هل يُعد الخوف مرض العصر؟

إحدى مريضاتي هي أم مُطلَّقة تبلغ من العمر 38 عاماً وتمرُّ بظروف صعبة؛ حيث لم أرَها منذ بداية الجائحة وحينما قابلتُها مؤخراً، كانت ترتدي قبعة وكمامتين وقفازات بلاستيكية كبيرة الحجم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الطبيب "بيتر ويس" (Peter Weiss)، والذي يُحدِّثُنا فيها عن الخوف بوصفه مرض العصر.

لقد فُوجِئتُ قليلاً وسألتُها عمَّا إذا كانت على ما يرام؟ فأجابت بأنَّها تلقَّت جرعتين من اللقاح، ولكن لديها طفلة تبلغ من العمر 7 سنوات تحتاج إلى حمايتها؛ لذا تستمر في اتباع الإجراءات الاحترازية.

للأسف، لقد رأيتُ الكثير مثلها ممن سيطر الخوف من المرض على حياتهم في العام الماضي؛ إذ حاولتُ عبثاً أن أشرح لها أنَّ مخاوفها - على الرغم من أنَّها مفهومة في ظل التهويل الإعلامي للأمر - كانت غير عقلانية، فقد كانت مقتنعة للغاية.

أصبح الخوف مرض عصرنا؛ حيث يُعرَّف عموماً بأنَّه الاعتقاد بأنَّ شخصاً أو شيئاً يُشكِّل خطراً ومن المحتمل أن يسبب ألماً أو يُمثِّل تهديداً، مثل سمكة قرش تسبح بجوارك في أثناء السباحة.

تشمل مخاوفي وجود دم في منطقة البطن عند إجراء عملية أو انخفاض معدل ضربات قلب جنين؛ فربما يكون ذلك لأنَّني أقضي نصف وقتي في عيادتي والنصف الآخر أعمل في المستشفى، لإدارة حالات الطوارئ.

الخوف هو عاطفة صحية يجب أن تعيشها في حدود المعقول، ولكن توجد أيضاً مخاوف غير منطقية لا تدفعنا إلى اتخاذ قرارات أفضل؛ وإنَّما إلى الشعور بمزيد من الخوف، وتكمن المخاوف الزائفة في أفكارنا وخيالنا فقط؛ إذ إنَّ جميعنا يعاني منها في وقت ما من حياتنا، ولكنَّنا نتعامل معها عادةً وسرعان ما تتلاشى، مثل خوفي من المساحات الضيقة؛ حيث لا يعجبني ذلك الشعور ولكن يمكنني التحكم به.

إقرأ أيضاً: تعرّف على أكثر 5 مخاوف شيوعاً بين الناس

حينما سألتُ مريضتي عن أكبر مخاوفها، أجابت بـ "الموت نتيجة الإصابة بفيروس كورونا وترك ابنتي وحدها"؛ فهي الآن تُدرِّس ابنتها في المنزل، ولا تغامر بالخروج إلَّا عند الضرورة القصوى، وظلت تخبرني عن إحصاءات قرَأَتها وقصص سمِعَتها عن التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى إنَّ تلك الإحصاءات أخافَتني؛ إذ لا يهمها ما إذا كانت زائفة أم لا، فهي تصدقها.

إذاً كيف يمكن لشخص عقلاني أن يقع في دوامة الخوف هذه؟ تؤدي الشركات الإعلامية التي تروج للخوف دوراً بالتأكيد، وعواقب هذا النوع من الخوف وخيمة؛ حيث يتحول إلى قلق وتوتر، ومنذ بداية الجائحة شهدنا ارتفاعاً هائلاً في معدلات القلق والاضطرابات المرتبطة به، إلى جانب مشكلات الصحة النفسية الخطيرة الأخرى.

كل إجراء نتخذه في الطب أو سياسات الرعاية الصحية، مثل: الإغلاق والتباعد الاجتماعي، له عواقب غير مقصودة، ومن الأمثلة عن ذلك ارتفاع معدل انتحار المراهقين منذ بدء الإغلاق، بالإضافة إلى زيادة عدد الأشخاص - بمن فيهم الأطفال - الذين يتلقون العلاج ويأخذون أدوية مضادة للقلق والاكتئاب.

إقرأ أيضاً: القلق لن يفيد: 10 أسباب لعدم الذعر بسبب فيروس كورونا

إذاً، كيف يحارب المرء هذه المخاوف غير المنطقية؟ تكمن المشكلة في أنَّ هذه المخاوف متجذِّرة في أعماقنا ونؤمن بها، وفي كثير من الأحيان تترسخ معتقداتنا هذه في عقولنا، فنرفض تقبُّل أيَّة حقائق جديدة، ولا نُعيد النظر في افتراضاتنا، ولا نقتنع سوى بالمعلومات التي تثبت صحة ما نعتقد بالفعل.

إذا قابلتَ شخصاً كهذا، فالتوصُّل إلى أرضية مشتركة يُعَدُّ خطوة جيدة في بداية الأمر؛ إذ عليك أن تعترف بأنَّ مخاوف الشخص بحد ذاتها حقيقية بالنسبة إليه، وليست الحقائق الوهمية.

أخبرتُ مريضتي بأنَّني أعلمُ أنَّ فيروس كورونا سيِّئ، ولا أحد منا يتمنى الإصابة به، وكيف أجريتُ عملية جراحية لمرضى مصابين به، ولكنَّني سيطرتُ على مخاوفي، ربما لم يكن عليَّ إخبارها بذلك؛ لأنَّها بدت مستعدة إلى حبس أنفاسها حتى غادرتُ الغرفة.

لن أقول إنَّني أقنعتُها بأنَّ كل شيء على ما يرام ويجب أن تبدأ عيش حياتها بصورة طبيعية مجدداً، إلَّا أنَّها وافقَت على التحدُّث إلى معالج يمكنه مساعدتها، ومن ثم مساعدة ابنتها أيضاً.

يعود سبب انتشار "جائحة" الخوف هذه جزئياً إلى حشو عقول الناس بمعلومات محدودة، ولسوء الحظ، تُبَثُّ بعض الإحصاءات مراراً وتكراراً، مثل عدد الإصابات الجديدة بالفيروس، في حين نادراً ما نسمع عن إحصاءات أخرى، مثل عدد الأشخاص المصابين الذين لم يشعروا بأعراض المرض.

وعلى الرغم من أنَّنا منهمكون بالقلق من بعض البيانات، إلَّا أنَّنا مُغيَّبون عن ظروف انتشارها؛ ففي بعض الأحيان لا نحتاج سوى أخذ استراحة من زحمة الأرقام هذه التي لا تمدنا سوى بالخوف.

وسط كل هذا الغموض يُعَدُّ العثور على الدعم أمراً بالغ الأهمية، والذي يمكن أن يكون دعماً روحياً - من خلال الصلاة والدعاء - أو جسدياً - عبر ممارسة التمرينات والنشاطات - أو عقلياً - من خلال ممارسة التأمل والنشاطات المهدئة مثل الهوايات - وكما كشفت دراسات أنَّ التمرينات عالية الكثافة يمكن أن تكون مفيدة جداً في معالجة القلق والخوف؛ حيث ثَبُتَ أنَّ ممارسة اليوغا تقلل من أعراض القلق العام.

راسلَتني مريضتي بالفعل قبل بضعة أسابيع؛ حيث كان وضعها أفضل بكثير فقد بدأَت المشي لمسافات طويلة مع ابنتها، وحتى أنَّهما ذهبتا إلى الشاطئ، ومن ثم قابلَت المعالج النفسي الذي نصحتُها به، واستفادت كثيراً.

عندما درستُ الطب، لم أتوقَّع مطلقاً أن أُقدِّم المشورة لمرضاي كما لو كانت معالجة نفسية؛ ومع ذلك، إنَّه لأمر مدهش كيف يمكننا أن نتعلَّم بمجرد الإصغاء إلى ما يقوله شخص آخر والرغبة في تقديم المساعدة.

لا يحتاج الكثير من الناس سوى إلى شخص في حياتهم، يساعدهم على إبقاء مخاوفهم غير المنطقية تحت السيطرة، ويشجعهم على رؤية الأمور من منظور أوسع؛ إذ إنَّه أمر علينا جميعاً التفكير فيه؛ نظراً إلى مخاطر التعرُّض إلى الكثير من الخوف، وإلَّا سينتهي بنا الأمر كما قال الحكيم "يودا" (Yoda) في فيلم "حرب النجوم" (Star Wars): "الخوف هو الطريق إلى الجانب المظلم، وهو الذي يؤدي إلى الغضب، والذي يؤدي بدوره إلى الكراهية، والتي تؤدي بدورها إلى المعاناة".

المصدر




مقالات مرتبطة