هل يجب عليك إجراء فحوصات طبية شاملة كل عام؟

يرى الأطباء والمرضى الفحص الطبي السنوي كجزء روتيني من الرعاية الطبية، ويشير مقال بحثي نُشِرَ في مجلة "أنالز أوف أنترنال ميديسن" (Annals of Internal Medicine) إلى أنَّ: "الأبحاث الهامة لم تُظهِر فائدة كبيرة للفحوص السنوية".



وقد كانت هذه النتيجة ثورة ضد تقليد الفحوص الدورية، كما ذكر البحث أنَّه: "حتى جمعية الطب الباطني العام (Society for General Internal Medicine)، نصحت الأطباء بتجنب الفحوصات الصحية العامة الروتينية للبالغين الذين لا تظهر عليهم أيُّ أعراض تتطلب ذلك".

بينما قد تبدو الفحوصات الروتينية أساسية، غير أنَّه تاريخياً، تضمنت الممارسة الطبية جميع أنواع النصائح التي بدت أساسية، ولكن لاحقاً كان لها آثار جانبية كبيرة، وأحد الأمثلة عن ذلك، هو العلاج بالهرمونات البديلة لانقطاع الطمث، والذي وُجِد لاحقاً أنَّه يزيد من مخاطر الإصابة بسرطان الثدي والجلطات الدموية وأمراض القلب والسكتة الدماغية.

وفي مقال عن الفحوصات الصحية في المملكة المتحدة، نُشِرَ في مجلة "بي أم جي كلينكال ريسيرش" (BMJ Clinical Research) في شهر شباط/ فبراير 2015، ذُكِر أنَّ: "التاريخ يُظهر مراراً وتكراراً أنَّ النوايا الحسنة والحس السليم يقتلان باسم الوقاية".

ومن الأمثلة عن ذلك، وضع الرُضَّع على بطونهم في أثناء النوم؛ إذ أدت النصيحة الطبية في الواقع إلى وفاة بعض الأطفال؛ نتيجة تقديم ما يسمى بالتوصية السليمة بأن ينام الأطفال على بطونهم، ونحن نعلم الآن أنَّ النوم ووجه الرضيع للأعلى هو أكثر أماناً، وأنَّ حملات الصحة العامة تخبر الآباء بوضعية النوم للأعلى (Face Up to Wake Up)؛ لذا يشير مقال المجلة الطبية البريطانية (BMJ) إلى أنَّه: "يجب أن نطالب دائماً بالأدلة بدلاً من الاستسلام للخداع".

قد يتساءل أحدهم: إذا كان يُطلَب منَّا فحص سياراتنا بانتظام، فلماذا لا نطبق المبدأ نفسه على أجسادنا؟ لكن على عكس السيارات، تتمتع أجسامنا بخصائص ذاتية الشفاء.

ولمعرفة ما إذا كانت الفوائد تفوق الأضرار، أجرى الباحثون الدنماركيون تحليلاً لاحقاً للبحوث المتاحة حول هذا الموضوع في عام 2019؛ إذ سألوا بعد مراجعة 17 تجربة: "ما هي فوائد ومضار الفحوصات الصحية العامة للبالغين؟"، واستنتجوا أنَّ: "الفحوصات الطبية لها تأثير ضئيل أو ليس لها تأثير في إجمالي الوفيات"، وأنَّ الفحوصات "لم تكن مرتبطة بمعدلات أقل للوفيات مهما كان المسبب، سواءً وفيات أمراض القلب والأوعية الدموية أم الوفيات من السرطان".

هذا يعني أنَّها لم تكن ذات تأثير في العيش فترة أطول أو خفض خطر الوفاة من أمراض القلب أو السكتة الدماغية أو السرطان؛ بل واتضح أنَّ الفحوصات العامة لها آثار جانبية؛ فبغضِّ النظر عن أنَّها قد لا تقلل من معدلات المرض أو معدلات الوفيات، فإنَّها تزيد من عدد التشخيصات الجديدة، ويمكن أن يكون لتلك التشخيصات عواقبها الخاصة.

وخلص الباحثون إلى أنَّه "يمكن أن تؤثر الآثار الضارة لبعض الاختبارات والعلاجات المستقبلية في الآثار المفيدة المحتملة للفحوصات والعلاجات الأخرى".

إقرأ أيضاً: 6 فحوصات طبيّة يجب عدم تجاهلها أبداً

وفي تحليل سابق أجراه الباحثون أنفسهم في عام 2012 والذي شمل 16 دراسة سابقة، وجدوا أنَّ الأضرار المحتملة للفحوصات تشمل "التشخيص أو العلاج المفرط أو التوتر، ناهيك عن التأثير في الأمراض المستقبلية والشعور بالكرب بسبب نتائج الاختبارات الإيجابية الكاذبة، والطمأنينة الزائفة بسبب نتائج الاختبار السلبية الكاذبة، واحتمال استمرار السلوكات الصحية السلبية بسبب نتائج الاختبار السلبية، فضلاً عن الآثار النفسية والاجتماعية السلبية بسبب التشخيصات الخاطئة، وصعوبات في الحصول على التأمين".

فلنأخذ مرض السكري على سبيل المثال، ألن يكون رائعاً إذا اكتشفنا حالات مرض السكري في وقت مبكر؟ لا؛ لأنَّ النتائج ليست مضمونة، لا سيَّما إذا كنت أحد الأشخاص الذين أُعطوا عقار "أفانديا" (Avandia)، العقار الأول لمرض السكري الذي سُحِب من الأسواق لاحقاً؛ لأنَّه تبيَّن أنَّه يقتل الناس عوضاً عن أن يساعدهم.

إنَّ الأحداث المأساوية الناتجة عن الأضرار الدوائية تُعَدُّ الآن أحد الأسباب الرئيسة للوفاة، وعندما يتعلق الأمر بالأمراض المزمنة مثل مرض السكري من النوع 2، فربما ينبغي علينا التركيز بدلاً من ذلك على خلق بيئات غذائية صحية، وهذا ما تفعله مؤسسة "بالانسد" (Balanced)، للمساعدة على منع وباء السكري في المقام الأول.

كم من مرة حاولتَ نصح شخص ما بالأكل الصحي والتغذية الطبيعية، ليقول لك إنَّه: "ما من داعٍ إلى ذلك؛ لأنَّ طبيبي أكد لي بأنَّ فحوصاتي جيدة"، كما لو أنَّ الحصول على نتائج طبيعية لمستوى الكوليسترول يُعَدُّ أمراً جيداً في مجتمع من الطبيعي أن يُتوفَّى الناس فيه نتيجة نوبة قلبية، التي هي السبب الأول في موت الرجال والنساء.

قد يكون أمراً رائعاً إذا ذهبت إلى طبيب الأمراض المزمنة واستطاع أن يقدم لك النصائح المناسبة للوقاية من 80% من الأمراض المزمنة، لكن بالنظر إلى سوء ممارسة الطب في يومنا الحالي، نجد أنَّ الأخطاء الطبية هي أكبر دليل على إخفاق الفحوصات الطبية الدورية؛ إذ لا فائدة للنية الحسنة والنصائح غير المثبتة، ما دامت لا تستند إلى أدلة علمية.

لقد صرَّحت مقالة في "المجلة الطبية البريطانية" (British Medical Journal): "كان تاريخ تحسين الصحة من خلال الفحوصات الصحية الروتينية واحدة من أسوأ التجارب، لكنَّ العديد من أجيال الأطباء ذوي النوايا الحسنة، يكافحون لإقناع أنفسهم بهذا الفشل".

إقرأ أيضاً: 9 أسئلة رئيسية في الصحة العامة وإجاباتها

وتحذر مقالة أخرى في العيادات الطبية في "أمريكا الشمالية" (The Medical Clinics of North America) من أنَّ اتباع نظام حمية غذائية قد يكون مشابهاً في تأثيره بتدخين التبغ نفسه، بِعَدِّه أكثر أسباب الوفاة الفعلية شيوعاً، ومع ذلك، فإنَّ مهنة الطب قليلة الخبرة بشكل كافٍ في مجال التغذية.

والأسوأ من ذلك، يبدو أنَّ التثقيف الغذائي في كلية الطب آخذ بالانخفاض؛ سواءً كنت تصدق ذلك أم لا، فهناك بالفعل ضعف في التعليم الغذائي الرسمي بين المهنيين الصحيين، وفقاً لتقارير مجلة "جورنال أوف بارينتارال أند أنترنال نيوترشن" (Journal of Parenteral and Enteral Nutrition).

هذا يعني أنَّه على الرغم من الأبحاث الكثيرة التي تشير إلى أنَّ التغذية السليمة هي العنصر الأكثر أهمية في علاج الأسباب الرئيسة للوفاة في عصرنا، فإنَّ الأطباء لا يمتلكون المعرفة الكافية لفهمها، فما بالك بوصفها للمرضى.

بالنسبة إلى العديد من الأشخاص الذين يواجهون داءً أو مرضاً، فإنَّ المصدر الأكثر ثقة للمعلومات هو طبيبهم، ولكنَّ تعليمهم محدود للغاية، ووفقاً لمقال في مجلة "ماتوريتاس" (Maturitas)، التي اقتبست من مجلة "يوربيان مينابوز جورنال" (European Menopause Journal): "لا ينبغي عَدُّ مواعيد الفحص الدوري شكلاً من أشكال التعليم الصحي؛ إذ يعلم الأشخاص الذين يعانون من السمنة أنَّهم يعانون من هذا المرض، وإذا لم تكن لدينا وسيلة لمساعدتهم، فعلينا ألَّا نقول شيئاً".

فإذا لم يكن لديك ما تقوله لتساعدهم، فربما يجب ألَّا تقول أيَّ شيء، وخاصة الأطباء الذين لم يتعلموا كيف يكون النظام الغذائي الصحي، على الرغم من أنَّ الجميع يجب أن يعلم أنَّ الخضار والفواكه والمكسرات هي خطوة رائعة للبدء.

هل يُسمَح للطبيب في أثناء الفحص بإجراء فحصٍ جسدي شامل واختبار دم روتيني؟ المسألة فيها نظر، وكذلك نتائج هذا الاختبار؛ إذ قد يرغب المرضى في هذا الاختبار، لكنَّه غالباً ليس ذا فائدة.

ولسوء الحظ، من المرجح أن تشير العديد من الاختبارات إلى إيجابيات خاطئة، وتضع المريض في مسار العلاج غير الضروري واختبارات إضافية، وبالنسبة إلى معظم الناس، فإنَّ ما يحتاجون إليه حقاً من زيارة الطبيب، هو علاج نمط حياتهم.

هذا مجال مثيرٌ نامٍ في الطب يهدف إلى علاج أسباب المرض، فإذا كنتَ تبحث عن طبيب، فتأكد من أنَّه عضو في كليَّةٍ معروفة؛ بل والأفضل من ذلك أن يكون معتمداً من الوزارات ذات الاختصاص.

ومن أجل مصلحتك الخاصة، استمر في معرفة المزيد حول سبب كون الوقاية أهم من العلاج؛ إذ لسوء الحظ، يبالغ الأطباء والمرضى على حد سواء في تقدير فوائد الأدوية والإجراءات؛ وذلك بسبب الفهم المحدود حول الفائدة الفعلية للنظام الغذائي مقابل العلاجات بالأدوية، والحقيقة هي أنَّ الأطباء لا يملكون أهم أداة للعلاج.

المصدر




مقالات مرتبطة