هل تؤثر الأخبار فينا سلباً؟

هل تضرنا مشاهدة الأخبار؟ للإجابة عن هذا السؤال الغريب قليلاً، علينا العودة إلى تاريخ البشرية؛ فقد تطورت البشرية في "السافانا في قارة أفريقيا" (Savanna, Africa) على مدى الخمس ملايين سنة الماضية، وبالنسبة إلى الجزء الأكبر من تطورنا وتاريخنا، فقد كنا محاطين بخطر شديد ومباشر.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "ماركو هاتشي" (Marko Haschej)، ويُحدِّثنا فيه عن الأثر السلبي للأخبار فينا.

وللتعامل مع ذلك، لقد طورت أدمغتنا مستشعراً طبيعياً يسمى اللوزة الدماغية، الذي يقوم بفحص كل ما نراه ونسمعه بحثاً عن علامات الخطر، وعندما يحدث موقف خطير، فإنَّه يضعنا في حالة تأهب قصوى.

تسمح لنا اللوزة الدماغية بملاحظة الأخبار السلبية أسرع بعشر مرات من أيِّ أخبار إيجابية، فنحن نولي المزيد من الاهتمام لكل شيء سلبي أكثر من الإيجابي، وعلى مدار الوقت، لقد خدمتنا ميزة الدماغ الرائعة هذه بشكل جيد وفي العديد من المواقف، فقد كانت ضرورية للغاية للبقاء على قيد الحياة، وما تزال اللوزة الدماغية مفيدة جداً في حالات الخطر، لكن في نفس الوقت، يمكن أن يسيء استخدامها أولئك الذين يعرفون كيفية القيام بذلك؛ على سبيل المثال الشركات الإعلامية.

يوجد سوء فهم رئيس واحد متعلق بشركات الإعلام، وهو أنَّ هدفهم الرئيس ليس إعلامنا بالأخبار؛ بل كسب المال؛ ولهذا السبب البسيط، تقوم كل شركة إعلامية بنشر الأخبار السلبية بشكل أساسي؛ إذ إنَّها مسألة تسويق بحتة، وجذب انتباهنا يؤدي إلى معدلات مشاهدة أعلى مما يؤدي إلى زيادة الإيرادات.

لقد كنت حريصاً شخصياً على الحد من استهلاكي لوسائل الإعلام لعدة سنوات، لكن مع انتشار جائحة فيروس كورونا (Coronavirus)، ومع الأخبار التي تتحدث عن هذا الفيروس القاتل، والتوقعات المستقبلية المدمرة الجديدة، والإحصاءات المخيفة، ونهاية العالم الواضحة، لم أتمكن من التوقف عن متابعتها.

وتعطي وسائل الإعلام شعوراً شديداً بعدم اليقين، وفي نفس الوقت، تَعِدُنا بتقديم الإجابات والمعلومات والفرصة للوصول إلى اليقين من خلال مشاهدة المزيد من الأخبار، وبطريقة ما لم أتمكن من التوقف عن متابعة هذه الأخبار البائسة هذه المرة.

شاهد: 6 طرق لمعرفة الأخبار الكاذبة

تؤثر وسائل الإعلام في عقولنا وصحتنا:

مشاهدة الأخبار لها تأثير كبير في سلامتنا، ومن الواضح أنَّ عقليتنا تتأثر بما نقرأه ونشاهده ونسمعه، وإذا كنت محاطاً بالأخبار السلبية باستمرار، فستتأثر أفكارك ومحادثاتك ومشاعرك بها؛ إذ وجدت دراسة أجرتها "جمعية علم النفس الأمريكية" (American Psychological Association)، أنَّ أكثر من 50% من الأمريكيين يشعرون بأنَّ استهلاك الأخبار يسبب لهم التوتر؛ وهذا يؤدي إلى الحرمان من النوم وزيادة القلق.

ترتبط هذه الحالات العاطفية بزيادة مستويات الكورتيزول، والمعروف باسم هرمون التوتر، والذي غالباً ما يسبب الالتهابات ويضعف جهاز المناعة في الجسم، وقد يكون تقليل استهلاك الأخبار لا يقل أهمية عن ضرورة أخذ جرعتك اليومية من "فيتامين سي" (Vitamin C).

نظراً لأنَّني لم أتمكن من الابتعاد تماماً عن وسائل الإعلام خلال وضع كورونا الحالي، فقد لاحظت هذه التطورات في داخلي، لقد استغرقت بعض الوقت لقبول هذه الظروف الجديدة، ورؤية الجانب الإيجابي فيها، والابتعاد عن مصدر البؤس الذي يمتص طاقتنا ويُربك عقولنا والذي يتمثل بالأخبار، وبعد أن تعمَّدتُ تجنُّب الأخبار، تحسنت حالتي المزاجية وحالتي الذهنية بالإضافة إلى سلامتي الجسدية، وأنا أنصحك بتجربة هذا الأمر أيضاً.

إقرأ أيضاً: كيف تتحقق من صحة المحتوى والأخبار على شبكات التواصل الاجتماعي؟

في الختام:

قد تسأل نفسك، كيف سأعرف ما الذي يحدث في عالمنا الآن؟ والجواب هو: أنَّ الكثير يحدث، ووسائل الإعلام لم ولن تبث أبداً معلومات موضوعية عما يحدث، وإذا كان لديك شيء هام بالنسبة إليك يجب أن تعرفه، فستصل إليك المعلومات عنه دائماً بطريقة أو بأخرى؛ لذا قم بتجربة التوقف عن مشاهدة الأخبار لمدة أسبوع ولاحظ كيف ستشعر بعدها، أكثر سعادة أم أكثر قلقاً؟ أكثر اطلاعاً أم أقل اطلاعاً؟

لقد شعرت بسعادة أكبر ولم اكن بالضرورة أقل اطلاعاً عما يدور من حولي. لقد استعدت تركيزي، ورغبتي في الاستيقاظ في الصباح، واستعدت طاقتي للقيام بالأمور التي تثيرني، وشعرت بمزيد من التفاؤل، على الرغم من أنَّ العالم لم يتغير أبداً، فالأخبار تجعلنا نعاني، لكن فقط إذا سمحنا لها بذلك.

المصدر




مقالات مرتبطة