هل يمكن معالجة الخرف؟

على مر العقود، لم يُقدِّم الطب التقليدي شيئاً يُذكَر للمرضى المصابين بالخرف أو التدهور المعرفي؛ إذ يُعَدُّ مرض الزهايمر ثالث سبب للموت في أمريكا الشمالية بعد أمراض القلب والسرطان، ولكنَّ العلاج ليس مستحيلاً.



ويُقدَّر بأنَّ الخرف سوف يصيب 50% من الجيل التالي من كبار السن؛ وذلك يعني نصف الأشخاص ما بين سن 40 و60، ويشعر الأشخاص المتقدمون في السن اليوم بالعجز الكامل بينما يشهدون قدراتهم المعرفية تتراجع، ويتقبل بعضهم ذلك كعلامة طبيعية على التقدم في السن، ولكنَّ الخرف ليس جزءاً من التقدم في السن ولا يجب قبوله بناءً على ذلك.

ومع أنَّنا نسمع عن أناس ناجين من مرض السرطان إلَّا أنَّنا لم نسمع عن أحد شُفِيَ من الخرف حتى الآن.

برنامج "إبطال التدهور المعرفي" (Reversal of Cognitive Decline) هو برنامج طوَّره الدكتور "دايل بريدسون" (Dale Bredesen) القائم على البحث المتعلق بالأمراض العصبية في "جامعة كاليفورنيا" (UCLA) ومؤلِّف كتاب "نهاية الزهايمر: أول برنامج للوقاية وإبطال التدهور المعرفي" (The End of Alzheimer’s: The First Program to Prevent and Reverse Cognitive Decline).

يعتمد هذا البرنامج العلاجي على معرفة الآليات العديدة المسؤولة عن مرض الزهايمر، وهو برنامج متوافق مع الطب التكاملي والوظيفي.

إذاً ما هو هذا البرنامج بالضبط؟ يقول "بريدسون": "تخيَّل وجود 36 فتحة في سقف منزلك - لأنَّنا في البداية وجدنا 36 آلية مسؤولة - ما لم تُرمَّم الفتحات بأكملها، فلن ترى فائدة؛ إذ إنَّ الدواء يعالج آلية واحدة بينما يجب أن يعالج الآليات الـ 35 الأخرى".

إنَّ برنامج الدكتور "بريدسون" واسع الطيف، ومنهج علاجي ناجع لمعالجة كل حالات اختلال التوازن الفيزيولوجية التي تظهر في النهاية على أنَّها زهايمر.

تتطلَّب قدرة الدماغ على أداء نشاطاته المختلفة اتصالات بين خلايا الدماغ، والمعروفة أيضاً باسم "الخلايا العصبية"؛ إذ يوجد ما يقارب 100 مليار خلية عصبية في الدماغ، وكل خلية منها تحوي 10.000 وصلة وتسمى "المشابك العصبية" (synapses)، وهذا يُشكِّل أكثر من 100 كوادرليون مشبكاً عصبياً في الدماغ الواحد.

عندما يكون دماغك في حالة سليمة، فإنَّ هذا العدد الهائل من المشابك يحافظ على التوازن بين إنشاء مشابك جديدة والتخلُّص من المشابك القديمة التي لم يَعُد هناك داعٍ إليها، وإذا نظرنا إلى السبب الأساسي للمشكلة، فإنَّ الزهايمر يبدأ باختلال في التوازن بين نشاط "اللدونة المشبكية" (synaptoblastic activity) "بناء أو زرع الروابط المشبكية بين الخلايا العصبية" والنشاط المتشابك "تدمير أو تقليم الروابط المشبكية بين الخلايا العصبية"؛ لذا فإنَّ المشكلة في إعادة التوازن للدماغ.

مشكلة مرضى الزهايمر هي أنَّهم على الجانب الخاطئ من هذا التوازن؛ إذ يكون بناء المشابك واللدونة المشبكية لديهم منخفضَين جداً ونشاط "التقليم التشابكي" (synaptoclastic) مرتفعاً جداً؛ إذ إنَّ إعادة التوازن إلى هذه الديناميكية المشبكية هو الهدف النهائي لنهج برنامج الدكتور "بريدسون".

يسأل المرضى عادةً عن الفارق بين مرض الزهايمر والخرف والتدهور المعرفي؛ إذ إنَّ التدهور المعرفي هو مصطلح عام يدل على أي نوع من فقدان الوظائف المعرفية ومن ضمنها الخرف.

أمَّا الخرف فهو متلازمةٌ لأعراض تؤثر في الذاكرة والتواصل وأداء المهمات اليومية، والتي هي جزء من مرض الزهايمر، أمَّا مرض الزهايمر فهو نوع شائع من الخرف؛ إذ إنَّه مرتبط بترسبات لويحة "بيتا أميلويد" (beta-amyloid) في الدماغ وتُعرَف بتدهور تدريجي في الذاكرة واللغة والفكر، ونظراً لاستعمال مصطلح الزهايمر من قِبل عامة الناس للإشارة إلى أي شكل من أشكال الخرف، فهذا هو المصطلح الذي سنستخدمه.

إقرأ أيضاً: 5 طرق للحفاظ على صحة دماغك مع تقدمك في العمر

وإحدى أولى خطوات البرنامج في استعادة التوازن هي تحديد أي نوع فرعي من الزهايمر لدى المريض:

النوع 1 للزهايمر، الالتهابي أو "الساخن":

وهو نوع يتميز بأعراضٍ التهابية؛ إذ يكون دماغ المريض "يحترق" مجازياً ولا يمكن استعادة التوازن حتى يُسيطَر على الالتهاب؛ إذ لُوحِظَت العديد من أوجه التشابه بين البالغين المصابين بهذا النوع من مرض الزهايمر والأطفال في طيف التوحد، مع بعض التداخل في طرائق العلاج الناجعة لكليهما.

النوع 1.5 للزهايمر، "سم الجلوكوز" (Glycotoxic) أو "الحلو":

وهو نوع فرعي مختلط من الالتهابي والضموري، وهو مرتبط بمرض السكري ومقاومة الأنسولين، وهو الشكل الأكثر شيوعاً من مرض الزهايمر.

النوع 2 للزهايمر، الضموري أو "البارد":

وهو النوع الذي يأتي بسبب نقص العناصر الغذائية الضرورية أو الهرمونات أو عوامل النمو الأخرى؛ إذ سيؤدي نقص أي من هذه العوامل - مثل التستوستيرون أو الأستروجين أو فيتامين "د" أو الأحماض الدهنية الأساسية على سبيل المثال - إلى تغيير التوازن المشبكي.

النوع 3 للزهايمر، السُمِّي أو "الدنيء":

وهو النوع الذي يأتي بسبب تعرُّض المريض إلى مواد سامة؛ سواءً كانت معادن ثقيلة أم ملوثات عضوية أم أمراض السموم الحيوية مثل سُمِّيَّة العفن أم "متلازمة الاستجابة الالتهابية المزمنة" (Chronic Inflammatory Response Syndrome)، ونجاح العلاج لهؤلاء المرضى أمر بالغ الأهمية في تحديد وإزالة التعرُّض إلى السموم.

النوع 4 للزهايمر، الشرياني أو "الشاحب":

وهو النوع الذي يسببه ضعف نشاط الدماغ، وغالباً ما يعاني مرضاه من مشكلات أخرى في الأوعية الدموية، مثل مرض الشريان التاجي أو أمراض الأوعية الدموية الطرفية.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح مهمة لتعزيز طاقة المخ والوقاية من الزهايمر

النوع 5 للزهايمر، الصادم أو "المذهول":

وهو النوع الذي يأتي بسبب تعرُّضٍ إلى إصابات دماغية، ويمكن أن تكون الإصابة رَضِّيَّة بالغة، ولكنَّ الإصابات الأكثر شيوعاً تكون نتيجةً لصدمات الرأس المتكررة والصغيرة، كالتي تظهر عند لاعبي كرة القدم المحترفين.

لا تنفي الإصابة بإحدى هذه الأنواع الفرعية إمكانية الإصابة بالأنواع الأخرى؛ إذ إنَّ الإصابة بنوع فرعي واحد لا يعني أنَّ المريض قد اكتسب مناعة ضد نوع آخر، فقد يكون لدى معظم المرضى نوع واحد مهيمن، ثم درجات متفاوتة من أنواع فرعية أخرى كعوامل مؤثرة في الخرف؛ إذ إنَّ البرنامج الناجح يستهدف جميع مشكلات المرضى في الوقت المناسب.

يتكرر السؤال عادةً "ما الذي سيعطيني إياه هذا البرنامج أو ما الذي يجب أن أفعله حتى يكون مفيداً لحالتي؟":

يختلف الجواب عن هذا السؤال باختلاف الشخص؛ فلأحدهم قد يكون العلاج الأساسي هو اتباع نظام غذائي لخفض نسبة السكر في الدم يتجاوز بكثير توقعات طبيب الرعاية الأولية أو اختصاصي الغدد الصماء للمريض، ولآخرٍ؛ قد تكون معالجة قلة الأوكسجين الذي يحصل عليه المريض ليلاً نتيجة عدم معالجة مشكلة انقطاع النفس في أثناء النوم خلال العقد الفائت.

ولمريضٍ ثالث؛ يمكن أن يكون العلاج في إزالة السموم من الرصاص الذي تراكمت لديه من تنفس أبخرة الغاز المحتوية على الرصاص في أثناء شبابه، وقد يتطلب أحدهم تنظيم الهرمونات لديه، والآخر التحكم بالالتهاب من أمراض المناعة الذاتية وهكذا؛ لذا لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال حتى يخضع المريض إلى تقييم كامل من الطب الوظيفي.

تعتمد استراتيجيات العلاج الأساسية على الحمية الغذائية وأسلوب الحياة والمكملات الغذائية والأعشاب والأدوية، وعادةً تكون أهميته بالترتيب نفسه الذي ذكرناه، وهذا البرنامج ليس وصفة سحرية؛ لذا إن كنت تبحث عن وصفةٍ سحرية، فمن الأفضل أن تبحث في مكان آخر، فهو نهج كامل الطيف ومتعدد الأوجه للسلامة العصبية خصوصاً والصحة العامة عموماً.

المصدر




مقالات مرتبطة