مفهوم رأس المال الاجتماعي: أنواعه وأمثلة عنه

يُعَدُّ مفهوم رأس المال الاجتماعي واحداً من المفاهيم التي بدأت تحصد شهرتها في الآونة الأخيرة على الرغم من أنَّ الأبحاث تشير إلى وجود جذور عميقة له في التاريخ، ويمكن إرجاع هذه الشهرة إلى ارتباطه بمجموعة من المفاهيم مثل الديمقراطية والمجتمع المدني والحكم الرشيد، ومن المعروف أنَّ الإنسان كائن اجتماعي بطبعه ولا يمكن له العيش منعزلاً؛ بل تجمعه مع الآخرين علاقات اجتماعية تقوم على الاعتماد المتبادل أو يؤثر ويتأثر في الآخرين، فشبكات العلاقات تؤثر في إنتاجية الفرد والجماعات أيضاً.



مفهوم رأس المال الاجتماعي:

يُرجع بعضهم تاريخ مفهوم رأس المال الاجتماعي إلى كتابات (TOUKFIL) في القرن التاسع عشر؛ إذ تناول في كتاباته موضوع الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أرجع الديمقراطية إلى مشاركة المواطنين في الحياة الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي الكبير بينهم، وهذه القيم تمثل أساس رأس المال الاجتماعي، بينما يرى آخرون أنَّ أصوله تعود إلى القرن العشرين وتحديداً إلى كتابات "هانيفان" (HANIFAN) الذي ربط بين رأس المال الاجتماعي وبين ممارسات اجتماعية تتم في جماعة محددة.

مع استمرار محاولات التوسع في هذا المفهوم، إلا أنَّ الاهتمام الحقيقي به لم يكن إلا في أواخر السبعينيات من القرن المنصرم مع كتابات الفرنسي (PIER PERDIOU) الذي تناول رأس المال بوصفه جزءاً من نظريته التي تحدَّث فيها عن أنواع المال وتحولاته، وقال عنه إنَّه "مجموع الموارد الفعلية التي يمتلكها الفرد من امتلاكه شبكة قوية من العلاقات والاعتراف المتبادل".

جاءت كتابات (james coleman) في الثمانينيات؛ إذ تناول رأس المال الاجتماعي في إطار نظرية (الاختيار الرشيد) التي تناول فيها الربط بين الظواهر الاجتماعية والتقدم الاقتصادي، وقد تحدثت عنه المراكز البحثية والجامعات والمنظمات الدولية من أمثال البنك الدولي، وتوجد مجموعة من التعريفات التي يمكن ذكرها عنه توضح معنى رأس المال الاجتماعي:

1. رأس المال الاجتماعي:

مصطلح اجتماعي يدل على قيمة العلاقات الاجتماعية وفاعليتها ودور التعاون والثقة في تحقيق الأهداف الاقتصادية، ويُستخدم المصطلح في معظم العلوم الاجتماعية لتحديد أهمية جوانبه المختلفة، وبمفهوم عام فإنَّه "الركيزة الأساسية للعلاقات الاجتماعية، ويتكون من مجموع الفوائد التي يمكن تحقيقها من خلال التعاون ما بين أفراد مجتمع ما وجماعاته وتفاصيل التعامل معه".

2. جيمس كولمان (James Coleman):

إنَّ تعريف رأس المال الاجتماعي يكون من خلال وظائفه، فهو ليس كياناً مفرداً ولكنَّه مجموعة متنوعة من الكيانات التي تمتلك صفتين مشتركتين كلتيهما تتألف وتتكون من شكل من أشكال البنية الاجتماعية، وتسهِّل وتمكِّن أفعالاً معينة بواسطة الأفراد داخل هذه البنية، كما يرى أنَّ رأس المال الاجتماعي منتج، ونستطيع من خلاله تحقيق غايات محددة، وأشار إلى أنَّ رأس المال الاجتماعي واحد من مصادر التنمية، ويمكن أن يمثل عنصر تطوير للأفراد، لا سيما فئة الأطفال والمراهقين ويساعدهم على تكوين رأس مالهم البشري.

3. فلاب (Flap):

يرى أنَّ رأس المال الاجتماعي يتضمن موارد اجتماعية يمكن حشدها وتعبئتها نحو تحقيق الأرباح والفوائد الكبيرة؛ إذ حدد ثلاثة عناصر رئيسة له:

  • الأول: عدد الأفراد الذين تتألف منهم الشبكة الاجتماعية ومدى استجابتهم لحاجة الآخرين لهم.
  • الثاني: قوة العلاقة التي تربط الأفراد مع بعضهم بعضاً والتي تؤثر في استعداد كل منهم لتقديم المساعدة للآخر.
  • الثالث: الموارد التي يمتلكها كل فرد في هذه الشبكة الاجتماعية.

4. عبد الحميد:

هو مجموعة العلاقات والروابط التي تنمو في إطار شبكة اجتماعية معينة يحكمها عدد من القيم والمعايير كالثقة والاحترام المتبادل والالتزام والتعاون.

5. بوريدو (Bourdieu):

رصيد اجتماعي من العلاقات والرموز يتفاعل مع الرصيد الذي يملكه الفرد من رأس المال المادي، فهو رصيد قابل للتداول والتراكم والاستخدام.

شاهد بالفديو: 10 قواعد مهمة لبناء علاقات إجتماعيّة ناجحة

6. بورتوس (Alejandro Portes) ولاندولت (Landolt):

القدرة على ضمان الموارد بواسطة العضوية في الشبكات الاجتماعية.

7. فوكوياما (Fukuyama):

وجود مجموعة معينة من القواعد أو المعايير غير الرسمية المشتركة بين أعضاء مجموعة تسمح بالتعاون بينهم وتقاسم القيم والمعايير التي تنتج رأس المال الاجتماعي، ويجب أن تشمل موضوعياً فضائل مثل سرد الحقائق واجتماع للالتزامات والمعاملة بالمثل.

8. رأس المال الاجتماعي:

يعني الاهتمام والثقة التي يوليها الفرد لزملائه ومدى استعداده للتقيد بمعايير السلوك التي تتحكم بالجماعة التي ينتمي إليها ومدى استعداده لمعاقبة الذين لا يتقيدون بتلك المعايير.

إقرأ أيضاً: فن التعامل بلباقة مع الآخرين

خصائص رأس المال الاجتماعي:

  1. رأس المال الاجتماعي هو مصدر من مصادر تحقيق الأهداف المجتمعية.
  2. رأس المال الاجتماعي ليس ملكية خاصة بفرد أو مؤسسة ما.
  3. رأس المال الاجتماعي يقوم أساساً على العلاقات الاجتماعية في المجتمع التي تكون مبنية على أساس التعاون وسيادة الاحترام بين أفراده.
  4. رأس المال الاجتماعي ليس بديلاً عن أيَّة صورة من صور رأس المال الأخرى؛ بل مكملاً لها.
  5. رأس المال الاجتماعي هو دليل تقدُّم الدول، فهو شرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة.
  6. رأس المال الاجتماعي يؤدي دوراً في جميع المجالات الاقتصادية والتعليمية والسياسية والاجتماعية وسواها.
  7. رأس المال الاجتماعي هو سبب من أسباب تماسك المجتمع ووحدته.
  8. رأس المال الاجتماعي يدعم ثقافة المجتمع المدني.
  9. رأس المال الاجتماعي هو أحد مقاييس سعادة المجتمعات ورفاهيتها.
  10. رأس المال الاجتماعي يتكون من خلال مجموعة من المصادر هي الدين والثقافة والأسرة والمجتمع المدني.
  11. رأس المال الاجتماعي عبارة عن منظومة إيجابية الأهداف وقابلة للقياس.
  12. رأس المال الاجتماعي يتكون من العلاقات الاجتماعية سواء الواقعية ضمن المجتمع، أم الإلكترونية التي تقام بواسطة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، أم بين الأفراد مع بعضهم، أم بين الأفراد والمؤسسات، أم بين المؤسسات بين بعضها سواء أكانت مدنية أم حكومية أم دولية.

أنواع رأس المال الاجتماعي:

صنف البنك الدولي في عام 2006 رأس المال الاجتماعي إلى:

1. رأس مال اجتماعي رسمي:

يشمل الروابط والعلاقات الاجتماعية التي تتكون في إطار أبنية اجتماعية رسمية كالمؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني.

2. رأس مال اجتماعي غير رسمي:

يُقصد به مجموعة الروابط والعلاقات الاجتماعية التي تتكون في إطار الأبنية الاجتماعية التقليدية غير الرسمية، مثل تجمعات الجيران والأصدقاء، ويسهم هذا النوع في تكوين نمط من الثقة لا يحفز على المشاركة في شؤون المجتمع ولا يتجاوز حدود العلاقات الأسرية وشبكات القرابة.

كما يصنف "بوتنام" (Putnam) رأس المال الاجتماعي إلى صنفين هما:

1. رأس مال اجتماعي خاص أو عابر:

يمثل الروابط الاجتماعية التي تتشكل في إطار أبنية اجتماعية مختلفة؛ إذ تقوم على وجود هدف عام يرتبط الأفراد من خلاله، وليس بناءً على الدين أو العرق أو الروابط التقليدية الأخرى؛ إذ يسهم هذا الارتباط في تعزيز الثقة المجتمعية.

2. رأس مال اجتماعي رابط:

يمثل العلاقات والروابط الاجتماعية التي تتشكل في إطار أبنية اجتماعية مغلقة، وتكون مبينة على أساس الروابط التقليدية، ولا توجد أو تتولد عند الجماعة النية في المشاركة في أي نشاط خارج نطاق جماعتهم.

شاهد بالفديو: ما هو علاج العزلة الاجتماعية؟

أمثلة عن رأس المال الاجتماعي:

1. صاحب محل حلويات:

إذا كنت تحب الحلويات وتتعامل مع محلات بعينها في كل مرة، فسوف تقوى علاقتك بصاحبها في كل مرة أكثر، ولربما تصل إلى مرحلة تحصل فيها على ميزات معينة مثل خصم أو تحصل على قطع مجانية أو غير ذلك.

2. عندما تنشأ علاقة جيدة مع جيرانك فإنَّك هنا تملك رأس مال اجتماعي جيد:

فعندما تحتاج إلى مساعدة وإن كانت حاجتك إلى كوب من السكر، فيمكنك قصدهم وتحقيق المنفعة المتوخاة منهم.

3. الأندية الثقافية:

التي تنقل المعارف والعلوم لروادها الذين يرتبطون معاً بروابط عديدة تحقق لهم المنفعة.

4. النشاطات الرياضية:

قد يُتخذ من النشاطات الرياضية لا سيما الجماهيرية منها مثل كرة القدم مكاناً مناسباً لالتقاء الأفراد الذين تنشأ بينهم علاقات الاعتماد المتبادل وتتحقق المنافع بينهم.

5. لعبة الغولف:

هذه اللعبة من الألعاب المشهورة ليس فقط لأنَّها من النشاطات الرياضية المعروفة؛ بل لأنَّها مكان من أفضل الأماكن التي يتكون فيها رأس مال اجتماعي قوي، فهي توصَف بأنَّها رياضة الرفاهية ووحي يجتمع من خلاله رجال الأعمال، وتكون محطة لتقوية علاقاتهم وتسهيل أعمالهم وتنميتها.

إقرأ أيضاً: 5 أمور يجب مراعاتها لتحقيق التواصل الفعّال

6. العلاقات التي تقوم على الروابط التقليدية:

مثل الصلة التي تربط فردين أو أكثر برابط الدين أو العرق أو الانتماء إلى مكان ما.

في الختام:

رأس المال الاجتماعي هو عبارة عن شبكة العلاقات الاجتماعية التي تتيح للأفراد من خلالها الحصول على المنافع من خلال استثمار هذه العلاقات التي يقيمونها مع بعضهم؛ إذ يحقق رأس المال الاجتماعي وظائف عدة منها تسهيل عملية وصول الأفراد إلى المعلومات، فكلما امتلك الفرد رأس مال اجتماعي أكبر حصل على معرفة أكثر.

كما يسهم امتلاكه في امتلاك سمات القيادة وفرض السيطرة، ويسهم رأس المال الاجتماعي في عملية المشاركة السياسية والتضامن الاجتماعي، فهو تفاعلي اجتماعي يؤدي دوراً محورياً في النشاطات الاجتماعية كافة وفي الحصول على العائد منها.




مقالات مرتبطة