنَّها خارج تصنيفات الجمال.

طبعاً، هذه الظاهرة لم تأتِ من العدم؛ بل إنَّ الكثير من العوامل الخارجية تقف وراء هذا السباق المحموم من الفتيات للحصول على جمال مثالي، وربما لا نبالغ إذا قلنا إنَّ الإعلام هو السبب الرئيس والمغذي الأكبر لمثل هذه الأفكار.

ويُضاف إليها اليوم مواقع التواصل الاجتماعي، التي تروِّج ترويجاً كبيراً ومتعمَّداً لمعايير محددة من الجمال؛ وهذا يُوقِع الفتيات الصغيرات المراهقات بهذا الفخ، ليعتقدن أنَّ إجراء مثل هذه العمليات أمر طبيعي وبديهي، وحتى إنَّهن في كثير من الأحيان يحمِّلن أسرهن تكاليف مادية باهظة للخضوع لها.

وأيضاً، تؤدي العوامل النفسية دوراً كبيراً، وتُعَدُّ - حسب أحد الأطباء النفسيين - من الأسباب الهامة التي تقف وراء هذا الهوس، كما أنَّ المعاناة من الضغوطات النفسية، والوحدة، والحرمان العاطفي، والفراغ تدفع كثيراً من النساء للخضوع لمثل هذه العمليات بوصفها محاولة لسدِّ الفراغ الكبير داخلهن.

ويُعَدُّ الاكتئاب سبباً من أسباب إدمان عمليات التجميل أيضاً، وإضافةً إلى ذلك، المبالغة بالاهتمام بالشكل الخارجي، الذي ترجع جذوره إلى فترة الطفولة والمراهقة؛ فعندما تعيش الفتاة في كنف أسرة تهتم بالشكل اهتماماً كبيراً، وتعطيه أهمية على حساب الأشياء الأهم، ستكبر معتقدةً أنَّ الشكل الخارجي هو ما يمنحها القوة، ويجعلها أكثر جاذبية وتأثيراً في الناس.

وإضافةً إلى ما سبق، تأتي قلَّة الوعي، وقلة الثقافة لتزيدان الطين بلة؛ لذا لا يجب أن يكون السعي الحقيقي باتجاه الكمال الخارجي؛ وذلك لأنَّ الشكل مهما بدا مثالياً لن يستطيع إخفاء النقص الداخلي.

تُعَدُّ تغذية العقل، والبحث عن المعرفة، وتطوير النفس، وتطوير المهارات أموراً تساعد الكثير من الشابات وحتى الشبان على إدراك حقيقة أنَّ الشكل الخارجي ليس أكثر من قشرة، وأنَّ جوهر الإنسان في أخلاقه وقيمه، كما أنَّها تساعدهم على زيادة الثقة بأنفسهم، ورسم وتحديد معاييرهم الخاصة للجمال دون الانجرار وراء معايير الآخرين ونظرتهم.

ولن ننسى في نهاية حديثنا عن أسباب حالة الهوس التي تصيب كثيراً من النساء لتقليد الممثلات والنجمات وعارضات الأزياء، إضافةً إلى التنمر الذي تعاني الكثيرات منه بسبب أشكالهن؛ وهذا يدفعهن لإجراء عمليات التجميل.

كيف نعالِج إدمان عمليات التجميل؟

لا يمكننا اقتراح أي حلٍّ أو علاج إذا لم يعترف الشخص بأنَّه يعاني من مشكلة، وبعدها يجب عليه التوجُّه إلى طبيب أو متخصص نفسي لتقديم العلاج المناسب للحالة، وفي الحالات المتوسطة يكون العلاج المعرفي السلوكي كافياً.

ويُعتمَد في هذا النوع من العلاج على الكلام مع المريض من خلال جلسات معالجة نفسية عدة، تساعد على تعديل سلوك الفرد وطريقة تفكيره وتصرفاته، كما تساعد على معرفة الأسباب الكامنة وراء هذا الإدمان؛ وهذا يسهِّل العلاج ويجعله أكثر فاعلية، كما أنَّ هذه الجلسات تساعد المريض على مواجهة مشاعر القلق والتوتر، التي تصيبه بسبب شكله إذا ما تعرَّض لموقف ما.

هل وصل هوس عمليات التجميل إلى النجمات؟

كثيراً ما نتفاجأ بإطلالات الفنانات والنجمات ونستغرب التغيرات الكبيرة الحاصلة في أشكالهن وملامحهن، حتى إنَّنا في الآونة الأخيرة نكاد لا نميِّز الواحدة عن الأخرى، وغالباً ما نُجمِع على أنَّ التغييرات التي يقمن بها لم تزدهن جمالاً؛ بل على العكس تماماً، ومع أنَّ الأمر في النهاية حريَّة شخصية، ورغبة لها أسبابها، إلا أنَّنا لا نستطيع منع أنفسنا من التساؤل عن فائدة ما يقمن به.

تهافتت الفنانات منذ ستينيات القرن الماضي على إجراء عمليات التجميل، وفي ظلِّ التطورات الكبيرة والهائلة في هذا المجال أصبح التوقف عن الاستمرار في إجراء عمليات التجميل قراراً صعباً ومستحيلاً بالنسبة إلى كثيرٍ منهن، ومع أنَّ النتائج سلبية في معظم الأحيان ومخيبة للآمال يتابعن الطريق دون توقف، ويدفعن أمولاً طائلة في عيادات التجميل.

وقد تعرَّضت بعض الفنانات للتشوُّه نتيجة لتلك العمليات، وبعضهن دخلن في حالة من الاكتئاب والعزلة، وفي أفضل الحالات تحوَّلن إلى ما يُشبه تماثيل الشمع الخالية من أي روح.

إقرأ أيضاً: 6 خطوات بسيطة تمنحكِ الجمال

في الختام:

لا يمكننا أبداً إنكار الفضل الكبير لعمليات التجميل في مساعدة الكثيرين ممن تعرضوا للتشوهات أو وُلِدوا بها، ولا نستطيع تجاهل دورها الكبير في إعادة الثقة لهم ودفعهم للانخراط بالمجتمع من جديد، ولكنَّ الترويج لهذه العمليات اليوم، الذي يتجاهل الهدف السامي لها، ويحوِّلها إلى عمليات مهمتها تصنيع قوالب بشرية متشابهة مرفوضٌ.

لا تقتصر الحلول على المجال الطبي فقط؛ بل يجب أن يتعداه ليشمل حملات توعية كبيرة تصل إلى جميع شرائح المجتمع وخاصةً المراهقين؛ وذلك لمساعدتهم على تقبُّل أشكالهم الطبيعية كما هي، وتوجيههم إلى الطرائق الصحيحة لزيادة ثقتهم بأنفسهم، ويجب أن نتذكَّر دائماً أنَّ نظرة الآخرين لنا هي انعكاس نظرتنا لأنفسنا؛ فإن لم نرَ جمالنا الخاص، فلن يتمكَّن أحد من رؤيته.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة