نظام الحوافز ليس بديلاً عن الإدارة الجيدة

طوال عقدين من الزمن، صمَّمتُ أنظمة إدارة التعويض والأداء من أجل الشركات الكبرى والمتوسطة، واقتنعتُ بفكرة أنَّه بعد عامين أو ثلاثة أعوام، سيأخذ النظام مجراه؛ وأولئك الذين أرادوا القيام بذلك اكتشفوا طريقةً لقلبِ الأمور لمصلحتهم، وحوَّلوا ما كان من المفترض أن يكون نظاماً عادلاً إلى ما يخدم مصلحتهم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن "كارول أندرسون" (Carol Anderson) مؤسِّسة ومديرة شركة "أندرسون بيرفورمانس بارتنرز" (Anderson Performance Partners)، وتُحدِّثنا فيه عن أهمية الإدارة الجيدة.

دفعَتني تقييمات الأداء الكمية إلى الجنون؛ إذ يحدد القادة التصنيف العام الذي يريدونه، ثم يعدِّلون التصنيفات الفردية حتى يتمكنوا من زيادة الرواتب بالنسب التي تناسبهم.

قبل أشهر عدة، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" (The Wall Street Journal) مقالاً عن تعلُّم الشركات طريقة للتلاعب في نتائج استطلاعات شركة "غلاس دور" (Glassdoor)؛ حيث شجعت شركات مثل "سبيس إكس" (SpaceX) و"ساب" (SAP) و"لينكد إن" (LinkedIn) و"أنثيم" (Anthem) الأشخاص على ترك تقييمات ممتازة؛ وهذا تسبب في ارتفاع غير طبيعي في تصنيفاتهم.

أكد المديرون التنفيذيون الذين سُئلوا عن هذه الممارسة أنَّ التقييمات على الموقع لا تمثِّل شركاتهم؛ لذلك أصلحوها؛ أي أنَّ تلك الأنظمة التي تهدف إلى توفير بيانات مفيدة وغير متحيزة يمكن التلاعب بها.

لقد فكرت بفكرة مزعجة أخرى عندما صمَّمتُ خطط التعويض، وهي أنَّ رعاة هذه الخطة أرادوا استبدال النظام إلى الإشراف اليومي؛ فكيف نتأكد من التزام المحاسبين من خلال وضع خطة حوافز؟ وهل يحقق المحاسبون التوازن؟

تصبح الخطة معقدة جداً لدرجة أنَّنا نحتاج إلى اثنين من محللي الموظفين ليتشاركا في تتبعها وإدارتها، وتكون غير مفهومة للمدير، ويقضي وقتاً أطول في شرح الخطة بدلاً من تصحيح السلوكات الخاطئة.

التحفيز

لا يوجد بديل عن القيادة:

أرى أسلوباً آخر متَّبعاً؛ إذ يبدو أنَّ هناك قيمة أكبر تُعطى للأنظمة لإدارة السلوك أكثر من ملاحظات القيادة والكوتشينغ والتغذية الراجعة؛ فالنظم هامة جداً في المنظمة؛ إذ يضعون الحدود ويوصلون القيم ويشجعون على السلوك المناسب بينما يوقفون السلوك الذي يتعارض مع المهمة، ومع ذلك، فهي ليست بديلاً عن القيادة؛ لذا يجب أن يكون الاستعمال الفعال وفي الوقت المناسب للأنظمة التنظيمية هو الكفاءة التي يُسأل عنها القادة؛ فكيف يمكن للمؤسسة بناء المساءلة في أنظمتها بحيث تكون البيانات والنتائج دقيقة دون أن يتلاعب بها أي أحد؟ فيما يأتي أربع طرائق:

1. فهم الغرض من النظام:

الأنظمة لها غرض، وإلا فهي مضيعة للوقت؛ لذا يجب أن يفهم فريق القيادة بوضوح الهدف من النظام والقواعد الموضوعة لتشكيل السلوك التنظيمي، وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون الهدف هو تحسين أو تنمية الأعمال التجارية، وأي هدف آخر ليس هاماً بما فيه الكفاية؛ فقبل تقديم أي نظام، يجب تحديد الهدف والتوقعات والنتائج بوضوح والاتفاق عليها من قِبل جميع المساهمين في صنع القرار القيادي.

على سبيل المثال، إدارة الأداء؛ هناك العديد من الأهداف الممكنة لإدارة الأداء، من الأجر المتساوي والعادل، إلى التحكم بنفقات الموظفين، إلى الاستثمار في نمو القوى العاملة وتطويرها، ويحتاج كل هدف إلى مبرر واضح وتأثير مالي متوقع؛ فعليك أن تضع في الحسبان أنَّ كل ساعة تقضيها على النظام تكلِّف المال ويجب أن توفر عائداً مالياً.

شاهد بالفديو: 7 خطوات تضمن لك التّحفيز الذاتي للنجاح

2. الوضوح بشأن السلوك القيادي المطلوب:

يجب أن يكون القادة مسؤولين عن نزاهة أي نظام تنظيمي؛ أي يجب عليهم التأكد من أنَّ النظام يفي بالهدف المراد، ولكي يحدث ذلك، يجب أن يفهموا دورهم بصفتهم قادة. وللاستمرار في إدارة الأداء، يجب على القائد أن يكون عادلاً وجاذباً للمواهب وتطويرها وإدارة الجدوى المالية لجميع الأقسام، وفي بعض الأحيان تتعارض هذه الأدوار.

وقد يبدو الأمر كما لو أنَّ الضوابط المالية أو نفقات الموظفين تتعارض مع جذب الأفضل والاحتفاظ بهم، ولكن ليس سراً أنَّ التعويض ليس وسيلة لإشراك الموظفين، فإذا كان الهدف من النظام هو التحكم بنفقات الموظفين ونموهم وتطويرهم، فإنَّ سلوكات القيادة ضرورية. ولتحقيق النمو والتنمية، يجب على القادة القيام بدور نشط في تحديد التوقعات والكوتشينغ والتدريب ومحاسبة فرقهم؛ فإذا لم يكن القادة مسؤولين عن تشكيل السلوكات، فكيف تتوقع أن يخدم النظام غرضه؟

3. قياس نزاهة النظام بانتظام:

يريد القادة عموماً القيادة بفاعلية، ولكن في بعض الأحيان يمنعهم الانشغال أو المشكلات الشخصية من القيام بأدوار منهجية هامة، كما أنَّه من الطبيعة البشرية المماطلة في القيام بأشياء لا نحبها؛ وفي أغلب الأحيان يكون الكوتشينغ والتغذية الراجعة ضمن قائمة الأمور التي يماطلون فيها.

وللقول المأثور: "افحص ما تتوقعه" ميزة؛ فعندما أعلم أنَّ سلوكاتي التي أُبديها مثل الكوتشينغ والتغذية الراجعة موضع مراقبة، أضطر إلى الخروج من منطقة راحتي، ولا يمكن أن يكون القياس كمياً فقط؛ فالأرقام توضح فقط جزءاً من المعطيات الدقيقة.

إذاً؛ فما هي نتائج أدوات القياس الأخرى؟ إذا كان الهدف من النظام هو تطوير القوى العاملة وتنميتها، فهل يوضح الاستطلاع السنوي للموظفين أنَّهم يشعرون كما لو أنَّهم يتطورون وينمون؟

مثل إدارة الأداء؛ يُعَدُّ إجراء استطلاع على الموظفين نظاماً تنظيمياً يجب أن يكون له هدف واضح؛ إذاً، لماذا نتعب أنفسنا ونسأل هذه الأسئلة؟ إذا كان الهدف هو التحقق من مستويات التفاعل والالتزام للموظفين، فهذه بيانات مفيدة.

4. الوضوح في الهدف:

في بعض الأحيان تُنفَّذ الأنظمة دون هدف واضح، وما يجري هو فقط تطوير عمليات مرهقة إدارياً وغير مفيدة؛ فإذا لم تنتج الأنظمة النتائج المتوقعة، فقد حان الوقت للعودة إلى الأساسيات، وتحديد الهدف وسلوكات القيادة، وإنشاء نظام يحقق النتائج المرجوة؛ فالأنظمة دون قيادة فعالة، قد تحقق أو لا تحقق النتائج المرجوة.

إقرأ أيضاً: 14 سمة قيادية فعالة يمتلكها جميع القادة العظماء

ضرورة وجود قيادة قوية:

خلال الوقت الذي صمَّمتُ فيه برامج الرواتب والأداء، انتقل رعاة الخطة إلى أشياء أخرى تتطلب اهتمامهم، ولم يسعوا أبداً إلى معرفة ما إذا كانت السلوكات قد تغيرت، وبالتأكيد، اهتموا بالأهداف المالية، لكنَّهم نادراً ما يهتمون بأكثر من ذلك ليسألوا لماذا حُقِّق الهدف أو لم يُحقَّق، وعادة يعدِّلون النظام فقط.

وفيما يتعلق باستطلاعات شركة "غلاس دور" (Glassdoor) وأنظمة التصنيف المفتوحة الأخرى، فتحت التكنولوجيا الباب للجميع ليكون لهم صوت، ومن المشكوك فيه أن تُسكَت هذه الأصوات. ومع ذلك، إذا كانت المؤسسات تولي اهتماماً كبيراً للهدف من الأنظمة الموجودة لديها، ومحاسبة القادة على سلوكهم، والقياس باستمرار للنتائج الكمية والنوعية التي ينتجها النظام؛ فقد لا تضطر إلى التلاعب بتقييمات استطلاعات شركة "غلاس دور"، وقد يجدون أنفسهم فقط يقومون بواجباتهم.

المصدر




مقالات مرتبطة