هل أنت مستعد للحب الحقيقي؟

نحن نعيش في مجتمع أسهل كلمة تقال بين أفراده هي كلمة "أحبك"، وأكثر جملة مستهلكة هي "لقد اشتقت إليك"، وأكثر التعابير انتشاراً هي "أنت كل حياتي"، و"أنت روحي وعمري"، والسؤال هنا: طالما أنَّ الحب منتشر بهذه الوفرة، فلماذا إذاً نشاهد الكثير من حالات الطلاق والخيانات؟ والجواب على هذا السؤال بسيط جداً، وهو أنَّ ما نشاهده عبارة عن مظاهر حب مزيفة لا تمت بِصِلة إلى الحب الحقيقي، قد تكون شبيهة بالتعلق والاحتياج والرغبة والشهوة، ولكن بالتأكيد ليست حباً حقيقياً.



نحن نندفع بجنون نحو الحب، ونُسعد كثيراً في بداية العلاقة العاطفية، ولكن سرعان ما نبدأ بالذهول والاضطراب، إذ نكتشف أنَّنا غير قادرين على التعامل مع الجنس الآخر، فهو يفكر بطريقة مختلفة تماماً عن طرائقنا، ويغضب من جراء تفاصيل عفوية نفعلها، وقد تصل بنا الحال إلى أن نشعر أنَّنا من كوكب، والآخر من كوكب آخر، ونسأل عندها ذواتنا السؤال المصيري: "ترى أين تكمن المشكلة، ولماذا لا نستطيع الوصول إلى صيغة تُرضي الطرفين؟".

يحفِّز هذا السؤال عقولنا على البحث والدراسة لفهم سيكولوجية الرجل والمرأة، فنكتشف أنَّ عقلية الرجل مختلفة تماماً عن المرأة، ولكل منهما أساليبه في التعامل مع التفاصيل، وأولوياته في الحياة، وطريقته في التعاطي مع الحب، واحتياجاته ورغباته.

يدخل أغلب الشركاء في العلاقة العاطفية بنيَّة الأخذ، وليس بنيَّة العطاء، وفي هذا إضرار بجوهر الحب؛ لأنَّ الأصل في الحب هو العطاء. ومن جهة أخرى، لا يدري الكثير من الناس الغاية الحقيقية من علاقاتهم العاطفية، فيقضون أيامهم في علاقة عاداتية دون أن يصلوا إلى العمق المطلوب منها، وعندها تتحول السكينة إلى مجرد منزل من جدران وأبواب، وتفقد المعنى الحقيقي لها.

يعتقد أغلب الناس أنَّ الحب لا يحتاج إلى أية أساسيات لخوض غماره، معتقدين أنَّ جمال الحب يكمن بمباغتتهِ واندفاعيته وتهوره وجنونه، غير واعين إلى أنَّ الحب الحقيقي يحتاج إلى أن يبني الإنسان ذاته أولاً، فمن لا يحب ذاته بالقدر الكافي لا يستطيع أن يحب الآخر، ومن لا يستطيع أن يبني علاقة حب صافية مع رب العالمين لن يستطيع بناء علاقة راقية مع الآخر؛ ولأنَّ الحب من أهم مفاصل الحياة، علينا أن نوليَه الأهمية الأكبر من ناحية الدراسة والتحضير؛ وذلك لأنَّنا نستحق أن نعيش حباً حقيقياً.

لذا ستكتشف من خلال هذا المقال إن كنت قادراً على بناء الحب الحقيقي.

ما هو الحب؟

الحب هو حالة من المشاعر الإيجابية الصرفة، حيث اللهفة والسعادة.

يدعوك الحب إلى التطور في كل يوم من حياتك، فأنتَ ملتزم بإسعاد الشخص المقابل التزاماً كاملاً، ويفرض عليك هذا الالتزام أن تدرس شخصية الشريك دراسة مستفيضة للتعرف إلى احتياجاته ورغباته وطرائق تعامله مع الأمور، فتنتقل العلاقة إلى بُعد أرقى وأوعى؛ إذ يكون عمادها هو الصدق والمسؤولية والالتزام والأمانة.

إذاً يقوم الحب الحقيقي على العطاء، وعلى النية الحقيقية بجعل الآخر سعيداً ومستمتعاً، أما مشاعر الألم والضيق والغيرة الشديدة فتأتي مع التعلق وليس الحب، لأنَّ الحب حالة إيجابية بامتياز.

هناك 3 مستويات للحب:

  1. الحب الجسدي: وهو أدنى مستويات الحب، إذ تغلب فيه الشهوة على العقل والروح، فيختار الشريك شريكه بناء على شكله وما يحققه له من إشباع جنسي، وتكون العلاقات التي تبنى بهذه الطريقة؛ قصيرة ومؤقتة.
  2. الحب العاطفي: وهو المستوى الأكثر رقياً ونضجاً في الحب، وهنا يمتزج العقل مع العاطفة، وتتصدر القيم العليا هذه العلاقة، فيطغى عليها الصدق والإخلاص والمسؤولية، فيشعر الرجل أنَّه المسؤول عن زوجته مسؤولية تامة، فيُشاركها اهتماماتها، ويحتوي نوبات غضبها، ويقدر آراءها، ويحترم شخصيتها، ويدعم شغفها، ويصدق في أقواله معها.
  3. الحب الروحاني: وهو أعلى مستويات الحب، وتصل إليه قلة قليلة من الناس، وهنا يصل الشريكان إلى انسجام رائع فيما بينهما، فيتصلان فيما بينهما وإن بعدت المسافة بينهما، فيحمل كل منهما الآخر في عقله وقلبه وروحه، ويحترم كلٌ منهما الآخر حتى في غيابه، وكأنَّ هناك رباطاً روحياً قوياً جداً يجعلهما يتنفَّسان القيم ذاتها، وينشدان المصير ذاته، والرسالة ذاتها.

شاهد بالفيديو: 5 علامات تدلّ على أنك وجدت شريك العمر

كيف تصل إلى مرحلة الحب الحقيقي؟

يستدعي الوصول إلى حالة الحب الحقيقي الكثير من عملية التحضير النفسي، فيجب عليك أن تعرف نفسك جيداً، وتحبها كثيراً، قبل أن تعيش علاقة عاطفية مع الجنس الآخر.

وقبل أن تعرف ذاتك، يجب عليك أن تبني علاقة طيبة وعميقة مع خالقك، فالحب الإلهي من أصدق أنواع الحب على وجه الأرض، وهو الذي يعلمنا الحب غير المشروط، والعطاء غير المحدود، إذ يعطي الله نعمه لعباده أجمع.

ولكي تصل إلى حالة إيجابية مع ذاتك، يجب عليك أن تحدد قيمك ورسالتك في الحياة، وأن تحترم ذاتك وتتقبل جانبك المظلم، وتلتزم بالتحسين والارتقاء يومياً في حياتك؛ وذلك لكي تقترب من ذاتك الحقيقية الشفافة، وتبتعد عن صورتك الوهمية المزيفة، لن تستطيع أن تقدم الحب للآخر؛ إلا إذا أُغرِمت بذاتك.

إقرأ أيضاً: كيف يُثري حب الله حياتنا؟

كيف لي أن أُعطِي الطرف الآخر الحب بالشكل الأمثل؟

يجب بداية أن تدخل العلاقة العاطفية بنية العطاء، لا بنية الأخذ، وهنا تسأل ذاتك سؤالاً هاماً: "ما الذي يريده الطرف الآخر مِنِّي؟"، وهنا تبدأ في دراسة سيكولوجية الطرف الآخر، وما هي مفاتيحه، وأسراره.

فيما يخص فهم سيكولوجية الرجل والمرأة، إليك النقاط التالية:

1. الأمان:

يُعدُّ الأمان القيمة العليا لدى المرأة؛ لذلك عليكَ أيها الرجل أن تعي هذه المسألة، وأن تُشعِرها في كل لحظة بأنَّك مسؤول عنها وعن إسعادها، وبأنَّك مستعد على الدوام على احتوائها.

فلا تحتاج المرأة إلى مالك ومنصبك وسيارتك وقصرك لكي تشعر بالأمان؛ بل تحتاج إلى احتوائك، وهنا لا بد من الإشارة إلى النوعية الخاصة التي تتميز بها الطاقة الأنثوية، فالمرأة كائن عاطفي بامتياز، وتمر بتقلبات في الحالة العاطفية صعوداً وهبوطاً، فعلى الزوج أن يحتوي المرأة في جميع حالاتها؛ على سبيل المثال: عندما تبدي المرأة غضبها من شيء ما، فإنَّها لا تحتاج أن يقدم لها الزوج حلولاً بل كل ما تحتاج إليه هو أن يحتويها ويتفهم حاجتها إلى الاطمئنان والأمان.

وإن نجح الزوج في أن يكون الملاذ الآمن لزوجته؛ عندها سيكون قادراً على إخراج أفضل ما لديها من صفات وأخلاق.

2. المادية مقابل العاطفة:

يُعدُّ الرجل كائناً مادياً، أي أنَّه يفضِّل الدفع على أمر له فائدة وديمومة وليس على أمر قد تنتهي صلاحيته بعد فترة قصيرة، فهو يربط بين المال والقيمة، ويعود تعلقه بالمال إلى المسؤوليات المالية الواقعة عليه، سواء في المنزل ومع المرأة والأولاد.

في حين أنَّ المرأة كائن عاطفي، وتعتاد على الأخذ المالي أكثر من العطاء المالي؛ لذلك لا تتعلق بقيمة الشيء المادية، بل برمزه العاطفي، فقد تفرح بعض النساء بوردة على سبيل المثال أكثر من فرحِهن بإسوارة من الذهب تُقدم لهن هديةً.

3. الإنجاز مقابل المشاركة:

يميل الرجل إلى التفاخر بإنجازاته، لأنَّ معيار الإنجاز من أهم المعايير الشخصية لديه، وينزع إلى الكلام بلغة الأنا، كأن يقول: "أنا فعلت المشروع"،أو "أرأيت ماذا فعلتُ في تلك القضية؟". في حين تميل المرأة إلى مشاركة إنجازاتها مع الآخرين، وتتكلم بلغة الجماعة؛ كأن تقول: "نحن فعلنا".

على المرأة أن تُحسِن التعامل مع الرجل، بطريقة ترفع من قيمة الإنجاز لديه، وتُقدِّر أفعاله وتشجعه على المزيد منها، ومن جهة أخرى، يرغب الرجل في أن يكون هو الأقوى في العلاقة؛ لذلك على المرأة أن تبين له أنَّه المتحكم في الأمور، وأنَّها تفعل ما يقوله، ولكن طبعاً مع المحافظة على رغباتها وحقوقها الشخصية.

4. العقلانية مقابل العاطفة:

يميل الرجل إلى المنطق، بالتالي يقع في مشكلات جمة مع المرأة العاطفية؛ لأنَّه يحاول أن يمنطق أحاسيسها وفصولها المختلفة المتناقضة، فهو لا يستطيع فهم الطاقة الأنثوية المختلفة تماماً عن طاقته؛ لذلك على الرجل ألا يتعامل مع عواطف المرأة بالمنطق، بل عليه أن يحتويها ويتقبل عواطفها فحسب؛ فعلى سبيل المثال قد تسأل المرأة الرجل: كيف حالك، فيُجيبها الرجل بكلمة واحدة: بخير، فهنا قد تغضب المرأة وتشعر بالضيق وبأنَّ زوجها لا يحبها ولا يشاركها تفاصيل يومه، لكونه لم يُجب سوى بكلمة واحدة.

لا يفهم الرجل التذبذب في العواطف الناتج عن حساسية المرأة، الأمر الذي يؤدي إلى المشكلات بينهما.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح فعّالة للتعامل مع المرأة التي تحبها

5. التركيز مقابل العشوائية:

يركز الرجل على هدفه، ولا يضيع وقته في التفاصيل الأخرى، بينما تميل المرأة إلى العشوائية، وتصنف طريقة تفكيرها على أنَّها عنكبوتية، أي أنَّها تفتح أكثر من حديث في أكثر من موضوع بذات الوقت، الأمر الذي يزعج الرجل ذي العقلية المركزة والموجهة.

لذلك يجب على المرأة أن تركز على موضوع واحد وألا تتشعب في موضوعات جانبية، ومن جهة أخرى، على المرأة أن تُدرِك العقلية الصندوقية لدى الرجل، فهو يملك صندوقاً خاصاً لكل أمر من أمور حياته؛ لذلك هو منظم وموجه، في حين تملك المرأة صندوقاً واحداً لكل شيء، الأمر الذي يجعلها تفكر في أكثر من موضوع بذات الوقت.

6. المساحة مقابل الكلام:

لدى الرجل مساحة تسمى اللاشيء، لا يتنازل عنها لأيٍ كان؛ إذ يأخذ قسطاً من الراحة فيها، ولا يفكر في أي شيء، ولا تستطيع المرأة فهم هذه الخاصية لدى الرجل، ولا تحترم حاجته إلى الصمت والهدوء، وتواظب على الكلام كعادتها، فهي تفرغ طاقتها من خلال الكلام، الأمر الذي يزعج الزوج، ويُفقِده إحساس السكينة في منزله.

ومن جهة أخرى، يعتزل الرجل الناس في حال تعرضه لمشكلة ما؛ لأنَّه يرغب في التفكير والتحليل بعيداً عن أي شخص؛ الأمر الذي تفسره المرأة على أنَّه قلة اهتمام بها وعدم ثقة بآرائها؛ وذلك لأنَّها معتادة على الكلام والتعبير في حال حدوث أي مشكلة معها.

7. الاستماع مقابل الحلول:

تعشق المرأة مَن يُحسِن الاستماع إلى حديثها وأفكارها، ولا تنتظر حلولاً من الرجل عندما تتحدث إليه عن مشكلة من مشكلاتها، فهي ترغب فقط في الإفضاء والتفريغ.

ولا يعي الرجل هذه المسألة لدى المرأة؛ لأنَّه معتاد ألا يتكلم عن مشكلاته إلا إذا كان بحاجة إلى مساعدة، فيندفع إلى اقتراح كمية كبيرة من الحلول لمعالجة مشكلة زوجته، الأمر الذي يشعر المرأة بالغضب.

8. الكلام العاطفي مقابل الفعل:

تعبِّر المرأة عن مشاعرها بالكلام الجميل والغزل، بينما يعبِّر الرجل عن حبه من خلال الفعل؛ لذلك يجب على المرأة ألا تنزعج من زوجها إن لم يكن بارعاً في الكلام الرومنسي؛ لأنَّه يعبر عن حبه من خلال تأمين كل متطلباتها، ومن خلال التفكير في الذهاب في رحلة سياحية إلى مدينة جميلة.

9. الطريقة المباشرة مقابل الإيحاء:

يتعامل الرجل مع الأسلوب الموجز والمركز في الحديث، في حين تعتمد المرأة في حديثها على التلميح والطرائق غير المباشرة، الأمر الذي يوقِع مشكلات بينهما. فعلى المرأة أن تطلب من زوجها بطريقة مباشرة، كأن تقول له: "من فضلك، أحضر الأولاد من المدرسة"، ولا تقول له: "إنَّها الساعة الواحدة ظهراً؛ موعد انتهاء المدرسة، وأنا متعبة".

ومن جهة أخرى، على الرجل والمرأة أن يُحافظا على التواصل البصري في أثناء الحديث، فمن شأن ذلك أن يقوي العلاقة العاطفية بينهما.

10. المقاطعة مقابل التفاعل:

يعشق الرجل والمرأة الاحترام، ويشعر الرجل بقلة الإحترام في حال مقاطعته في أثناء حديثه؛ ولأنَّ المرأة كائن عاطفي وانفعالي وعقليتها عنكبوتية متشعبة، فتأتي الأفكار إليها بسرعة كبيرة، وترغب في إخراجها بمنتهى السرعة؛ لذلك قد تقاطع حديث الرجل دون قصد منها، وذلك رغبةً منها في المشاركة والتفاعل في حديثه، ولا يستطيع الرجل ذو العقلية التحليلية، الموجهة، والمنطقية تفهُّم ذلك، الأمر الذي يوقع مشكلات بين الطرفين.

إقرأ أيضاً: الاحتياجات النفسية للرجل والمرأة، من أجل علاقة زوجية ناجحة

11. التقبل مقابل الرغبة في التحسين:

تميل الأنثى إلى الانتقاد وإلى جعل الرجل نسخة كربونية من متطلباتها ومعاييرها، في حين أنَّ شعور التقبل من أقوى الاحتياجات النفسية لدى الرجل.

يفهم الرجل أنَّه غير نافع وغير كفء، حينما تحاول المرأة تغييره وتحسينه؛ لذلك على المرأة تقبل الرجل كما هو، وتشجيعه على ما يقوم به بدلاً من انتقاده طوال الوقت.

 

الخلاصة:

يتطلب الحب الحقيقي عملاً وجهداً وسعياً، فعلى الشخص أن يحب خالقه أولاً ومن ثم ذاته، وينتقل بعد ذلك إلى دراسة الطرف الآخر لكي يحسن التعامل معه؛ وإعطائه احتياجاته ورغباته النفسية بمنتهى الصدق والمسؤولية، وصولاً إلى علاقة راقية، واعية وناضجة وحقيقية.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8




مقالات مرتبطة