من الجيل إكس إلى الجيل زد: بناء علاقات قوية في ظل الهوة بين الأجيال

عندما أجريتُ الكثير من المحادثات مع ابنتي وهي في المرحلة الجامعية، فهمتُ قيمة العلاقات المهنية فهماً أفضل وأعدتُ تقييم المناهج الاستراتيجية والشخصية لتحقيق أقصى استفادة من هذه العلاقات التي لا تُقدَّر بثمن.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن جيف ووكر (Jeff Walker) والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في بناء العلاقات في القرن الحادي والعشرين.

تكمل ابنتي الكبرى، وهي إحدى أختَين توأمَين عزيزتَين على قلبي، الفصل الدراسي الأخير في كلية بروفيدنس (Providence College)، وهي تشعر بالإثارة من جهة وبالرهبة من جهةٍ أخرى، فلقد شعرنا بالذهول من السرعة التي يمر بها الوقت عندما نتحدث، ولكن أيضاً بشيء من السعادة، ربما للمرة الأولى تتفق أهدافنا، ولقد قدَّمتُ النصيحة لها كالعادة: حافظي على تركيزك، وحسِّني سيرتك الذاتية، وامضي باندفاع لمستقبلك، أعلم أنَّ توجيهي سيكون مفيداً سواء أقرَّت بذلك أم لا، ولكن بينما هي تبدأ مسيرتها المهنية، وأنا أخوض مرحلةً جديدة من عملي، أدهشني ما نتعلمه من بعضنا بعضاً لا سيَّما حول العلاقات في القرن الحادي والعشرين.

عندما كان أبنائي وبناتي الصغار في المدرسة الإعدادية، مثل العديد من الآباء، وجدتُ نفسي منزعجاً من الوقت والاهتمام الذي أَولَوه لأجهزتهم الإلكترونية، فقد يكون تصفُّح وسائل التواصل الاجتماعي ممتعاً بالنسبة إليهم، لكنَّ مراهقتهم لا تشبه مراهقتي بكل تأكيد، وفي الوقت نفسه، كنتُ أُطوِّر شبكة علاقاتي عبر الإنترنت مع الزملاء والأصدقاء في جميع أنحاء البلاد وحول العالم، وعندما كنا نلتقي مع الآخرين "وجهاً لوجه" لم تكن تنمية العلاقات أمراً ضرورياً؛ بل كان الأهم جعلها ذات منفعة متبادلة، كما نجح أطفالي، مثلما نجحتُ أنا، في بناء صداقات وخبرات مشتركة في عوالمهم الرقمية، وقد كانت حقيقيَّة مثل تلك التي بنوها مع الأصدقاء الذين قابلوهم في الحدائق.

على سبيل المثال: السبب وراء عمل شركتي "ستيلواغن فينتشرز" (Stellwagen Ventures) في قطاعات الموسيقى، والرياضة، والاستثمار، والإعلام، والترفيه، هو أنَّ أصدقاءنا يعملون في هذه المجالات أيضاً، ولقد طوَّرنا أنا وشريكي "ماثيو باكستر" (Matthew Baxter)، الخبرات المهنية والشخصية التي أدت إلى علاقات هامة جداً في العديد من المجالات، على سبيل المثال: قدَّم أحد أوائل المنتورز الذين عملتُ معهم "آدم بلوك" (Adam Block)، الذي عملتُ معه في أوائل التسعينات في شركة سوني ميوزك (Sony Music) (قبل ولادة بناتي حتى)، دعماً وأفكاراً لا تُقدَّر بثمن.

زودَتني الاستفادة من علاقاتٍ كالتي جمعتني مع آدم بخبرةٍ عمليَّةٍ بعيدة الأمد، لكنَّه قدَّم إلينا أيضاً نصائح وإرشادات لا تُقدَّر بثمن كنا بحاجة إليها لنمضي قدماً بتركيزٍ عالٍ، وبعد عقود من بناء العلاقات عبر شبكة الإنترنت وخارجها، كانت قيمة علاقاتنا أكبر مكسب لنا إلى حدٍّ كبير حقيقةً، فقد أدَّت إلى الصفقات المبكرة التي عززَت نموَّنا وصاغت رسالة شركتنا: التعاون الإبداعي لتحقيق النجاح المفيد للطرفين.

في أثناء الحديث مع ابنتي حول بحثها عن وظيفة والتفكير في الاستراتيجيات التي اتبعَتها لبناء العلاقات، برزَت بعض الأفكار الهامة حول مناهجنا، وعلى الرغم من فجوة الأجيال بيننا، أدركنا أنَّه لدينا الكثير لنكسبه من وجهات نظر بعضنا.

ملحوظة: الجيل إكس (X) (الفئات التي وُلِدَت ما بين أوائل الستينات إلى أوائل الثمانينات) والجيل زد (Z) (الفئات التي وُلِدَت منتصف التسعينات وحتى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين).

في أثناء بناء شبكة علاقات قوية للاستفادة منها، ضع في اعتبارك ما يلي:

1. التعامل بمصداقية:

يمكِن لابنتي وأصدقائها اكتشاف "التزييف" بسهولة مثلما يستطيع أفضل الفنانين في العالم اكتشاف استخدام خدع الفوتوشوب والفلاتر لطمس الواقع، كما ينتقدون تأثير ذلك في العقول والأجساد المتنامية، وإنَّهم يُفضِّلون الحضور الحقيقي عبر الإنترنت ومشاركة ذلك بمصداقية تامة، ما يُولِّد الثقة ويشجع على التفاعل الهادف الذي يكون أكثر فائدةً بكثير؛ إذ إنَّ المصداقية هي مفتاح النجاح.

إقرأ أيضاً: تعويذة القيادة: المصداقية

2. التعامل بشجاعة:

لقد أمضيتُ ثلاثين عاماً لتقوية مهارات الإقناع عبر المكالمات الهاتفية، لذلك أفهم أنَّه ليس بالأمر السهل، ولقد تعلمتُ أن أنظر إلى الأمر من منظور عدم وجود شيء لأخسره إذا كان أسوأ ما يمكِن أن يَحدث هو عدم الرد؛ فأنا لم أخسر شيئاً، وعلى الجانب الآخر، أتت بعض أكبر الانتصارات في مسيرتي المهنية، منذ التجارب التي خضتُها بعد الجامعة في مجال ترويج الموسيقا وحتى بداية عملي مع شركة "ستيلواغن فينتشرز"(Stellwagen Ventures)، من عملية تواصل أجريتُها مع معارف أحد أصدقائي، إذن عليك أن تكون جريئاً.

3. بذل الجهد لبناء العلاقات:

لا معنىً لتصفح المنشورات على الإنترنت بشكل عشوائي، هو أمر غير منطقي على أقل تقدير. فأنا أُذكِّر ابنتي بتخصيص ساعة أو أكثر كل يوم للتعرف إلى مزيدٍ من الأصدقاء والتعلم منهم مع الالتزام المدروس بالجوانب الأخرى في حياتها، من المدرسة إلى الرياضة، فلا تقتصر المسألة على الضغط على زر الإعجاب فحسب؛ بل ابحث وأرسِل طلبات تعارف دقيقة، وتعامَل مع المهمة بتركيز، لأنَّ هذا ما ستفعله عند البحث عن وظيفة.

4. تبادل الفائدة:

كن ذا قيمة لمَن حولك، وتميَّز، وقدِّم نصائحك ومساعدتك كلما أمكن ذلك، وعند توقُّف الرحلات والزيارات الجامعية، على سبيل المثال، أصبحت ابنتي وصديقاتها في موقع فريد يتيح لهم تبادل الأفكار الثمينة مع الطلاب الجدد، نظراً لأنَّها تستعين بعلاقاتها مع الخرِّيجين لتنمية علاقاتها، فإنَّها بدورها تُقدِّم المساعدة لقسم قبول الطلاب الجدد أو لأشقَّاء أقرانها الصغيرين الذين بدؤوا بحثهم عن الكلِّيَّة التي سيكملون دراستهم فيها، من خلال الحفاظ على التواصل عبر الإنترنت، وتمكَّنَت ابنتي وأقرانها من مساعدة الأصدقاء في جميع أنحاء البلاد والعالم وتلقِّي مساعدتهم، فمِن المفيد أن تخصص وقتاً لتكون متاحاً ومفيداً للآخرين.

5. الاهتمام بالتفاصيل:

يمكِن لبناتي قضاء ساعات من التسلية على تطبيقات وبرامج عبر الإنترنت، ولا ضير في ذلك، فإذا كان هناك مجال عمل، أو قائد فكري، أو اتجاه عمل، أو فكرة معيَّنة تثير فضولك، فعبِّر عن اهتمامك، واطرح أسئلةً على أصدقائك وتوسَّع في كل ما يثير الاهتمام، وعند التفكير في التواصل لمعرفة المزيد أو متابعة سؤال ما، كن دائماً منفتحاً وفضولياً.

إقرأ أيضاً: 7 أمور تشير إلى أنك شخص منفتح الذهن

6. الإصغاء الهادف:

أُخبر ابنتي ألا تقلق بشأن طلب اجتماع إعلامي، أو مكالمة هاتفية، أو اجتماع وجهاً لوجه، لسبب واحد محدد، يحب معظم الناس التحدث عما يفعلونه وكيف يفعلونه، والأمر الهام هو كيف نستمع لهم، وقبل إجراء محادثة، ابحث، وحدِّد أسئلتك وأهدافك، ودرِّب نفسك على الاستماع إلى تلك التفاصيل الصغيرة التي قد تفسح المجال لخطواتك التالية أو تكشف عن مشكلة لا يمكِن لأحد سواك حلها، حيث تصبح جلسة التواصل أكثر نجاحاً، ليس من خلال ما نقوله، ولكن من خلال ما نستمع إليه من حديث الآخرين، فلا تُقلِّل من أهمية كونك مستمعاً جيداً.

مع اقتراب موعد التخرج، تخوض ابنتي المرحلة التالية من حياتها بتفانٍ أفتخر به، فهذه العملية مرهقة وصعبة، لا سيَّما في هذه البيئة الحالية، حيث تُظهر البيانات أنَّ الفرصة التالية لها، وربما لنا جميعاً، ستأتي من العلاقات التي نبنيها وننظِّمها ونرعاها، إنَّها على وشك أن تبني علاقاتها، بينما أنا الآن أدرك لماذا قمتُ بالاهتمام بشبكة علاقاتي على مدار العشرين عاماً الماضية أو أكثر، كما يمكِن للأب أن يُعلِّم أطفاله شيئاً ما، ولكن فقط إذا تعلَّم من أبنائه أيضاً، وكذلك نصبح أقوى عندما يجمع الأجيال خبراتهم معاً، فقليلٌ من خبرات هذا الجيل وقليلٌ من خبرات ذاك الجيل يؤسس نهجاً متيناً لبناء العلاقات، وكلانا يمضي بتفاؤل مفعم بالأمل، والمصداقية، والعمل الجاد، والنوايا الحسنة الحقيقية في المساحات الرقمية التي نشأت ابنتي فيها والتي تكيَّفتُ أنا معها بسعادة، فنحن نتشارك في شيء واحد أكثر من أي شيء آخر: كلانا يعرف أنَّ المستقبل مشرق.

 

المصدر




مقالات مرتبطة