هل يجعل الفشل النجاح أكثر متعة؟ وكيف نحول الفشل إلى نجاح؟

نستطيع أن نقول وبكل ثقة: إنَّه لا يوجد شخص لم يمر بتجربة الفشل، وربما كانت في اختبار دراسي أو في مقابلة عمل أو عدم القبول في فرع جامعي أو وظيفة، سواءً أحببنا ذلك أم لا، سيبقى الفشل جزءاً أساسياً إجبارياً من الحياة التي نعيشها، ولا يمكن أن نلغيه؛ بل يمكن أن نتعلَّم منه، ونكتسب الخبرات والتجارب من أجل التعامل معه، وفي نهاية الأمر لا نستطيع أن ننكر أنَّ الفشل يجعل النجاح الذي يأتي بعده يحمل مذاقاً خاصاً، وعند بعض الأشخاص قد يكون فشل البدايات دافعاً للإحباط والتقليل من سعادة الشعور بالنجاح في النهاية.



الحياة مليئة بالصعوبات والمشكلات والعقبات، واستجابة الإنسان حيال هذه الصعوبات لها أهمية بالغة ودور كبير في أعماله وقراراته المختلفة، فقد أثبتت دراسات سابقة أنَّ توقُّع الإنسان بأنَّه سيشعر بالمتعة أو الفرح له دور كبير في طريقة تعامله مع تجارب الفشل؛ إذ يسيطر على عقل الفرد سؤال يظل يسأل به نفسه لو حقق النجاح "ما هو مدى شعوره بالسعادة؟"

هل العشب على الضفة الأخرى أكثر اخضراراً، أم أنَّ العنب غير ناضج أصلاً؟

لا شك في أنَّ المثل الذي يقول بأنَّ العشب الموجود على الضفة الثانية من النهر يبدو أجمل، هو بالتأكيد مثل واقعي وصحيح، فالإنسان - عموماً - يقضي الكثير من الوقت في تمني أمور لا يمكنه بلوغها، أو الأشياء النادرة والمميزة، وهنا على سبيل المثال، توهِم شركات التسويق الزبائن بأنَّ هذه المنتجات هي منتجات نادرة ليس لها مثيل، وعلى هذا المنوال؛ فإنَّ الأشياء التي يصعب الوصول إليها تزداد قيمتها، وتصبح حلماً بالنسبة إليه.

ويمكن إسقاط هذا الموضوع على الشاب الذي يسعى إلى الوصول إلى فتاة ترفض الجميع؛ إذ يُعزا هذا الأمر - من وجهة نظر تطورية - إلى أنَّ الإنسان في العصور القديمة كان صياداً بالدرجة الأولى من أجل تأمين غذائه، ومن ثم فهو يميل بشكل غريزي باتجاه الفريسة الصعبة؛ إذ كانت الحيوانات الذكور أيضاً تميل نحو الأنثى الصعبة والقوية؛ فينقاد إليها الذكر لاعتقاده الفطري أنَّها الأقدر على حمل أولاده والحفاظ عليهم، ومن ثم الحفاظ على استمرارية نسله، ومن هنا نستنتج أنَّ الفشل متجذر في النفس البشرية؛ وذلك لأنَّها تميل بشكل واضح وغريزي نحو الصعب، ومن ثم تزداد نسبة الفشل.

على المقلب الآخر، قد يكون الفشل محرضاً للإحباط والرضوخ ودفعنا نحو التخلي عن أهدافنا، كما يروي "إيسوب" في قصته الشهيرة "الثعلب والعنب"؛ إذ يشتهي الثعلب عنقوداً من العنب وهو متدلٍ من الدالية، ويقفز من أجل الوصول إليه، ولكنَّه يفشل في ذلك مراراً وتكراراً، حتى يصيبه الإحباط ويقتنع بأنَّ العنقود المعلق في مكان عالٍ جداً عن مستوى الأرض، فيغير طريقه ويذهب بعيداً وهو يقول لنفسه بأنَّ العنقود لم ينضج بعد، ومن وجهة النظر هذه، فقد يكون الفشل باعثاً على جعل النجاح أقل بريقاً أو أقل جاذبية.

ولكي نعرف أيَّة فرضية هي التي تعبِّر عن الواقع، أُجرِيَت دراسة على مجموعتين من الناس؛ إذ أُخبِرَت المجموعة الأولى بأخبار إيجابية وكلام مديح وتحفيز، وعلى العكس، أُخبِرَت المجموعة الثانية بمقولات سلبية حيال أدائهم، وكما هو مُتوقَّع، فإنَّ المجموعة الأولى التي تلقت الدعم الإيجابي أعرب فيها المشاركون عن تفاؤلهم بالنتيجة، أما المجموعة الثانية فقد خيم عليها الإحباط وقلة الحماسة حيال النتائج، وفي نهاية التجربة، أُعطِيَت المجموعتان درجات عالية، فوجدوا أنَّ مقدار السعادة عندهما كان متماثلاً دون فارق يُذكَر.

وانطلاقاً من قصة "إيسوب" سُمِّيَت هذه الظاهرة، بظاهرة "تأثير العنب غير الناضج"، وهو ميل لا شعوري ممنهج من أجل التقليل من قيمة الأشياء أو الأهداف التي يصعب الحصول عليها.

إقرأ أيضاً: 6 حقائق عن الفشل لابد من معرفتها

هل الإنسان حقاً يعرف ما يريد؟

أمَّا عن تفسير أنَّ الفشل يجعلنا نتوقع سعادة أقل عندما يتحقق النجاح، فهو أنَّ أغلب الأشخاص لا يعلمون بشكل دقيق ماذا يريدون، ويُكيِّفون رغباتهم وتفضيلاتهم وفق ما هو متوفر من خيارات أو احتمالات أو ظروف؛ وهذا يعني أنَّ رغبات البشر مرتبطة في كثير من الحالات بالممكن، وليس بما يرغبون فيه أو بما هو مثالي.

وهذا يتوافق مع نظرية التنافر المعرفي التي تقول بأنَّ البشر يميلون إلى الحفاظ على تناسقهم الذاتي مع أنفسهم؛ وإذا لم تتم هذه العملية، فإنَّهم يقللون قيمة الهدف الموجود لديهم، عوضاً عن التقليل من قيمة أنفسهم، وبكلمات أخرى عند فشلنا في إنجاز أمر معيَّن، فإنَّنا نلجأ إلى تبرئة أنفسنا من الذنب حيال الفشل؛ وذلك عن طريق إنكار ارتباطنا العاطفي والوجداني بالنتائج المستقبلية، من أجل تفادي هذا التنافر.

إنَّ نتائج التجربة السابقة تؤكد بأنَّ تأثير العنب غير الناضج هو طريقة من أجل حماية النفس؛ إذ إنَّ المجموعة التي رُشِقَت بالآراء السلبية، لم تكتفِ فقط بالتقليل من الشعور بالسعادة في المستقبل؛ بل كانوا مقتنعين أيضاً بأنَّ أداءهم في بداية التجربة الذي تلقَّى آراء سلبية، لم يكن له علاقة بمهاراتهم العملية أو المعرفية، ولا يعبِّر عن حقيقة قدراتهم وهويتهم الشخصية ولا يتعلق بنجاحهم في المستقبل، وعندما حصلوا على درجات عالية في التقييم النهائي، كانت ردة فعلهم هي السعادة مثل المجموعة الأخرى؛ وهذا يدل على أنَّهم كانوا يعلمون في دواخلهم بأنَّ أداءهم في التجربة كان فعالاً وهاماً.

وقد يلجأ بعض الناس بشكل لا شعوري إلى تقليل توقعاتهم حيال النتائج في المستقبل، وهو فعل دفاعي تجاه الفشل؛ بهدف التقليل من تأثيراته في حال وقوعه.

ويمكن الاستنتاج بأنَّ رغبات أو أهداف الإنسان تنحصر في الممكن والمتوافر حوله، وبما يمكنه الحصول عليه، وهم لا يعرفون ماذا يريدون وإلى أي مدى يريدون هذا الشيء أو ذاك، وتشير الأبحاث الجديدة إلى أنَّ رغباتنا الحالية لها علاقة أيضاً باحتمالية الوصول إلى هذه الأهداف، فإذا رأينا بأنَّه من غير الواقعي أو من غير الممكن إحداث تغيير إيجابي في العالم أو الحصول على العمل الذي نحلم به طوال حياتنا، فإنَّ ذلك قد يقلل من الرضى أو السعادة في حال حصول هذه الأماني المستبعدة؛ وهذا ما قد يؤدي إلى عدم التزام الإنسان بتحقيق أهدافه بشكل كامل.

على المقلب الآخر، وبوجهة نظر معاكسة، إنَّ عدم الإصرار على تحقيق الأهداف الشخصية التي من الممكن أن تكون غير قابلة للتحقيق، قد يساعد على الانتقال إلى خيارات أو أهداف تكون أكثر منطقية وواقعية وقابلية للتحقيق، ولكنَّ تغيير الناس لأهدافهم في بداية الطريق أو بشكل مبكر، قد يحرم الشخص من فائدة التجربة ولو كانت فاشلة، أو قد يحرمه من فرصة تحويل المستحيل إلى ممكن، والفشل إلى نجاح.

كيف تحول الفشل إلى نجاح؟

  1. حطِّم الحاجز الذي تمليه عليك الأخبار السلبية، فإذا ارتكبت خطأ ما، فلا تقضِ وقتك خائفاً من أن يعلم به مَن حولك، فهذا شيء لا مفر منه؛ بل حاول أن تحافظ على تركيزك.
  2. أوجد حلولاً وليس مبررات، وقدِّم تفسيرات بعيداً عن التبرير الدائري؛ إذ إنَّ ارتكاب الشخص لهفوات من الممكن أن يكون عاملاً إيجابياً في تعزيز صورته وزيادة ثقته بنفسه، ولكن بشرط تقديم تفسير حقيقي، مثل أن يقول بأنَّه فشل في الأمر لأنَّه تأخر عن الموعد النهائي، أما أن يقول بأنَّه فشل بسبب مرض أخيه أو أحد أفراد أسرته، فإنَّ ذلك يصب في خانة التبرير أو العذر.
  3. ضع خطة عمل واضحة لإصلاح المشكلة، فإنَّ أول خيار يجب أن نعمل عليه بعد استيعاب المشكلة في حال الفشل هو وضع خطة عمل؛ إذ إنَّ وجود الهفوات في عملنا أو حياتنا هو أمر عادي وطبيعي جداً، ولكن من غير الطبيعي أن نتنحى جانباً أو نهرب من المواجهة والحل أو ننتظر شخصاً آخراً يحل لنا المشكلة.
  4. امتلك برنامجاً واضحاً بالإضافة إلى برنامج الإصلاح، للوقاية من الأخطاء؛ وذلك من خلال ملاحظة أكثر الأخطاء المتوقع حصولها، من أجل محاولة منع حدوثها، وعند حدوث الخطأ فكِّر في طريقة ما تمنع تكراره في المستقبل؛ فهذا ما يزيد من ثقتك بنفسك وخبرتك وثقة الآخرين بك.
  5. انظر إلى الفشل كونه محطة تستريح فيها لبعض الوقت؛ حيث تشحن طاقتك وتراجع نفسك وتعيد ترتيب خططك وأولوياتك، وتصعد بعدها على صهوة حصانك تتابع بها مسيرتك، فمن الضروري جداً ألَّا تسمح للفشل بأن يحولك إلى شخص خجول؛ بل يجب أن تعوِّد نفسك على امتصاص صدمة الفشل وتبدأ بتعلم الدروس المستفادة، وبعدها ارجع قليلاً إلى الخلف ثم حاول من جديد، ولا تبقَ طويلاً في مرحلة الانتظار؛ لأنَّ ذلك سيزيد من توترك وقلقك وإحساسك بالفشل وسيجعلك تخسر أعصابك.
  6. أعطِ نفسك قسطاً كافياً من الراحة، فهو أمر في غاية الفائدة، فقد يُقدِّم الإنسان جهده وتعبه كله من أجل تحقيق هدفه، ولكنَّه مع الأسف قد يخفق، وفي بعض الأحيان قد نلتزم بشكل كامل بمشاريعنا، حتى إنَّنا لا نفعل أي شيء آخر في الحياة، ومن الممكن مع الوقت أن نفقد طاقتنا؛ لذا تُعَدُّ الراحة أمراً ضرورياً للاستمرار.
  7. لا تجعل الحزن واليأس تجاه مواقف حدثت وانتهت في الماضي أن يأكل حاضرك ومستقبلك، فكل الماضي ذهب مع الماضي ونحن موجودون في اللحظة الراهنة وقادرون من خلالها على تغيير المستقبل.
  8. ابتعد عن نموذج الشخص الضعيف صاحب الشخصية الهشة، والذي ما إن تعرَّض إلى الفشل حتى أحس بالانهيار أو الضعف أو الغضب أو انعدام الطاقة، ويذهب لينكفئ على نفسه ويتقوقع في غرفته أو سريره؛ لأنَّ ذلك سيجعل الموقف أصعب وأسوأ، وتستطيع أن تتخلص من هذه الحالة؛ وذلك من خلال تدريب نفسك على مواجهة المخاطر؛ فمن الممكن أن تلجأ إلى تخيل حالة الفشل، وتتقمصها وتدرِّب نفسك على مجابهتها؛ لأنك ستبادر بشكل فوري نحو إيجاد الحلول وتنفيذها، بدلاً من الشكوى والقلق والغضب وغيرها من المشاعر السلبية التي تفاقم الفشل.
إقرأ أيضاً: 7 طرق لإحداث تغيير مذهل في حياتك بشكلٍ فوري

كلمة أخيرة:

التفاؤل أساس النجاح، وهو ميزة في غاية الأهمية؛ حيث تُكسِب الإنسان القدرة على العودة إلى الطريق الصحيح بأقل وقت ممكن بعد التعرُّض إلى الفشل، وأُجرِيَت دراسة على عدد من رجال الأعمال الناجحين في مسيرتهم، ووُجِدَ أنَّ أغلبهم كانوا متفائلين بأنَّ النجاح هو حليفهم في نهاية المطاف، ولو تعرضوا للفشل، فإنَّهم سيبقون متفائلين، فالإنسان الناجح يتفاءل دوماً حتى في الصعاب؛ لأنَّه ينظر إلى الفشل على أنَّه حجر الأساس في عملية النجاح وكل فشل هو درس بالغ الأهمية والفائدة.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة