هل من الأفضل لنا حقاً تناول الطعام العضوي؟

يعتقد البعض أنَّ الأطعمة العضوية تعني فوائد صحية ونكهة وأمان أكبر للبشر والحيوانات والبيئة بالمقارنة مع نظيراتها من الأطعمة غير العضوية، والتي تُنتج من خلال الاستعانة بالأسمدة الكيمياويَّة والمضادات الحيوية وهرمونات النُّمو. ولكن، هل تُعدُّ الأطعمة العضوية صحيَّةً أكثر؟

وقد أظهر مسحٌ أجرته رابطة تجارة الأغذية العضوية في الولايات المتحدة، بأنَّ المستهلكين الأميركيين باتوا يملؤون سلال البقالة خاصتهم بالأطعمة العضوية أكثر من أي وقت مضى. فقد سجّلت مبيعات الأغذية العضوية في الولايات المتحدة في عام 2018، رقماً قياسياً جديداً بلغ (52.5) مليار دولار، بزيادة قدرها (%6.3) عن العام السابق.



قبل أن نُجيب على هذا السؤال، علينا أن نعلم المعلومات الآتية:

ما هو الغذاء العضوي؟

إنَّ الأغذية العضوية ليست مجرد فلسفة؛ وإنَّما هي عبارةٌ عن محاصيل نمت ولحومٌ أُنتِجَت بطرقٍ تتوافقُ ومعاييرَ الزِّراعةِ العضوية. وفي حين قد تختلف تلك المعايير من بلدٍ إلى آخر، إلا أنَّ معظمها يهدف إلى حماية الموارد الطبيعية وتعزيز التَّوازن البيئي والحفاظ على التَّنوع البيولوجي.

يتم تنظيم الأغذية العضوية بصرامةٍ في الولايات المتحدة من قِبَل الحكومة الأمريكية، مدعومةً بالمعايير الفيدرالية. حيث تخضع عملية وضع ملصقات معلومات السِّلع الغذائية إلى رقابةٍ صارمة وتحكُّمٍ شديد. فقبل أن تتم المصادقة على الطَّعام وتمييزه بملصق يحمِلُ صفة "منتجٍ عضوي"، يجب التَّحقق من ذلك والتَّصديق عليه بواسطة وكيل معتمد لدى وزارة الزِّراعة في الولايات المتحدة الأمريكية (USDA).

يقوم ذلك الوكيل بالتَّدقيق في كُلِّ خطوة من خطوات الإنتاج؛ بدءاً من مرحلة زراعة وتنمية المنتج، مروراً بمرحلة المعالجة، وصولاً إلى مرحلة التَّعبئة والتَّغليف ووضع العلامات (labeling). يتعيَّن على المزارعين ومنتجي الأغذية الإبقاء على سجلات مفصلة كي يتم تدقيقها في كل مرحلة، من أجل ضمان الالتزام بتطبيق معايير الأغذية العضوية.

بمجرد التَّحقق من المنتج، لا يتم وضع علامةٍ غذائية موحدة تحمل كلمة "عضوي" على جميع الأغذية العضوية؛ لأنَّه يوجد أربع فئات مميزة للمنتجات العضوية. إذ تشير كل فئةٍ إلى أشياء مختلفة، ولكنَّها تشترك في الغرض المشترك المُتمثِّلِ في مساعدة المستهلكين على اتِّخاذ قراراتٍ مستنيرة قُبيلَ ابتياعهم الأطعمة المناسبة. هذه الفئات هي:

1. الأطعمة العضوية بنسبة مئة بالمئة:

يعني هذا أنَّ الطَّعام قد أُنتِج وعُولِج باستخدام أساليب ومكونات عضوية بنسبة 100%. وبهذا لا يمكن أن تحتوي تلك الأطعمة على أيَّةِ مكونات من القائمة الوطنية للمواد المحظورة ومن ضمنها الكائنات المعدلة وراثياً (GMOs). تُمهرُ هذه المنتجات بالختم الخاص بوزارة الزراعة والذي يُظهر كلمة "عضوي"، أو يلصقُ ختمٌ ممهورٌ عليه عبارة "عضوي مئة بالمئة"، كما يجب أن تتضمن تلك العلامة اسم الوكيل الذي صادق على ذلك المنتج.

2. الأطعمة العضوية:

تندرج غالبية الأطعمة العضوية التي تتواجد في المتاجر تحت هذه الفئة. يعني الطعام الممهور بكلمة "عضوي" أنَّه قد أُنتج بالاستعانة بأساليبَ عضوية فقط، ويحتوي على مكونات عضوية لا تقل نسبتها عن 95 بالمئة. ولا يمكن أن تحتوي النِّسبة المتبقية من المكونات على كائنات معدلة وراثياً، ويجب أن تكون تلك المكونات مدرجةً في القائمة الوطنية للمكونات غير العضوية المصرح استخدامها مع الطعام العضوي. قد تحمل هذه المنتجات أيضاً ختم وزارة الزراعة الأمريكية، أو عبارة "طعام عضوي" فقط.

3. الأطعمة المصنَّعة من مكوّنات عضوية:

تشير هذه الفئة إلى أنَّ هذا المنتج المتعدد المكونات يُصْنَع بنسبة 70% على الأقل من مكونات عضوية معتمدة. ولا يُسمح باستخدام الختم العضوي التَّابع لوزارة الزراعة، ولا الختم الممهور عليه عبارة "طعامٌ عضوي". ولا يُسمح بوصف المنتج النهائي بأنه طعامٌ عضوي؛ وإنَّما وحدها ما نسبته 70 بالمئة من المكونات يمكن أن يُشار إليها بصفة "مكونات عضوية".

ليس من الضَّروري أن يكون ما تبقى من مكونات قد أُنتِج بطريقة عضوية، ولكن يجب أن تكون قد أُنتِجت من دون الاستعانة بأساليبَ غير مسموحة، مثل الهندسة الوراثية. ويجب أن تكون جميع المنتجات غير الزراعية مدرجةً في القائمة الوطنية للمكونات المصرح استخدامها مع الطعام العضوي.

فعلى سبيل المثال: قد تحتوي الأطعمة المصنعة على بعض المكونات المعتمدة وغير الزِّراعية؛ مثل بيكربونات الصُّودا الذي نجده في الخبز والمعجنات.

4. الأطعمة المصنوعة من مكوّنات عضوية مُحدّدة:

تندرج هذه الأطعمة تحت فئة المنتجات مُتعدّدة المكونات التي تحتوي على أقل من 70 في المئة من المكونات العضوية المصادق عليها من قبل وكلاء وزارة الزراعة الأمريكية. ولا يُسمح أن تحمل هذه الأطعمة الختم الممهور بكلمة "عضوي" التابع لوزارة الزراعة، أو أن تعرض كلمة منتج عضوي بشكل بارز على الملصق. كما يمكن ذكر المكونات العضوية والنِّسبة المئوية للمكونات العضوية المصدَّق عليها.

إقرأ أيضاً: 4 أنواع من الأغذية الصحية وفوائدها للجسم

فوائد الأطعمة العضوية بالمقارنة مع الأطعمة غير العضوية:

نصل الآن إلى سؤالنا الرئيس: هل الأغذية العضوية صحيةً أكثر؟

باختصار، تختلف نتائج الدِّراسات البحثية في هذا الصدد. إذ خلُصَت مراجعة منهجية واحدة إلى أنَّ الأبحاث المنشورة في هذا الشأن تفتقر إلى أدلة قوية على أنَّ الأطعمة العضوية مغذية أكثر من الأطعمة العادية. كما وجدت مراجعة أخرى لعدة دراسات أنَّ الأطعمة العضوية قد تحتوي على مزيد من العناصر الغذائية وتوفر المزيد من الفوائد الصِّحية، نذكر منها:

1. تحتوي على فيتامينات أكثر ومبيدات حشرية أقل:

تختلف نِسَبُ المواد المغذية في المحاصيل من سنة إلى أخرى؛ حتَّى العضوية منها. ومع ذلك تُظهِرُ بعض الدِّراسات أنَّ الأغذية العضوية توفر مستويات أكبر بكثير من العناصر الغذائية المفيدة للصحة؛ مثل فيتامين C والمغنيسيوم والفوسفور والحديد، بالمقارنة مع الأنواع التقليدية لنفس المنتجات الغذائية. كما تُشيرُ نفس الدراسات إلى أنَّها تحتوي على نسبٍ أقل بكثير من مخلَّفاتِ المبيداتِ الحشرية. ومن الواجب ذكرُ أنَّ المجلس الوطني للمعايير العضوية يسمَحُ باستخدام بعض المواد الاصطناعية في إنتاج الأغذية العضوية.

2. لا تحتوي على مضادات حيوية أو هرمونات مصنَّعة:

بموجب القانون، لا يجب أن تحتوي اللحوم العضوية على هرمونات مصنَّعة. لكن يُسمَحُ بحقن الحيوانات التي يتم تربيتها بالطُّرق غير العضوية بهرمونات النُّمو الاصطناعيَّة (باستثناء الدواجن). إذ يؤدي ذلك إلى زيادة إنتاج الحليب أو زيادة وزن الحيوانات بشكل أسرع.

يمكن حينئذٍ أن تدخل كميات ضئيلة من هذه المواد إلى جسم المستهلك، مما يسبب مقاومة الجسم للمضادات الحيوية. كما ارتبطت الهرمونات الصناعية في الأغذية -مثل لحوم البقر- بزيادة خطر الإصابة بالسَّرطان.

3. تحتوي على نسبٍ أكثرَ من الدُّهون الصِّحية ومضادات الأكسدة:

يحتوي الحليب ومنتجات الألبان العضوية على مستويات أعلى من الأحماض الدهنية (أوميغا-3). كما وجدت مراجعة لعدة دراسات أنَّ اللحوم العضوية تحتوي على أحماض دهنية أعلى ودهون مشبعة أقل بالمقارنة مع اللحوم التقليدية. يعود استهلاك الأحماض الدهنية (أوميغا 3) على الجسم البشري بالعديد من الفوائد الصِّحية، بما في ذلك انخفاض خطر الإصابة بالسَّرطان وأمراض القلب.

تنتج النباتات العضوية مركباتها الواقية الخاصة بها -مضادات الأكسدة- لحماية نفسها من الحشرات والأمراض. وجدت دراسة نشرت في إحدى الدَّوريات العلميَّة أنَّ التُّوت والذُّرة العضويان يحتويان على مضادات أكسدة أكثر بنسبة 58٪ وفيتامين (C) أكثر بنسبة 52% من تلك التي تمتلكها الذرة والتُّوت المُنتجان بالطرق التقليدية.

وفي دراسة أخرى نُشرت في نفس المجلة، وجد الباحثون أنَّ البصل العضوي يحتوي على مضادات أكسدة بنسبة 20 بالمئة أكثر من البصل المُنتج بطريقة تقليدية.

إقرأ أيضاً: نصائح لتحقيق نظام غذائي صحي ومتكامل

ما هي سلبيات تناول الأطعمة العضوية؟

أحد أكبر المخاوف التي تقضُّ مضاجع النَّاس عندما يتعلق الأمر بتناول الأغذية العضوية هي "التَّكلفة". فعلى سبيل المثال: أظهرت شركة القياسات وتحليلات البيانات العالمية "نيلسن" في عام 2018 أنَّ متوسط سعر اللتر الواحد لحليب البقر العضوي يفوق بنسبة 84 في المئة سعر حليب البقر التَّقليدي (سعر الحليب العضوي يبلغ 4.76 دولار للتر الواحد مقابل 2.59 دولار للتر الحليب العادي).

ومع ذلك، ضع في اعتبارك أنَّ نوع الأغذية العضوية التي تشتريها (مثل الحليب والخضروات) والمكان الذي تتسوق منه يمكن أن يُحدِث فرقاً. وضع في اعتبارك أيضاً أنَّه لمجرد وضع لصاقةٍ تثبت أنَّ أحد المنتجات هو منتج عضوي، قد لا يعني بالضرورة أنَّه سيكون صحياً أكثر.

خذ زبدة الفول السوداني والشوكولا كمثالٍ على ذلك؛ فرغم وجود فوائد صحية لتناول زبدة الفول السوداني العادية أو الشوكولاته الداكنة، فإنَّ الحلوى المصنوعة منهما تكون مشبعةً بالسكر، سواءً أَكان كلاً من الزبدة أم الشوكولا عضويان أم لا. ويرفع الإكثار من السُّكر من خطر الإصابة بالسُّمنة ومرض السُّكري وأمراض القلب.

تُشيرُ الأبحاث إلى أنَّ النَّاس لديهم تحيُّزٌ معرفي تجاه الأطعمة التي تحمل لصاقة "منتج عضوي"، ويميلون إلى التَّقليل من شأن أثر السُّعرات الحرارية، ويعتقدون أنَّهم سيصبحون أصحاء أكثر مما هم عليه بالفعل إذا ما تناولوا المنتجات العضوية.

لكن حتى الأغذية العضوية -وخاصة الأطعمة المعبأة منها- يمكن أن تحتوي على نسبةٍ عالية من السُّعرات الحرارية -مثل الدهون والزيوت المشبعة والسُّكر وغيرها من المكونات غير الصِّحية- وقد تكون منزوعةً من الفيتامينات والمعادن والألياف والمركَّبات الكيميائية المفيدة للصِّحة، والتي ينتجها النبات.

الخلاصة:

على الرَّغم من خلوص بعض الأبحاث إلى أنَّ الأغذية العضوية تعود بفوائد صحية أكثر، إلا أنَّ دراساتٍ أخرى قد خَلُصَت إلى أنَّه لا يوجد دليل مؤكد يثبتُ أنَّ الأغذية العضوية تفيد الصِّحة أكثر من الأطعمة التَّقليدية. لذا توجد حاجة إلى القيام بالمزيد من الدِّراسات والأبحاث المُعَمَّقة.

وبغض النَّظر عن هذه الأبحاث ونتائجها، يميلُ البعض إلى تناول الأطعمة العضوية ويفضلونها عن الأطعمة العادية لأنَّهم يجدونها أفضل مذاقاً. بينما يعتقد آخرون أنَّ الأطعمة الخالية من المبيدات الحشرية والأسمدة والهرمونات والمضادات الحيوية هي أفضل للصِّحة العامة، حتى لو لم يثبت ذلك قطعياً لغاية الآن.

ويبقى خيارُ شراء الأطعمة العضوية من عدمه، خياراً يتعلق بتفضيلاتك الشَّخصية لما تعتقدُ بأنَّه الأفضل بالنِّسبة إليك.

المصدر.




مقالات مرتبطة