هل المال يشتري السعادة؟

أحد الأسئلة الهامة التي طُرِحت عندما يتعلق الأمر بالسعادة، ولا سيما في إطار العمل، هو ما إذا كان بمقدور المال أن يجعلك أكثر سعادة، إذا واصلت الانتقال من وظيفة إلى أخرى سعياً إلى الحصول على راتب أعلى هل تظن أنَّك ستكون أكثر سعادة؟ هل رفع أجور أفراد فريقك يجعلهم أكثر سعادة؟



هذا هو نوع الأسئلة التي يتعين على الجميع أفراداً ومؤسساتٍ الإجابة عنها، وتوجد عدة دراسات تبحث في تأثير المال في السعادة؛ لذا من السهل العثور على بعض الإجابات عن أسئلتك.

هل المال يجعلك أكثر سعادة؟

الإجابة المختصرة هي نعم، لكن ثمة مزيد من المعلومات عن هذا الأمر؛ لذلك لنتعمق أكثر في الأسئلة الشائكة المتعلقة بالمال والسعادة.

هل كسب راتب عالٍ يجعلك أكثر سعادة؟

إنَّ لراتبك تأثيراً كبيراً في نوعية حياتك بكلِّ تأكيد؛ إذ يؤثِّر في كلِّ شيء بدءاً من نوع الطعام الذي تتناوله إلى المكان الذي تعيش فيه، والسيارة التي تقودها، لكن هذه التحسينات ستجعلك أكثر سعادة إلى حدٍّ معينٍ فقط.

يشير خبير الرفاهية جيثين نادين (Gethin Nadin) إلى أنَّ "المال يساهم في السعادة عندما يساعدنا على تلبية الاحتياجات الأساسية، لكن تُظهر الأبحاث أنَّ زيادته عن حدٍّ معين لن تحقق لك مزيداً من السعادة في الواقع".

البحث الذي يشير إليه هنا هو دراسة أُجريت في جامعة برينستون الأمريكية (Princeton University)؛ إذ تشير البيانات إلى أنَّ مستوى السعادة ازداد بازدياد الراتب حتى بلغ راتب المشاركون 75000 دولار سنوياً، لكنَّ الارتباط بين الراتب والسعادة تراجعَ بعد هذا الحد.

"يساهم المال في السعادة عندما يساعدنا على تلبية احتياجاتنا الأساسية، لكن يُفيد البحث بأنَّ توفِّر مزيداً من المال فوق حدٍّ معين، ولا يضمن في واقع الحال مزيداً من السعادة".

جيثين نادين، الكاتب في مجال الموارد البشرية ذائع الصيت، والحائز على لقب أقوى مؤثِّر في تجربة الموظف العالمي (Top Global Employee Experience) لعامي 2019 و2020.

لم يجعل كسب مزيد من المال المشاركين أكثر سعادةً فحسب؛ بل جنَّبهم أيضاً الأمور التي قد تسبب لهم التعاسة، فعلى سبيل المثال: كان المشاركون ذوي الأجر المنخفض الذين يمرون بفترة طلاق أكثر تعاسةً من أولئك ذوي الأجر الأعلى.

لكن تجدر الإشارة إلى أنَّ مبلغ المال الذي يعتقد الناس أنَّهم بحاجة إلى كسبه ليكونوا سعداء يختلف تماماً عمَّا تظهره دراسة برينستون، فقد أنجزت سونيا ليوبوميرسكي (Sonja Lyubomirsky)، وهي باحثة هامة في مجال السعادة بجامعة كاليفورنيا (University of California) دراسةً عن هذه الفكرة بالضبط؛ إذ وجدت أنَّ الأشخاص الذين يكسبون 30 ألف دولار يظنون أنَّهم بحاجة إلى زيادة راتبهم السنوي إلى 50 ألف دولار ليكونوا سعداء.

لكنَّ أولئك الذين يكسبون 100 ألف دولار في السنة أشاروا إلى أنَّ مبلغ 250 ألف دولار بوصفه راتباً سنوياً تقديرياً كفيل بجعلهم سعداء؛ وخلاصة القول: إنَّ الناس يظنُّون دائماً بأنَّهم بحاجة إلى المزيد من المال ليكونوا سعداء.

هل كونك مليونيراً يجعلك أكثر سعادة؟

تنظر الدراسات التي نوقشت أعلاه إلى الدخل الذي يقع ضمن حدود أصحاب الدخل المتوسط فقط، لكن يرغب معظم الناس في تجاوز هذا، وكسب الملايين، وعيش حياتهم بترفٍ مثل: لاعبي كرة القدم، ولا يمكنك إلقاء اللوم عليهم، لكن لا بدَّ من أن تتساءل إن كان هذا سيجعلهم أكثر سعادة، وثمة عدة دراسات أخرى تعمقت في البحث عن إجابات لهذه الأسئلة.

إذ بحثت دراسة في مستوى السعادة التي يعيشها أصحاب الملايين لمعرفة ما إذا كانوا حقاً سعداء، فتناولت هذه الدراسة 4000 مليونيراً في الولايات المتحدة، ودرست درجة رضاهم عن نمط حياتهم؛ فوجدت الدراسة أنَّ حالهم، مثل حال باقي البشر، وأنَّ ثمة صلةً بين المال والسعادة، وأنَّ سعادة أصحاب الملايين لا تختلف كثيراً حتى يصل الأمر إلى أولئك الذين تزيد قيمة ثروتهم عن 10 ملايين دولار، وإن في إطار هذا، فإنَّ أصحاب الملايين فاحشي الثراء هؤلاء، ليسوا أكثر سعادة من أصحاب الملايين العاديين، والاختلاف طفيف جداً.

هكذا يبدو أنَّ حتى أصحاب الملايين ليسوا أكثر سعادةً، من أولئك الذين يعملون مقابل مبالغ مالية ثابتة، لكن ماذا لو نظرنا إلى الطريقة التي أصبح بها هؤلاء الناس أغنياء؟

شاهد بالفيديو: 8 طرق مثبتة علمياً لنيل السعادة

هل وراثةُ ثروة يجعلك أكثر سعادة؟

ربما نكون قد تلقينا جميعاً بريداً إلكترونياً من شخص يدَّعي أنَّه أمير نيجيري، ويخبرنا بأنَّنا ورثنا ثروةً ما، وقبل نقل الرسالة إلى مجلد الرسائل الإلكترونية المزعجة (السبام)، كثيراً ما يكون مغرياً تخيُّلُ ما ستفعله بثروتك المكتشفة حديثاً، لكن لسوء الحظ، يبدو أنَّ أولئك الذين يرثون الثروات ليسوا أكثر سعادةً في الواقع.

وجدت الدراسة نفسها أنَّ أولئك الذين ورثوا ثروتهم كانوا أقلَّ سعادةً من أولئك الذين كسبوا صفة المليونير بعرق جبينهم. 

هل الفوز بالمسابقات يجعلك أكثر سعادة؟

تتمثل الطريقة الأخرى لتحقيق حلم الثراء السريع بالفوز بالمسابقات، ولحسن الحظ، كانت ثمة عدة دراسات عن الفائزين بالمسابقات، ومن ذلك مجموعة من الدراسات المتعلقة بما إذا كانوا أشخاصاً سعداء أم لا، فهل يجعلنا الفوز بالمسابقات سعداء كما نظنُّ؟

أظهرت دراسة أُخرى أنَّ أولئك الذين ربحوا مبلغ 200 ألف دولار، عانوا ضغوطات أكبر في العام الذي فازوا فيه بالجائزة، ولكنَّهم كانوا أكثر سعادةً بعد عامين من أولئك الذين لم يربحوا أيَّ نقودٍ على الإطلاق.

باستعراض الدراسات تبين أنَّ المكاسب متوسطة القيمة قد تزيد من السعادة، لكن ليس لها وقعاً كبيراً، ولم يُظهر أولئك الذين فازوا بجوائز أعلى قيمةً أي زيادة في مستوى سعادتهم، وكما هو الحال مع مثال المليونير، فالأمر لا يتعلق بحجم المال الذي لديك فقط؛ بل بالطريقة التي جنيته بها.

هل إنفاق المال سيجعلك أكثر سعادة؟

هل تؤثِّر طريقة إنفاقك للمال بمجرد حصولك عليه في مدى سعادتك؟ والإجابة هنا أيضاً هي باختصارٍ نعم، لكنَّ الأمر أكثر تعقيداً من ذلك كما هي العادة، ويتوقف حقاً على ما تنفقه عليه.

أظهرت دراسة أجراها بروفيسور علم النفس توماس جيلوفيتش (Thomas Gilovich) أنَّ صرف الأموال على اكتساب الخبرات هي أفضل طريقةٍ لإنفاقه في سبيل سعادتك، كما أنَّ إنفاقه على الآخرين هو طريقة أخرى تضمن لك السعادة.

أنجزت الاختصاصية النفسية والاجتماعية إليزابيث دن (Elizabeth Dunn) دراساتٍ عما سمَّته "الإنفاق الاجتماعي الإيجابي"؛ إذ أظهرت أنَّ إنفاق أقل من 5 دولارات على الآخرين، قد يجلب سعادةً أكثر من صرف المبلغ نفسه على نفسك.

قد تكون إحدى أفضل الطرائق لجلب السعادة، هي إنفاق المال في الوقت المناسب، فعلى سبيل المثال: دفع المال للآخرين لإنجاز أعمال منزلية لا تحب القيام بها، أو إنفاقه على أدواتٍ تسهِّل عليكَ حياتكَ، مثل غسالة الصحون، أو حتى تخفض من ساعات عملك، بكونك تستطيع تحمل كلفة ذلك؛ كلُّها أمورٌ يمكن أن تجلب لك السعادة، وخاصةً عندما يُعاد استثمار هذه الأموال في أشياء تجلب لك البهجة، مثل الهوايات، أو قضاء الوقت مع أحبَّائك، أو الأفلام، أو الموسيقى.

 موازنةً بطرائق إنفاق الأموال الموضحة أعلاه؛ فإنَّ شراء الأشياء هو في الواقع الطريقة الأقل فاعلية لاستثمار الأموال في سعادتك، ومع ذلك توجد طرائق للتأكُّد من أنَّ المواد المشتراة تجلب لك السعادة، ويمكنك الإنفاق على عديد من المتع السهلة، وقضاء بعض الوقت في التفكير بما ترغب في شراءه بالضبط والفائدة التي يضيفها ذلك الشيء لحياتك اليومية حتى بعد شرائه.

إقرأ أيضاً: فك أحجية المال والسعادة من خلال الحقيقة

هل دفع رواتب أكثر لفريقك سيجعلهم أكثر سعادة؟

تماماً كما ذُكر أعلاه لا توجد إجابة عن هذا السؤال، فلا يوجد دليل حقيقي على أنَّ رفع الرواتب سيجعل الناس أكثر سعادة بصورة تلقائية، ومع ذلك من الواضح أنَّ إنصاف الموظفين بالأجر هو التصرف الصائب الذي ينبغي القيام به.

أمَّا من الناحية الأخلاقية، فمن المنطقي أن تدفع لموظفيكَ ما يستحقونه، وذلك يضمن شعورهم بأنَّهم موضع تقدير، ممَّا سيؤثِّر في أدائهم بالتأكيد، والأمر منطقي تماماً من الناحية التجارية كذلك.

أظهرت إحدى الدراسات الحديثة أنَّ القلق بشأن المال يسبب ضغوطات أكثر من الهموم المرافقة للعلاقات أو العمل نفسه، وخلُصت إلى أنَّ الموظف يخسر حوالي 1.5 يوم عمل في السنة بمعدلٍ وسطي بسبب الضغوطات المالية، وإذا ما فكرت بعواقبه على أفراد فريقك بالكامل، فإنَّ الأمر يتفاقم.

أمَّا من منظور قطاع الأعمال، فمن المنطقي تماماً محاولة تخفيف الضغط المالي الذي يتعرض له فريقك، ومساعدتهم على تحقيق الرفاهية المالية، فهذا سيعود بأثره في مشاركة الموظف وسعادته.

إقرأ أيضاً: أهمية الزيادات السنوية على الرواتب في استقطاب والاحتفاظ بالعاملين

في الختام:

"يخسر الموظفون 1.5 يوماً في السنة بمعدل وسطي بسبب الضغط المرافق للأمور المالية، وهذا له تأثير في الربح الإجمالي". جيثين نادين

يؤكِّد جيثين نادين أنَّ أرباب العمل قادرون على إحداث تأثير مباشر في الرفاهية المالية والعقلية لموظفيهم بحكم موقعهم المتميز، وهذا أمرٌ يجب أن تأخذه المؤسسات على محمل الجد، فالتغيبُ عن العمل له تأثير مباشر في أرباحك الإجمالية في نهاية المطاف.

المصدر




مقالات مرتبطة