مقتطفات من كتاب الحكمة: الأسس العلمية للحكمة والتعاطف والخصال الحميدة

يشارك ديليب جيستي (Dilip Jeste)؛ أستاذ الطب النفسي وعلم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا-سان دييغو (University of California, San Diego)، ومدير مركز الشيخوخة الصحية (Healthy Aging) فيها والاختصاصي بالطب النفسي العصبي والمشكلات المرافقة للشيخوخة ورئيس الجمعية الأمريكية للطب النفسي (American Psychiatric Association) خمس أفكار رئيسة من كتابه الجديد: "الحكمة: الأسس العلمية للحكمة والتعاطف، وما الذي يجعلنا أشخاصاً صالحين" (Wiser: The Scientific Roots of Wisdom, Compassion, and What Makes Us Good) والذي ألَّفه مع الكاتب الرئيس للعيادة الطبية الأمريكية كويست (Quest)؛ سكوت لافيي (Scott LaFee).



إليك 5 أسس للحكمة والتعاطف والخصال الحميدة:

1. إذا كنت تعتقد أنَّك حكيم؛ فكِّر مرة أخرى:

إذا كنت تعتقد أنَّك حكيم فهذا يستدعي وجود أخبار سيئة وأخرى جيدة؛ الخبر السيئ هو أنَّه ما دمت تظن أنَّك حكيم فأنت في الحقيقة لست كذلك حيث قال سقراط (Socrates) جملته المشهورة: "إنَّ الحكمة الحقيقية الوحيدة هي في معرفة أنَّك لا تعرف إلا القليل"، أما فيما يتعلق بالخبر الجيد فهو أنَّه يمكنك أن تزيد من حكمتك سواء كنت صغيراً أم كبيراً، صحيحاً كنت أم تشكو من عجز جسدي؛ وذلك لأنَّه يمكن للشخص الحكيم أن يتعلَّم تقريباً من كل شخص يقابله ومن كل موقف يصادفه.

تعدُّ الحكمة سمةً شخصية فريدة تشتمل على مكونات محددة:

  1. التأمل الذاتي: أي معرفة نقاط قوتك وحدودك.
  2. التنظيم العاطفي: أي التحكم بعواطفك.
  3. التعاطف: أي فهم عواطف الآخرين ومساعدتهم.
  4. تحقيق التوازن بين قبول تنوُّع وجهات النظر والحزم.

وكغيرها من الصفات الشخصية الأخرى في الإمكان وضع مقياس للحكمة، ويمكنك الاستعانة بمقياس سان دييغو للحكمة ( San Diego Wisdom Scale) والذي طوَّره الدكتور جيستي (Jeste) مع فريقه ومن ثمَّ الاستفادة من النتائج لمعرفة الثغرات وأين يمكن أن تطوِّر وتحسِّن من نفسك، وتتمثل الخطوة الأولى في الاعتراف بحدودك سعياً إلى تطوير حكمتك.

إقرأ أيضاً: خذ الحكمة من أفواه العظماء

2. افهم نفسك فهماً أفضل:

غالباً ما نمتلك تصورات متحيزة عن أنفسنا ونميل عادة إلى أن نكون أفضل في تحديد نقاط ضعف الآخرين بدلاً من نقاط ضعفنا، فكيف نتعلَّم التفكير الذاتي المطلوب لتحسين حياتنا ونطبِّقه؟

تبدأ الخطوة الأولى بتخصيص بعض الوقت المنتظم للتفكير الهادئ والصادق، ويمكنك أن تفعل ذلك خلال وقت الغداء أو قبل الخلود إلى النوم أو حتى خلال ممارسة التمرينات الرياضية؛ لذا استخدم ذلك الوقت للتفكير في أحداث اليوم السابق والتركيز على الأشياء التي أزعجتك ثم استعرض تسلسل الأحداث دون إلقاء اللوم على نفسك أو على أحد آخر فوراً وخلال فترة من الزمن؛ ستجد أنماطاً متكررة يمكنك البدء بمعالجتها، على سبيل المثال؛ إذا وجدت أنَّك تشعر بالإحراج من خجلك فيمكنك أن تبدأ بصقل مهاراتك الاجتماعية.

من أفضل العادات لخفض مستوى التوتر والقلق والسلامة هو التأمل الذاتي الذي يعقبه التصحيح الذاتي؛ وذلك لأنَّك سيد نفسك وقبطان سفينتك لذا ينبغي أن تتأكد أنَّك على المسار الصحيح وأن تصحِّح مسارك إذا لزم الأمر؛ وذلك لأنَّ القرارات الجيدة تأتي من الخبرة ولن تحصل على الخبرة دون أن تتخذ قرارات سيئة.

3. لا تتسرع في الحكم على صحة القرار:

يقول الكاتب الأمريكي مارك تواين (Mark Twain): "تأتي القرارات الجيدة من الخبرة وتأتي الخبرة من اتخاذ القرارات السيئة"، وفي الواقع ليس هناك من قرار حكيم أو متسرع بالمطلق؛ وذلك لأنَّ النتيجة الآنية ليست النتيجة النهائية الحتمية دائماً.

إنَّ اتخاذ القرار يكون نابعاً من وجود قاعدة من الحقائق التي تساعد على اتخاذه ولكن إذا لم تحصل على النتائج المرجوة فلا تلُم نفسك؛ وذلك لأنَّ القرارات الخاطئة هي ما يدفعك إلى اتخاذ قرارات أفضل في المستقبل.

إذا كنت من مشجِّعي الرياضة؛ ستعي أنَّ على المدربين وحتى اللاعبين اتخاذ قرارات سريعة في كثير من الأحيان وأحياناً تكون هذه القرارات خاطئة بسبب سوء الحظ أو بسبب تحرُّك غير متوقع من اللاعب الخصم ولكنَّ اللاعب الكفؤ يتعلم من هذه العثرات ويتطوَّر؛ بل ويمكن أن تكون خسارة المباراة تحفيزاً للمباراة القادمة ومن ثمَّ فقد يتحول ما سبق أن كان قراراً خاطئاً (نقمة) لفترة وجيزة إلى نعمة.

إقرأ أيضاً: التسرع: أشكاله، وعواقبه، وطرق علاجه

4. اقضِ الوقت مع أناس مختلفين:

من الشائع أن نستمتع في قضاء الوقت مع أولئك الذين يشبهوننا في التفكير؛ إلا أنَّ هذا الميل هو ما يحدُّ نمونا الشخصي، ومن ثمَّ ينبغي أن نعمل ونقضي وقتاً مسلياً مع من يختلفون عنا وذلك لتوسيع آفاقنا الذهنية.

على سبيل المثال حاول أن تكون مع خليط من الناس من مختلف الأجيال؛ وذلك لأنَّ فئة الشباب تمثل الطاقة والفضول والحماسة وتعلُّم الأشياء الجديدة بسرعة بينما تكون فئة كبار السن متعاطفة وإيجابية وصارمة وتتقبَّل الشكوك في الحياة وذات ذكاء عاطفي، وقد أظهرت الأبحاث أنَّ النشاطات المشتركة بين الأجيال المختلفة تعود بالنفع والفائدة عليهم.

إنَّ التعاطف الشديد مع الآخرين دون التعاطف مع نفسك هو ما يحد من قدرتك على مساعدة الناس، وينطبق الشيء ذاته على التفاعل مع الأشخاص الذين لديهم نظم ومعتقدات مختلفة؛ وذلك لأنَّه في عالم اليوم الذي يميل إلى فئة دون الأخرى قد يكون من الصعب التواصل مع الناس الذين لديهم معتقدات مختلفة عن معتقداتك إلا أنَّ الأمر يستحق الجهد.

حاول أن تضع نفسك مكانهم وأن تعرف مصدر وجهة نظرهم دون التشكيك في دوافعهم، واطلب منهم أن يشرحوا منطقهم؛ وذلك لأنَّ اختلافهم عنك قد يساعدك على فهم المنطق الذي يتَّبعونه ومن ثمَّ قد تتوصلون إلى تعديل وجهات نظركم الخاصة أو تحسينها مما يجعل كليكما أكثر حكمة.

5. خذ احتياطاتك قبل مساعدة الآخرين:

في اللحظة التي تكون جالساً في مقعدك على متن الطائرة وهي على وشك الإقلاع، تستمع للفيديو الذي يخبرك ما الذي ينبغي فعله عندما ينخفض ضغط الهواء فجأة، وكيف يجب أن تضع القناع أولاً قبل تقديم العون إلى طفلك أو أحد من الجالسين قربك، وعلى الرغم من أنانية الفكرة إلا أنَّها تحمل في طياتها فكرة هامة؛ حيث إنَّك تستطيع وضع قناع الأوكسجين الخاص بك في خمس ثوان ثم إيجاد وقت لمساعدة طفلك والشخص في الطرف المقابل؛ وبعبارة أخرى: إنَّ مساعدة نفسك أولاً تمكِّنك من مساعدة الآخرين.

يعدُّ التعاطف والرحمة من أقوى دوافع الحكمة؛ حيث إنَّنا كائنات اجتماعية يتعين علينا أن نساعد بعضنا بعضاً على الازدهار كأفراد ومجتمعات ونوع، وهذا يشمل أيضاً التعاطف مع الذات؛ لذا كن لطيفاً مع نفسك وتعلَّم أن تعتني بها إذا كنت تريد مساعدة الآخرين؛ وذلك لأنَّ التعاطف الشديد تجاه الآخرين دون التعاطف تجاه نفسك سيحدُّ من قدرتك على مساعدة الناس، وبطبيعة الحال قد يؤدي الإفراط في التعاطف مع الذات إلى النرجسية، والتي تعدُّ صفة مذمومة، ومن ثمَّ فإنَّ المطلوب هو التوازن بين التعاطف تجاه الآخرين والتعاطف تجاه نفسك.

المصدر




مقالات مرتبطة